3
〈الفصل 3〉
1. الشيطان يريد قصة والسيدة تريد انتقامًا.
لم تستطع ايانا ان تتذكر جيدًا كيف أنهت وجبة الطعام
لم تتمكن من استعادة هدوئها إلا بعد أن عادت إلى غرفتها وجلست منهكة على الأريكة.
جزء من ارتباكها كان بسبب ديابل و لكن السبب الأكبر كان الجو الذي لم تألفه.
خلال وقت الطعام تبادل الجميع كلمات رقيقة ونظرات دافئة سألوا عن أحوال بعضهم وعرضوا مزيدًا من الطعام وتبادلوا بعض النكات.
كان مشهدًا عاديًا لعشاء عائلي لكن بالنسبة لايانا كان كل شيء غريبًا عليها.
‘اذًا هكذا… كان شعور الانتماء الى عائلة’
طوال 13 عام لم تكن لدى ايانا عائلة.
كان لديها زوج وطفل لكن لم يكن هناك من يمكن أن تسميه عائلة بحق.
نادرًا ما شاركت في وجبة مع زوجها أو أهل زوجها.
بينما كانوا يتناولون الطعام في غرفة الطعام هي لم تجمعها بهم مائدة ومثل هذا التهميش كانت قد توقعته منذ وقت الخطوبة.
عند الزواج كان من المفترض أن تُحضر العروس مهراً لكن ايانا لم يكن لديها مثل هذا المال.
كان البارون باسيتو/باشيتو يشير إلى هذه النقطة مرارًا وتكرارًا وكلما سمعته يقول ذلك شعرت ايانا وكأنها مجرد كائن بلا قيمة.
“أنتِ لا تملكين مالًا ولا عائلة وما يمكنك فعله لعائلتنا هو فقط إنجاب وريث”
ما إن خطت ايانا إلى داخل بيت عائلة باسيتو حتى تقلصت قيمتها إلى ذلك الحد فقط، الفتاة الحالمة والمحبوبة التي كانت عليها لم تعد سوى ذكرى بعيدة.
لم تحتفل بزفافها كما يجب لا الفستان الأنيق ولا الهدايا المبهرة ، كان زفافًا شكليًا بلا روح.
قام البارون باسيتو الذي تولى مهمة الإشراف على الزواج بسؤال ايانا:
“هل تقسمين أن تطيعِي زوجك وتكرسي نفسك له وتعيشي حياة التواضع؟”
لم يكن هذا سؤالًا بل كان بمثابة تهديد صريح
تهديد بأنها إن لم تفعل فسيطردها فورًا بلا تردد.
أرادت ايانا أن ترفض برفضٍ قاطع لكن شفتيها أُجبرت على النطق بـ نعم.
ومنذ تلك اللحظة وجدت نفسها محصورة في حياة تشبه السجن لم يكن مسموحًا لها بمغادرة القصر تحت أي ظرف و كان هذا لتجنب مواجهة ال روسيل.
وبما أن البارون باسيتو سرًا أخذ ايانا بعيدًا أصبحت حالتها شبه مختفية عن الأنظار.
كانت الأسباب تبدو معقولة لكنها لم تخفف من وقع الألم
مضت أغلب أيامها محبوسة داخل غرفتها تقاسي الملل والذل، كان بإمكانها أحيانًا الخروج قليلًا لكنه لم يكن سوى عبء نفسي.
عندما تصادف الخدم أو زوجات الإخوة كانت تتعرض دائمًا للمضايقات ومع علم الخادمات أن لا أحد سيعاقبهم على معاملتهم السيئة لايانا ازداد سلوكهم وقاحة.
لم يقتصر الأمر على تجاهل تحية ايانا بل بدأوا يتكاسلون عن غسل الملابس وتنظيف المكان وكان اختفاء الأشياء أمرًا شائعًا لديهم.
ذات مرة ضبطت إحدى الخادمات تحاول سرقة عقد ايانا وعندما وبختها ايانا ردت زوجة الأخ بصفعة على وجه ايانا قائلة لها:
“ما زلتِ لا تعرفين مكانتك أنتِ أقل من هؤلاء الخادمات لو طُردتِ من هذا البيت لقُطع رأسك فورًا”
لم تستطع ايانا حتى الدفاع عن نفسها تجاه تلك الكلمات القاسية بل إن زوجة الأخ أجبرتها على الركوع ولم ترضى إلا بعد أن تلقت اعتذارها.
لم تنته معاناة ايانا مع الحمل بل استمرت الحياة المؤلمة ربما لهذا السبب بعد حوالي سبعة أشهر من الحمل ظهرت عليها علامات الولادة المبكرة.
قال الطبيب إن ولادتها ستكون عسره وعندما سُئل البارون باسيتو عن من يجب إنقاذه إذا اضطروا لاختيار واحد بين الطفل والأم أجاب:
“هل تعتقد أن الجنين ذكر؟”
“يبدو كذلك”
“اذاً انقذوا الطفل”
عند سماع ذلك حاول ديابل الهرب مع ايانا لكن ايانا رفضت بعناد كانت تعلم أنه لو تم القبض عليهم أثناء الهروب قد تنجو هي لكن ديابل سيُقتل بلا شك.
أنجبت ايانا طفلها بعد سبعة أشهر و كان صبيًا كادت تموت أثناء الولادة لكنها نجت بالكاد رغم المعاناة.
في طفولتها قالت لها والدتها إن الولادة كانت مؤلمة جدًا لكن مقارنة بحبها لاطفالها لم يكن ذلك الألم شيئًا يذكر.
لذلك كانت ايانا تأمل رغم كراهيتها لزوجها وأهل زوجها كانت تعتقد أن حب طفلها قد يجعل حياتها أفضل قليلاً.
‘اذا كان بإمكاني ان أحب طفلي الن تكون هذه الحياة افضل؟’
لكن ايانا لم تستطع أن تحب طفلها أبدًا فهو ابن الرجل الذي اغتصبها و كان وجهه يشبهه تمامًا.
ولم يكن الشبه فقط في الملامح بل في الطباع أيضًا إذ كان الطفل وحشيًا وقاسيًا مثله وتفاقمت تلك الصفات بعد أن بدأ يتكلم.
مات طائر الكناري الذي كانت ايانا تعتني به و عنقه ملتوي بطريقة مؤلمة كان الطفل واقف أمام جثة الكناري و يبتسم بخبث.
ولم تشعر ايانا ببعض الراحة إلا بعد عدة سنوات من ولادتها للطفل فقد انتشر وباء ومات معظم أفراد عائلة باسيتو.
بعد جنازتهم استطاعت ايانا أخيرًا مغادرة القصر لأول مرة منذ سنوات و اكتشفت عائلة روسيل مكان وجود ايانا في وقت متأخر لكنهم لم يتمكنوا من الاقتراب منها بسهولة.
بعد وفاة زوجها و والده أصبح منصب رئيس اسرة باسيتو لابن ايانا لكنه كان صغيرًا جدًا لتولي المنصب.
لذلك أصبحت ايانا بشكل طبيعي الوصية عليه وأصبحت الحاكمة الفعلية لعائلة باسيتو لم تكن ايانا الضعيفة التي ستموت بسهولة كما في السابق.
وأخيرًا امتلكت القوة اللازمة للانتقام.
ومع ذلك كانت تشعر بالوحدة.
لم يكن على طاولة الطعام سواها لم يكن هناك شيء يشبه الحديث و في كل مرة كانت ايانا تتذكر وجبات العشاء التي كانت تتقاسمها مع عائلتها في قصر ريهاف.
كانت ايانا ترغب في الحصول على عائلة حقيقية وبعد 13 عام عادت لتلتقي بعائلتها مجددًا.
بالنسبة لها كانت عائلتها أغلى من العالم بأسره.
وهي جالسة على الأريكة شدّت ايانا قبضتها بإحكام
“لن أسمح لهم أبدًا أن يموتوا مجددًا”
ولكي تحميهم كان عليها أن تمنع الهجوم المرتقب بعد شهر.
في تلك اللحظة وبينما كانت عينا ايانا الباردتان تحدقان في الأرض بصمت اخترق السكون صوت مألوف
“سيدة ايانا هل ناديتني؟”
كان الصوت يأتي من خلف الباب.
أذنت ايانا له بالدخول.
ودخل ديابل وجهه لا يزال شابًا كأن الزمن لم يمر عليه… تمامًا كما هو حال ايانا.
ديابل الذي كان في الثلاثين من عمره آنذاك كانت تنبعث منه هالة من الجدية المهيبة، تلك الهالة التي لا تليق إلا بمن عرف الألم واختبر المحن.
أما ديابل الذي يقف امامي الآن فقد بدا أقل حدة ومع ذلك كان وجهه لا يزال جميلًا كما كان.
لو كان هذا في وقت اخر لفرحت برؤيته دون تردد
لكن شيء ما في صدرها وخزها بألم.
فتحت ايانا فمها بصعوبة ولم تخرج الكلمات بسهولة وبعد أن ترددت طويلًا خرجت أخيرًا.
“أما لديك ما تقوله لي؟”
تأملها ديابل بهدوء ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة
“مر وقت طويل منذ أن رأيت وجهك كما كان في الصغر… وما زلتِ جميلة كما كنتِ”
عند سماع تلك الكلمات ارتجف كتف ايانا للحظة
شدت بقوة على طرف فستانها.
“…هل هذا حلم؟”
“لا”
“إذًا… هل عدت إلى الماضي؟”
“نعم هذا صحيح”
شعرت فجأة وكأن التوتر تلاشى وكأن أنفاسها بدأت تعود إليها.
ابتسم ديابل بصمت
“ألم أُخبركِ؟ قلت إنني سأمنحك فرصة جديدة”
صمتت ايانا للحظة عند سماع ذلك.
العودة بالزمن… لا يُعقل أن يحدث هذا.
على الأقل ليس للبشر… العاديين.
ساد صمت ثقيل وكأن الزمن قد توقف بين الاثنين و لم يتحرك أحد.
ثم فتحت ايانا فمها ببطء
“من أنت؟”
رفعت رأسها وفي عينيها دوامة من الشكوك والأسئلة التي لم تجد لها مخرج.
فانطلق صوت ديابل الهادئ والناعم يملأ الجو.
“أنا المبارز الذي خدم عائلة ريهاف والفارس المخلص للسيدة ايانا وكذلك… أحد معجبيكِ يا بطلة هذه المأساة”
في الظلام تلألأت عينان قرمزيتان بلون الدم
“أنا الشيطان ديابل”
“شيطان؟”
رددت ايانا الكلمة كأنها مسحورة.
شيطان؟ ديابل؟
هذا غير منطقي
هل هذا حلم؟
أم أنها مجرد مزحة قاسية من ديابل؟
لكن، إن كان حقًا شيطانًا… فلا بد من تقبل الأمر
كل هذا الواقع غير المعقول وتصرفاته الغامضة ستصبح مفهومة
تلقت ايانا صدمة لكن لم يكن السبب أنه شيطان
فتحت فمها ببطء وقالت:
“هناك شيء أريد أن أعرفه”
“نعم أنا أستمع”
“لماذا… لم تُخبرني أنك شيطان إلا الان؟”
سواء أكان شيطانًا أو بشريًا لم يكن ذلك ما هز قلب ايانا
ما جرحها فعلًا هو إدراكها بأنه أخفى عنها شيئًا طوال هذا الوقت.
ديابل الذي كانت تعرفه كان سيجثو على ركبتيه ليبرر نفسه لها لكن الرجل الواقف أمامها الان كان مختلفًا واقفًا بثبات ينظر إليها من الأعلى.
“لأنك لم تسألي”
عند تلك الكلمات صُدمت ايانا لدرجة أنها فقدت تركيزها للحظة صوتُه كان خفيفًا إلى حد الاستفزاز لم يكن هذا هو ديابل الذي عرفته.
الشخص الواقف أمامها بدا غريبًا كأنه ليس ديابل مع أنه كان الأقرب إليها طوال 13 عامًا.
بدأت قبضة ايانا ترتجف
ثم خرج صوتها محمّلًا بمشاعر بالكاد استطاعت كبحها.
“لماذا لم تنقذني إلا حينما كنت على حافة الموت؟
إن كنت تملك القدرة على إعادة الزمن فلمَ لم تفعلها منذ البداية؟”
مال برأسه قليلًا إلى الجانب وابتسم بعينين نصف مغمضتين.
“لأن الأمر كان ممتعًا”
“كان… ممتع؟”
سألت ايانا بصدمة.
بينما كان ديابل يكتفي بالابتسام وهو يراقبها.
ثم مرر أصابعه النحيلة والمستقيمة على طرف شفتيه بهدوء.
“نعم حياة السيدة ايانا كانت ممتعة للغاية
لقد كان إنقاذكِ يستحق العناء بالفعل.”
قالها بنبرة تشبه نبرة شخص يشاهد مسرحية.
وسُمع صوت ضحكة خفيفة مكتومة.
“الشياطين كائنات تحب القصص لكن مع مرور الزمن تمل من الحكايات الخيالية”
ابتسم ديابل بلطف ثم بدأ يقترب من ايانا.
شعرت ايانا بارتباك مفاجئ فالتصقت بظهر الكرسي.
كانت هذه أول مرة تشعر فيها برغبة في الهروب من ديابل.
لكن ديابل لم يهتم بردة فعلها بل انحنى قليلًا ليكون بمستوى عينيها.
ثم جاءها صوته الناعم عند أذنها.
“ولهذا قررنا الدخول إلى مسرح حياة البشر
كنا نرغب في مشاهدة القصة من أقرب نقطة ممكنة”
عند سماع تلك الكلمات شعرت ايانا وكأنها ممثلة واقفة على خشبة المسرح
نظرات ديابل كانت حادة وملحة لدرجة الألم.
كان وكأنه يحاول النظر إلى أعماق روحها.
بينما عينا ايانا بدتا كعيني بئر جاف… فارغتين تمامًا.
“كانت الفترة بعد أن أصبحتِ وصية على ال باسيتو…
هي الأكثر إثارة وتشويقًا كنت أظن فعلًا أن انتقامكِ سينجح… لكن للأسف لم يكتمل.”
ثم ابتسم بابتسامة خفيفة وهو يرفع طرف عينيه.
عيناه البنفسجيتان لمع فيهما بريق شرير.
تغير لونهما مع انعكاس الضوء كل مرة بلون مختلف.
“لكن ستنجحين هذه المرة أليس كذلك؟”
“أنتَ كنت بجانبي طوال 13 عامًا…”
نطقت ايانا بالكلمات بصعوبة والارتباك يغمر عينيها.
“ألم يكن ذلك… لأنك كنت تحبني؟”
كانت تظن أن ديابل أحبها تمامًا كما أحبته هي.
ظنّت أن وجوده الدائم بجوارها كان بدافع الحب.
عندها فقط اختفت الابتسامة من شفتيه.
ونظر إلى ايانا بعينين جادتين نظرة عرفتها لأنها رأتها طوال 13 عامًا.
ثم جاء صوته خاليًا من أي لهجة ساخرة أو مزاح.
“بالطبع لقد أحببتك.”
ثم ابتسم بهدوء.
كان وجهه دافئًا كأيام الربيع وشعرت ايانا برغبة في البكاء.
“إذا كنت تحبني فلماذا تركتني أعاني؟”
“لأن القارئ هو من يحب البطل أكثر من أي أحد ولكنه أيضًا أكثر قسوة”
قال ذلك وما زال يبتسم بابتسامة مشرقة.
“القصة التي تخلو من المعاناة ليست ممتعة أليس كذلك؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 7 - دعوة ال روسيل. 2025-08-15
- 6 - دعوة ال روسيل. 2025-08-15
- 5 - دعوة ال روسيل. 2025-08-07
- 4 - دعوة ال روسيل. 2025-08-06
- 3 - الشيطان يريد قصة والسيدة تريد انتقامًا 2025-08-01
- 2 - الشيطان يريد قصة والسيدة تريد انتقامًا. 2025-07-31
- 1 - الشيطان يريد قصة، والسيدة تريد انتقامًا. 2025-07-28
التعليقات لهذا الفصل " 3"