جوفان برينغر، بعد أن كذب بأنه يزور صديقًا في مدينة بولن، عاد إلى منزله من ليلة قمار، وهو في قمّة الحماس.
“بُنيّ!”
اندفعت السيدة برينغر، التي كانت تُنظّف طاولة العشاء، نحوه كما لو أنها لم تره منذ عام.
تجنّبها جوفان غريزيًا وعلّق معطفه وقبعته. كانت حافة القبعة قد أخفت وجهه، وعندما انكشف وجهه، أطلقت السيدة برينغر صرخة.
“ما الذي حدث لوجهك؟!”
اندفع السيد برينغر خارجًا من الحمام، فقاعات الصابون لا تزال بين أصابع قدميه.
“انظر إلى وجه طفلنا!”
أشارت السيدة برينغر في رعب.
“وجهكَ الوسيم، ماذا حدث؟ هل ضربكَ أحدهم؟”
“لا داعي أن تعرفي.”
صرخ جوفان بانفعال، وقد بدا عليه الانزعاج.
عبس السيد برينغر.
“أيّها الشقي، هل تتحدّث بهذه الطريقة مع والدتك؟”
“لا تنادي طفلنا بالشقيّ!”
ردّت السيدة برينغر بحدّة، مما جعل السيد برينغر ينكمش تحت نظراتها الحادة. بصراحة، “طفلي” و”شقيّ” لا يختلفان كثيرًا…
“الأمر يتعلّق بذلك الوغد لورانز.”
قال جوفان.
لم يعلّق أيٌّ منهما على أنه أشار إلى أخيه الأكبر، الذي يكبره بخمس سنوات، بطبيعية بـ ‘ذلك الوغد’.
“كانت معه امرأة. لطيفةٌ جدًا أيضًا.”
جلس جوفان على الطاولة التي لم يُزَل عنها شيءٌ بعد. أسرعت السيدة برينغر لمسح الفتات والماء بقطعة قماش.
“هل تريد بعض العصير، صغيري؟”
كانت مستعدةً لعصر البرتقال على الفور.
لوّح لها جوفان غير مهتم. أحضرت له كوبًا كبيرًا من الماء المثلج بدلًا من ذلك. جلس السيد برينغر أيضًا. بدوا الثلاثة كصورةٍ لعائلةٍ دافئةٍ وسعيدة، إن تجاهل المرء فقاعات الصابون والاختلال الوظيفي العام.
علّق السيد برينغر، وهو يجفّف أصابع قدميه.
“بالطبع لديه فتاة. لا بد أنهن يلقسن بأنفسهنّ عليه، وتنانيرهنّ مرفوعة، آه!”
ركلته السيدة برينغر تحت الطاولة.
بينما كان السيد برينغر يتذمّر منزعجًا، لم يُعر جوفان أيّ اهتمام. بدا عليه الحيرة.
“ما الذي يرونه فيه؟ إنه مجرّد جنديٍّ ضعيف. مَن قد يريد ذلك؟”
“إنه وسيم وبنيته كالحصان.”
قال السيد برينغر، مضيفًا عرضًا أن لورانز يُضاهيه في الحجم.
“يقضون ليلةً ممتعةً فقط، لا أكثر، آه! عزيزتي!”
“كُفَّ عن هذا الكلام الفاحش. ماذا سيتعلّم طفلنا؟”
لا تزال السيدة برينغر تعتقد اعتقادًا راسخًا أن جوفان فتًى خجولٌ لا يستطيع حتى النظر في عيني فتاة، ناهيكَ عن سمعته السيئة كزير نساءٍ في المنطقة. كانت تنتمي إلى نوع الناس الذين يعتقدون أن الأطفال يمكن إنجابهم بعد الزواج فقط.
“مَن الذي قال إن هذا الطفل مفلس؟”
حكّ السيد برينغر ذقنه وأشعل سيجارة. التفّ الدخان حول طاولة العشاء.
“من الواضح أنه يخفي عنّا المال.”
عندما يتعلّق الأمر بالمال، كانت غرائز السيد برينغر دقيقةً بشكلٍ مدهش.
“وإلا، كيف يمكنه أن يعيش حياةً رغيدةً في ذلك الفندق الفاخر؟ حتى أنني سمعتُ شائعاتٍ أنه قام بالاستثمار.”
“استثمار؟ أيّ استثمارات؟ أين وضع أمواله؟ هل حقّق ربحًا؟!”
لمعت عينا السيدة برينغر الدهنيتان. وتوهّج أنفها حماسًا.
لكن جوفان لم يكن مهتمًّا بالمال على الإطلاق. كان يهتم فقط بامرأة لورانز.
“هل كان اسمها آمي؟ إرنست؟ شيءٌ من هذا القبيل.”
“ماذا؟ إرنست؟!”
ما إن سمع تمتمة جوفان، ضرب السيد برينغر الطاولة بقوّة.
لم يعد الأمر يتعلّق بالمال فقط.
“إذا كان إرنست، فلا بد أنها حفيدة الكونت إرنست. أيُّ جائزةٍ كبرى هذه، هاهاها.”
“وماذا في ذلك؟ هل هو مشهورٌ أم ماذا؟”
اشتعل قلب جوفان بالغيرة. وتجهّم وجهه بمرارة.
“آل إرنست نبلاءٌ حقيقيون. إنهم مسجَّلون في سجل نبلاء بريتيا. سترث تلك الفتاة ثروة …”
ثرثر السيد برينغر عن ثروة العائلة كما لو كان يديرها بنفسه. كانت كلها إشاعاتٍ منقولةٍ من أوكار قمار، لا يمكن الاعتماد عليها إطلاقًا.
وأضاف بابتسامةٍ فخورة.
“ذلك الوغد الصفيق لورانز، حسنًا، لقد تفوّق عليّ في المهارة.”
ارتشف جوفان الماء المثلَّج ليُهدِّئ غضبه المتصاعد. لقد كَرِه حصول أخيه على كلّ الخير. كَرِه سرعة نشوة والده بالفخر فيه دائمًا.
كان قد فكّر في التجنيد خلال حرب غينيس – ليڤروت. ربما كان سيكسب شرفًا ومالًا، بل وحتى امرأةً جميلة.
لكن لورانز اندفع إلى الحرب دون أن ينطق بكلمة. وبسبب البند الذي ينصّ على أنه ‘إذا انضمّ رجلٌ واحدٌ من العائلة، يُعفَى الآخرون من ذاك’، لم يُسمَح لجوفان بذلك.
“هل تعتقد أنه سيشاركنا ثروته؟”
سألت السيدة برينغر بتوتر.
“ماذا تقصد بـ ‘مشاركة’؟ نحن مَن صنعناه.”
نبس السيد برينغر باستهزاء. بالمعنى الدقيق للكلمة، كانت السيدة برينغر زوجة أب لورانز، لكن لم يُكلِّف أحدٌ نفسه عناء تصحيح هذه المعلومة الصغيرة الآن.
ومع ذلك، تذمّرت السيدة برينغر.
“مع ذلك … لديه سجلٌّ حافل.”
“إذا حاول أن يحتفظ بكلّ شيءٍ لنفسه…”
أطفأ السيد برينغر سيجارته في أصّيص اللّبلاب وقال بجدية.
“لن نكتفي بالجلوس.”
* * *
كانت رائحة نادي السادة تفوح برائحة الكحول المُعتّق ودخان السجائر والكولونيا القوية لدرجة تحرق العيون.
لكن فرك العينين كان يُعتبر فظًّا، لذا كان السادة يتثاءبون أو يرتشفون مشروباتهم لتجنّب أيّ ردّ فعل.
في هذه المنطقة، على بُعد مبنيين فقط من طريق دولبيش، كان هناك العديد من هذه النوادي. جميعها مخصّصةٌ للأعضاء فقط وتتطلّب إحالاتٍ شخصية.
دُعي لورانز للانضمام بمجرّد انتقاله إلى بولن. وافق، بشرط السماح لواينز بالدخول أيضًا. عادةً، كان يُستبعد شخصٌ مثل واينز، وهو من عامّة الناس بلا مكانةٍ اجتماعية، من هذه الأماكن.
في بعض الأحيان، كانت النساء أيضًا تزور النادي، ويُسمح لهنّ بالدخول بتذكرة دخولٍ يومية. بينما كان لورانز يلعب البوكر بوجهٍ ملول، كان واينز منشغلاً بسحر النساء بالسوناتات.
كان لورانز يرتشف من كأسه، وينقر بلسانه بلا حولٍولا قوّة كلّما نظر إليه.
“أوه، لورانز! سمعتُ أنكَ عثرتَ على كنزٍ ثمينٍ مؤخّرًا؟”
اقترب رجلٌ ذو شاربٍ أنيقٍ من طاولة البوكر. أراه لورانز أوراقه.
كانت أوراقه سيئةً بشكلٍ مُضحِك. وكان على وشك نفاد رقائقه الليلة، لذا سيغادر مُفلسًا.
“هيّا، لا داعي للتظاهر.”
سحب الرجل ذو الشارب كرسيًا وجلس بجانب لورانز.
لم يُعرِ لورانز اهتمامًا له ولم يتجنّبه.
“بضعة عملاتٍ لا تعني شيئًا. لقد كسبتَ منزلًا ثمينًا في ليلةٍ واحدة.”
“كما ترى.”
“يقولون إنكَ تبرّعتَ بكلّ أموال مكافأتك. من أين يأتي المال اللازم للاستثمار؟”
“أنتَ فضوليٌّ للغاية.”
أجاب لورانتس ببرود. انضم إلى هذا النادي لغرض، وقد جمع بالفعل المعلومات التي أرادها. كان لعب الورق مجرّد جزءٍ من العرض.
“لستُ وحدي الفضولي بشأن ذلك.”
ابتسم الرجل بسخرية.
“الجميع يريد أن يعرف أين تضع أموالك.”
“أنا أنسحب.”
رمى لورانز أوراقه جانبًا.
“ألا يمكنكَ إعطائنا تلميحًا على الأقل؟”
“تسك. توقّف عن إزعاج الجندي.”
قال واينز، وهو يقترب من لورانز ويربّت على كتفه.
نظر لورانز للخلف. أشار واينز نحو المدخل.
وقف لورانز.
“كانت لعبةً ممتعة.”
“لقد استمتعنا أكثر منك!”
عند كلمات لورانز الوداعية، ضحك رفاقه المنتصرون.
شرب لورانز مشروبه المتبقّي وعلّق معطفه على ذراعه.
“إذن، هل نجحت السوناتة ٢٨؟”
“كانت ٩٧، وليس ٢٨. السيدات ينتظرن.”
أخرج واينز سيجارتين من علبته، وضع إحداهما في فم لورانز والأخرى في فمه.
عند المدخل، همست شابّاتٌ أنيقاتٌ فيما بينهنّ وهن ينظرن إلى بعضهن. قال لورانتس.
“استثنِني من هذا.”
“إنها مجرّد متعة. إنهنّ فتياتٌ عاديّاتٌ من المدينة.”
هزّ لورانز كتفيه وكأنن لا يهتم وألقى ببقايا نقوده في قبعةٍ يحملها عامل النظافة.
“عليّ أن أبقى هادئًا هذه الأيام.”
“لطالما حرصتَ على السلامة. ووجهك؟ ليس كأنه سيتلف على أيّ حال.”
“إنه يتلف.”
“ماذا؟”
“حتى الوجه يتلف.”
نظر إليه واينز بغرابة. تبع لورانز عبر الممرات المتعرّجة، يحدق في مؤخرة رأسه.
ثم أخيرًا، سأل.
“… هل هذا …”
التفت لورانز. بطريقةٍ ما، بدا تعبيره أكثر رقّةً من ذي قبل. ابتلع واينز ريقه وسأل.
“هل هو حبّ؟”
“واينز.”
حتى وسط ثرثرة السكارى والمقامرين الصاخبة، كان صوت لورانز واضحًا.
‘حتى صوته جذّابٌ بشكلٍ مُبالغ فيه.’ فكّر واينز.
دفع لورانز كتفه.
“اذهب. كُن طائ
ر الكناري الصغير الساحر خاصّتهن. ردِّد السوناتات بالعكس إن اضطررتَ لذلك .”
“ألن تأتي حقًا؟”
سأل واينز بنظرة شك. وبصراحة، كان يتوقع ما قد يكون سطر لورانز التالي.
“اغرب عن وجهي.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"