الفصل 001:
<السم>
ليلة حالكة، في أطراف عاصمة مهجورة.
فتحت فيرونيا باب كوخ متداعٍ يقف وحيدًا، ودخلت، معانقةً عباءتها بإحكام حول جسدها.
رغم المظهر الخارجي البائس، كان داخل الكوخ مرتبًا بعناية.
ولو كان هناك ما يثير الريبة في هذا المكان، فهو جثة امرأة شقراء ممددة باستقامة على السرير.
اقتربت فيرونيا من السرير وأمسكت بيد الجثة.
كان الجسد المتصلب بالفعل باردًا كالثلج.
“شكرًا لكِ.”
أغمضت فيرونيا عينيها بإحكام وصلت من أجل راحة المرأة.
“إذا وُجدت حياة أخرى، فلتكن بنصف المتاعب وضعف السعادة.”
وعندما فتحت عينيها مجددًا، بدأت في خلع ملابسها.
كان فستانًا ورديًا فاتحًا فاخرًا قد أهداه لها الإمبراطور قبل ثلاثة أشهر بمناسبة عيد ميلادها العشرين.
كانت حافة الثوب تتلألأ كما لو كان آخر فستان سترتديه فيرونيا، بصفتها المفضلة لدى الإمبراطور والعائلة الإمبراطورية بأكملها، ومركز الحب والاهتمام.
“قريبًا سيصير رمادًا، بالطبع.”
خلعت فيرونيا ملابس الجثة ولبست الفستان الوردي الباهت الذي كانت ترتديه على جسد الجثة.
ثم وضعت القلادة، الأقراط، الخواتم، والأساور التي كانت ترتديها على جثة المرأة الميتة.
أرادت أن يظن من يجد الجثة المحترقة لاحقًا أنها جثة فيرونيا دون أدنى شك.
بعد أن خلعت فستانها، ارتدت الملابس التي أحضرتها معها.
لم تكن فستانًا فاخرًا كملابس النبلاء، بل ثوبًا بسيطًا كملابس العامة.
أخيرًا، مدت يدها إلى جيبها وسحبت قرطًا مزودًا بسحر تحويل مصنوع من حجر سحري بنفسجي.
بمجرد أن ارتدته، تحولت خصلات شعرها الذهبية إلى فضية تلمع كضوء القمر، وتحولت عيناها الحمراوان إلى خضراوين صافيتي اللون كحجر البيريدوت.
“آثار الجروح واقعية جدًا.”
أثناء فحصها لنفسها في المرآة، ثبتت عينا فيرونيا على أثر الحرق الذي يمتد من خدها الأيمن، مارًا بذقنها وصولاً إلى عنقها، والوشم الذي يغطيه.
كان تصميمًا هندسيًا يشبه نبات العنب، وأعجبها شكله.
“لم أحصل على وشم كهذا طوال حياتي.”
رغم أنه لم يكن حقيقيًا، كان خداعًا بصريًا بارعًا.
لم تستطع إلا أن تبتسم، من الواضح أنها كانت تشعر بخفة الروح رغم خطورة اللحظة، وهي على وشك أن تبدأ حياة جديدة.
“وداعًا، وشكرًا، سأرد لكِ هذا الجميل.”
وبانحناءة أخيرة نحو المرأة التي سيختلط اسمها قريبًا بالرماد، غادرت الكوخ.
كان هناك حصان مربوط إلى شجرة بجانب الطريق.
“أونيكس مرّ من هنا بالفعل، كما توقعت.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيها، سعيدة بإتقان مهندسها المنفذ للخطة.
امتطت الحصان، وسحبت من جيبها صندوقًا دائريًا بحجم قبضة اليد وفتحت غطاءه.
كان هناك زر من حجر سحري بنفسجي يتوهج بخفة.
ضغطت فيرونيا الزر بإحكام. دون تردد.
بووف! باو!
بووف!
هوااه! هوااه!
انفجر الكوخ، طائرًا بسقفه ومبتلعًا كل شيء بداخله باللهب.
تصاعد عمود ناري قاني اللون في وسط الليل المظلم.
تركت فيرونيا الكوخ المشتعل خلفها، وانطلقت على صهوة الحصان.
كان شعرها الفضي الطويل يتطاير في الريح ويتلألأ بضوء القمر.
“وداعًا، فيرونيا! وداعًا، موت! لا نلتقِ أبدًا!”
لقد انتهى كل شيء حقًا. أصبحت أخيرًا حرّة من مصيرها الأصلي.
طيلة الثلاثة أشهر الماضية، عاشت وهي تحبس أنفاسها، تنتظر هذا اليوم.
أشرق وجهها بابتسامة.
“هناك… حياة جديدة… أمل جديد، بالتأكيد!”
مستقبل منحرف عن المصير المحتوم، مليء بالحياة بدلًا من الموت، والسعادة بدلًا من الشقاء.
امتلأ قلب فيرونيا بأمل ساطع وكل أنواع الاحتمالات.
أمل وإمكانيات.
أشياء لم تجرؤ حتى على تخيلها قبل ثلاثة أشهر.
***
كان السماء صافية بلا غيوم، والشمس مشرقة أكثر من أي وقت مضى، كما يليق بيوم ميلاد المفضلة لدى الإلهة.
“عيد ميلاد سعيد، سموّ الأميرة!”
“تحيا الأميرة! تحيا الأميرة!”
مرت العربة الزجاجية التي تقل الأميرة فيرونيا في عيد ميلادها العشرين ببطء عبر الشوارع المركزية للعاصمة.
اصطف الناس على جانبي الطرقات، متجمعين لرؤية الأميرة الجميلة.
“تحيا الأميرة فيرونيا!”
“واااه! الأميرة لوّحت لي!”
“إنها جميلة جدًا!”
“إنها تشبه الملاك!”
صوت الجمهور، من كبار وصغار، كان كأمواج ترتفع وتنخفض مع كل حركة من فيرونيا.
كلما حركت رأسها، أو بدلت يدها الملوّحة، أو أغمضت عينيها بسبب الشمس، علت الهتافات بدرجة.
وصلت العربة الزجاجية إلى الساحة الذهبية أمام المدخل الرئيسي للقصر.
كان ولي العهد جوناثان ينتظر بجانب النافورة المركزية، وفتح باب العربة بنفسه.
“عيد ميلاد سعيد، فيرونيا!”
“شكرًا لك، أخي.”
نزلت فيرونيا من العربة بمساعدة جوناثان، ولوّحت للجمهور مجددًا.
كان شعرها الأشقر الغني يتمايل في النسيم، ويتلألأ تحت ضوء الشمس.
وكان وجهها الأبيض الناصع يزدان بابتسامة مشرقة كالشمس.
عزف الأوركسترا تردد في أرجاء الساحة، وراحت قصاصات الورق الملونة تتطاير مع النسيم.
لم تترك أعين الناس، المليئة بالحب والرغبة، فيرونيا لحظة واحدة.
“سموّ الأميرة، عيشي طويلًا!”
“تحيا الأميرة!”
“تحيا الأميرة!”
بدأ الحشد يهتف بصوتٍ واحد.
تقدّمت فيرونيا نحو المنصة أمام النافورة المركزية ووقفت عليها.
كانت أشبه بفراشة تحلق وسط حقل من الزهور.
عند أعلى نقطة من المنصة، فتحت فمها لتخاطب الحشود الذين احتشدوا للاحتفال بعيد ميلادها.
“يا شعب إمبراطورية أسنردوم، أشكركم على حضوركم للاحتفال بعيد ميلادي!”
ردد صوتها في أرجاء الساحة، وذلك بفعل جهاز تكبير صوت صغير على شكل كرة كانت تحمله.
“لتكن بركات الوفرة من الإلهة أرتيون على بيوتكم!”
وااااه! هتف الحشد.
“ولتكن بركة الحب، من الإلهة سيلينا، على قلوبكم!”
واااه! واصل الحشد هتافه مع كل كلمة تقولها فيرونيا.
“والإلهة تيس تمنحني… تمنحني…”
تلعثمت فيرونيا، غير قادرة على تذكر الجملة التالية.
كانت قد تدربت عليها كثيرًا في الليلة السابقة، وظنت أنها حفظتها، لكنها نسيتها بسبب التوتر.
تحولت نظراتها القلقة إلى جوناثان، الواقف بجانبها.
تنهد تنهيدة خفيفة واقترب منها وهمس في أذنها:
“بركة النصر.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، لكن عينيه كانتا مليئتين بالاتهام والازدراء لأخته الصغرى.
“حتى هذا لم تحفظيه؟ أنتِ غبية، كما هو متوقع.”
ولو كان للعيون صوت، لقالت تلك الجملة بكل وضوح.
ارتجفت يداها النحيلتان، وتيبست كتفاها المرتخيتان.
ابتسمي، فيرونيا، تكلّمي، الناس ينظرون، قال ذلك بعينيه مجددًا.
فعلت كما أمر، وارتسمت ابتسامة على وجهها.
“ولتكن بركة النصر من الإلهة تيس على بلدكم، إمبراطوريتنا أسنردوم!”
واااااه! اشتعلت الساحة بالهتافات من جديد.
“تحيا الأميرة!”
“تحيا الأميرة!”
لكن رغم أن النظرات والكلمات كلها كانت موجّهة إلى فيرونيا، إلا أنها لم تكن تستمتع بها.
لازالت مشدودة الأعصاب من خطئها السابق.
ثم حصل ما لم يكن في الحسبان.
أقبل كبير الخدم الرمادي الشعر حاملاً صينية عليها كأسين من الشمبانيا.
كان معروفًا عنه دائمًا أنه يبتسم، لذلك بدا غريبًا أن يرى وجهه جادًا ومتحجّرًا.
“ربما هو متوتر أيضًا.”
شعرت فيرونيا ببعض الراحة، وهي تعلم أنها ليست الوحيدة التي تعاني من التوتر.
تسلّمت كأس الشمبانيا من جوناثان بقلب أكثر خفة.
وسط الهتافات، رفع الأمير والأميرة كأسَيْ الشمبانيا عاليًا فوق رؤوس الحشود، واصطدمت الكأسين في نخبٍ احتفالي.
طِن! رنّ صوت واضح من تلامس الكأسين.
فيرونيا كانت أول من شرب الكأس دفعة واحدة.
لم تكن من محبي الشرب، لكن تم تعليمها أن في المناسبات الخاصة كهذه، يجب شرب الكأس بالكامل دفعة واحدة.
ثم جاء دور جوناثان.
كان على وشك أن يرفع كأسه إلى فمه، عندما رأى أن فيرونيا قد أنهت كأسها بالفعل.
“آه!”
تأوهت فيرونيا فجأة، واهتز جسدها بعنف.
شعرت بأعضائها الداخلية تلتف فوق بعضها من الألم، وسرعان ما سلبها الألم وعيها.
طِن!
سقط الكأس من يدها وتحطّم على الأرض، وسقطت فيرونيا على الزجاج المكسور.
“فيرونيا!”
صرخ جوناثان في ذعر وارتباك، لكنها لم تجب.
سارع إلى حملها بين ذراعيه.
كان جسدها الصغير النحيل يتدلّى بلا حياة بين يديه.
ساد الذعر بين الحشود عند رؤيتهم فيرونيا تنهار فاقدة الوعي.
“يا إلهي! سموّ الأميرة!”
“ماذا حصل لها؟!”
“هل يمكن أن يكون… سُمًّا؟!”
في البداية، ساد الارتباك، لكن سرعان ما بدأ الناس يدركون ما حصل.
“سم؟ السم! الشمبانيا مسمومة!”
“الأميرة شربت سُمًّا! إنها مؤامرة!”
تحولت وجوه الجماهير إلى الأحمر من الغضب، واغرورقت العيون بالدموع.
بدأ البعض بالبكاء، وآخرون صرخوا بهستيريا.
اختفى جو الفرح والاحتفال، وساد جو من الفوضى والارتباك في الساحة.
حمل جوناثان فيرونيا، وصعد إلى العربة، فانطلقت بسرعة نحو القصر.
هتف الناس بدعواتهم وهي تختفي عن أنظارهم:
“يا سموّ الأميرة، كوني بخير!”
“يا إلهات السماء! أنظرن إلى أميرة النور!”
“أرجوكن، أنقذنها!”
لكن لم يكن أحد يرى الدموع الساخنة في العيون…
وليس في عينَي ولي العهد، المتجهتين إلى السماء وهو يحمل جثة أخته الميتة.
كان هناك ابتسامة باهتة، مريضة ترتسم على شفتيه.
ابتسامة مقزّزة.
رابط قناتي بالتليجرام : https://t.me/gu_novel
══ ≪ °❈° ≫ ═
الترجمه : غيو
══ ≪ °❈° ≫ ═
التعليقات لهذا الفصل "1"
اغغغ ابن الحرام الكلب الله ياخذه
رابط قناتي بالتلي : https://t.me/gu_novel