بعد أن تأكد أوتيس من أن جين قد غرقت في نوم عميق، خرج من الغرفة بهدوء.
سار في الممرات المظلمة للقصر باتجاه المكتبة العائلية الكبيرة، مصباح الزيت الصغير في يده يلقي ظلالاً متمايلة على الجدران الحجرية.
المكتبة، التي لم يزرها منذ شهور، كانت مغبرة ومهملة.
رفوف الخشب الداكنة تحمل مئات المجلدات القديمة، بعضها يعود إلى قرون مضت.
تذكر فجأة أن والدته كانت تقضي ساعات هنا، تدرس كتب الطب والعلاج بالأعشاب.
بحث بين الأرفف بقلق، يقلب الصفحات بسرعة. “حيث تكون المعلومات عن…” تمتم بينما عيناه تمسحان العناوين الباهتة.
وأخيراً، وجد ما يبحث عنه “رعاية الحامل والجنين” مجلد قديم مغطى بجلد أحمر متشقق.
أخذه بعناية وجلس على الكرسي القريب من النافذة، حيث كان ضوء القمر كافياً للقراءة.
ساعات مرت وهو يقلب الصفحات بتركيز، يتعلم عن الأشهر الثلاث الأولى الحساسة، عن أهمية التغذية السليمة، عن الأعراض التي يجب مراقبتها.
كل معلومة كانت تثبت في ذهنه كالمسامير.
“لابد من تغيير نظامها الغذائي فوراً”، همس لنفسه وهو يغلق الكتاب بعناية.
**نهاية الفلاش باك **
بعد مغادرته المطبخ، استدعى أوتيس كبير الخدم.
“أريد خادمة جديدة تخصص لرعاية الدوقة. امرأة ذات خبرة في… في رعاية السيدات الحوامل ، ويجب ان يكون الامر سري جدا واخبرها بذالك ايضا .”
بعد ساعة، وقفت ليندا، امرأة في الخمسين من عمرها بشعر رمادي مربوط بعناية وعينين حكيمتين، أمام الدوق. “سيدي، لدي خبرة ثلاثين عاماً في رعاية السيدات الحوامل.”
أوتيس أومأ راضياً. “ستكون مهمتك مرافقة الدوقة في كل الأوقات. دون أن تعلمها بالسبب الحقيقي. هذا سر .”
“تفهمت سيدي.” انحنت ليندا باحترام.
***
فتحت جين عينيها ببطء، أشعة الشمس الدافئة تدفئ وجهها.
شعرت بنوع من الراحة لم تعرفه منذ أسابيع. ثم لاحظت وجود امرأة غريبة تجلس على الكرسي بجانب سريرها.
“من… من أنتِ؟” سألت بصوت أجش.
“أنا ليندا، سيدتي. الخادمة الجديدة المخصصة لخدمتك.” ابتسمت المرأة بلطف بينما ساعدت جين على الجلوس. “الدوق أوكل لي أن أكون تحت تصرفكِ في كل الأوقات.”
جين حدقت فيها بذهول. “أنا لا أحتاج…”
قاطعها صوت الباب الذي فتح.
دخل أوتيس حاملاً صينية كبيرة مغطاة بقطعة قماش حريرية. “أخيراً استيقظتِ.” قال بصوته العميق.
وضع الصينية على الطاولة القريبة وكشف عنها ليكشف عن مجموعة متنوعة من الأطعمة الخفيفة. فواكه طازجة، خبز محمص، جبنة بيضاء، وعصير طازج.
“أنا… لست جائعة.” حاولت جين الاعتراض، لكن رائحة الطعام الطازج جعلت معدتها تزمجر.
أوتيس لم يعلق، فقط أشار إلى الكرسي.
جين، التي شعرت بالجوع فجأة، جلست وبدأت تأكل بشهية أذهلتها هي نفسها.
بينما كانت تلتهم الطعام، شعرت بنظرات أوتيس الثقيلة عليها. رفعت عينيها الزرقاء لتراه جالساً مقابلها، عيناه الرماديتان تراقبانها بتركيز غريب.
“لماذا تنظر إلي هكذا؟” سألت بين لقمة وأخرى.
“أن تأكلين جيداً.” قال ببساطة، متجاهلاً سؤالها. “اعتني بنفسكِ أيضا “
ثم نهض وخرج من الغرفة، تاركاً إياها مع ليندا وكمية الطعام الكبيرة.
جين حدقت في الباب المغلق، ثم في الطعام، ثم في ليندا التي كانت تبتسم لها بتعاطف.
“ما الذي يحدث هنا؟” همست جين، لكنها عادت إلى طعامها، تشعر بأن شيئاً غريباً يجري حولها، دون أن تعرف ما هو.
***
كانت جين تتقلب في فراشها وهي تراقب الخادمة الجديدة ليندا من طرف عينها.
منذ أن استيقظت صباحاً، لم تتركها تلك المرأة للحظة واحدة.
تلازمها كظلها، بل وتسبقها أحيانًا، تقدم لها ثيابها، تجهز لها الحمام، وتراقب حتى عدد المرات التي تتنفس فيها.
في البداية، ظنت جين أن المرأة فقط تأخذ عملها بجدية.
لكن مع مرور الساعات، بدأت تشعر بشيء مريب.
“من الطبيعي أن يُرسل جاسوس لي راقبني بعد ما فعلته…” تمتمت وهي تمشط شعرها أمام المرآة، تلقي نظرة سريعة نحو ليندا التي كانت تطوي الثياب خلفها بصمت.
“أريد بعض الخصوصية.” قالت جين فجأة.
“بالطبع، سيدتي.” انحنت ليندا، لكنها لم تغادر الغرفة، فقط ابتعدت خطوات قليلة وظلت واقفة هناك.
“خصوصية… وليس مراقبة!” قالت جين بحدة، نهضت من مقعدها وتوجهت نحو الباب بخطى ثابتة.
ليندا لحقت بها بسرعة، “سيدتي، لا يمكنكِ التجول وحدكِ، قد تتعثرين…”
“أنا لست طفلة!” صاحت جين، ثم استغلت لحظة انشغال الخادمة بانزلاق سجاد صغير على الأرض، وركضت بكل قوتها عبر الممر الطويل.
ضحكة خافتة أفلتت من شفتيها وهي تجري، قلبها ينبض بسرعة، ليس فقط من المجهود، بل من شعور طالما افتقدته… الحرية.
ركضت حتى وصلت إلى الجناح المهجور في طرف القصر، ثم عبرت الممر السري المؤدي إلى الحديقة الخلفية، وها هو أمامها… البيت الزجاجي.
رغم الغبار والركام المتناثر، شعرت بالسكينة وهي تدخل المكان.
“سيكون هذا ملاذي… مكاني الخاص.”
على مدار الأيام التالية، كانت تتسلل يوميًا من خلف أنظار ليندا، تتوجه إلى البيت الزجاجي، ممسكة بمكنسة أو مقص زراعي أو وعاء ماء. العمل كان شاقًا ومرهقًا، لا سيما مع شعورها الدائم بالخمول والإرهاق، لكنها كانت مصممة.
نظفت الزجاج المتسخ، أزالت الحشائش الجافة، أعادت ترتيب أواني الزرع، وزرعت بذور أزهار عطرة وجدتها مخزنة في أحد الأدراج.
شيئًا فشيئًا، بدأ المكان يتحول من مهجور كئيب إلى ركن صغير يعبق بالحياة.
في إحدى الأمسيات، جلست على المقعد الخشبي في منتصف الكوخ، تنظر إلى النباتات الصغيرة التي بدأت تزهر.
“هذا هو مكاني… مكاني أنا.”
***
في أحد الأيام، وصل رسول من إحدى الدوقيات المجاورة يحمل دعوة رسمية لحضور حدث احتفالي ضخم.
لم يكن بإمكان الدوق تجاهله، ومع قليل من الإلحاح، وافقت جين على مرافقته.
في صباح اليوم التالي، ارتدت جين فستاناً بسيطًا أنيقًا، وشبكت ذراعها بذراع أوتيس عند وصولهما، لتظهر الصورة الكاملة لزوجين مثاليين.
الأنظار كانت عليهم منذ اللحظة الأولى. ابتسامات مصطنعة، همسات مبطنة، ونظرات فضولية.
لكنها تجاهلت كل شيء، تحاول أن تلعب دورها بإتقان.
فجأة، تقدمت فتاة بشعر بني لامع وعينين باردتين… إيريس.
“يا إلهي، لم أتوقع رؤيتكما هنا!” ابتسمت وهي تفتح ذراعيها. “الدوق، الدوقة، مرحباً بكما.”
أومأ لها أوتيس بابتسامة ورحب بها ، شعور غريب تسلل إلى قلبه عند رؤيتها.
لم يستطع تفسيره، ثم التفت إلى جين: “اسمحي لي، يجب أن أحيي بعض النبلاء.” وغادر.
تركت جين وحدها مع إيريس التي ابتسمت لها بودّ، ثم قالت: “كيف حالكِ يا عزيزتي؟ وكيف هي حياتكِ الجديدة مع الدوق؟”
أجابت جين بابتسامة خفيفة: “بخير… كل شيء يسير على ما يرام.”
“سعيدة بسماع ذلك.” أومأت إيريس، ثم استأذنت وانسحبت لتلتحق بمجموعة من السيدات النبيلات.
وقفت جين في الزاوية قليلاً، تشعر بغربة لا توصف.
الأصوات العالية، الضحكات المصطنعة، الزينة المبالغ فيها… كل شيء يثقل روحها.
“سأذهب إلى البوفيه.” تمتمت.
تقدمت نحو الطاولة الكبيرة، وبدأت تملأ صحنها بالحلوى: فطائر صغيرة، كعكات ملونة، شوكولاتة، كريمات… كمية مبالغ فيها جعلت بعض النبلاء ينظرون بفضول.
“لماذا أشتهي كل هذه الحلويات؟” تمتمت. “ربما لأنني كنت لا آكل كثيراً في الفترة الاخيرة ، حتى أنه اغمي علي بسبب ذالك …”
ثم توجهت إلى الحديقة، وجلست على مقعد حجري صغير بين الورود، تلتهم الحلوى بشراهة لدرجة أن خديها انتفخا كالسنجاب.
لم تلحظ أوتيس وهو يراقبها من بعيد، يرتفع حاجبه بدهشة.
توجه إلى البوفيه، ملأ صحنًا جديدًا بأطعمة صحية قليلة الرائحة، ثم توجه نحوها.
“كلي هذا بدلاً من تلك الكمية المرعبة من السكر.” قال وهو يضع الصحن أمامها، ثم مد يده وأخذ منها صحن الحلوى.
“ماذا تفعل؟!” قالت بفم ممتلئ، بالكاد تفهم كلماته.
“تحولتِ إلى سنجاب فعلاً.” قال بهدوء، وابتسامة خفيفة شقت شفتيه. “كفي عن السكر. يجب أن تعتني بنفسك.”
“لكن… أنا أريد تلك!” احتجت بصوت يشبه صوت طفل صغير.
“لا”، قال ببساطة، ثم أضاف بنبرة أخفت فيها قلقاً، “هذا أفضل لكِ…”
“أعطني صحني!” صرخت جين بعيون تلمع بالغضب والدموع، يدها الصغيرة تمتد بشراهة نحو صحن الحلويات الذي انتزعه أوتيس. “أنت لا تعرف ما هو الأفضل لي!”
أوتيس توقف للحظة، عيناه الرماديتان تتسعان أمام هذا الانفجار غير المتوقع.
تذكر فجأة ما قرأه في الكتاب الطبي عن تقلبات مزاج الحوامل وحساسيتهن المفرطة. أخذ نفسًا عميقًا، لم يكن يعرف إن كان يجب أن يضحك أم يعتذر. مدّ يده ببطء وأعاد لها صحن الحلوى قائلاً بنبرة هادئة
“حسنًا، خذيه… كلي ما تشائين.” قال بصوت أخفت فيه غضبه المعتاد، وحل محله قلق غريب.
جين انتزعت الصحن بسرعة، وعادت تلتهم الحلويات بعينين لا تزالان تلمعان بالدموع. أوتيس جلس بجانبها صامتاً، يراقبها وهي تأكل بشراهة، وكأنها تخزن الطعام لفصل شتاء طويل.
بعد أن أنهت آخر قطعة حلوى، بدأت عينا جين تثقلان.
تمددت على المقعد الحجري، رأسها يميل إلى الأمام دون وعي.
“يجب أن تذهبي للنوم.” قال أوتيس وهو يرفعها برفق. “هناك غرفة استقبال فارغة في الطابق العلوي. استريحي هناك، وسآتي لأوقظكِ عند المغادرة.”
أومأت جين برأسها وهي بالكاد تستطيع إبقاء عينيها مفتوحتين.
ساعدها أوتيس للصعود إلى الطابق العلوي، حيث استلقيت على أريكة فاخرة في غرفة الاستقبال الخاصة.
قبل أن يتمكن من تغطيتها، كانت قد غرقت في نوم عميق.
في الأسفل، كانت الموسيقى تعلو، والنبلاء يتحدثون ويضحكون، كان أوتيس منغمساً في محادثة جادة مع مجموعة من النبلاء حول شؤون التجارة بين الدوقيات، عندما سمع فجأة:
*صراخ!* ثم *اصطدام!*
صوت سقوط جسم ثقيل على الأرض هز القصر.
توقفت الموسيقى، وتجمّد الجميع في أماكنهم، ثم انطلقت خطوات مسرعة نحو مصدر الصوت.
“إيريس!” صرخ أحد الخدم.
قلب أوتيس توقف للحظة.
اندفع بين الحضور نحو مصدر الصوت، ليجد إيريس ملقاة على الأرض بلا حراك، دم يسيل من رأسها. وجهه شحب تماماً.
ركع بجانبها بسرعة، يده ترتجف وهو يتحسس نبضها. “إيريس! هل تسمعينني؟”
حملها بين ذراعيه، عيناه تبحثان عن أقرب طبيب بين الحضور. لكن فجأة…
“أوتيس!” صوت جين المرتفع من الطابق العلوي قطعه.
رفع رأسه ليرى حراسه يمسكون بجين التي كانت تحاول الفكاك، وجهها يعكس الذعر والارتباك.
“لقد رأيتها! هي دفعت السيدة إيريس!” صرخ أحد الشهود من بين الحشد.
أوتيس شعر وكأن الأرض قد انفتحت تحت قدميه.
بيد مرتعشة، سلم إيريس لحارسه الشخصي. “خذها إلى الطبيب فوراً! الآن!”
ثم صعد الدرج بخطوات ثقيلة، كل خطوة تزيد من غضبه.
الحضور انقسموا ليفسحوا له الطريق، همسات الرعب تنتشر كالنار في الهشيم.
عندما وصل إلى الطابق العلوي، وجد جين لا تزال في قبضة الحراس، شعرها الأشقر المنسدل في فوضى، وعيناها الزرقاوان مليئتان بالدموع.
“أوتيس! ما الذي يحدث؟” صرخت وهي تحاول الوصول إليه.
لكنه تقدم نحوها بخطوات بطيئة، كل خطوة كأنها تدق مسماراً في نعش ثقتها.
أمسك بمعصميها بقوة، عيناه تشتعلان بنار الاتهام.
“هل… هل فعلتها أنتِ؟” سأل بصوت أجش، كل كلمة تخرج كسكين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"