قبل أيام قليلة، حقّق الهجوم المباغت الذي قاده كارل نجاحًا كبيرًا. ونتيجة لذلك، تراجع جيش تينتان قليلًا إلى الخلف.
تكرار الانتصارات رفع معنويات جنود الإمبراطورية كثيرًا، وها هم الآن يستعدّون لمعركة جديدة.
سادت أجواء مهيبة بين صفوف الجنود المنتظمين. فمنذ الفجر استيقظوا، تناولوا طعامًا مشبعًا، ثم تسلّحوا بكامل عدّتهم. وبعدها بدأوا التقدّم نحو السهل.
لم يتلقَّ المشاة سوى أمر واحد: التقدّم. فساروا في صفوف منتظمة، يقبضون على سيوفهم ورماحهم بوجوه متوترة، لكن من دون خوف، فقد محَت الانتصارات المتتالية أثر الرهبة من أعينهم.
بوووو―.
دوى صوت البوق طويلًا مرة واحدة، فتوقّف الجيش بأكمله في اللحظة نفسها.
شدّ كارل لجام فرسه وأوقفه. ويبدو أن جيش تينتان قد استعدّ هو الآخر لمواجهة الإمبراطورية في معركة حاسمة. ومن بعيد ظهرت هيئة القائد المعادي.
توقّف جيش تينتان كذلك، شاخصًا إلى جيش الإمبراطورية. وفجأة اندفع فارس من صفوفهم على صهوة جواده، وبيده رسالة رفعها عاليًا وبدأ يتلوها:
“اسمعوا يا جنود الإمبراطورية! لو أنّ الإمبراطورية أعادت لويس وستاين، اللتين كانتا يومًا ما من أراضي مملكة تينتان، لما كان هناك داعٍ للحرب. غير أنّ الإمبراطورية شنّت مرارًا هجمات على المملكة، واغتصبت أراضيها ظلمًا وعدوانًا. وها هي تينتان اليوم ترفع راية العصيان، وقد ضاقت ذرعًا بديكتاتورية الإمبراطورية الغادرة ــ”
شحاط!
طَرق!
“حتى هراؤهم يأتون به على نحو مبتكر.”
اندفع كارل على فرسه بسرعة البرق، ولوّح بسيفه الملطخ بالدماء بعدما طار رأس الفارس من ضربة واحدة.
“ووااااااا!”
ارتفعت صيحات الجنود الحلفاء عندما رأوا بأس كارل، فيما هوى جسد فارس تينتان بلا حول تحت قوائم فرسه. وامتلأ الميدان بأصوات جيش لوبريان الصاخبة.
“أعلِنوا للأعداء عظمة لوبريان، وشجاعة لوبريان، وصلابة لوبريان! كونوا أنتم سيف الإمبراطورية الذي يفني خصومها!”
تردّد صوت وليّ العهد في كل أرجاء الميدان. فقبض الجنود بأيدٍ أقوى على أسلحتهم.
وقبل أن يتمكّن تينتان من الرد، انطلقت جحافل الإمبراطورية بالهجوم. اندفع كارل ومعه بعض الفرسان في المقدمة على صهوات جيادهم، وفي الجهة الأخرى دوّى صراخ مماثل، وخرج فرسان العدو يهرولون إليهم.
تقدّم وليّ العهد نفسه إلى الخطوط الأمامية محاطًا بحرسه، يلوّح بسيفه. وبخروجه إلى المواجهة، اضطرّ رجال الإمبراطورة إلى الانخراط في القتال قسرًا، فلم يعد لهم مناص.
ألقى روديان نظرة سريعة ليتأكد من مواقع النبلاء، ثم حرّك فرسه ليلحق بكارل الذي كان قد ابتعد كثيرًا.
ومع بداية الاندفاع، كان كارل قد بدأ يبحث بعينيه عن ملك تينتان.
‘شعر أحمر… رأس أحمر.’
كان من المفترض أن يكون في المقدمة، لكن عينيه لم تقع على شخص يشبه الوصف الذي تلقّاه عن الملك. فقد كانت إيلينا قد أخبرته سابقًا بتفاصيل أوضح عن مظهر الملك سيدان، وقالت إن تحت عينه شامة صغيرة تشبه دمعة.
“أترى أنه لم يظهر بعد؟”
رفع كارل سيفه متأهبًا، فيما الفرسان الأعداء يقتربون منه بسرعة. وبحسب تقارير الجواسيس، فإن ملك تينتان قد تحرّك بالفعل إلى الحدود للمشاركة في الحرب، لكن لعلّه لم يصل بعد، أو أنّه يكتفي بإصدار الأوامر من الخلف.
ووووم―.
ووووم―.
بدأ سيف كارل يتلألأ بهالة بيضاء نقية.
“إنها الهالة! تراجعوا!”
صرخ جنود تينتان وقد رأوا السيف يتفجّر بالأورا البيضاء، فحاولوا الارتداد إلى الخلف، لكن ضغط جنودهم من الصفوف الخلفية دفعهم قسرًا إلى الأمام، نحو كارل.
“فات الأوان.”
ابتسم كارل ابتسامة باردة، وأطلق هالته إلى الأمام دفعة واحدة.
قووووم! كوااااااااااااااااااااااااااااااا!
تتابعت الانفجارات العنيفة كأنها قذائف اصطدمت بالبشر، فدوّى صخب هائل. وفي لحظات قليلة، سقط عشرات الجنود الذين كانوا يحيطون بكارل صرعى.
“أيها اللعين! سأقتلك!”
اندفع أحد فرسان تينتان بين الجنود المرتبكين الذين تراجعوا خوفًا من الأورا، ليشقّ الصفوف ويقترب من كارل. حاول الجنود التخلّي عن مواقعهم جانبًا لتفادي اصطدام جواده بهم.
وما إن اقترب، حتى هوى بسيفه نحو كارل. وعندها، استعاد الجنود الفارّون شجاعتهم تحت صرخاته، وأعادوا رفع أسلحتهم ليطوّقوا كارل من جديد.
تنان!
تَشَانغ!
صدّ كارل الضربات برفق وثبات، فيما كان يوجّه بصره بين الفينة والأخرى إلى أرجاء السهل المشتعل بالمعركة، يبحث عن ملك تينتان. كان واثقًا أنّه إن ظهر فلا بد أن يكون ممتطيًا صهوة جواده، غير أنّ أثره لم يُرَ بعد.
تكفّل الفرسان المحيطون بكارل بصدّ اندفاعات الجنود وأسنة السيوف.
“مولاي، لا أثر لملك تينتان. يبدو أنه لم يخرج إلى القتال.”
قالها أحد الفرسان وهو يراقب المشهد من جوار كارل. فأومأ الأخير برأسه.
“فلنتوغّل أكثر.”
“أمرٌك!”
شَقَّ كارل ورجاله طريقهم بلا تردد بين صفوف الأعداء، يقطّعونهم بسيوفهم. ومن بعيد، كان سيدان ملك تينتان يراقب ما يجري.
“مولاي، يجدر بكم الاحتماء تحسّبًا.”
“أتظن أنّهم سيصلون إلى هنا؟”
لم يكن الملك قد شارك في المعركة منذ بدايتها، بل وقف على مرتفع يطل على السهل من بعيد.
“حين يدركون أنّي لست في الميدان، فسيتراجعون. وإن استمرّوا بالقتال، فلا يهم. حتى لو هُزمنا، فلن نخسر شيئًا. فنحن لن نقبل بأي مطلب يفرضه الإمبراطور.”
ابتسم سيدان ببرود. فما زالت الأموال الطائلة التي حصل عليها من الإمبراطورة بين يديه، وقد وضع خططًا لاستنزاف الإمبراطورية شيئًا فشيئًا بتلك الثروة.
‘هذه ليست سوى تجربة لقياس الاحتمالات. والجنود هنا مجرد رعاع حُشروا حشرًا، فسواء ربحوا أم خسروا، الأمر سيّان.’
“يا لها من موهبة مثيرة للإعجاب.”
تمتم سيدان وهو يحدّق بالمكان الذي يشقّه كارل كمن يفتح فجوة وسط الجموع. كلما لوّح بسيفه، تساقط الجنود بالعشرات. بدا أنّ كارل يجول الميدان طولًا وعرضًا بحثًا عن شخص ما.
هزّ سيدان رأسه متهكّمًا:
“لا يبدو أنّه هنا بالفعل.”
في هذه الأثناء، أمر كارل رجاله:
“ابحثوا عن موقع مرتفع يمكن من خلاله الإشراف على ساحة القتال.”
فإن لم يخرج الملك، فلا بد أنه يراقب من بعيد. راود كارل شعور بأن خصمه يخفي نوايا ما، وأن لهذه المعركة غاية أبعد.
“سيدي القائد! هناك، على الجهة اليسرى!”
التفت كارل ليرى ثلاثة خيول على ربوة منخفضة، وأحدها يمتطيه رجل بدت هيئته غامضة من بعيد. قاس كارل المسافة بعينيه؛ لمطاردة الملك سيتعيّن عليه مغادرة ساحة المعركة بأكملها.
“لقد استخدم رأسه بدهاء.”
“أتطارده يا مولاي؟”
“سأتركه هذه المرّة.”
سأل الفرسان بحذر، فعضّ كارل على لسانه غيظًا.
“لكن اقتلوا جميع قادة تينتان. لا أريد لهم أن يعيدوا تنظيم صفوفهم سريعًا.”
“أمرك، سيدي!”
“إلى الأمام!”
التفت كارل بغيظ وهو ينظر إلى الملك الذي يبتعد، ثم حرك فرسه.
وانتهت المعركة الطويلة بانتصار جيش لوبريان. والشمس كانت تميل نحو المغيب.
ضغط كارل على مشاعره التي عصف بها الندم:
‘لو أنّي لم أترك المطاردة، لربما أمسكت بملك تينتان… لكنّ العودة لكانت مستحيلة قبل حلول الليل.’
‘مع ذلك، لربما شعر بالارتياح… لكن الغضب كان يتأجّج في داخله نحو ذلك الرجل الذي تجرّأ وأضمر مشاعر تجاه إيلينا.’
“جيش تينتان، استسلموا! من يستسلم ستُبقى له حياته!”
مع صرخة وليّ العهد، ألقى جنود تينتان أسلحتهم أرضًا واستسلموا. ثم سقطوا جاثين على ركبهم، مرهقين من القتال، مستسلمين بلا حول.
“أعيدوا تنظيم المعسكر، وأحصوا الأعداد!”
تحرّك قادة لوبريان بسرعة.
“استخرجوا قادة الأعداء. قيّدوا الأسرى، وانتقوا من يتولّى مراقبتهم.”
توالت الأوامر من الأعلى، فاستعاد الجنود وعيهم وانصرفوا ينفّذونها بحماسة. جنود الإمبراطورية، وقد غمرتهم نشوة النصر، لم يشعروا بثقل التعب وهم يلبّون نداء قادتهم.
وبينما كان كارل يراقب من بعيد ترتيب أرض المعركة، تقدّم نحو وليّ العهد الذي كان يتفقّد الأوضاع قبل أن يعود أدراجه إلى المعسكر. رافقه كارل وهو يحيط به لحمايته.
“لقد قُتل كلّ من يُظَنّ أنّه قائد. وإن كانوا فعلًا قادة، فجيشهم الآن يكاد يخلو ممّن يسيّره. أما ملك تينتان فقد عثرتُ عليه، لكنه لم يشارك في المعركة. كان يراقب من مكان آخر.”
أصغى روديان بصمت إلى تقرير كارل، وقد أثار استغرابه أنّ الملك لم يتحرك قط رغم سقوط قادته الواحد تلو الآخر.
“لماذا لم يتحرك ملك تينتان؟”
“قد يكون هدفه مجرد اختبار قوة الإمبراطورية، وربما أراد أمرًا آخر أعمق.”
“إنه رجل فرض نفسه ملكًا بعدما ظهر قبل موت سلفه ونال اعترافًا بالدم والعرق، فلا شك أنه يثق بنفسه ولا ينوي أن ينهزم بسهولة أمام الإمبراطورية.”
ربّت روديان على كتف كارل وقال:
“عُد أنت الآن. سأهتمّ ببقية الترتيبات.”
ثم غادر عائدًا إلى المعسكر.
“القتلى ألف، والجرحى ستمئة، منهم قرابة مئتين إصاباتهم خطيرة.”
كانت التقارير تتوالى على روديان بعد عودته من استراحة قصيرة. وقد فاق عدد الضحايا توقّعاته.
من بين عشرة آلاف جندي، قُتل ألف. ورغم أنّ العدو لم يتجاوز خمسة آلاف، أي نصف عددهم، فإن خسائر الإمبراطورية كانت جسيمة، مما دلّ على أنّ قوة تينتان لم تكن هينة.
“علينا أن نزيد من أوقات تدريب الجنود.”
وبعد أن أصدر أوامره، أمر كذلك بفتح المخزون من اللحم والخمر ليقدّمه للجنود الذين أبلوا حسن في المعركة.
“هاهاها! لقد كان رمحي الذي اخترق صدر جندي من تينتان!”
“كفّ عن التبجّح، ذاك إنجاز فارس آخر غيرك! أما أنت، فقد قضيت النهار تهرب بسلاحك وأنت ترتجف!”
تبادل الجنود النكات وهم يوزّعون بينهم اللحم والخمر. لم تكن الكميات كبيرة، لكنها كانت كافية لبثّ البهجة في القلوب، ومع التعب، سرعان ما استسلمت الأجساد للسكر بخمر قليل.
انطلقت الأغنية من فم جندي ما، لا يُعرف مَن كان أول من بدأها ولا متى، لكن سرعان ما ردّدها الجنود من كل صوب. كانت إحدى الأغاني التقليدية للوبريان. ابتدأت خافتة، ثم ارتفعت شيئًا فشيئًا حتى دوّت في أرجاء المعسكر وانتشرت بعيدًا.
وأمام خيام الجنود، كانت النيران تتّقد، فيما أخذت ليلة النصر تمتدّ وتزداد عمقًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات