كان ضوء المصباح الخافت يرسم دوائر متراقصة على الجدران، والهواء يعبق برائحة الأعشاب الطبية المعلقة عند النوافذ، في محاولة يائسة لطرد شبح الموت الذي خيم في الزوايا.
على السرير البسيط، كانت جين ممددة، وجهها شاحب إلى حدٍ مرعب، وأنفاسها الخافتة بالكاد تُسمع.
ذراعها المجبّرة مستندة على وسادة صغيرة، وجبينها المغطى بضمادة بيضاء يشهد على الألم الذي مرت به.
جلس أوتيس قربها، ظهره منحني، مرفقيه يستندان على ركبتيه، ويداه الكبيرتان تحتضنان كفّها الباردة كما لو كان يتشبث بآخر شيء يمنعه من السقوط في هاوية الجنون.
عيناه الحمراوتان من السهر لم تعدا ترمشان منذ ساعات.
“لماذا أنتي دائمًا عنيدة…؟”
ابتسم بمرارة، دمعته ترتجف عند زاوية عينه.
“كان بإمكانكِ فقط أن تنتظري… أن تطلبي مني ما تريدين… كنت سأجلب لكِ الدنيا بين يديكِ.”
ضم كفها إلى شفتيه المرتعشتين، قبلها قبلة طويلة، كما لو كان يزرع فيها روحه.
“جين…”
نادى اسمها بحنان مطعون، الاسم الذي أصبح جزءًا من نبضه ذاته.
“لقد قلتُ لكِ يوماً… أنني سأحميكِ وساحمي طفلنا”
صوته انكسر في النهاية، لم يعد قادرًا على السيطرة عليه.
“لكنكِ لم تعطيني الفرصة حتى…!”
مال بجبهته، أسندها فوق يدها النحيلة بثقل قلبه، وراح يهمس لها كمن يصلي
“أحتاجكِ… أحتاجكِ أكثر مما كنت أعلم… لا تتركيني وحدي… أرجوكِ.”
مرت الدقائق ثقيلة كالدهر.
كل نفس كانت تخرج من صدر جين، كل حركة بسيطة لأنفاسها، كان أوتيس يلتقطها بجنون كمن يتشبث بقشة وسط طوفان.
“أنتِ ستكونين بخير…” همس بصوت أجش، كأنه يحاول إقناع نفسه أكثر منها. “ستفتحين عينيكِ قريباً وسأكون هنا.”
دخلت مارغو الغرفة لتعد بعض الأعشاب الطبية التي أحضرتها مارتا، عيناها تفيضان بالدموع بين الحين والآخر. “الطبيب قال إن الجنين بخير، لكن حالتها لا تزال حرجة.” قالت بصوت خافت.
أوتيس لم يرد، فقط أطبق أصابعه على يد جين بقوة أكبر. “هل سمعتِ ذلك؟” همس قرب أذنها، صوته يكاد ينكسر. ولا يسمع “طفلنا بخير… لكني لا أستطيع… لا أستطيع أن أفقدكِ.”
مرت ثلاثة أيام بلا تغيير. جين لم تتحرك، فقط تنفسها الضعيف كان يؤكد استمرار الحياة فيها. أوتيس رفض مغادرة الغرفة، حتى عندما جاء كارل يحاول إقناعه بأخذ قسط من الراحة.
“لقد رأيتُ الكثير من الحوادث مثل هذه.” قال كارل وهو يضع يده على كتف أوتيس. “الجسم يحتاج وقتاً للشفاء.”
لكن أوتيس هز رأسه بعناد. “لن أغادرها.” كانت إجابته الوحيدة.
في الليلة الثالثة، بينما كانت مارغو تنام على الكرسي في الزاوية، وجد أوتيس نفسه يتحدث إلى جين النائمة، كلمات تخرج من أعماقه لم يجرؤ على قولها من قبل.
“لو كنتِ تستطيعين سماعي… لو كنتِ تستطيعين فقط أن تعرفي كم … أحبكِ…”
قطرة دمع ساخنة سقطت على يد جين. “فقط استيقظي… أعطيني فرصة لأريكِ كم تغيرت. كم أحببتكِ طوال هذا الوقت دون أن أعرف كيف أقولها.”
***
في صباح اليوم الرابع، بينما كانت مارتا تساعد في تغيير ضمادات جين، سمعت همسات أوتيس وهو يتحدث إليها في منتصف الليل.
“جين… حبيبتي…”
مارتا تجمدت في مكانها. التفتت إلى مارغو التي كانت تقف عند الباب، عيناها متسعتان. “هل سمعتِ ذلك؟ لقد ناداها بـ… جين؟”
مارغو أومأت ببطء، عيناها تفيضان بالدموع. “لقد فعل ذلك طوال الأيام الماضية… ظننتكِ تعرفين.”
***
في الخارج، كانت مارغو تجلس مع مارتا ولينا وكارل، صمتهم مشوب بالقلق والحيرة.
همست مارتا وهي تضم وشاحها حول كتفيها
“هل لاحظتم شيئًا غريبًا…؟”
تبادلوا النظرات، ثم أومأت مارغو بحذر:
“طول الوقت … ناداها باسم… ‘جين’… ليس ‘يورا’.”
كارل، الذي كان أكثرهم صمتًا عادة، عبس بجدية
“أعتقد أن هناك أمورًا لا نعرفها.”
لينا عضت على شفتها بتردد، همست
“هل… يعرفها منذ زمن؟ هل التقيا من قبل؟”
“كيف يكون هذا ممكن؟” سألت مارغو بقلق.
لم يكن لديهم إجابة، لكن القلق كان ينمو في صدورهم كالريح قبل العاصفة.
في اليوم السابع، بينما كان الجميع نائمين، حدث شيء غريب. إصبع جين الصغير ارتعش قليلاً في يد أوتيس.
“جين؟!” قفز من مكانه، عيناه تتسعان. لكنها لم تتحرك مجدداً.
أصبح أوتيس أكثر هوساً. لم يعد ينام على الإطلاق، يتحدث إليها لساعات، يروي لها كل ذكرياته، كل الأشياء التي ندم عليها، كل الأحلام التي راودته عنها.
الطبيب قال إنها قد تكون حركة لا إرادية.
لكن أوتيس رفض تصديقه.
في ليلة اليوم العاشر، انهار أوتيس أخيراً. سقط على ركبتيه بجانب السرير، رأسه على حافة الفراش، دموعه تبلل الغطاء.
“لا أستطيع… لا أستطيع أن أعيش بدونكِ.” بكى بصوت مكسور.
أمسك بيدها ووضعها على خده المبتل بالدموع. “تعلمت الدرس… تعلمته بالطريقة الصعبة. الآن فقط… أعطيني فرصة لأثبت لكِ ذلك.”
وفي تلك اللحظة، كما لو أن صلاته قد استجيبت، شعر بحركة خفيفة في يدها. ثم… شيء لم يتوقعه.
***
خفت الأنفاس في الغرفة لحظة ارتجفت أصابع جين بين يدي أوتيس. لوهلة ظن أنه يتخيل… لكنه حين رفع رأسه ببطء، رأى الرمش الثقيل لعينيها يتحرك.
كأن الزمن توقف، كأن العالم حوله تلاشى بأسره.
“جين؟” نادى هامسًا، صوته مختنق بالرجاء.
جفناها ارتعشا مرة أخرى، ثم بصعوبة شديدة، فتحت عينيها نصف فتحة، أنين خافت خرج من بين شفتيها الجافتين.
“مارغو!” صرخ أوتيس بأعلى صوته، وقفز إلى الباب يفتحه بعنف.
مارغو، التي كانت تحضر بعض الماء الدافئ مع مارتا، هرعت إلى الداخل بفزع يتبعها كارل .
“ماذا حدث؟!”
“مارغو! كارل! الطبيب… أحضروا الطبيب الآن!”
ركض كارل دون أن يتردد، بينما اقتربت مارغو بخطوات حذرة من السرير.
جين كانت تحدق أمامها بتعب، كأن الضوء يؤلم عينيها، أنين خافت خرج منها مجددًا.
مارغو وضعت يدها برقة على جبينها.
“يورا… عزيزتي، هل تسمعينني؟”
أجفلت جين قليلاً، ثم أومأت بحركة بطيئة بالكاد تُلحظ.
“الحمد لله…” همست مارغو بعينين مغرورقتين.
لم يستطع أوتيس الانتظار، أمسك يدها بين راحتيه الدافئتين.
“أنا هنا… كل شيء سيكون على ما يرام الآن.”
بعد وقت قصير، وصل الطبيب ومعه حقيبته الجلدية.
تفحص جين بعناية وهو يطرح بعض الأسئلة البسيطة.
“هل تستطيعين سماعي؟”
أومأت جين بخفة.
“هل يمكنك الضغط على يدي؟”
جمعت ما تبقى لها من قوة، وضغطت برفق.
الطبيب ابتسم قليلاً، ثم ألقى نظرة فاحصة على عينيها، وتحقق من ردود أفعالها العصبية، واستمع إلى دقات قلبها وهمسات أنفاسها.
بعد فحص دقيق استمر طويلاً، التفت إلى أوتيس وقال
“إنها مستيقظة، لكن جسدها لا يزال ضعيفًا للغاية. استعادة الوعي بعد هذه الفترة الطويلة أمر مُرهق. قد تكون مشوشة قليلاً، وربما تعاني من بعض التعب والغثيان في الأيام القادمة.”
ثم أضاف وهو يدوّن ملاحظاته
“الأمر المهم الآن هو الراحة، التغذية الجيدة، والدعم العاطفي. حالتها مستقرة لكنها تحتاج للعناية الفائقة، خاصةً وهي حامل.”
كلمات الطبيب كانت بمثابة شمس مشرقة بعد عاصفة طويلة.
أوتيس لم يستطع إلا أن ينظر إلى جين نظرة مفعمة بالامتنان، كأنها عادت إليه من الموت نفسه.
مع انبلاج الصباح، فتحت جين عينيها مجددًا، هذه المرة بوضوح أكبر، وإن كان التعب لا يزال يغلف ملامحها.
كان أوتيس جالسًا بجوارها، رأسه مائل وكأنه لم ينم للحظة.
ابتسمت جين لها، لم يكن لديها قوة للكلام الكثير، لكنها رفعت يدها لتربت على ظهر لينا بخفة.
“أنا بخير الآن… لا تبكي.”
اقتربت مارغو، عيناها تفيضان بالدموع هي الأخرى، وأخذت تلمس يد جين بحذر.
“آه… كان يجب أن أمنعكِ! كان يجب أن أكون أكثر حذرًا!”
قالت وهي تشهق.
جين حركت يدها لتلمس يد مارغو.
“لا تلومي نفسكِ… لم يكن خطأكِ. لا تقلقي.”
مسح كارل عينيه بطريقة رجولية محرجة، وقال بصوت أجش
“أنا سعيد أنكِ عدتِ إلينا… حقًا.”
أما مارتا فابتسمت وأعلنت بحماس
“سأعد لكِ أطعمة طازجة وصحية! يجب أن تستعيدي قوتكِ أنتِ وجنينكِ!”
ضحكت جين بخفّة، بقدر ما سمح لها جسدها الضعيف، وشكرتها بلطف.
ثم اقتربت لينا، تمسح دموعها، وجلست بجوار السرير وهمست:
“هل تعلمين؟ أوتيس… اعتنى بكِ طوال الوقت. لم يغادر الغرفة قط… حتى انه بكى من أجلكِ.”
تسمرت جين في مكانها، عيناها اتسعتا بدهشة عارمة.
قبل أن تنطق لينا مرة اخرى ، قاطعها كارل وهو يسعل بتوتر
“الوقت ليس مناسبًا لهذا الحديث الطويل. دعيها ترتاح.”
أومأت لينا بسرعة، ابتسمت بحرج.
“صحيح… لدي الكثير من الأسئلة لكِ… لكن لاحقًا.”
ضحكت مارغو وهي تمسح دموعها الأخيرة.
“سنترككِ الآن لتستريحي. نادينا إن احتجتِ إلى شيء.”
أومأت جين لهم بامتنان، وشكرتهم بهمس خافت، قبل أن يغادر الجميع بهدوء.
حين أصبحت وحدها، استلقت جين بثقل على الوسادة، عيناها تحدقان في السقف.
كانت تفكر… تفكر بكلمات لينا… برؤية أوتيس المنهك قربها… بتلك النظرة التي لم ترها من قبل.
‘هل حقًا… كان يبكي لأجلها؟’
تدفأت وجنتاها بحمرة خفيفة، وضمت الغطاء إلى صدرها، وكأنها تحاول أن تهدئ خفقات قلبها المتسارعة.
وهكذا، وسط صمت الغرفة المريح، وبحر المشاعر الذي اجتاح قلبها، أغمضت جين عينيها ببطء، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها.
________________________________
مثل ما قلت لكم من قبل ان هاته اول رواية اكتبها ، كنت اكتب اشياء سوداوية وفقط ولم اجرب كتابة روايات او نشرها كنت اكتب لنفسي وفقط وهل تعرفون عندما بدات كتابتها كانت احداثها في راسي سوداوية جدا وكانت ستكون احداثها مغايرة جدا لهاته لاكن لم ارد ذالك وتراجعت لانها اول رواية لي اردتها ان تكون خفيفة كتجربة ، لذالك اخبروني
مارايكم بالرواية اعطوني ارائكم الصريحة اعطوني
انتقداتكم
ونصائحكم
لانني الان اكتب رواية بتصنيف مغاير رواية تناسب اجواء الصيف القادمة ممتعة ومنعشة فأريد نصائح لعلي اتحسن اكثر لقد كتبت عدة فصول لاكن لم اكملها بعد
وايضا اخبروني هل اسرب لكم غلافها في الفصل القادم(≧ω≦)/ ?!
واخيرا شكرا لكم لدعمي جزاكم الله خيرا 🦋🦋
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"