“حسنًا، أيها السادة، لقد طال انتظاركم! التالي هو القطعة رقم 28!”
رفع مدير المزاد، الذي يرتدي عباءة سوداء، ذراعه اليمنى بإيماءة دراماتيكية. فانزاحت الستارة السوداء التي تغطّي المنصة في لحظة، كاشفةً عن القطعة المعروضة.
“يا إلهي…!”
أضاءت إنارة خافتة العمل الفني، فانطلقت آهات الدهشة من الجمهور الجالس في القاعة.
“من الرسّام؟”
“إنها تحفة لا مثيل لها!”
ارتفعت موجة من الذهول بين الحضور. وبينما كان الجمهور يغرق في الهمسات المذهولة، انفرجت شفتا المزادي في ابتسامة ماكرة. ثم فتح فمه معلنًا:
“اسمحوا لي أن أقدّم لكم هذا العمل… إنه، بلا شك، **صورة الشيطانة الملعونة**!”
صورة ملعونة! تلك الكلمات أشعلت القاعة من جديد. عدّل المزادي قناعه الأبيض على شكل أرنب، جاذبًا الأنظار بنظرة ثاقبة، ثم تنحنح قائلًا:
“لكن، قبل بدء المزاد، يجب على السادة الراغبين في اقتناء هذه الصورة أن يضعوا بعض الأمور في الحسبان.”
كانت هذه التعليمات تختلف عن تلك التي سبقتها للقطع الأخرى. أصغى النبلاء باهتمام وهم يميلون بأجسادهم إلى الأمام، بعضهم ممسكًا بمناظير الأوبرا.
“هذه الصورة، سادتي، قد أودت بكل من امتلكها إلى هلاكٍ مريع.”
غرق صوت المزادي في نبرة قاتمة، كأنما يحذّر من مصير محتوم.
“أولًا، مهما حدث من فظائع لمن يفوز بهذه الصورة، فإننا لا نتحمل أي مسؤولية.”
ضجّت الأقنعة الملونة على وجوه الحضور بالهمسات الصاخبة.
لكن مدير المزاد، غير مبالٍ، واصل حديثه:
“ثانيًا، على عكس القطع الأخرى، لا يمكننا نقل هذه الصورة. على الفائز أن يحملها بنفسه.”
ساد صمتٌ ثقيل بين صفوف النبلاء في المقاعد المميزة. ثم أضاف :
“وثالثًا… هذه الصورة لا يمكن تدميرها بأي وسيلة.”
“لا يمكن تدميرها؟ ما هذا الهراء؟”
قفز ماركيز من مقعده، غاضبًا.
رغم الأقنعة التي تخفي وجوه الجميع، كان من السهل تمييزه.
ففي مثل هذه المزادات السوداء في قلعة كيلسين، حيث تُعرض التحف الغامضة ذات الأصول المشبوهة، لا يشارك سوى نخبة من الأثرياء الذين لا يخشون العواقب.
“كما قلتُ بالضبط.”
ردّ المزادي بهدوء على الماركيز الثائر، ثم أضاف:
“بدلاً من مئة كلمة، دعوني أريكم.”
أشار إلى مساعده خلف الستارة ليحضر شعلة نار.
“انظروا جيدًا.”
جاء المساعد حاملاً شعلة متقدة.
وبجرأة، قرّب مدير المزاد النار من الإطار.
“ما هذا الجنون؟”
“كيف يجرؤ على إتلاف القطعة؟!”
ارتفعت صيحات الاحتجاج، لكنه تجاهلها وأشعل النار في الصورة.
فجأة، توقّفت الأصوات.
النار لم تلمس الصورة.
حاول مرةً وأخرى، لكن اللوحة ظلّت سليمة، كأنها تتحدّى النيران.
ابتسم مدير المزاد وقال:
“مهما حاولتم، لا يمكنكم إتلافها. قوة غامضة تفوق فهم البشر تسكنها.”
أمر مساعده بإزالة الشعلة، وقناع الأرنب الخاص به لمع تحت الضوء.
“ما رأيكم؟ قد تجلب الدمار لمن يمتلكها، لكن قيمتها فلكية، لا تضاهى!”
سكت النبلاء، وعمّ الصمت القاعة.
“حسنًا، فلنبدأ المزاد!”
صاح المزادي بحماس، مرتفع الصوت:
“من يرغب في الشراء، فليرفع لوحته ويعلن عرضه!”
تبادل النبلاء النظرات بحذر.
“ماذا نفعل؟ نشتريها؟ لا، ألم تسمعوا التحذير؟ حتى حريق لويمان الشهير يُقال إنه بسببها!”
لم يتقدّم أحد في البداية.
حتى قال رجل يرتدي قناعًا أسود على شكل منقار طائر:
“عشرون مليون غال.”
التفتت كل الأنظار إليه.
همس الجميع: من هذا؟ ملابسه غريبة، شعره الأبيض… هل هو من عائلة كونت؟ لا، أولئك يرتدون أقنعة أطباء الطاعون!
“خمسة وعشرون مليون غال!”
صوت آخر انطلق من مقعدٍ أدنى.
التفت الجميع إليه.
“ثلاثون مليون غال.”
“خمسة وأربعون مليون!”
بدأ التنافس يشتعل بين اثنين.
خمسون مليون! اثنان وخمسون! ستون!
سخنت القاعة، وأخذت الروح التنافسية تسيطر على النبلاء. كلٌّ فكّر في نفسه:
“ما الذي يمنعني؟ أنا أملك المال، فلمَ لا أمتلك هذه الصورة؟”
“لو كنتُ أخشى اللعنات، لما جئتُ إلى هنا أصلًا!”
“سأحصل عليها!”
ارتفعت العروض من كل حدب وصوب:
“سبعون مليون غال!”
“خمسة وسبعون!”
“مئة مليون!”
“مئة مليون! لقد وصلنا إلى مئة مليون غال!”
ارتجفت قبضتا المزادي من الحماس، وارتفعت الأصوات الصاخبة.
“مئة وخمسون مليون غال!”
“اللعنة!”
“مئة وخمسون مليون! هل من مزيد؟”
“أوغ…”
ساد الصمت.
“إن لم يكن هناك مزيد، سننهي المزاد!”
بدأ المزادي العد التنازلي:
“خمسة!”
“أربعة!”
“ثلاثة…!”
“اللعنة، مئتان وخمسون مليون!”
“لا يُصدق!”
“مئتان وخمسون مليون غال! نعيد العد!”
خمسة! أربعة! ثلاثة! اثنان! واحد!
************
بعد سبعة أشهر، كان الثريّ العظيم يصبّ الخمر في حلقه بشراسة.
“أحضر المزيد!”
تجشّأ، ثم مسح فمه بقسوة.
منذ أن أدخل تلك الصورة الملعونة إلى قصره، مرّت سبعة أشهر.
“لو أنني أستطيع أن أمزّقها…”
ألقى زجاجة الخمر فتحطّمت، مضيفة شظايا جديدة إلى كومة الزجاج المكسور على الأرض.
“ذلك الطبيب الملعون بقناعه! كان عليّ أن أتوقّف عندما رفع العرض إلى مئة وخمسين مليون!”
ضرب مكتبه بعنف، فسال الدم من قبضته بسبب الشظايا.
تذكّر حوارًا سمعه عند مغادرته القاعة:
“سيدي، ألا تزيد في العرض؟”
“كفى. أحتاج الأموال لأمور أخرى الآن.”
“لكنك بحثت عنها طويلًا…”
“أعرف مكانها. يمكنني الحصول عليها متى شئت.”
“اللعنة…”
نظر حول غرفة مكتبه.
القصر تحول إلى خرابة.
بسبب الشرط الثاني للمزاد – أن ينقل الفائز الصورة بنفسه – وقع حادث في تلك الليلة.
أثناء نقل الصورة إلى القلعة الواقعة على حافة الهاوية، تحطّمت العربة.
كان السبب صاعقة.
بعد المزاد، ساء الطقس، وهطل المطر مصحوبًا بالرعد والبرق.
ضرب البرق شجرة، فسقطت، فقتلت الحصان والسائق.
نُقلت الصورة في عربة احتياطية، لكن رئيس الخدم أخبره:
“الصورة… تم نقلها بسلام، لكن اثنين من الخدم اختفيا.”
“ماذا؟”
“أحدهما قفز من العربة خوفًا، والآخر… أصيب بالجنون واندفع نحو الهاوية.”
“كيف يخافون من مجرّد صورة؟”
“يقولون إنهم سمعوا همسات شيطانية منها، سيدي.”
مضغ الثريّ شفتيه بغضب.
لم تكن تلك سوى البداية.
منذ وصول الصورة إلى القصر، بدأت أحداث غريبة.
أصيب الخدم بالقيء والحمّى، وكانوا ينهارون خلال دورياتهم الليلية مدّعين أن شيطانًا يسكن القصر.
ابنه البالغ ست سنوات، الذكي للغاية، عانى من الهلوسات ونوبات التشنج.
لم تتحمّل زوجته، فهربت مع الطفل.
وبغيابها، فرّ جميع الخدم، تاركين الثريّ مع قلّة من المقربين في قصرٍ موحش.
“تحفة نادرة لا مثيل لها!”
كنس المكتب بذراعيه، فتطايرت الأغراض.
“كيف تجرؤ هذه الصورة على خيانتي؟”
انهار على الأريكة، يلهث بعنف.
القصر، الذي أهمله قلّة الخدم، غطّته شبكات العنكبوت ورائحة العفن.
طُرق الباب.
“سيدي، لقد أحضرتُ الخمر.”
“ادخلي!”
دخلت الخادمة الوحيدة المتبقية، مرتجفة، حاملة زجاجة خمر وكأسًا.
لاحظ الثريّ بطنها المنتفخة.
“ها… حتى في هذا القصر البائس، استطعتِ أن تحملي!”
انتزع الزجاجة من يدها وصبّ الخمر في حلقه.
“اخرجي!”
صرخت الخادمة، مرتعبة، وفرّت.
بقي الثريّ يشرب حتى رأى زاوية الصورة من طرف عينيه.
“أنا… سأتخلّص من هذه الصورة الملعونة!”
تجشّأ، ثم ألقى الزجاجة وقد غلبته السكرة.
“أين الخدم؟ جهّزوا العربة!”
تعثّر وهو ينهض، ثم استدار نحو الصورة خلف الأريكة.
في الإطار، كانت امرأة بجمال يفوق الخيال تبتسم، كأنها قادرة على تدمير ممالك بمفردها.
“تفو!”
بصق على الأرض، ثم انتزع الصورة بعنف.
“جمالكِ لا يُضاهى، لكنه ملعون!”
سمع صوت العربة جاهزة خارج القصر.
جرّ الصورة إلى الطابق الأرضي، وصعد إلى العربة آمرًا السائق بالتوجّه إلى قلعة كيلسين.
“يا لسوء الحظ…”
في العربة المتأرجحة، كانت الغربان تحوم في السماء، وهطل المطر الخفيف.
ظلّ الثريّ يشرب حتى وصل إلى القلعة.
“سأتخلّص من هذه الصورة…”
تجشّأ وهو يحمل الصورة إلى قمة التل.
لقد حاول تدميرها بالضرب والنار دون جدوى.
القلعة نفسها، التي كانت سوقًا للتحف المشبوهة، أصبحت مهجورة بعد ذلك المزاد، إذ قُتل التجار على يد لصوص.
“اللعنة… حتى التجار ماتوا!”
ضرب البرق شجرة أخرى، ووقف الثريّ على حافة الهاوية.
“أيتها الشيطانة!”
رفع الصورة بكلتا يديه.
“اخرجي من حياتي!”
ألقاها بقوة.
راقب الصورة وهي تترنّح في الهواء، ثم غاصت في الأمواج العاتية.
“مالٌ ضائع…”
تعثّر وهو يهبط التل، يتمتم:
“من سيعوّضني عن حياتي؟”
لكنه لم يرَ ما حدث بعد ذلك.
بعد قليل، برزت كرة سوداء ووميض أزرق مخضر من المياه المظلمة.
في بحرٍ هائج لا شيء فيه سوى الأمواج، طافت الكرة والضوء في الهواء، متقابلين.
[…]
“ألف عام مضت أخيرًا.”
تحدّث الضوء الأزرق المخضر إلى الكرة السوداء.
“كيسيس ألتاير…يا مَن حملت روحه خطيئة الانتحار”
[….]
” بعد ألف عام، اليوم سيتم إعطاؤك فرصة جديدة.”
[….]
“لكن خطيئتكِ، التي تخطّت ألف عام، لا تزال ثقيلة. روحكِ ملوّثة بـ’سوء الحظ’.”
اشتعلت الكرة السوداء كدخانٍ داكن.
“لون روحكِ الأسود دليلٌ على ذلك! ستعيش حياةً بائسة!”
[….]
“لكن الحياة تدور رغم ذلك…”
[….]
“سأرشدكِ إلى مكان ولادتكِ القادمة.”
طاف الضوء الأزرق المخضر، باحثًا عن خيوط القدر في الهواء.
وجد طريقًا للروح المحترقة، وقادها نحو التناسخ.
تبعت الروح الخالية من الإرادة ذلك المسار.
رافقها الضوء في رحلتها الأخيرة، عبر الأمواج العاتية، وقلعة كيلسين الموحشة، ومساراتٍ مغطاة بالأعشاب…
“كيف لمثل هذا القدر أن يوجد؟”
تبع الضوء الكرة إلى مكانٍ كان دائمًا هناك.
تسلّقا جدرانًا مألوفة، تسللا عبر قضبان صدئة، واخترقا جدرانًا بنية متداعية.
وصلا إلى مسكنٍ مهترئ للخدم.
توقّفت الروح الملوّثة بالسوء.
نظر الضوء إلى الشخص الذي تقابل الروح.
“يا صغيري، كُن قويًا”
امرأة، جالسة على سرير، تداعب بطنها المنتفخة.
كانت الخادمة من قصر الثريّ.
بدأت دورة الحياة.
هبت ريح خفيفة، واندفعت الروح السوداء إلى بطن الخادمة، حيث بدأت حياة جديدة تتشكّل.
“لا أريد تكرار الخطأ ذاته.”
قبل اكتمال الدورة، قفز الضوء إلى الروح، مختارًا مرة أخرى أن يرافق تلك الروح السوداء.
****************
استغفر الله طبعا سوالف التناسخ و العبط هاد مجرد أفكار كفرية ما إلها أي أساس من الصحة ف رجاءً لا حد يتأثر باللي قرأه لأنها خرابيط و أفكار من المؤلفة ، و السلام عليكم و رحمة الله 🌹
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"