جاء لورانز برينغر إلى البجعة البيضاء، ضيفًا على إيري إرنست.
سألت إيري، وقد أصابها الذهول للحظة، في حالةٍ من عدم التصديق.
“هـ هل جاء لرؤيتي حقًا؟”
كادت أن تقول ذلك الرجل، لكنها سرعان ما غيّرت نبرة صوتها احترامًا للسيدة بونز. أومأت جينجر برأسها.
“أجل يا آنسة. هذا ما قاله. لقد اصطحبتُه إلى غرفة الاستقبال.”
لا يُمكن ترك شخصٍ بمكانة لورانز برينغر واقفًا عند الباب. لكن الآن وقد دخل، أصبح من الصعب إبعاده. رمقت إيري جينجر بنظرةٍ اتّهاميةٍ خفيفة.
“…لا أستطيع الذهاب. لديّ موعدٌ بالفعل-“
“أوه لا تشغلي بالكِ بي، الدرس انتهى بالفعل.”
في تلك اللحظة، قاطعتها السيدة بونز، التي كانت تستمع بصمت. كان وجهها مُشرقًا بالحماس، مع أنها أخفته وراء ابتسامةٍ كريمة.
“إن كنتِ تُخفين مشاعركِ فقط بشأني، فأنا مُصرّة، لا بأس.”
“لكن مع ذلك …”
“أودُّ حقًا أن أقابله. أنتَما تعرفان بعضكما البعض بالفعل، صحيح؟ إذا كان وسيمًا كما يُقال، فقد أنسى أنني بحاجةٍ إلى عصًا.”
أضافت مازحةً.
بمباركة بونز الحماسية، لم تعد إيري قادرةً على استخدامها كذريعةٍ لطرد لورانز.
إلى جانب ذلك، تذكّرت نصيحة جينجر، إذا رفضت لورانز الآن، فقد يُثير ذلك شائعاتٍ بأنه طُرِد من منزل الكونت إرنست.
لا يُمكنني أن أُسيء إلى جدي.
بحزم، استأذنت إيري وغادرت الغرفة.
***
كان لورانز في غرفة الاستقبال الرئيسية. لم يكن جالسًا، بل وقف أمام الطاولة، يُمعِن النظر في صورةٍ ذات إطار. كانت صورةً للكونتيسة إرنست في شبابها، على الأرجح منذ انتقالها إلى المنزل بعد زواجها. بدت اللوحة وكأنها تُعلِن، حتى الآن، أنها سيدة العقار الحقيقية.
أبطأت إيري خطواتها، وهي تراقب الرجل الطويل المتين وهو يُداعب ذقنه بتفكيرٍ وهو يفحص الصورة.
“…”
كانت السيدة بونز مُحقّة، إنه وسيمٌ بشكلٍ مُبالَغ فيه. بمنظره هذا وهو شاردٌ في اللوحة، بدا لورانز نفسه كعملٍ فنيٍّ آخر.
‘ولكن ماذا في ذلك؟ لديه شخصيةٌ سيئة.’
“سير برينغر.”
ثبّتت صوتها ونادت عليه. استدار بهدوء، مُبديًا ابتسامةً هادئةً ومهذّبةً، بعيدةً جدًا عن شخصٍ يزورها كضيفٍ غير مدعوّ.
“آنسة إرنست. سررتُ برؤيتكِ مرّةً أخرى. آمل ألّا تكون زيارتي مُزعجةً.”
“في الواقع، السيدة بونز هنا اليوم أيضًا.”
تحدّثت إيري بهدوء، متذكّرةً دروس الإتيكيت السابقة. كانت طريقةً مهذّبةً لقول أن زيارته مزعجةٌ حقًا.
“فهمت.”
لم يبدُ على لورانز أيُّ قلقٍ على الإطلاق.
“هل أستأذن إذًا؟”
“…”
شدّت إيري تنورتها. أرادت الموافقة، لكنها كانت قد خطّطت مُسبقًا مع السيدة بونز. بدا سؤال لورانز أشبه بمحاولةٍ مُتعمّدةٍ لجرح كبريائها.
أدركت أنه عندما يتعلّق الأمر به، دائمًا ما تتحوّل أفكارها إلى حادّةٍ وعدائية. لذلك قطعت تلك السلسلة من الأفكار عمدًا وأجابت بهدوء.
“إذا لم يكن لديكَ مانع، أودُّ أن أُعرّفكَ على السيدة بونز.”
‘من فضلك، قُل لا.’
“سيكون ذلك شرفًا لي.”
“…. إذًا سأُريكَ غرفة الجلوس.”
“شكرًا لكِ.”
سار نحوها بثقة، ولدهشتها، مدّ ذراعه.
“؟”
عندما تردّدت، نظر إليها لورانز بنظرةً واضحةً تقول ‘ذراعي ستسقط من هنا’. ارتعش حاجباه المتناسقان بانفعال، فاضطرّت إيري، المرتبكة، إلى الإمساك بذراعه، مع أنها لم تشعر أنه معروفٌ بقدر ما كان فخًّا.
“من فضلكِ، قُودي الطريق.”
ابتسم ابتسامةً خفيفةً وهو يتحدّث. لم تلاحظ إيري، المتوترة للغاية والمُركّزة على الطريق أمامها، الرضا في ابتسامته.
***
لدهشة إيري، كان لورانز مهذّبًا للغاية مع السيدة بونز.
كانت بونز بالفعل بارعةً في الاختلاط بالآخرين، لكن إيري لم تكن تعلم أن لورانز يستطيع الابتسام بصدق. عندما التقيا لأوّل مرّةٍ في حديقة الورود، ومرّةً أخرى في دوسينتا، بدا باردًا ومتغطرسًا، كملكٍ لا يضحك على أيّ مهرّج.
ابتساماته المصطنعة جعلته يبدو كشخصيةٍ شمعيةٍ وسيمة. لكن هذا كان مختلفًا.
“…لذا أحضرتُ روزي إلى المنزل. لقد رحلت الآن، لكن لديها ابنةٌ تُشبهها تمامًا، ومؤخّرًا أنجبت قططًا صغيرةً مرّةً أخرى …”
كانت روزي قطةً سمينةً تُحبّها الكونتيسة إرنست. بعد وفاتها، تولّت السيدة بونز رعاية روزي وتربيتها. والآن، بعد أن أنجبت روزي الثانية، حفيدة روزي، عددًا كبيرًا من القطط، بدأت بونز في التخلّي عنهم.
بينما كان لورانز يستمع بانتباه، عرض حلّاً.
“ماذا لو تبنّت الآنسة إرنست قطة؟”
“ماذا؟”
إيري، التي كانت مشدوهةً بصندوقٍ صغيرٍ بجانبه، رفعت رأسها بدهشة. التقت عينا لورانز الخضراوتين الناعمتين بعينيها.
“أعتقد أنه سيكون رفيقًا جيدًا.”
شدّت إيري تنورتها مجدّدًا. كان قلبها يخفق بشدّة.
في الحقيقة، كانت بحاجةٍ إلى رفيق. بعد أوّل ظهورٍ اجتماعيٍّ لها، قد تكوِّن بعض الصداقات، لكن حفل النصر لا يزال على بُعد أسابيع.
ونظرًا لنفورها من الحفلات، فمن المرجّح أن قطةً تشاركها أيامها في البجعة البيضاء ستخفّف من وحدتها بشكلٍ أكثر فعالية.
لأن إيري، أجل، كانت وحيدةً في النهاية.
لقد اعتبرت البجعة البيضاء قصرًا جليديًا منذ اليوم الأول، ولم يتغيّر ذلك منذ ذلك الحين.
ولكن كيف رأى لورانز ذلك؟ كما لو أنه قرأ أفكارها، وقلبها…
شعرت إيري بموجةٍ مُربكةٍ من الإحراج والانزعاج، والغريب أنها شعرت بالراحة. كلّ ذلك تشابك وأصابها باضطراب، وخفق قلبها بصوتٍ أعلى.
“أعتقد … أنها فكرةٌ جيدة. ففي النهاية … روزي كانت لجدّتي. أودّ أن أعتني بسليلتها.”
ابتسمت السيدة بونز بحرارةٍ وأمسكت بيدها.
“سأُحضر روزي الثالثة معي في المرّة القادمة.”
“شكرًا لكِ، سيدتي.”
“أوه، هذه السيدة العجوز تثرثر كثيرًا. لا بد أن السير برينغر كان لديه عملٌ خاصٌّ به.”
أعادت توجيه الحديث بسلاسة. وقع نظرها على صندوق الهدايا الصغير الملفوف بشريط ساتانٍ ورديٍّ باهت، بدا واضحًا أنه سبب قدوم لورانز.
كان لدى إيري حدسٌ بما في الداخل. وكما لو كان يعلم أنها تعلم، ناولها لورانز إياه بسهولةٍ مُعتادة.
“هذا عربون اعتذار. آمل أن تقبليه.”
“…”
كان في غاية اللطف. راقبت السيدة بونز الشابين بفضولٍ علنيٍّ لك تحاول إخفاءه حتى، مُتلهّفةً لسماع القصة الكاملة وراء هذا ‘الاعتذار’.
تولّى لورانز زمام المبادرة في رواية القصّة.
“في السابق، أتلفتُ زوجًا من القفازات الثمينة جدًا للآنسة إرنست. كانت لطيفةً بما يكفي لتقول إنه لا داعي للتعويض، ولكن …”
فكّت إيري، وهي بالكاد تسمع صوته العذب، الشريط بهدوء.
كان في الداخل زوجٌ من قفّازات الموسلين، يُشبه إلى حدٍ كبيرٍ تلك التي فقدتها، ودبوس شعرٍ أزرقَ مخضرًّا لامعًا.
اتسعت عينا إيري اللوزيتان. عندما رأى لورانز ردّ فعلها، قال بوضوح.
“أردتُ أن تعلمي أنني صادق.”
“…”
“وبصراحة… أردتُ عُذرًا للقدوم إلى البجعة البيضاء. كـجارٍ صالح.”
عندها، ربّتت السيدة بونز على فخذها بانفعال.
“إذن، هل كانت شائعات انتقالكَ إلى بولن صحيحة؟”
“نعم. وقّعتُ الأوراق هذا الصباح. إنها على بُعد 30 دقيقة فقط سيرًا على الأقدام من هنا.”
“أوه، لقد اشتريتَ منزل العيون الزرقاء، أليس كذلك؟ كان هذان الزوجان متردّدين في بيعه منذ زمن. لا أصدّق أنهما فعلا ذلك أخيرًا! يا له من منزل، رائع حقًا!”
بينما صفّقت بونز بيديها فرحًا، كانت إيري تعبث بدبوس الأكوامارين على شكل دمعة. كان من الواضح أنه باهظ الثمن. بالطبع، كانت القفازات التي صنعتها والدتها لا تُقدَّر بثمن، لكن هذا لا يعني أنها ترغب في قبول هدايا إضافية.
كان لورانز يحدّق بها طوال الوقت، ثم فتح فمه.
“من فضلكِ سامحيني على ذوقي السيئ. هذه أوّل مرّةٍ أشتري فيها هديةً لسيدة.”
كان هذا النوع من التعليقات من السهل إساءة فهمه، ومن الواضح أن السيدة بونز قد أساءت فهمه كما يجب، وارتعشت كتفيها حماسًا. لكن إيري، التي كانت غارقةً في أفكارها المتضاربة، عضّت على شفتيها فقط.
قال لورانز إن إتلاف القفّازات لم يكن متعمدًا. رفضت ذلك كعُذر… لكن بالتفكير في الأمر، لم يسحقها في الواقع. ربما دفعها جانبًا بقدمه فحسب؟
كان من الصعب تخيّل شخصٍ يفعل ذلك، لكنه … لم يكن مستحيلًا.
‘لقد بالغتُ في ردّة فعلي حينها.’
الآن فقط اعترفت إيري بأنها سمحت لتحيّزها من لقائهما الأوّل المضطرب أن يحجب رؤيتها بلورانز.
كبادرة تصالح، ثبّتت زينة الشعر في شعرها. ثم نظرت إليه وابتسمت ابتسامةً م
شرقة.
“كيف يبدو؟ هل يناسبني؟”
لم تكن لديها أدنى فكرة، ولا أدنى فكرةٍ على الإطلاق، عمّا فعلته تلك الابتسامة بلورانز في تلك اللحظة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "15"