“لا يوجد شيء.”
فرفرة… فرفرة…
كنت جالسة بين أكوام الأوراق المتراكمة كجبل، لا أتوقف عن ترديد عبارة “لا يوجد شيء“.
أوراق سميكة تمتلئ بها يداي الصغيرتان كليًا، تُقلَب بسرعة واحدة تلو الأخرى.
“لا يوجد!!”
فرفرة، فرفرة، فرفرة—
قلبت الأوراق بعشوائية وسرعة، ثم صرخت ووجهي يتلوى غيظًا.
“هذا مستحيل…!”
رافضةً تصديق الواقع، أمسكت بكومة أخرى من الأوراق القريبة وبدأت أفتشها بجنون.
“لا يوجد… لا يوجد إطلاقًا!”
لا شيء! لا شيء البتة!
لا منجم “ريفر” الذي لا ينضب منه حجر السحر!
“إلى أين تبخّر كل شيء؟!”
ولا حتى منجم “أوبيل” حيث اكتُشف حجر التحكم للمرة الأولى!
“لا… هذا غير معقول.”
ولا هضبة “ريبل” القاحلة التي انبثقت منها المياه الساخنة فجأة وتحولت لمزار سياحي!
“لماذا إذًا لا أجد سوى الديون؟! ديون فقط!!!”
رفعت يدي القصيرتين إلى عنقي، محاولة إسناد رأسي، لكن حتى عنقي لم أستطع الإمساك به بشكل مُرضٍ.
شعري الوردي القصير يتراقص أمام عينيّ.
حين أدرت رأسي، رأيت عبر الزجاج طفلة ناحلة الوجه تكاد تذبل من الهزال.
أعرضت بنظري عنها متجاهلة، وعدت لأحدّق إلى الورق مجددًا.
عجز…
عجز…
عجز!!
علامات “–” والأرقام الحمراء على الورق الأبيض باتت حفلة من الخيبة، فانفجرت ضحكات ساخرة بين أنيابي.
“هـ–هذا… هل هذا هو نفس البيت النبيل الذي كنتُ أعتني به بكل حرص؟!”
مرت أمامي سنوات المعاناة الإثنتان والعشرون كطيف خافت.
“مـ–ما الذي يحدث بحق السماء…؟!”
ترنحت في مكاني ثم انهرت أرضًا بلا قوّة، مطرقة رأسي نحو الأسفل.
زحف…
حشرة تتمايل فوق كومة الغبار تزحف بثقة أمامي.
خربشة!
فأر يحمل مستندًا مقضومًا على رأسه فرّ داخل حفرة.
“…”
هل هذا… بيتنا؟
منزل دوق ألتارد.
البيت الذي اتخذ فيه البطل الأعظم عرشَه، البيت الثاني بعد الإمبراطور من حيث النفوذ.
بيت الأبطال الذين تصدوا لموجات الوحوش.
البيت العريق الذي يسيطر على نصف تجارة الإمبراطورية.
بيت مرموق يترك بصمة في السياسة والمال.
الوجهة الأولى التي يحلم بها كل خريج أكاديمي.
رمز النجاح الفوري بمجرد الارتباط باسمه.
هكذا كنتُ أعرف منزل “ألتارد“.
هل وُلد كذلك منذ البداية؟
بالطبع لا!
كان في بداياته بيتًا لا يملك سوى المجد بلا قرشٍ واحد.
وكانت هذه العائلة الفقيرة للغاية هي من أنعشتها أنا، وجعلتها تغرق في الأموال!
لقد وصلت شهرتها إلى جزر نائية لا تكاد تُرى على الخريطة!
تتساءل ما كل هذا الحديث؟
نعم، لا فائدة من الإخفاء.
أنا حاليًا داخل رواية خيالية مكونة من ثلاثة أجزاء، وولدتُ في الجزء الأول.
من هي بطلة الجزء الأول؟
ببساطة، شخصية تمر بكل مآسي الدنيا ثم تُصبح بطلة، وتعيش فقيرة لأنها تمنح الجميع ما تملك.
وماذا حدث لها لاحقًا؟
مع بداية الجزء الثاني، أبادها الكاتب بالكامل مع عائلتها، بمن فيهم الابنة الصغرى المدللة…
…وقد كنتُ أنا تلك الابنة الصغرى.
“هاه…”
حاولت تغيير قدري بكل ما أوتيت من حيلة، وبالفعل… بدأ الجزء الثاني بأمان!
…أو هكذا ظننت، ثم متُّ.
بسبب خيانة أخي الأحمق.
حين أعلن والدي أنني الوريثة، اشتعلت غيرته وانفجر حقده المكبوت.
لكن لا جدوى من اجترار ماضٍ قد انتهى.
الخلاصة…
نعم، متُّ بتهمة الخيانة.
ثم، حين فتحت عيني، وجدت نفسي بعد ثلاثين عامًا، داخل جسد طفل يُفترض أنه من نسلي.
وما وجدته هو كومة ديون.
وما يعج به القصر ليس سوى الحشرات والعلقات.
أموالي ومشاريعي السابقة؟
ذهبوا إلى الجحيم.
تبا.
تفوهت بالشتائم وأنا أستعيد ذكريات اليوم الذي فتحت فيه عيني لأول مرة في هذا الجحيم.
⸻
“باسم العدالة، يُحكم على إيفلين ألتارد بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى!”
كان الألم لحظة خاطفة.
‘آه، لقد كان الوقت قد حان أخيرًا لجني الثمار…’
كم كان الأمر ظالمًا.
لكن رغم مظلوميتي، غرق كل شيء في ظلام حالك.
الموت… هادئ هكذا.
“…أوه كفاكِ تمثيلًا. استيقظي حالًا! إلى متى تنوين النوم؟!”
في لحظة، انفتحت أذناي فجأة، واخترق الصوت رأسي كالسهم.
رشش!
“هاااه!!”
في التوّ، سُكب ماء بارد على جسدي فأفقتُ كليًا وقفزتُ بفزع.
رفعت جفوني الثقيلة، وجلست بصعوبة.
“يا إلهي، يا لكِ من كسولة! كم تنامين؟! وأنتِ رئيسة لعائلة؟! تفو.”
قالتها خادمة ممتلئة، تمسك بدلو، وهي تزم شفتيها وتجرني من ذراعي بغلظة.
“لا بد أنكِ ندمتِ الآن، أين ورقة الاعتراف؟“
“اعـ–اعتراف؟“
أي اعتراف؟
هل قرر الإمبراطور الطماع أن يكتفي باعتراف بدلاً من الإعدام؟
ومن هذه لتسكب الماء عليّ وتزعق هكذا؟!
“لا تقولي إنكِ لم تكتبيه!”
“…”
“يا للعجب! لا فائدة منكِ… ما الذي تجيدينه؟ كم أنتِ مثيرة للشفقة.”
“…؟“
هل هذه ترغب بالموت؟!
“قلتُ لكِ سابقًا، مجرمة آل ألتارد يجب أن تشكر كونها لا تزال تتنفس! عليكِ التوبة كل يوم!”
مجرمة آل ألتارد؟
‘هل أنا حيّة فعلاً؟‘
لكن شعور رأسي وهو يُقطع لا يزال واقعيًّا تمامًا…
برد مفاجئ سَرى في ظهري.
رفعت المرأة ورقة في وجهي تلوّح بها بسخرية.
“هاه… غبية وكسولة، ودوقنا مات بسببك! نحن نتعذب بفضلك! ولا حتى تشعرين بالندم؟ اذهبي وتأملي ذنبك جيدًا!”
بووم!
خرجت وهي تصفق الباب بعنف.
“…ماذا كانت تهذي؟“
نظرتُ ببطء نحو المرآة المتسخة.
لا، لم أرَ نفسي، بل… شيئًا ما.
“…مهلًا؟“
نعم، لم يكن انعكاسي!
شعر وردي باهت، عيون زرقاء تفيض بالذهول، وجه هزيل كأن لم يأكل يومًا…
طفلة قذرة لم أرها في حياتي تتحرك كما أتحرك تمامًا.
“…من أنتِ؟“
يا له من لقاء أول… غريب ومقلق.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات