كانت جين واقفة أمام المرآة الكبيرة في غرفتها، تفحص نفسها للمرة الأخيرة قبل المغادرة.
الفستان الأسود الذي صممته بنفسها كان تحفة فنية؛حرير أسود ناعم ينساب على جسدها كالظل، مرصع بخيوط فضية تلمع مع كل حركة كالنجوم في ليلة صافية.
الأكمام الطويلة المزينة بتطريزات دقيقة، والظهر المكشوف جزئياً بإتقان، جعلها تبدو كملكة من عالم آخر.
رفعت يدها لتلمس عقدها البسيط، ثم أصلحت إحدى الخصلات التي سقطت على وجهها الشاحب. عيناها الزرقاء، رغم ما بهما من حزن، كانتا متوهجتين بضوء غريب هذه الليلة.
ربما كان ذلك بسبب الخطة التي تنتظر التنفيذ، أو ربما بسبب شيء آخر لم تكن تريد الاعتراف به.
طرق الباب برفق. “سيدتي، الدوق ينتظركِ في الأسفل.”
التقطت نفساً عميقاً. “حسناً، أنا قادمة.”
حملت حقيبتها الصغيرة بإحكام، ثم خرجت من الغرفة بخطوات واثقة.
في أسفل الدرج، وقف الدوق أوتيس ببدلته السوداء المطرزة بخيوط ذهبية، يبدو كظل مهيب في ضوء الشموع الخافت.
كان يتحدث مع أحد الحراس عندما سمع صوت خطواتها على السلالم.
رفع رأسه ببطء، وعندما وقعت عيناه عليها، توقف قلبه للحظة.
كانت جمالاً لا يوصف. الفستان الأسود جعل بشرتها الشاحبة تبدو كالخزف النقي، وعينيها الزرقاء كجوهرتين نادرتين. شعرها الاصفر الطويل كان منسدلاً على كتفيها بإطار أنيق، مكتملاً بمشبك فضيّ بسيط.
لكنه سرعان ما استرجع نفسه، وابتعد بنظره عنها. “أنتِ جاهزة؟” قال بصوت جاف.
“نعم.” أجابت بهدوء.
لم يتبادلا كلمة أخرى.
سارا معاً نحو العربة في صمت ثقيل، كأن بينهما جداراً غير مرئي.
داخل العربة، كان الجو خانقاً.
جين جلست بعيدة عنه قدر الإمكان، تحدق من النافذة في الشوارع المضاءة بالفوانيس. أوتيس كان يحدق في يديه، أصابعه متشابكة بإحكام.
عند وصولهما، كان القصر الإمبراطوري يلمع كتحفة معمارية.
الفوانيس الذهبية تتدلى من كل عمود، والموسيقى تنساب من الداخل كالنهر الهادئ. الخدم يرتدون ملابس فاخرة، يستقبلون الضيوف بانحناءات عميقة.
عندما نزلت جين من العربة، التفت إليها أوتيس فجأة، وأمسك بيدها بقوة قبل أن تدخل.
“استمعي إليّ جيداً.” همس في أذنها بصوت منخفض وحاد. “سنتصرف كزوجين سعداء الليلة. ابتسمي، ولا تثيري أي شائعات. هل فهمتِ؟”
رفعت جين عينيها إليه، نظرة باردة. “لا تقلق، لن أحرجك.”
ثم أدخلها إلى القاعة الكبيرة، حيث تحولت كل الأنظار إليهما فوراً.
في صدر القاعة، جلس الإمبراطور على عرشه الذهبي، محاطاً بحاشيته. عندما رأى الدوق والدوقة، ابتسم بترحيب.
“دوق ودوقة فالدور! كم يسعدني حضوركِما!”
انحنى أوتيس باحترام، بينما قامت جين بانحناءة خفيفة.
“شرفٌ لنا، جلالتك.” قال أوتيس ببرود.
نظر الإمبراطور إلى جين بإعجاب واضح. “الدوقة جين… إطلالتكِ هذه الليلة مبهرة.”
“شكراً لجلالتك.” ردت بابتسامة مهذبة، لكنها باردة.
بعد التحية، أدار أوتيس لها ظهره وهمس لها “سأكون مع بعض النبلاء. يمكنكِ التجول بحرية، لكن لا تفعلي شيئاً غبياً.”
لم ترد عليه. فقط ابتعدت، تاركة إياه ينظر إليها للحظة قبل أن يختفي بين الحشد.
بدأت جين تتجول في القصر ببطء، كأنها ضيفة عادية، لكن عينيها كانتا تبحثان عن كل التفاصيل ،الأبواب الخلفية، الحراس، النوافذ، أي مخرج ممكن.
ثم خرجت إلى الحديقة الإمبراطورية، حيث كان الجو هادئاً، والظلام يعطيها الغطاء المثالي للهروب لاحقاً.
لكنه أمسك بذراعها فجأة. “لا تكوني قاسية هكذا. تعالي، جمالكِ يحتاج إلى من يقدره.”
أعطاها كأس خمر. “اشربي، ستشعرين بتحسن.”
“لا شكراً.” حاولت انتزاع يدها، لكنه أمسك بها بقوة.
“لما التكبر؟” قال وهو يقترب أكثر. “أنا أعرف سمعتكِ… لستِ بتلك القداسة.”
شعرت جين بالخوف يتسلل إليها. “اتركني!”
لكنه دفعها فجأة نحو شجرة، مسكاً معصميها بقوة. “لا ترفضيني… سيكون الأمر سريعاً.”
عيناها اتسعتا من الرعب. حاولت الدفع بعيداً، لكنه كان أقوى منها.
“لا! ابتعد عني!”
ضحك الرجل، ثم حاول تقبيلها بالقوة.
في لحظة يأس، رفعت ركبتها بكل قوتها، مما جعله يترنح من الألم. ثم دفعت صدره بعيداً عنها، وهربت مسرعة نحو القصر، قلبها يخفق كالطبل.
‘لا… لا يمكن أن يحدث هذا! ليس الآن!’
لكن الرجل كان يلحق بها، غاضباً، وعيناه تتقدان بالشر. وامسك بها مجددا
كانت يد الرجل تلتف حول معصم جين بقوة، تنفث أنفاسه الساخنة على وجهها وهي تحاول الابتعاد.
عيناها الزرقاء اتسعتا بالرعب، وشفتاها ارتعدتا بينما كانت تحاول الصراخ، لكن صوتها اختنق في حلقها.
“لا تقاومي، لن يؤذيكِ أحد.” همس الرجل وهو يقترب أكثر، عيناه تتلألآن بنية شريرة.
لكن قبل أن يتمكن من فعل أي شيء، سمعت جين صوت خطوات سريعة تقترب، ثم فجأة
صوت! ضربة قوية على وجه الرجل أطارت به جانباً، مما جعله يتركها ويسقط أرضاً.
التفتت جين بذهول لتجد الدوق أوتيس واقفاً هناك، قبضته لا تزال مشدودة، وعيناه تشتعلان بغضب لم تره من قبل.
“كيف تجرؤ على لمسها؟!” زمجر أوتيس بصوت اهتزت له أرجاء الحديقة.
نهض الرجل وهو يمسك فكه المنتفخ، نظرة ذعر في عينيه. “أنا… أنا آسف، سيدي الدوق، لم أكن أعرف أنها—”
“أغلق فمك!” قطع كلامه أوتيس، ثم انقض عليه كالوحش، مسك بجلبابه ورفعه عن الأرض. “أيها الحقير، هل تعتقد أن بإمكانكِ التعدي على زوجة دوق فالدور وتنجو بفعلتك؟!”
جين، التي كانت لا تزال ترتجف، رأت كيف أخرج أوتيس سيفه من غمده بلمسة واحدة. عينيها اشتعلتا بالرعب.
“لا!” صرخت، وانطلقت نحوهم، تمسك بذراع أوتيس قبل أن يهوي بالسيف. “أيها الدوق ، لا تفعل هذا!”
أحدهم اقترب منها، يمسك بذراعها بقوة. “المال ليس كل ما نريده من سيدة جميلة مثلكِ.”
حاولت الهرب، لكنها تعثرت بسبب كاحلها المصاب. سقطت على الأرض، والدموع تملأ عينيها.
فجأة، سمعت صهيل الخيول وصيحات رجال. قبل أن يتمكن قطاع الطرق من الفهم، هجم عليهم فرسان مسلحون.
“اقتلوهم جميعاً!”
صوت الدوق أوتيس انفجر في الغابة كالرعد.
جين رأت السيوف تلمع في ضوء القمر، ورأت أوتيس يقفز من حصانه، سيفه يقطع الهواء بشراسة.
في لحظات، كان قطاع الطرق إما هاربين أو جثثاً على الأرض.
ثم التفت إليها.
“هل الهروب وتعريض نفسك للخطر من هواياتكِ المفضلة؟” قال وهو يقترب منها، عيناه تشتعلان بغضب أسود. “أهذه خطة عبقرية؟ الهروب بفستان أسود لامع ومجوهرات في وسط غابة مملوءة باللصوص؟!”
جين حاولت النهوض، لكن ألم كاحلها جعلها تسقط مرة أخرى. “كف عن توبيخي!” صرخت وهي تبكي.
توقف فجأة، ثم تنهد بعمق. اقترب منها، وحاول مساعدتها على الوقوف.
“لا أستطيع…” همست وهي تتألم.
نظر إليها للحظة، ثم دون سابق إنذار، حملها بين ذراعيه ووضعها على حصانه.
الطريق إلى القصر كان صامتاً. جين كانت ترتجف من البرد والصدمة، بينما أوتيس كان يقود الحصان بوجه غاضب.
عند وصولهم، حملها إلى غرفتها وأرسل في طلب الطبيب.
بينما كان ينتظر، بدأ بمعالجة جرح كاحلها بنفسه، حركاته خشنة لكن دقيقة.
“لماذا؟” سأل فجأة، صوته منخفضاً لكنه مليء بالغضب. “لماذا تحاولين الهرب مراراً وتكراراً؟ لماذا تضعين نفسكِ في مثل هذه المواقف الغبية؟”
نظرت إليه، عيناها حمراوان من البكاء. “لأن الألم والهروب أهون من العيش معك!”
توقف عن الحركة للحظة، ثم واصل تضميد الجرح بعنف أكبر. “أنتِ غبية ومتهورة.”
“وأنتَ قاسٍ ولا ترى إلا ما تريد رؤيته!”
رفع عينيه إليها، نظرة غاضبة كادت تحرقها.
ثم فجأة، ألقى بالضماد جانباً ونهض.
“نامي. سنتكلم غداً.”
ثم خرج، وأغلق الباب بقوة خلفه.
جين بقيت جالسة على السرير، تنظر إلى الباب المغلق، ثم إلى كاحلها المضمدة.
الدموع عادت من جديد، لكن هذه المرة، لم تكن تعرف بالضبط لماذا تبكي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"