2
لقد مرّ أسبوع.
أسبوعٌ كامل منذ استيقظتُ في جسد طفلٍ أشعثٍ صغير، وكلّ ما فعلته خلاله هو محاولة فهم هذا الوضع العبثي. سبعةُ أيّامٍ قضيتُها في تقبّل حقيقة أنّ ما يحدث ليس كابوسًا.
ظننته حلمًا.
لكن لا، كان كل شيء حقيقيًّا.
وفقط بعدما سلّمت بالأمر، خرجتُ من الغرفة.
وبالمناسبة، لم تكن الغرفة تحوي أيّ تدفئة. أما الوجبات (إن كان يمكن تسميتها كذلك)، فكانت وعاءً من الحساء البارد لدرجة أنه يكاد يتعفّن، مع خبزٍ قاسٍ ورطبٍ يُقدَّم كلّ يومين.
كلّ ثلاث خطواتٍ كنت أخطوها، كان عنكبوتٌ يتدلّى من السقف على خيطٍ من نسيجه، متأرجحًا أمام وجهي وكأنّه يقول: “مرحبًا!”
“…ما هذا اللعـ*ـن بالضبط…؟”
تفلتت الشتيمة من لساني من تلقاء نفسها.
ليس بسبب الحشرات التي كانت تهرع إلى الزوايا مع كلّ حركة، ولا بسبب الجرذان التي كانت تجري حاملة بقايا الطعام عبر الشقوق في الجدران.
لا، ما أفقدني النطق كان القصر نفسه.
كان الداخل متهالكًا لدرجةٍ تؤلم العين عند النظر إليه. عندما رأيت الحشرات متمددةً على الأغطية المغبرة وكأنها أصحاب المكان، شدّ التوتر عضلات عنقي.
لا زخارف ذهبية، ولا سيوفٌ تزيينية، ولا حتى مزهريّةٌ واحدة مزخرفة. لا شيء مما قد تتوقّعه في منزلٍ نبيل.
مجرد فراغٍ صامتٍ لا نهاية له.
بصراحة، لقد رأيت أكواخًا في الأحياء الفقيرة تنبض بالحياة أكثر من هذا المكان.
“آآآآه!!”
جُلتُ في أرجاء القصر بساقي القصيرتين، ثمّ أطلقت صرخةً مكتملة من أعماقي.
لم يكن في هذا البيت شيءٌ واحدٌ يستحقّ البيع! حتى شعار الأسد الأسود، رمز عائلتنا، لم يكن موجودًا!
كم من ممتلكاتنا تمت مصادرتها؟ لم أكن أملك حتى فكرة مبدئية.
دُفّ!
انهارت ركبتي وسقطت على الأرض. بدا العالم أكثر انخفاضًا من منظور هذا الطفل.
“آه…”
تذكرتُ قصر “آلتارد” الذي كان يعجّ بالكنوز والموروثات قبل وفاتي.
أما الآن، فكنت أكاد أرى تلك الكنوز وهي تُحلّق مبتعدةً بأجنحةٍ ملائكية، ضاحكةً وهي تصعد إلى السماء.
ما الذي حدث لهذا المكان؟
لماذا أنا عالقٌ في جسد طفل؟ ولماذا يبدو هذا القصر وكأنه مهجورٌ منذ عقود؟
حتى الخدم كانوا قلّة نادرة.
لقد جُلتُ في هذا المكان الضخم، ومع ذلك، كان عدد من رأيتهم لا يتجاوز عدد أصابع يدٍ واحدة.
بعد أن تهتُ كالشبح لساعاتٍ طويلة، استطعت أخيرًا تجميع بعض الحقائق:
أولًا: لقد حللتُ في جسد طفلٍ بعد ثلاثين عامًا من زمن حياتي السابقة.
ثانيًا: هذا المكان يقع في أقصى شمال الإمبراطورية، في أرضٍ مهجورة تُدعى “روغاس”.
ثالثًا: هذا الجسد يعود لأحد أحفادي البعيدين.
رابعًا: اسمي الآن هو “إيف آلتارد”، وعمري سبع سنوات.
وأخيرًا: أنا رأس هذا البيت النبيل المنهار.
ضغطٌ خانقٌ جثم على صدري.
أملتُ رأسي إلى الخلف ونظرتُ عبر النافذة إلى السماء. كانت زرقاء نقيّة، تتناثر فيها سُحبٌ بيضاء طاهرة.
وكان ضوء الشمس دافئًا.
فوووش
لكن كما هو متوقّع من هذا القفر الشمالي، كانت الرياح باردة كالثلج.
“لا بدّ أنكم تمزحون!”
صيفي…
لا، اللعـ*ـنة، بحقّ الجحيم!
تقلّبتُ وتلويتُ على أرضية الرواق المغبرة. وبعد أن تدحرجتُ كفاية، أجبرتُ نفسي على الوقوف.
حالة القصر كانت تعكس تمامًا حالة العائلة، وكأنّها على وشك الانهيار في أيّ لحظة.
يبدو أن الدوق السابق مات أثناء قيادته لحملة صيد وحوش.
والفصيل القليل المتبقّي من التابعين كانوا بالكاد يُبقون اسم العائلة حيًّا من خلال قتال البرابرة وقتل الوحوش في حدود “روغاس”، معتمدين على الجوائز وغنائم الوحوش في البقاء.
“…أوّل ما عليّ فعله هو فهم وضعنا المالي.”
غالبًا، تمت مصادرة أغلب الممتلكات من قبل الخزانة الإمبراطورية. ومع ذلك، بقاء اللقب النبيل يعني أنهم لم يأخذوا كل شيء.
“حسنًا. لنبدأ.”
وبعد أن حزمتُ أمري، تسلّلتُ إلى غرفة المكتب. لم يكن هناك حرّاس، ولا مساعدين، فقط غرفة فارغة. ورغم أن ذلك كان أمرًا محزنًا، إلا أنه صبّ في صالحي.
اندفعت مباشرةً إلى كومة الوثائق المكدّسة على المكتب. ثم—
“آآآآآآه! أموالييييييي!! خووخ——!!”
صرختُ وفقدت وعيي في الحال.
اتضح أن بيت “آلتارد” لم يكن يملك أي أصول.
كلّ ما تبقّى كان جبالًا من الديون، وعشرات من سندات الدين!
عندما فتحتُ عينَيّ، كنت ممددًا على الأرض المغبرة.
تدحرجتُ كدميةٍ بالية واستلقيتُ على ظهري.
وأثناء غيبوبتي، رأيت حلمًا عن السنوات السبع القصيرة التي عاشتها “إيف آلتارد”.
لم تكن حياةً سعيدة.
اتضح أن “إيف” كانت فتاةً من العوام، تبنّاها الدوق الراحل عندما كانت صغيرة جدًّا.
فهي ليست حتى من دمي؟!
كان هنالك شيءٌ مألوفٌ في طفولتها… شبيهٌ بطفولتي.
لا، ركّز الآن. هذا ليس وقت العاطفة.
على أيّ حال—
كان الدوق السابق من فرعٍ بعيدٍ من عائلة آلتارد، لكنه عاش معظم حياته كعامة الناس.
ومع ذلك، فقد كان يحمل حسًّا بالواجب تجاه الدم الذي يجري في عروقه.
قضى معظم العام في الجبهات، يخوض المعارك على الحدود، يبيع أجزاء الوحوش ويجمع الجوائز لإبقاء البيت قائمًا.
وفي أحد الأيام السيئة، وقع ضحية لهجوم وحش، وعاد جثّة.
يا له من مصيرٍ مأساوي.
وكأنّ ذلك لم يكن كافيًا، فقد رأيت وجهًا مألوفًا في ذلك الحلم.
عمي…
إذًا، لا يزال حيًّا.
بعد أن دُمّرت عائلة الدوق الأكبر “آلتارد” بتهمة الخيانة، بقي عمّي إلى جانب الدوق الجديد، الذي كان من العامة وارتقى إلى النبلاء بين ليلةٍ وضحاها.
وكان الدوق يخوض المعارك على الجبهة يوميًّا تقريبًا.
ومع أن عمي ساعد قدر استطاعته، إلا أنه أُصيب بالمرض وازداد حاله سوءًا حتى لزم الفراش.
ومع اختفاء البالغين، إمّا بالموت أو بالعجز، دخل القصر في فوضى تامة.
وظلّت الصغيرة “إيف” وحيدة، تقاوم وسط خدمٍ كانوا يعاملونها كحشرة.
تحمّلت سنينًا من الإذلال.
وفي النهاية، ماتت وحدها، جائعة، في غرفةٍ متجمّدة بلا تدفئة.
“روغاس”، من بين كل الأماكن…
آآآآآآآآآه!!
ركلتُ الأرض بأطرافي، متقلبًا في نوبةٍ من اليأس.
كانت هذه الأرض الوحيدة في الإمبراطورية التي لم يكن لها حاكم فعلي.
وعلى الرغم من اتساعها، إلّا أن البرد كان لا يرحم حتى في الصيف، نظرًا لموقعها الشمالي البعيد على القارّة.
التربة كانت قاسيةً وجدباء على مدار السنة، كأنّها حجرٌ متجمّد.
الزراعة كانت شبه مستحيلة.
وإن لم تكن تتجمّد، فأنت تحارب غزاةً من البرابرة أو وحوشًا.
أغلب إيرادات الضرائب كانت تُضخّ مباشرة في الدفاع، فلا يبقى منها شيء يُذكر.
أيّ نبيلٍ قد يرغب في حكم أرضٍ كهذه؟
كلّ ما فيها عذابٌ وخسائر مضمونة.
وقد رفض الجميع حكمها لسنوات، ولهذا عُرفت باسم “الأرض المهجورة”.
وبسبب ذلك، فإن شعب “روغاس” لم يكتفِ بكره النبلاء، بل كان يمقتهم.
والآن، أصبحت تلك الأرض الملعونة مِلكًا لعائلة “آلتارد”.
لا بدّ أن القصر الجنوبي قد صودر.
ذلك المكان كان كنزًا حقيقيًّا.
أحسستُ بصداعٍ ينبض في رأسي.
“ثمّ هنالك اللعـ*ـنة المسماة بالديون…”
الديون… بعد التقريب بلغت 83.3 مليار راد.
وكان ذلك الرقم ما أسقطني مغشيًّا عليّ بالأمس عندما حاولت حسابه.
حتى الآن، لا يزال رقم 83,258,412,566 يطوف أمام عينَي.
تدحرجتُ على الأرض المغبرة بضع مراتٍ أخرى.
“حسنًا. أوّل ما علينا فعله هو تسديد هذه الديون اللعينة.”
كان هذا هو الاستنتاج الذي توصلتُ إليه خلال نوبات التقلّب.
الأولوية القصوى هي التخلّص من هذا الجبل من الديون.
ولحسن الحظ، كنت قد قرأتُ هذه الرواية <أربيديس> حتى الجزء الثالث.
ولم أقرأها مرّةً واحدة، بل قرأتها كاملًا مرّتين.
بيتٌ نبيلٌ مدمر؟
من فضلك، لقد أنقذتُ واحدًا من قبل.
ما الذي يمنعني من إنقاذ آخر؟
هذه المرّة، سأُعيد بناءه بقوّةٍ لا تسمح لأحدٍ باتهامي بالخيانة أبدًا!
ووسط غضبي، زمجرتُ هامسًا بين أسناني:
“انتظر فقط، أيها الأخ الوغد.”
لو كنتَ لا تزال على قيد الحياة، لقمتُ بسحق ما تبقّى من حياتك البائسة بيدي!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
 
            عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
 
            إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
 
            نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
 
									
التعليقات لهذا الفصل " 2"