5
〈الفصل 5〉
2. دعوة ال روسيل.
بدأ الآخرون يدركون خطورة الموقف متأخرين.
وفي اللحظة التي هرع فيها الخدم نحو فيلهلم،
سقطت سيسيليا أرضًا.
ارتجف جسد سيسيليا بعنف
كسمكة أُخرجت من الماء.
وكان الدم يتدفق منها مع كل نفس مرتجف.
وانتشرت رائحة الدم الثقيلة في الجو.
صرخ لويد مطالبًا بإحضار الطبيب
لكن الذين اندفعوا إلى الداخل كانوا مهاجمين مسلحين.
وبدون أي تردد
غرسوا السكين في جسد لويد.
وكان الدور التالي على بلير.
حاول كبير الخدم حمايته
لكن بلير لم يُمنح إلا بضع ثوانٍ إضافية من الحياة.
أما ايانا،
فكانت واقفة بلا حراك متيبّسة
تشاهد المشهد كما لو أنها متجمدة في كابوس.
ما الذي يحدث لعائلتي؟
تعلو الصرخات…
ورائحة الدم تملأ المكان.
لم تستطع فهم أي شيء.
من هم هؤلاء الرجال؟
ولماذا غمرت الدماء الأرض بهذا الشكل؟
كانت صرخات الخدم تبدو بعيدة بشكل غريب.
الخادمات يتساقطن الواحدة تلو الأخرى
وجثثهن تغرق في الدماء
جلست ايانا على الأرض
في حالة ذهول.
أحد الجنود نزع السيف الذي كان مغروسًا في جسد جين
ثم بدأ يقترب من ايانا.
رأت الجندي ينتزع سيفه من جسد جين
ويتقدم نحوها بخطى بطيئة.
رفعت عينيها تنظر إليه بذهول
دون أدنى تفكير بالهرب
الإدراك لم يعد إلا عندما قبض الجندي على ذراعها النحيلة.
حينها فقط…
صرخت ايانا وبدأت تصارع بجنون.
لكنها كانت مجرد مقاومة يائسة…
غير مجدية على الإطلاق.
‘آه… يا إلهي… يا إلهي…’
بلا وعي تعلّق قلبها بالسماء.
يا الهي أنقذنا من هذا… أرجوك… أرجوك!
بينما كانت تصرخ وترتجف من الخوف
فجأة اختفى رأس الجندي.
سقط جسد الجندي،
مترنحًا بلا حياة.
رأت الجنود الآخرين يندفعون نحو أحدهم…
ومن بين صفوفهم
كان ديابل وحده يلوح بسيفه.
كان يلوح بالسيف كوحش هائج
يضرب الجنود ويقضي عليهم واحدًا تلو الآخر.
أخيرًا تمكّن من إسقاط كل الجنود داخل قاعة الطعام
لكن أصوات المعركة ما زالت تُسمع من الخارج.
“آنستي يجب أن تخرجي من هنا!!”
قالها ديابل وهو يمد يده نحو ايانا
يدٌ كانت مغطاة بدماء شخصٍ ما.
أمسكت تلك اليد.
في تلك اللحظة
كان ديابل أشبه بملاك حارس أرسله الاله.
لكن ديابل لم يكن ملاكًا
بل كان شيطانًا.
والإله قد أدار ظهره لها بكل قسوة.
طوال تلك السنوات التي عانت فيها
لم يستجب لصلواتها ولو لمرة واحدة.
قضمت ايانا شفتيها بصمت.
فقد تعلمت درسًا وحيدًا خلال ثلاثة عشر عامًا من الألم والمعاناة.
الإله غير موجود.
لكن الشياطين موجودون.
وفي النهاية الشيطان الكفء أفضل من إلهٍ عاجز.
لا يوجد شيء اسمه الخير أو الشر في هذا العالم
بل يوجد فقط:
ما هو مفيد وما هو عديم الفائدة.
وديابل كان من النوع المفيد.
وإن كان ما سيقودها للانتقام هو فم الخائن
فستقبله دون تردد.
***
كانت ايانا جالسة على أريكة غرفتها
تبدو هادئة من الخارج
لكن أصابعها التي تنقر بلا توقف على ذراع المقعد،
فضحت توترها الذي يغلي بصمت.
*طَرق طَرق*
توقف أصبع ايانا عن النقر على ذراع الأريكة،
فقط بعد أن سمعت صوت الطرق على الباب.
قالت وهي تنظر نحو الباب:
“ادخل”
فُتح الباب،
وظهر ديابل.
ظل تعبيرها غير مرتاح بل مفعم بالضيق.
قال ديابل بصوته الهادئ المعتاد:
“ما سبب استدعائك لي يا آنسة ايانا؟”
نظرت إليه بعيون حادة
رغم أن الكرسي المقابل لها كان فارغًا،
إلا أنها لم تدعه للجلوس.
لم تكن تريد رؤيته أبدًا،
لكنها كانت مضطرة.
قالت مباشرة:
“ظهرت على جسدي علامة غريبة هل هي من فعلك؟”
صمت ديابل للحظة على ذلك السؤال
ثم سألها مجددًا بوجه خالٍ من التوتر:
“علامة؟ماذا تقصدين؟”
“الرمز الذي ظهر على صدري”
قالت الفتاة ذلك دون أدنى خجل.
لو كانت في سنوات مراهقتها
لارتبكت بشدة
وتلعثمت بحثًا عن كلمة بديلة للصدر.
هي امرأة
اجتازت الألم والولادة والموت
ولا تهتز لحديثٍ عن جسدها.
لم تعد تلك الفتاة البريئة التي يحمر وجهها لمجرد نطق كلمة صدر.
قالت ببرود:
“وإن لم تكن تعلم ماهو
فهل تود أن تراه بنفسك؟”
كان صوتها خاليًا من الانفعال.
ابتسم ديابل بهدوء وقال:
“لا لا داعي وإن كنتِ تفكرين في تمزيق فستانك مجددًا…
فأعتذر لن أتحمل ذلك المشهد مرة أخرى”
كان وجهه لا يبعث إلا على الكراهية
بل ايضًا مثير للغضب بسخريته المبطنة.
ظلت ايانا تحدق فيه بصمت،
وعندها تكلم ديابل
وكأنه مضطر لذلك:
“كل شيطان يمتلك رمزًا خاصًا به
وعندما يعقد الإنسان اتفاقًا مع شيطان
يظهر نفس الرمز على نفس الموضع في جسده”
قالت ايانا وهي تقاطع كلامه:
“وجود شيء كهذا يسبب لي مشكلة
أزلْه فورًا”
وشمٌ على جسد ابنة أسرة نبيلة؟
إن عرف أحدٌ بذلك سيصابون بالصدمة.
وفوق ذلك كان شكله مريبًا.
ولو تبين أنه مرتبط بشيطان،
فسوف تتعقد الأمور كثيرًا.
ابتسم ديابل،
ابتسامة من يعتذر دون أن يشعر بذنب:
“هذا مستحيل
إنه دليل على العقد بيننا”
قالت ايانا بنفاد صبر:
“إذًا على الأقل انقله إلى مكان لا يراه أحد”
قال ديابل:
“هذا أيضًا غير ممكن وإن أردتي إزالته حقًا
فيمكنكِ اما حفره بالسكين أو حرقه بالنار”
عقدت ايانا حاجبيها فور سماعها ذلك.
فكما أن وجود وشم على جسد فتاة نبيلة يُعد فضيحة
فكذلك هو الأمر بالنسبة لندبة دائمة.
قالت بمرارة دون أن تشعر:
“بهذا الشكل لن أتمكن من الزواج”
ابتسم ديابل ابتسامة راضية
ثم سأل:
“هل استدعيتني فقط لتسأليني عن العلامة؟”
كان وجهه الوقح مزعجًا
لكن لم يكن بوسعها طرده بعد.
تنهدت ايانا وقالت:
“قلت إنك ستعمل لأجلي صحيح؟”
فأجاب على الفور:
“نعم صحيح”
قالت ايانا:
“إن كنتَ شيطانًا حقًا فلديك بالتأكيد قوى خارقة…
كسحرٍ ما مثلًا.”
اتسعت عينا ديابل عند سماع ذلك
ثم ابتسم برقة:
“هل هذا يعني أنك قررتِ مسامحتي وقبولي مجددًا؟”
“أجب على سؤالي فقط”
هي لم تسامحه بعد.
لكنها فكرت أنه من الغباء رفض الاستفادة منه
لمجرد كونه مكروهًا.
إن كان يملك قوة إعادة الزمن
فلا بد أن لديه قوة ما.
وإن كانت تلك القوى حقيقية
فلن تحتاج للاعتماد على فيلهلم من أجل الانتقام.
قال ديابل:
“لست متأكدًا مما تريدينه تمامًا
لكن…”
في تلك اللحظة التي توقف فيها ديابل عن الكلام
شعرت ايانا أن هواء الغرفة بدأ بالاهتزاز.
فجأة شعرت وكأنها تقف على قمة جبل شاهق.
كان هناك ضغط يخنق صدرها وكأن الهواء نفسه يثقل على رئتيها.
رغم ذلك كان ديابل لا يزال يبتسم بهدوء.
“ما دمتِ مستعدة لدفع الثمن المناسب فأي شيء ممكن”
ابتلعت ايانا ريقها الجاف وقالت:
“هل يمكنك أن تخلق جيشًا؟”
“نعم أستطيع”
“هذا ممتاز أنا بحاجة إلى جيش
جيش كبير بما يكفي ليسحق عائلة روسيل تمامًا”
“….”
لم يتحرك اي منهما.
كان الصمت يملأ الغرفة
ولم يكن هناك سوى ضوء المصباح يشتعل بهدوء
كأنه يشهد على ما يحدث.
ظل ديابل صامتًا لفترة، ثم ابتسم بخفة.
الهواء في الغرفة ظلّ ثقيلًا.
“أعتذر لكن لا يمكنني تنفيذ ذلك الأمر”
تجعدَ حاجبا ايانا قليلًا.
نهضت وسارت بخطوات قوية باتجاه ديابل.
ظلّها المنعكس على الجدار تبعها بصمت.
“ترفض الأوامر؟”
“نعم أرفض”
“أخبرني السبب”
كان صوتها رفيعًا وضعيفًا
لكنه حمل رهبة يصعب مواجهتها.
ظل ديابل مال فوق ظل ايانا بخفة.
“أخبرتكِ من قبل كل شيء يحتاج إلى مقابل”
“إذا كان الأمر يتعلّق بالثمن فسأدفعه”
“آنسة ايانا ألم تقولي وقت توقيع العقد أنكِ ستمنحينني كل شيء؟”
“……”
ربما لأن النوافذ لم تكن مغلقة بإحكام،
بدأت الريح تهب من مكان ما.
تراقص لهب المصباح مع نسيم الرياح
وبدا أن الظلال أصبحت أكثر عتمة.
“هل هذا يعني أنني لم أعد قادرة على إبرام عقدٍ معك؟”
“نعم صحيح.”
“كم أنت عديم الفائدة إذا لم تكن ستمنحني قوة الشيطان
فلا فائدة من بقائك هنا اخرج”
كان ظل ديابل يبدو وكأنه سيبتلع ايانا.
وامتدت ظلاله فوق وجهه المبتسم لتُخفي ملامحه تدريجيًا.
“أرفض”
صرخت ايانا بحدة:
“اخرج قبل أن أخبر والدي أنك شيطان
حينها قد تنجو على الأقل من الحرق”
ابتسم ديابل بأسى وكأن الأمر يؤسفه بصدق
كانت عيناه تتلألآن على حدود البنفسجي والأحمر،
كما يتلألأ النبيذ تحت ضوء خافت.
“هل تعتقدين فعلًا أن صوتك سيصل إليه؟”
“…ماذا تقصد بذلك؟”
ضحك بخفة وكأنه يستمتع بالأمر
ثم اقترب من أذنها وهمس:
“كل ما يتعلّق بعقود الشياطين لا يُسمع من قِبل الآخرين.
ما لم يكونوا شيطانًا أو طرفًا في العقد فلن يسمعوا شيئًا”
ثم مال برأسه مبتسمًا بخفة و بنظرة ماكرة.
“لأن الأسرار دائمًا ما تكون ثمينة”
نظرت ايانا إليه بعينين ممتلئتين بالضيق والانزعاج.
كم هو مزعج أن تُضطر للاحتفاظ بشخص لا فائدة منه سوى إثارة الغضب.
ويبدو أن ديابل قرأ ما يدور في خاطرها
فهمس بصوت خافت كأنه يمنحها معروفًا كبيرًا:
“ربما لا يمكن للشيطان ديابل أن يساعدك
لكن ديابل الإنسان يمكنه تقديم المساعدة”
“ما الذي تقصده بذلك؟”
“كما قلت بالضبط كل ما يمكنني فعله كإنسان سأفعله من أجلك”
نظرت إليه ايانا بصمت.
أن يفعل كل ما يستطيع كـ”إنسان”…
تلك الجملة بدت كأنها استعطافٌ ضمني
كأنّه يقول اسمحي لي بأن أكون فارسًا لكِ من جديد.
ولهذا لم تستطع أن ترد عليه بسهولة.
لم تكن ايانا تريد أن تُبقيه بجانبها مجددًا
فتقع في حبه ثم تطعن في ظهرها وتتأذى من جديد.
كانت تريده بعيدًا بعيدًا جدًا.
ظنت أنه إن اختفى من ناظريها قد تختفي هذه الكراهية أيضًا.
وبينما كانت ايانا تمزقها الحيرة بين مصلحتها ومشاعرها
قال ديابل بنبرة فيها إغواء:
“ليس هناك الكثير من الأشخاص الذين يمكنكِ استخدامهم الآن وخاصة الحرس فلن يطيعوكِ
ألا تظنين أني على الأقل أستحق البقاء بجانبك؟”
وهو ما زاد غضبها أكثر لأن كلامه كان صحيحًا.
فكل من يمكنها الاعتماد عليهم الان لا يتعدون بعض الخادمات.
ربما تستطيع أن تخرج برفقة الحرس لكن لا يمكنها أن تأمرهم براحة.
“هاه لو كنتُ وُلدتُ ذكرًا فقط”
لو كانت مكان لويد الأخ الأكبر لامتلكت السلطة الكافية لفعل شيئًا على الأقل.
تنهدت ايانا ببطء
فهمس لها ديابل بلطف
كان صوته دافئًا:
“صحيح أن السيدة لم تولد كرجل
لكنها تملك شيئًا لا يملكه لا لويد ولا بلير”
“و ما هو ذلك الشيء؟”
“الذكريات والغضب”
ابتسم ديابل بهدوء وبدت ابتسامته دافئة للغاية.
“لو كانت لعبة بلا فرصة للربح، لما أبرمتُ عقدًا معكِ
لقد اخترتك لأنكِ برأيي أكثر قيمة من لويد أو فيلهيلم”
بينما كانت تصغي لصوته شعرت ايانا بشيء من الاسترخاء…
كما لو أن في الغرفة عبيرًا مخدرًا.
“أنتِ قادرة يا سيدتي
قادرة على فعل كل ما تشائين”
كان صوته واضحًا و صادقًا.
ايانا بدا عليها بعض الارتباك أمام كلماته.
فهي مجرد ابنة عائلة نبيلة لا أكثر.
ومع ذلك كان ديابل يقول إنها أفضل من سيد أسرة كاملة.
كانت تعلم أنه مجرد مجاملة
ومع ذلك لسببٍ ما شعرت بأنها تصدّقه.
بدأت تشعر كما قال أنها قادرة فعلًا على حل كل شيء.
“إذًا…”
قال ديابل بابتسامة وهو يحدّق بها:
“هل ستسمحين لي بالبقاء إلى جانبكِ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 7 - دعوة ال روسيل. 2025-08-15
- 6 - دعوة ال روسيل. 2025-08-15
- 5 - دعوة ال روسيل. 2025-08-07
- 4 - دعوة ال روسيل. 2025-08-06
- 3 - الشيطان يريد قصة والسيدة تريد انتقامًا 2025-08-01
- 2 - الشيطان يريد قصة والسيدة تريد انتقامًا. 2025-07-31
- 1 - الشيطان يريد قصة، والسيدة تريد انتقامًا. 2025-07-28
التعليقات لهذا الفصل " 5"