عند الوصول إلى العاصمة ليوبين في بريتيا، لفتت الأنظار ملصقات الأوبرا والأفلام والسيرك المتنوعة.
رغم أن بولن كانت تعتبر المدينة الثانية في البلاد، إلّا أنها لم تكن توفّر هذا التنوع الثقافي والفني.
مع ذلك، كانت إيري واثقةً بأن بولن تفوق العاصمة في خضرة طبيعتها. أما ليوبين فكانت تشعر بأن كلّ شيءٍ فيها -حتى الأشجار على جانب الطريق- جزءٌ من تخطيطٍ مدنيٍّ مصطنع.
لا خلاف على أن مشاهد ليوبين كانت زاخرةً بالحياة.
تحت ظلال أشجار الدلب النضرة، كان رسّامو الشوارع ينصبون حواملهم لجذب الزبائن، وأمام أكشاك الصحف، كان السادة بأناقتهم اللامعة يصطفّون في طوابير.
فتحت إيري نافذة السيارة بالكامل لتستمع بنسيم القيادة المنعش.
عندما زارت ليوبين لحضور مأدبة النصر سابقاً، كانت متوترةً لدرجة أنها شعرت بالمقصورة وكأنها في الجحيم. لو كانت في عربةٍ تهتزّ بشدّةٍ لربما تقيّأت.
كانت اليوم في طريقها لسوق الزهور الأكبر في البلاد، فاستمتعت بالمشاهد العابرة بقلبٍ خفيف.
نظراً لندرة السيارات حتى في العاصمة، أدركت إيري أن الناس يرمقونها بنظراتٍ فضوليةٍ كما كانت ترمق المدينة.
الكثير من النبلاء كانوا يرون هذه القطع المعدنية التي تنفث الدخان شيئاً مبتذلاً، بينما عامة الناس كانوا بين الدهشة والخوف، كما كان الحال عند اختراع القاطرة البخارية أوّل مرّة.
لكن في الوقت الحالي، صارت السكك الحديدية وسيلة نقلٍ لا غنى عنها، ولم يعد أحدٌ يراها ‘وحشاً’ أو ‘شيطاناً’.
كانت إيري على يقين بأن السيارات ستسلك نفس المسار. هذه الوسيلة التي لا تهتز كالعربات وتتفوّق عليها في السرعة.
شعرت بفخرٍ غريبٍ وهي تستقل هذا الاختراع التقني المعقد.
“ما رأيكِ بجولةٍ في المدينة بعد إنهاء أعمالكِ؟”
سألها الكونت إرنست الذي كان عازماً على زيارة بنك ويلسون لأعمال تجارية. نظراً لتكرر زياراته الأخيرة للعاصمة، كانت إيري تستطيع زيارة ليوبين متى شاءت.
“فكرةٌ رائعة! وأنتَ، جدّي؟”
“لا أعرف متى سأنتهي من أعمال البنك.”
“هل ستتناول الغداء مع السيد ويلسون؟”
“ليس لدي ترتيبٌ مسبق، لكن مَن يدري. آسف يا صغيرتي، ولكن لن نتناول الغداء معاً اليوم.”
أومأت إيري برأسها بابتسامة.
“حسناً! ولكن، هلّا أوصيتَني ببعض المطاعم الجيدة قبل الذهاب.”
أشرقت ابتسامةٌ دافئةٌ على وجه الكونت أمام دلال حفيدته.
* * *
أنزل الكونت إرنست حفيدته عند سوق الزهور أولاً ثم توجه إلى بنك ويلسون.
كان اليوم مخصصاً لاجتماعٍ استثماريٍّ نظّمه رئيس البنك، يبدو أنه كان يحاول إقناع مستثمرين كبار -بمَن فيهم الكونت- بالاستثمار في ‘القارة الحلم’ عبر المحيط الغربي.
تفقّد الكونت الحضور فلم يجد لورانز، قابل فقط سكرتير فيليكس وتبادلا تحيّاتٍ قصيرة.
“سيكون سموّه حاضراً في حفلة ‘العيون الزرقاء’، سيلقى حضرتكم هناك.”
“حسناً، سنناقش مشروع منجم ‘موتور’ لاحقاً.”
بعد ثلاث ساعاتٍ من الاجتماع، نهض الكونت المتقدم في السن.
كان قد اتفق على غداء مع بعض الأصدقاء الذين لا يتواصل معهم إلّا نادراً خارج هذه المناسبات. على الأرجح سيكون الوقت أكثر متعةً وفائدةً من الاجتماع.
بعد تبادل التحيات مع رئيس بنك ويلسون، فوجئ الكونت بلقاءٍ غير متوقع.
“لم أتوقع رؤيتكَ هنا!”
كان النبيل لورانز برينجر.
يبدو أنه كان في اجتماعٍ في الطابق العلوي حيث توجد قاعات المؤتمرات.
مدّ الكونت يده لمصافحته، فرد لورانز بالتحية.
“ليس غريباً أن نلتقي هنا بالصدفة.”
كان لورانز مبتسماً بلباقة. كان وسيماً ومهيباً لدرجة أن الكونت شعر بفخرٍ غريبٍ به رغم أنه ليس أباه.
كان الكونت على علمٍ بالإشاعات التي تدور حول بولن. فقد أرسل رسالةً شخصيةً إلى لورانز، الذي بدوره أظهر احترامه برقصه مع إيري في ظهورها الرسمي الأوّل.
كما سمع عن حادثة ركوعه أمامها في طريق دولبيش، لكنه لم يُعطِها أهميةً ما دام لم يتقدّم لها رسمياً.
نعم، الزواج.
كان الكونت واثقاً أن لورانز برينغر سيتقدّم لطلب يد إيري قبل نهاية الصيف. هذا ما يتوقّعه من رجلٍ ‘حقيقي’.
كانت عائلة إرنست من النبلاء ‘الحقيقيين’ في قمة الهرم الاجتماعي، تمتلك مجداً وثروةً تضاهي أعرق الدوقات والماركيزات.
لكن نظراء الكونت من النبلاء الحقيقيين كانوا ينظرون باستخفاف إلى لورانز برينغر.
‘مجرّد فقيرٍ من عامّة الشعب’ كما انتشرت همساتٌ عن طفولته التعيسة ووالديه الماديين.
رغم إعجاب النبلاء بقصّة صعوده من البؤس إلى البطولة الوطنية، إلّا أنهم كانوا يشعرون بالارتباك من فكرة مصاهرته.
في هذا السياق، كان الكونت إرنست استثناءً.
حتى أنه هو نفسه تزوّج بامرأةٍ ‘غير مناسبةٍ’ في الماضي، كادت هذه الزيجة أن تقطع علاقته بوالده الكونت السابق، الذي اضطر لقبول الزواج في النهاية لأن زوجته ساشا -رغم أصولها المتواضعة- كانت من عائلةٍ نبيلة.
كرّر يوريو نفس السيناريو لاحقاً، مما أثار مشاعر مختلطة عند الكونت الذي تذكّر معارضة والده العنيفة لزواجه.
لكن مع مرور السنوات، تغيّرت قناعاته.
ما زالت العائلة والألقاب مهمة، لكن هيبتها خفّت. أدرك الكونت أن قيمة الفرد وقدراته ستزداد أهمية، ومن هذه الناحية كان لورانز زوجاً مثالياً.
“بالمناسبة، هل لديكَ ترتيبٌ مسبقٌ للغداء؟”
ثم فجأة، خطرت للكونت فكرةٌ رائعة.
“ليس لديّ أيّ خطط.”
“هذا جيد! حفيدتي ستتجوّل في المدينة بعد زيارتها لسوق الزهور.”
أظهر لورانز تعابير مفاجأةٍ عند ذكر الشخص غير المتوقع.
“الآنسة إيري؟”
“هل لديّ حفيدةٌ غيرها؟”
“أعذرني، أنا بطيءٌ في متابعة الأخبار.”
“لا بأس، لا أمانع لو كان لديّ حفيدةٌ أخرى مثلها، فتاةٌ مشرقةٌ وذكية.”
“أعلم.”
كان رد لورانز غامضاً.
أعلم؟ كم يعرف عن حفيدته ليتحدّث بهذه الثقة؟
“هل يمكنكَ مرافقتها إن لم يكن لديكَ مانع؟”
“سيكون ذلك من دواعي سروري، إذا وافقت الآنسة إيري على مرافقتي لها.”
“هذا يعتمد على مهاراتكَ بعد الآن.”
كان الكونت واضحاً في رغبته بهذا الزواج. بالنسبة للورانز، كانت هذه أخباراً سارة. كما قال فيليكس مراراً، إيري إرنست كانت الخيار الأمثل له.
“سيدي الكونت… يبدو أن رئيس بنك ويلسون يستثمر بشراسةٍ هذه الأيام.”
رغم تعابيره المحايدة، لكن صوته كان منخفضاً جداً.
“لاحظتُ ذلك. رجلٌ لا ينقصه شيءٌ لكنه طموحٌ جداً. الجشع جزءٌ من سبب وصوله إلى منصبه.”
“أثق بحكمتكَ سيدي، لكن رئيس البنك سريع التأثر بالنصائح.”
“أتعطيني النصائح الآن؟”
كانت سخرية الكونت شيئًا متوقعاً. أضاف لورانز بتواضعٍ بسرعة.
“اعذرني إذا تجاوزتُ حدي.”
“لا بد أن لديكَ أسبابك.”
كان الكونت أكثر حكمةً وتواضعاً مما توقع لورانز.
“سأضع ذلك في الاعتبار.”
ربّت الكونت على كتف لورانز تشجيعاً ثم توجّه إلى المصعد.
انتظر لورانز حتى اختفى الكونت قبل أن ينزل من السلّم الرئيسي. كانت خطواته بطيئةً في البداية، ثم أسرع كلما نزل.
عَبَر البهو الرخامي الفاخر وخرج من الباب الدوار.
في وقت الظهيرة، كانت شوارع ليوبين المركزية مزدحمة.
تجمع الرجال ببدلاتهم الرسمية في مجموعاتٍ متّجهةٍ إلى المطاعم. تحت الشمس الحارقة، خلع الكثيرون قبعاتهم وكانت جباههم تلمع من العرق.
هل يجب أن أذهب أولاً إلى سوق الزهور؟
فكّر لورانز كيف يمكنه ألّا يفوّت إيري.
لكن تفكيره كان بلا داعٍ، فقد رآها قريباً على الجانب الآخر من الشارع.
كانت مع خادمةٍ ذات شعرٍ أحمر، تبحث عن طريقةٍ لعبور الطريق.
تفحّص لورانز رأسها ويدها بدقّة، متسائلاً إذا كانت ترتدي هداياه.
“……”
لكنها لم تكن تضع دبوس الشعر أو القفازات. أطلق لورانز تنهيدةً خفيفة.
إحصائياً، كانت احتمالية عدم ارتدائها للهدايا أعلى من ارتدائها. ففتاةٌ من عائلة إرنست مثلها قد تمتلك العشرات من دبابيس الشعر والقفازات الجميلة دون أن يكون ذلك غريباً.
لذلك كان لورانز يعرف الحل العملي.
‘أليس الحل هو شراء المزيد؟ حتى يصبح لديها هدايا بالعشرات وتبدأ في ارتداء إحداها.’
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 32"