كان لقاءها الأول مع لورانز برينغر مليئًا بسوء تفاهمٍ شرسٍ ووحشي
آنذاك، كانت إيري هي مَن فقدت القفاز، ولورانز هو مَن وجده بالصدفة. أما الآن فقد انعكس الوضع تمامًا، لكن إيري شعرت بإحساسٍ قويٍّ بالديجافو تجاه هذا الموقف.
مدّ لورانز يده دون أن ينطق بكلمة. تردّدت إيري بشكلٍ غريب، ثم سلّمته القفاز.
“آه!”
بجرأة، جذب لورانز يد إيري بقوّة، فسقطت في حضنه مثل أرنبٍ وقع في فخ.
لسببٍ ما، بدا لورانز سعيدًا، فأغلقت إيري فمها وبدأت تراقبه.
طوال الحفلة، كان لورانز محاطًا بالحشود. بخلاف ذلك، كان يرقص مع السيدات المتأنّقات مثل الطواويس، لذا كانت هذا أوّل تحيّةٍ بينهما اليوم.
لم يكن يرتدي ملابس فاخرةً دائمًا، لكن حضوره كان الأبرز في أيّ مكان. ربما كان يلتزم ببدلات الحفلات البسيطة كي لا يفسد انطباعه الفريد.
اليوم أيضًا، أضاءت بدلة الحفلة بلون اللؤلؤ وجهه الوسيم بشكلٍ أكثر إشراقًا. لو بقي صامتًا، لبدا كرجلٍ وسيمٍ باردٍ وقاسٍ، لكن ابتسامته التي أظهرها لإيري بين الحين والآخر أكّدت أنه ليس رجلاً بقلبٍ من جليد.
أدخل لورانز قفازه في جيبه بعفوية، ثم مدّ يده لإيري التي كانت تفحصه بتعمّق.
“هل لي بشرف أن أريكِ حديقة الكوبية، آنستي؟”
كانت حديقة الكوبية هادئةً بشكلٍ غريب، وكأنها جزيرةٌ معزولة.
بدت قاعة الحفل المضاءة بالنور من خلال النوافذ الكبيرة وكأنها تقع عبر نهرٍ أسود.
كان جسده الذي ضمّها إليه دافئًا جدًا لدرجة أنه كان من الصعب تخيّل أنه جسد السير لورانز برينغر.
كانت هذه المرّة الأولى التي يمشيان فيها متقاربين بهذا الشكل. في الواقع، لم يحدث أبدًا أن اقتربت إيري بهذا الشكل من أيّ رجل.
حاولت إيري ألّا تعلّق أهمية كبيرةً على ‘المرّة الأولى’، لكنها لم تستطع تجاهل التلامس بين بشرتهما عبر القماش الصيفي الرقيق.
كانت متوترةً لدرجة جفاف حلقها، ولم تستطع تمييز ما إذا كان السبب هو لورانز أم مجرّد قربها من رجل. ربما كان كلاهما.
لورانز، من ناحيةٍ أخرى … بدا طبيعيًا كالعادة. بما أنها خلصت بالفعل إلى أنه ‘يستحق وجهه’، لم يكن هناك ما يثير الدهشة.
شعرت إيري أن لورانز، الذي بدا غير مبالٍ … مزعجٌ بعض الشيء. مع تكرار مواقف اهتمامها به بينما يبدو هو غير مكترث، بدأت تشعر بالظلم.
في اللحظة التي وصلت فيها إلى هذا الاستنتاج، تجمّدت إيري من الصدمة.
نعم، لقد اهتمّت به.
حينما كان لورانز برينغر يتصرّف بوقاحة، أو بتعبيرٍ لئيم، أو حينما كان يؤذي مشاعرها، أو حينما كان يضحك بخفة.
كان يتصرّف وكأنه يمسك بقلبها بين يديه، لكن في النهاية، أليست هي مَن منحته إياه؟
عندما أدركت ذلك، بدا لورانز كشخصٍ مختلفٍ تمامًا عمّا عرفته. غريبٌ ومخيف، لكن في نفس الوقت ملأها شعورٌ بالتوقّع.
بمشاعر متضاربة، سمعت إيري صوت لورانز الخافت.
سألها إذا كانت تعرف أن الأغنية التي يغنّيها الأطفال هذه الأيام، سُرَّةُ الصيف، كانت في الواقع قصيدة. هزّت إيري رأسها نفيًا.
“إنها قصيدة لهنري ميلتون. رغم أنها أقلّ شهرةً من السوناتة رقم 33…”
عندما عبست إيري، ضحك لورانز ضحكةً مكتومة. بدا وكأنه يفهم سبب ذلك دون أن يَرَ ما مرّت به.
“يبدو أنكِ سمعتِها كثيرًا.”
“ستصاب بالصدمة إذا عرفتَ عدد المرّات التي سمعتُ فيها تلك السوناتة اليوم.”
“حسنًا، ‘أنتِ أكثر جمالًا من يوم صيفي’ هي قصيدة حبٍّ مشهورة.”
زمّت إيري على شفتيها. لم تكن هذه التعاطف كافيًا لها.
“الجميع هكذا.”
“إنهم لا يكلّفون نفسهم بذل جهدٍ في البحث عن قصائد أخرى ليحفظوها. كسولون، ويفتقرون إلى الخيال.”
رغم انتقاد إيري اللاذع، لم تختفِ ابتسامة لورانز.
“على الأثل، ‘أكثر جمالًا من يوم صيفي’، ليست فاشلة.”
“أعتقد أنكَ أيضًا من النوع الذي يعطي الأولوية للسلامة، سير.”
“ربما. عندما يكون الوضع يائسًا، يصعب أن تكون جريئًا.”
“آه، هل تتحدّث الآن نيابة عن ‘جيش السوناتة 33’؟”
كانت إيري مازحةً للغاية.
“من المؤسف أن تضعيني في نفس فئة هؤلاء الحمقى.”
رد لورانز بالمثل. لكن إيري ردّت بدافعٍ عفوي.
“كاذب.”
اندهشت لسماع هذه الكلمات، لأن تلك الكلمات التي تبدو تافهة كانت في الواقع غضبًا مكثفًا لمشاعرها الدفينة المكبوتة.
“… ما أقصده هو.. ”
“هل تقصدين أن قولي ‘من المؤسف’ كان كذبة؟”
“لا.”
هزّت إيري يديها بسرعة.
“إذن ماذا؟”
“……”
“لماذا تعتقدين أنني كاذب؟”
“أعتذر إن كنتُ قد أسأتُ إليك.”
تحرّرت أذرعهما المتشابكة. شعرت إيري مرّةً أخرى بذلك الفراغ الغريب. كان الأمر كما لو أن الرمال كانت تتسرّب من بين أصابعها، وكأن لورانز كان يبتعد.
“أنتِ تجعلينني أبدو كأحمقٍ وكاذب.”
انخفض رأس إيري. لكن بعد لحظات، وضع لورانز يده برفقٍ على خدها.
نظر مباشرة في عينيها. عيناه العميقتان كغابةٍ بعد المطر كانتا ثابتتين بلا أيّ تردّد.
“هذه المرّة، أحتاج حقًا لتوضيح الأمر.”
دفع لورانز شعره المتدلّي بعنف. بدا وكأنه غاضبٌ أو متحمس، فانتبهت إيري إليه.
“بصراحة، أنا أيضًا أعددتُ السوناتة رقم 33.”
“مـ … ماذا؟”
أعدً ماذا؟
عضّت إيري شفتيها عند هذا التحوّل غير المتوقع للأحداث.
“زمع ذلك، يؤلمني أن تقارنيني بهؤلاء الحمقى.”
“يؤلمك…؟”
تسارعت أنفاس إيري. شعرت بنشوة فرحٍ غريبة.
مع مرور السحب، ظهر ضوء القمر المختبئ. كان وجه لورانز المعقّد واضحًا مثل شمعةٍ وحيدةٍ في الظلام.
اختارت إيري كلماتها ببطء. أصبحت تستمتع بجعله ينتظر.
“بغض النظر عمّا قلتُه، كنتَ تتصرّف وكأن كلامي لا يعني لكَ شيئًا.”
“أنا؟”
“……”
كان لورانز، الذي يحاول التملّص، مزعجًا بعض الشيء، لكن ليس لدرجة الكره.
“في البجعة البيضاء بالتأكيد، على تلّة الزيلكوفا قرب غرفة الصلاة، قلت ‘لماذا تعتبر كراهيتكِ لي إهانةً لي؟’ ”
“توقفي، توقفي.”
“روزي الثالثة شاهدةٌ أيضًا.”
رفعت إيري ذقنها بفخر.
“هل ستجعلين قطةً صغيرةً تشهد؟”
“إذا لزم الأمر، نعم.”
“يا لكِ من سيدةٍ شريرةٍ لئيمة!”
“سيدةٌ شريرةٌ خيرٌ من رجلٍ نبيلٍ كاذب.”
“……”
“……”
نظر كلٌّ منهما إلى الآخر. كما لو لم يكن هناك أحدٌ آخر في هذا المكان، كما لو كانا وحدهما.
“هيه.”
كان لورانز أوّل مَن ضحك. هزّ كتفيه، ثم فرك زاوية عينه المحمرة وهو يقهقه.
ضحكت إيري بحريّةٍ مثله. متى كانت آخر مرّةٍ ضحكت فيها بهذا الشكل؟
شعرت وكأن صدرها قد انفتح. امتلأ ذلك المكان بفرحٍ خالصٍ وإثارة.
“سيدةٌ شريرة …”
همس لورانز بصوتٍ حافت. مرّر أصابعه على شعرها الجانبي. كان الأمر كما لو أن فرشاةً رقيقةً تدغدغ خدّها وأذنها.
“كيف أعاقب هذه السيدة الشريرة، اللئيمة، والقاسية جدًا …”
بينما كانت تراقب لورانز وهو يبتسم، ابتلعت إيري ريقها بجفاف. شعرت وكأن قلبها سيقفز إلى حلقها.
اقترب وجه لورانز منها. كان يمسك أحد خديها بالفعل.
أغلقت إيري جفنيها غريزيًا. على الرغم من أنها كانت مندهشةً من وقاحتها، إلّا أنها زمّت شفتيها تحسّبًا.
نزل شيءٌ ناعمٌ ورطبٌ، كبتلة زهرةٍ مغطاةٍ بالندى، على شفتيها. لأوّل مرّة، أدركت إيري أن الشفاه يمكن أن تكون بهذه النعومة.
كما أنهما كانتا حسّاستين للغاية. عندما داعبها برفق، أطلقت إيري أنينًا خفيفًا من بين أسنانها. تبعتها ابتسامة لورانز السعيدة بعد ذلك.
غيّرا زاوية رأسهما وقبّلا بعضهما مرّةً أخرى بشغف. عندما ابتعد لورانز، متظاهرًا بالمراعاة، لم تستطع إيري إلّا أن تشعر بوخزة ندم، غير قادرةٍ على إفلات كمّه.
“هل أعجبكِ ذلك؟”
سألها
الرجل النبيل الكاذب.
بدلاً من الرّد، رفعت إيري كعبيها وقبّلته مرّةً أخرى.
“……”
لفّ لورانز ذراعيه حول خصرها.
فكّرت إيري.
على الأقل، هذه القبلة ليست كذبة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"