“أرسل الكونت ستين رسالة يطالب فيها بسداد المال الذي اقترضه منه خلال هذا الشهر.”
“ماذا؟!”
في المكتبة المُستخدمة أيضًا كغرفة استقبال، كان الكونت لويس يقرأ الرسالة بحيرةٍ وهو يحك ذقنه. رغم مظهره البسيط وملابسه القديمة لكن الأنيقة، كان للكونت شعرٌ أسود وعينان سوداوان. على وجهه الذي تحمل بصبر تقلبات الزمن، علقت ابتسامةٌ عميقةٌ لكنها لطيفة.
دائمًا ما كان ينتظر حتى نهاية الشتاء، لكن هذه المرة وصلته الرسالة في الصباح الباكر يخبره فيها أن لديه أمورًا عاجلة في إقطاعيته ويطلب سداد الدفعة بسرعة. رغم أن عينيه كانتا مليئتين بالقلق، إلا أنه لم يبدُ متسرعًا أو متوترًا.
“حتى الطعام يكاد لا يكفي سكان الإقطاعية الآن، لا أعرف من أين سنجد المال…”
همس الكونت بكلمات محبطة، وفي مساء ذلك اليوم، اجتمع أفراد عائلة لويس الأربعة في غرفة الاستقبال الصغيرة.
“أين الأطفال؟”
“ممنوع مشاركة القُصّر.”
أجابت جين، الابنة الكبرى، بابتسامة لطيفة على سؤال إيلينا، الابنة الثالثة. من تعابير أختها التي بدت وكأنها تعرف شيئًا، أدركت إيلينا أنه لا يوجد ما قد يسبب مشكلة لإقطاعية لويس الهادئة إلا مسألة المال على الأرجح.
“إذن ما الأمر؟”
سألت كونتيسة لويس زوجها وهي تمسك بكوب من شاي الأعشاب الدافئ. كان الجو باردًا في الغرفة. كان ينبغي إضافة المزيد من الحطب، لكن المخزون كان على وشك النفاد، وكان عليهم الانتظار قليلًا قبل قطع المزيد من الأشجار.
“وصلنا اتصال من عائلة كونت ستين يطالبوننا بسداد المال الذي اقترضناه منهم الشتاء الماضي على الفور.”
“هذه مشكلة كبيرة.”
أجابت الكونتيسة بلهجة غير قلقة بينما تشرب الشاي. كانت تعتقد أن المشكلة ستُحل بطريقة ما، ثم تذكرت وضع عائلة لويس المالي والدين.
هذا سيكون صعبًا بعض الشيء.
بينما ترشف شايها، فكرت الكونتيسة في الذهاب إلى إقطاعية كبيرة قريبة للعمل كمُعلمة خصوصية. كان النبلاء دائمًا يرغبون في توفير أفضل المعلمين لأطفالهم. كونها عاشت في العاصمة قبل الانتقال إلى لويس، كانت الكونتيسة معلمة آداب مرغوبة من قبل السيدات المحيطات.
إذا أردت مساعدة في تحسين وضع معيشتنا المتواضع، فلا بد من العمل كمُعلمة. حتى لو كان ذلك يعني الذهاب إلى منزل الكونتيسة التي تثير المشاكل في كل لقاء. ربما لو تلقى ذلك الفتى المشاغب دروس آداب قاسية، فقد يتحسن قليلًا. فابتسمت الكونتيسة ابتسامة صغيرة.
“ديريك لا يزال يرسل راتبه من فرقة الفرسان، لكنه بالكاد يكفي لتغطية الدين وتكاليف الشتاء، ولا يوجد مصدر آخر للمال. الحل الأسرع يظل هو زواجي.”
“يا عزيزتي، الزواج ليس لعبة. لا يمكننا تزويجك لمجرد حل مشكلة المال.”
“كثيرون يتزوجون زواجًا تعاقديًا بين العائلات، وما المشكلة في ذلك؟”
“على الأقل في عهدي، لا أريد رؤية ذلك.”
بلهجة حنونة، حاولت الكونتيسة ثني ابنتها الكبرى عن خطتها الطموحة. رغم فقرهم، لم تكن ترغب في “بيع” ابنتها من أجل المال. وكانت تعلم أن زوجها سيوافقها الرأي في هذه المسألة.
“لا يوجد نجل من عائلة نبيلة يرغب في أن يصبح زوجًا مُدخلاً لعائلة لا تملك حتى خمسين منزلًا في إقطاعيتها.”
“ومع ذلك، قد يرغب شخص يحبك في الحصول على إقطاعية لويس.”
سكتت جين للحظة أمام كلام أمها المتفائل. كانت تعلم أن والديها تزوجا بحب وعلاقتهما جيدة، لكنها أيضًا أدركت أن هذا ليس أمرًا شائعًا.
كانت إقطاعية لويس تقع في سهل محاط بالجبال. لهذا السبب، كان الشتاء فيها قارس البرودة. ليس ذلك فحسب، بل لم يكن هناك أي طريقة لكسب المال خلال الشتاء في الإقطاعية. لذا لم يكن أمامهم خيار سوى اقتراض المال من عائلة كونت ستين كل شتاء.
“من المنطقي أنه لا توجد طريقة لنا للحصول على مئة قطعة ذهبية بهذه السرعة. حتى من الربيع إلى الخريف، بالكاد نتمكن من تغطية نفقات الإقطاعية.”
“لهذا اجتمعنا لنفكر في حل، أليس كذلك؟ جين، أتمنى أن تحظي بحياة زوجية سعيدة مثلنا.”
كانت عينا الكونت لويس تفيضان بحب الأب لابنته. أدركت جين أخيرًا أن رأيها – بالزواج من نبيل ثري أو تاجر – لن يُقبل.
“إذن سأتدخل أنا.”
“إيلينا، ألم تقولي أنك لا تريدين الكشف عن أنك سيدة سيف؟”
لم يكن الأمر مفاجئًا، ولكن بما أن عائلة ستين التي ساعدتهم دائمًا في الشتاء بحاجة ماسة للمال الآن، لم يكن هناك ما يمكن قوله. بالطبع أرادت عائلة لويس سداد الديون، لكنهم لم يكن لديهم مدخرات كافية.
فكرت إيلينا في أسرع طريقة لحل المشكلة:
“في هذه الظروف، ليس لدينا خيار. ربما الأفضل أن نعلن للأمبراطور ونحصل على لقب رسمي لاستلام الدعم المالي.”
“ليس اختيارًا حكيمًا أن تُظهري فجأة أنك سيدة سيف بينما لا نملك القوة الكافية لحمايتك.”
ضحك الكونت وهو يثني ابنته الثانية عن فكرتها العدوانية.
“إذا كنتم لا تريدون الزواج ولا الكشف عن كوني سيدة سيف، فما الحل إذن؟”
“علينا التفكير ببطء. فكونت ستين لا يستطيع فعل شيء بإقطاعيتنا لمجرد أننا لا نستطيع سداد المال فورًا.”
أطلقت إيلينا تنهيدة بعد أن رفض والداها الحلين الوحيدين المتاحين: تدخلها أو تدخل أختها. ولم يكن التوأم الصغيران قادرين على كسب المال بأي حال.
“كنت أكره الضجة فحسب، لذا لم أرغب في الإفصاح. لكن إذا كانت الإقطاعية في أزمة، فلا بد من تحمل ذلك.”
“أوه، يا طفلي! متى أجبرناك على تحمل ما تكرهين؟”
صفعت الكونتيسة ابنتها بلطف على ذراعها وهي تعاتبها. لم تتحرك إيلينا لتتجنب لمسة أمها الحنونة.
“أمك محقة. حتى لو أعلنتِ الآن أنكِ سيدة سيف ، سيستغرق الأمر وقتًا لإثبات ذلك. كما أننا لا نعرف ما هو اللقب الذي سيمنحه جلالة الإمبراطور. إذا كان لقبًا وإقطاعية غير ملائمين، فسيكون ذلك مجرد عبء إضافي. وأنتِ لا تحبين التعامل مع الأوراق الرسمية.”
“يُقال إن سيدة السيف تساوي مئة رجل، ألا يكفي أن تهزمي مئة فارس من فرسان القصر ليتم الاعتراف بكِ؟”
“علينا أن نأمل أن القصر لن يتحقق من ذلك بهذه الطريقة الفظة. وإذا منحوكِ قلعة جديدة، فلن يكون ذلك مفيدًا كثيرًا.”
كانت أختها على حق. إذا حصلت على لقب جديد، سيتعين عليها إدارة عائلتين في نفس الوقت، مما سيزيد من أعبائها. أدركت إيلينا أخيرًا أن الوقت قد حان لتتحرك هي.
“أولًا، سأذهب إلى الإقطاعية القريبة…”
“سأبحث عن عمل في العاصمة مثل ديريك.”
تدخلت إيلينا بسرعة عندما ذكرت والدتها العمل. لم تكن لتسمح لوالدتها المسنة بالعمل.
“هل هناك عمل مناسب؟”
“قبل فترة، رأيت إعلانًا في الجريدة يقول إن عائلة دوق بيكمان تبحث عن أشخاص.”
“لتكوني خادمة؟”
“نعم. يبدو من إعلان التوظيف أن المزايا رائعة جدًا.”
شرحت إيلينا ما تعرفه عن عائلة دوق بيكمان. كانت العائلة توفر التعليم الأساسي وتدريبًا في فنون القتال لخدمها.
شعرت أن بإمكانها التخفي كسيدة سيف دون أن يكتشفها أحد. فهي لن تنضم إلى فرقة الفرسان، وسيكون راتبها مرتفعًا بما يكفي لسداد دين عائلة الكونت في غضون بضعة أشهر.
“كم تتقاضى خادمة القصر في العاصمة شهريًا؟”
“إذا تم قبولكِ كخادمة، فستحصلين على راتب تدريب قدره قطعتان ذهبيتان فقط شهريًا. هذا يكفي لعدة أشهر من معيشة العامة.”
“قطعتان ذهبيتان فقط؟ سيستغرق الأمر خمس سنوات لسداد دين عائلة كونت ستين. سيكون الزواج والحصول على المال من الزوج أسرع.”
“لكن عائلة الدوق كريمة مع خدمها. فبالإضافة إلى زيادة الراتب السنوي، إذا أخبرتهم أنكِ بحاجة ماسة للمال، فإنهم يقدمون قروضًا.”
توقفت العائلة عن الحركة عند كلمات إيلينا الواثقة. شعر الجميع بشيء غريب. لم يكن من المعتاد أن تُكتب مثل هذه التفاصيل الدقيقة في الجريدة.
“لا يبدو هذا فكرة جيدة.”
فكر الجميع في الغرفة باستثناء إيلينا. كانوا قلقين من أنها قد لا تكون جيدة في العمل كخادمة.
“إذا حصلتِ على قرض، هل تنوين البقاء في العاصمة لسداد القرض؟”
“نعم. يمكنني العمل وسداد القرض وإرسال المال إلى المنزل أيضًا، لذا أعتقد أنها أسرع حل.”
ابتسمت الكونتيسة لويس بشكل محرج عند كلمات ابنتها. لم يكن هناك شخص جريء في العاصمة سيجرؤ على استغلال ابنتها، لكنها كانت قلقة من أن تتمكن إيلينا من التكيف في العاصمة. وكانت جين تشعر بالمثل.
“إيلينا، ماذا لو… ماذا لو…”
“نعم.”
“في حال… حقاً في حال…”
“ما هذا التأخير في الكلام؟ ماذا تريدين أن تقولي؟”
“ماذا ستفعلين لو حصل شجار مع أحد في العاصمة، أو صادفتِ مجموعة من المشاغبين في زقاق؟”
“أتريد الموت؟ هل هم من الذين يحملون ضغينه للعالم؟”
كان السؤال مجرد احتياط… لكن إجابة إيلينا جعلت جين تتنهد بعمق. ليس كل من يفتعل المشاكل يكون مستعداً للموت.
في العاصمة لا يجوز قتل الناس، بل حتى في إقطاعية لويس ممنوع قتل الناس دون سبب. تحت نظرة جين التي تقول: “لم تقتلي أحداً أليس كذلك؟”، هزت إيلينا رأسها ببراءة.
“بما أنها ليست إقطاعية لويس، فلا يمكنني التصرف كما أفعل هنا. لدي الحد الأدنى من الفطنة. سأكتفي بإصابتهم إصابات طفيفة.”
كلا! هذا أيضاً خطأ. هزت جين رأسها.
تبادل الكونت و الكونتيسة نظرات بينهما. إيلينا كانت هادئة و متزنة عموماً، لكن كان لديها جانبٌ مغامرٌ لا ترفض أي شجار يطرق بابها. رفع الزوجان فناجينهما في نفس اللحظة، عاهدين نفسيهما على منع ابنتهم من الذهاب إلى العاصمة بأي ثمن.
“حسناً، سؤال آخر افتراضي…”
“أختي، حتى لو دخلت كخادمة، لدي ما يكفي من الذكاء لأتصرف بشكل معقول.”
“أنتِ… ستكونين بخير. لكن ماذا لو أمركِ رئيسكِ في العمل بأمر غير عادل؟”
“سمعت أن عائلة الدوق صارمة جداً في هذه الأمور. لا أظن أن هذا سيحدث.”
“افتراضي! افتراضياً فقط!”
“سأحاول إقناع الرئيس بلطف!”
أومأت إيلينا بابتسامة بينما راحت تلوح بقبضتها بخفة في الهواء أمامهم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "1"