مرّت أشهر طويلة منذ أن أصبح أوتيس وجين عائلة صغيرة، في الاشهر الفائتة زارها كل من كارل ولينا ومارغو ومارتا عدة مرات لم تستطع هي زيارتهم بسبب وضعها وصحتها ، ايضا وصلتها رسالة بعد رحيلها من الجزيرة باسبوعين من لينا تخبرها بان اكزافيير عاد وسأل عنها لقد اخبرته لينا بالقصة كلها كان منصدم لاكن متفهم وفرح لها ، انتظرت جين زيارته لها ، اما ايريس فلم يسمع عنها خبر منذ مدة وقد قطعت تواصلها معهم ، ايضا كان والد جين الذي لم يعرف بخبر هروبها وكان يظن انها هي والدوق ذهبوا لرحلة وعادو ، كان يزورها في اغلب الاحيان للاطمئنان عليها محملا بهداية ثمينة لحفيده المنتظر .
كانت جين واوتيس ينعمون بحبهم وبانتظار طفلهما الذي سيأتي في أي لحظة.
أصبح كل يوم معًا ذكرى جديدة، ومع اقتراب موعد الولادة، كانت جين تشعر بثقل الوقت، وبالآلام التي تزداد شيئًا فشيئًا، لكن قلبها كان يزداد اطمئنانًا بوجود أوتيس بجانبها.
في بعض الليالي، كانت قدماها تتورمان بسبب الحمل، وكان أوتيس هو من يعتني بها.
كان يجلس في طرف السرير، يداعب قدميها بحركات هادئة ولطيفة، مسحًا عليها بحنان بينما يراقب ملامح وجهها التي تغمرها آثار التعب.
لم يكن يغادر غرفة نومهم إلا ليعود فورًا، فيبقى طوال الليل بجانبها، يطمئن عليها، ويراعي راحتها.
***
كانت حديقة القصر تتنفس بألوان الربيع الأخيرة قبل أن يحل الصيف بحره.
الزهور المتفتحة تملأ الأجواء بعطرها، وأشعة الشمس الدافئة ترسم خطوطاً ذهبية على الأرض.
جين جلست تحت الشجرة القديمة، كوب الشاي بين يديها، بينما كان أوتيس بجانبها، يقرأ لها من كتاب الشعر الذي أحضرته من المكتبة.
كان بطنها كبيراً الآن، وقد بلغت الشهر التاسع من حملها.
كل خطوة كانت تتطلب جهداً، وقدميها المنتفختين من التورم جعلتا الحركة صعبة. لكن أوتيس كان هناك، دائماً هناك، يحملها عندما تعجز عن المشي، ويدلك قدميها المتعبتين .
“هل تريدين المزيد من الشاي؟” سألها وهو يضع الكتاب جانباً، عيناه تتابعان تعابير وجهها المتعبة.
وضع يده على بطنها، حيث كانت طفلهما يركل بقوة. “يبدو أنه متحمس للخروج.”
ضحكت جين، لكن ضحكتها تحولت فجأة إلى وجوم.
شعرت بشيء غريب، كأن شيئاً ما ينزل في بطنها. ثم جاء الألم، مفاجئاً وقوياً، جعلها تلتقط أنفاسها بسرعة.
“أوتيس…” همست، عيناها تتسعان.
“ما الأمر؟!” قفز من مكانه، يداه تمسكان بكتفيها.
“أعتقد… أعتقد أن الطلق بدأ.”
تحول وجهه إلى اللون الأبيض في لحظة. “الآن؟!”
أومأت برأسها، وأنفاسها تتسارع. حملها بسرعة بين ذراعيه، وهو يصرخ للخدم القريبين
“أحضروا القابلة! الآن!”
وبينما كان يطلب من الخدم التحضير، حملها بين ذراعيه بقلق كبير. لم يشعر في حياته بحالة من الضياع مثل تلك اللحظة، وكان قلبه ينبض بسرعة غير معتادة.
دخلت القابلة إلى القصر بسرعة، محاطة بالخدم الذين كانوا يحضرون كل ما تحتاجه. أما أوتيس، فبقي في الخارج، يراقب كل ما يحدث بشغف، ويدعو الله أن تمرّ هذه اللحظات بسلام.
كانت جين تصرخ، الألم ينهش جسدها كموجة لا تنتهي.
القابلة وخادماتها يتحركون حولها بسرعة، يحضرون الماء الساخن والمناشف.
لكن الألم كان قوياً لدرجة أن جين بدأت تفقد تركيزها، عيناها تدمعان من شدة المعاناة.
في الخارج، كان أوتيس يمشي جيئة وذهاباً، يداه ترتجفان، وقلبه ينبض كأنه سينفجر. كل صرخة تخرج منها كانت تطعنه كسكين.
لم يكن يعرف ماذا يفعل. هذا الشعور بالعجز… كان أسوأ مما تخيل.
“سيدي، ربما يجب أن تجلس…” حاول أحد الخدم تهدئته.
لكنه هز رأسه بعنف. “لا أستطيع!”
ثم سمع صرخة أخرى، هذه المرة أطول وأكثر إيلاماً.
ارتطم ظهره بالحائط، وكاد يسقط على ركبتيه. دموعه سالت بحرية، وهو يهمس: “أرجوك… أرجوكِ كوني بخير…”
فجأة، فتحت القابلة الباب، وجهها جاد. “سيدي الدوق… الولادة عسيرة. السيدة الدوقة… إنها تحتاجك.”
دخل الغرفة كالريح.
المنظر الذي رآه كسر قلبه. جين كانت شبه فاقدة للوعي، شعرها مبلل بعرق المعاناة، وعيناها نصف مغلقتين من الإرهاق. ركض إليها، وأمسك بيدها بقوة.
“جين… أنا هنا.”
فتحت عينيها بصعوبة، ودموعها تسيل. “أنا خائفة…”
“أعرف، أعرف.” قبل جبينها. “لكنكِ الأقوى التي أعرفها. ستنجحين….”
ضغطت على يديه، وأخذت نفساً عميقاً. القابلة شجعتها
جين صرخت بأعلى صوتها، وأوتيس شعر وكأن قلبه سيخرج من صدره. ثم…
صوت بكاء.
بكاء عالٍ، حاد، يملأ الغرفة.
“إنها فتاة!” صرخت القابلة وهي ترفع الطفلة الصغيرة، التي كانت تصرخ بكل قوتها، يداها الصغيرتان تهزان في الهواء.
وضعتها بين ذراعي جين، التي نظرت إلى طفلتها للمرة الأولى.
كل الألم، كل الخوف… اختفى في تلك اللحظة. دموعها سالت دون توقف، وهي تنظر إلى هذه الحياة الجديدة التي حملتها بين أحشائها لتسعة أشهر.
“إنها… جميلة.” همست جين بصوت مكسور.
نظر أوتيس إلى ابنته، ثم إلى زوجته، ودموعه تسقط على وجه جين. “شكراً… شكراً لكِ.” قبل جبينها مرة أخرى، ثم قبل رأس طفلتهما الصغيرة.
أخذت القابلة الطفلة لتنظيفها، بينما جين، منهكة لكنها سعيدة، أغلقت عينيها للحظة. أوتيس جلس بجانبها، يمسح شعرها المبلل .
***
ثلاث سنوات لاحقاً…
كانت حدائق القصر تزهر بألوان الربيع، حيث تتدفق أشعة الشمس الذهبية عبر أوراق الأشجار الكثيفة، مرسلة بقعاً من الضوء الدافئ على العشب الأخضر.
في وسط هذا الجمال، كانت طفلة صغيرة بشعر أشقر كالحرير وعينين رماديتين واسعتين تركض بخطوات غير متزنة، ضاحكة بينما تمسك بزهرة صفراء في يدها الصغيرة.
“أبي! أبي!” نادت بصوتها العذب،
فيما كان الدوق أوتيس، الذي نزع عباءة الدوقية في هذه اللحظة، يبتسم برقة نادرة، لم يرها سوى زوجته وابنته.
كان جالساً بجانب جين على مقعد الحديقة، التفت نحو الصوت بابتسامة تملأ وجهه. “أميرتي الصغيرة!” مد ذراعيه، وحالما اقتربت منه، رفعها في الهواء برقة قبل أن يجلسها على ركبتيه. “ماذا لدينا هنا؟”
“زهرة لأمي!” قالت الطفلة بفخر، ممدودة يدها الصغيرة نحو جين التي أخذت الزهرة بلطف.
“شكراً لكِ يا حبيبتي ميريل .” قالت جين وهي تلمس أنف ابنتها الصغيرة بطرف إصبعها. “إنها جميلة مثلكِ.”
“هل تسمحين لي أن أضعها في شعركِ، أمي؟” سألت الطفلة بعينين متلألئتين بالأمل.
ضحكت جين وأومأت. “بالطبع، يا حلوتي.”
بحرص شديد، وضعت الصغيرة الزهرة خلف أذن أمها، ثم صفقت بيديها مسرورة. “الآن أنتِ أميرة مثلما أنا!”
أوتيس ضحك وهو يحتضنها. “بل أنتِ أميرتي الصغيرة، وأمكِ هي ملكتي.” نظر إلى جين بعينين دافئتين، وكأنهما يختزلان كل الحب في العالم.
أمضوا بقية النهار في الحديقة، الصغيرة تتنقل بين أحضان والدها وأحضان أمها، تحكي لهما عن الفراشات التي رأتها، وعن القطة الصغيرة التي لعبت معها الخادمات في المطبخ.
كانت طفلة هادئة، لكن فضولها كان لا ينضب، وكلماتها البريئة تملأ الجو بفرح لا يوصف.
في المساء..
على مائدة العشاء، كانت العائلة الصغيرة تجتمع تحت ضوء الشموع.
ميريل جالسة على كرسيها الخاص، تحاول أن تأكل بنفسها، تاكل بشهية طفل صغير لكن معظم الطعام انتهى على ملابسها بدلاً من فمها.
“أمي، أبي، اليوم رأيت فراشة كبيرة جدًا! كانت زرقاء، مثل الفستان الذي ألبسني إياه أبي الأسبوع الماضي!” قالت وهي تلوح بيدها.
ضحكت جين، تضع يدها على فمها بلطف. “حقًا؟ يبدو أنكِ قضيتِ وقتًا ممتعًا، صغيرتي.”
أوتيس ابتسم، وأمال رأسه ينظر إلى ابنته بفخر. “لا عجب، فأميرتي الصغيرة دائمًا تكتشف أشياء جميلة.”
“أبي، هل تعلم أنني رأيت عصفوراً ايضا؟” سألت بينما ترفع ملعقتها المليئة بالحساء.
“حقاً؟ وأين كان هذا العصفور؟” سأل أوتيس وهو يمسح زاوية فمها بمنديل.
“على الشجرة الكبيرة! كان يغني لي!”
“ربما كان يقول لكِ أنكِ فتاة جيدة.” قال مبتسماً.
هزت رأسها بجدية. “لا، كان يقول لي إنه يريد صديقاً!” ثم توقفت فجأة، كما لو أن فكرةً خطرت لها. “أمي، أبي… هل يمكن أن أحصل على أخ صغير لألعب معه؟”
سعل أوتيس فجأة، بينما احمرّت وجنتا جين. “أ-أخ صغير؟” سألت جين بصوت أعلى قليلاً من المعتاد.
“نعم! مثلما لدى صوفيا! لديها أخت وأخ، وأنا وحيدة!”
أوتيس لم يتمالك نفسه فضحك، بينما كانت جين تحاول أن تبدو طبيعية. “حسناً يا حبيبتي، هذا… هذا قرار كبير.”
ضحك، يقبّل خدها. “ماذا؟ لا يمكنني أن أكسر وعدي لطفلتنا، أليس كذلك؟”
ضحكت، تغمض عينيها وهي تشعر بحرارة شفتيه تنتقل من خدها إلى عنقها. “أنت مستحيل…”
همس، صوته أجش هذه المرة: “ومصمم الليلة على أن أبدأ بتنفيذ وعدي…”
لم تمنعه، ولم تهرب.
بدلًا من ذلك، ضحكت، ولفّت ذراعيها حول عنقه، تقبّله بشغف هادئ، كما يفعل الأحبّة الذين عبروا العاصفة ووجدوا ميناءهم الآمن.
سحبها معه إلى السرير، وكل حركة كانت كأنها رقصة قديمة، محفوظة في الذاكرة. قبلاته ناعمة أولاً، ثم أعمق، يقرأ جسدها كما يقرأ قصيدة يعرفها قلبه.
همست بين أنفاسها: “أوتيس…”
ردّ، يقبّلها: “أنا هنا… دائمًا.”
ليلة جمعت جسديهما كما جمعت أرواحهما من قبل، بلا عجلة، بلا صخب. فقط هم، والوعد الذي بدأ يُكتب بين أنفاسهم.
وبينما انطفأت الشموع، لم ينطفئ الدفء الذي ملأ المكان.
وهكذا، أسدل الليل ستارته على فصول روايتهم، ليبدأ فجر جديد، يحمل وعدًا صغيرًا في الأفق.
**النهاية**
_______________________________
اريد توضح شيء مهم وهو عن اكزافيير ولما لم اوضح سبب غيابه المفاجئ ولم اتخدث عنه كثيرا في نهاية الرواية هناك سبب كبير لن اقوله لكم اليوم لاكن يوما ما ستعرفونه ليس الان ولاكن يوما ما ، وايضا هو وجين لم يكن بينهم اعجاب ابدا بل كان بينهم شعور امتنان وحماية وفقط .
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"