على عكس القصص المعتادة عن الانتقال بين العوالم، حيث يفيق المرء في سرير عتيق الطراز وهو يتساءل “أين أنا؟”
كانت تجربتي مختلفة تمامًا.
وجدت نفسي مستيقظة واقفةً في مكان غريب، والذي تبيّن لاحقًا أنه قاعة زفاف إيلوديا وتيسكان.
لم أدرِ ماذا أفعل حينها، وبينما كنت غارقة في الارتباك، خاطبتني أودري.
تمسّكت بها كما لو كانت طوق نجاتي.
بفضلها، عدت إلى المنزل سالمة.
كنت من شدة الارتباك قد نسيت الأمر تمامًا.
“البارونة، هل تشعرين بتوعك؟ يبدو وجهك شاحبًا…”
كنت مستغرقة في استرجاع ذكريات انتقالي المفاجئ حين بادرني رجلٌ بالكلام.
“ليري لطالما كانت تشعر بالحرج أمام الرجال منذ طفولتها، لعل اهتمامك يربكها.” قاطعت أودري الحديث كما لو كانت تنتظر هذه اللحظة.
“فهي كانت طويلة القامة منذ صغرها، ودائمًا ما كانت تقول إن الرجال يبدون كالأطفال في نظرها، ولهذا كانت تنأى عنهم.”
ثم تعلّقت أودري بذراعي وابتسمت بخجل مصطنع.
“أما أنا، فربما لأنني أقصر، لطالما وجدت الرجال مصدرًا للثقة والجاذبية.
لكن كلما قلت ذلك، كانت ليريبيل تؤنبني وتصفني بالسذاجة.” لوّحت بيدها بخفة وهي تحك خدها بتوتّر مصطنع.
[حَنهار من وره هالبكمي الخطيرة!!]
ضحكت في داخلي.
يا لها من مكشوفة!
لو لم أكن أعرفها مسبقًا، لربما صدّقت أن ليريبيل كانت تشعر حقًا بهذا الشكل، أو لظننت أن هذه الفتاة بريئة لا غير.
لا شكّ أنها لطالما وبّخت ليريبيل ونظرت إليها بازدراء…
وها هي اليوم تتشبّث بها أمام الجميع.
“ليري ذات طبع ناري وشخصيّة قويّة، تصبح مرعبة حين تغضب.
لكنه أفضل ألف مرة من أن تكون ضعيفة وساذجة مثلي.”
هل أرادت التظاهر بوجود صداقة بيننا وهي تقلّل من شأني؟ أم كانت تحاول أن تبرز نفسها باستخدامي كوسيلة؟
أم يا تُرى تغار من ارتقائي الاجتماعي وتحاول أن تسيء إلي؟
“فهمت.
لطالما أعجبتني قوة شخصية البارونة.
في هذا العالم القاسي، لا ينجو إلا الأقوياء.”
“أنا أفضّل النساء ذوات العزم والإرادة، وإعجابي بها ازداد الآن.
هاها.”
“الشباب جميعهم طائشون.
أما البارونة، فكانت تتمتع بالحكمة منذ صغرها.
لا شك أن التعامل مع الرجال اليافعين كان مرهقًا لها.”
لكن وعلى غير المتوقع، بدل أن يدعموها، استغلّ الرجال كلمات أودري ليكيلوا لي المديح.
هممم… ممتع.
يُقال إن الرجال ساذجون، لكن في المجتمع، كم من الناس فعلًا سذّج بغضّ النظر عن جنسهم؟ ارتسمت على شفتيّ ابتسامة باهتة.
في الأرجح يتظاهرون بعدم الانتباه، إمّا لأن مواجهة الأمر مرهقة، أو لأنهم يستمتعون باهتمام تلك المرأة.
مقارنةً بي، لم تكن أودري بذات الجاذبية في نظرهم، فلا شك أنهم لاحظوا محاولاتها لإسقاطي.
وإن لم يلاحظوا، فهم على الأقل يعتبرونها مجرّد وسيلة إن كانوا يطمعون بالزواج بي.
“أشكركم على كلماتكم اللطيفة.”
أشرقَت وجوه الرجال بفرح عند ردّي المهذّب.
وفي ذات اللحظة، شدّت أودري قبضتها على ذراعي.
يبدو أنها نسيت تمثيلها اللطيف، واتّشح وجهها بالكراهية، منزعجة من أن المديح كان موجّهًا إليّ وحدي.
“هلاّ تركت ذراعي؟”
عند كلمتي تلك، انتفضت أودري ثم بدّلت تعبيرها بسرعة إلى مظهر وديّ، ورفعت رأسها إليّ.
“لماذا؟ هل أزعجتك؟ أنتِ لا تتجاهلينني الآن فقط لأنك أصبحت غنيّة، صحيح؟”
ثم انكمشت كأنها خائفة.
“هيا، لقد سألتك لأنك أثقلتِ عليها.
كنتِ تتشبثين بها منذ قليل حتى لم تستطع الحركة.”
تدخّل أحد الرجال بلهجة غاضبة نيابةً عني.
“أتُراكما صديقتين حقًا؟ أما يمكنك إظهار شيء من اللباقة؟”
همس رجل آخر لرفيقه محاولًا تهدئته، لكن علامات الاستياء من أودري كانت واضحة عليه.
لم يكن راضيًا عن محاولاتها المتكرّرة لإفساد تلك اللحظة النادرة التي أُتيحت لهم للتقرب مني.
عادةً، لا يُظهر الرجال استياءهم علنًا من ابنة مضيف الحفل، لكن يبدو أن لهذا الرجل طبعًا حادًّا.
“…”
احمرّ وجه أودري تمامًا وهي تفك قبضتها عن ذراعي على مضض.
“سأتوجه إلى الصالة قليلًا.” قلت وأنا أعيد تسوية كمّي الذي تجعّد بفعل قبضتها.
“سأرافقك.”
“دعني أنا.”
“وأنا أيضًا!”
ما إن نطقت بتلك الجملة حتى مدّ الرجال أيديهم إليّ دفعة واحدة.
“إنها مجرد صالة.
يمكنني الذهاب بمفردي.”
“لكن…”
“أقدّر لطفكم.
لكن شكرًا.”
وتركت خلفي الرجال الذين أظهروا خيبة أمل واضحة من رفضي، وأودري التي انحنت برأسها في إحباط، وسرتُ نحو الصالة.
—
تمدّدتُ براحة على أريكة في الصالة، أرتّب أفكاري.
حتى الآن، لم يبدُ أن هناك من يعرف ليريبيل.
وعلى الأرجح يعود ذلك إلى أنني لم أختلط إلا بالنبلاء رفيعي المستوى بفضل دعم السيّدات الراقيات.
ليريبيل كانت من طبقة النبلاء الدنيا.
وإن حضرت المجالس الاجتماعية، فغالبًا ما كانت تختلط بأبناء طبقتها.
وبما أن أول شخص عرفها ظهر حالما تعاملت مع نبلاء من ذات الطبقة، يمكنني استنتاج أن ليريبيل كانت نشطة اجتماعيًا في ذلك الوسط، لكن لم تكن لها أي معرفة بالنبلاء الكبار.
عليّ أن أتأكّد من أن تكون هذه المناسبة آخر مرّة أحضر فيها حفلات قد ألتقي فيها بأبناء الطبقات الدنيا.
وإن اضطررت إلى مقابلتهم، سأتجاهلهم ببساطة.
قد تنتشر في العاصمة شائعات بأني أصبحت انتقائية في علاقاتي، متناسية مقامي السابق.
لكن تحمّل تلك الشائعات أهون مئة مرّة من المجازفة بفضح حقيقة فقداني للذكريات.
“…”
حين بدا لي أن الوقت قد مرّ بما يكفي، نهضت.
بدل العودة إلى قاعة الحفل، سلكت ممرًّا داخليًا. وكلما تعمّقت في الممر، قلّ وجود الناس وازداد الظلام.
في هذا العالم، تُضاء الأماكن إمّا بمصابيح شمعيّة أو بأضواء سحرية.
لكن هل لعائلة بالكاد استطاعت تنظيم هذا الحفل أن تملك ما يكفي من المال لاستخدام الأضواء السحرية؟ بالكاد تستطيع استخدام الشموع، وحتى تلك تحتاج إلى من يشعلها.
عائلة مرهقة مثل هذه ستكرّس خدمها لقاعة الحفل، ولن تكلّفهم بإضاءة الممرات التي لا يسلكها الضيوف.
كما توقّعت.
وبينما كنت أعبر في هذا الظلام المتزايد، ارتسمت على وجهي ابتسامة ماكرة.
حينها…
سمعت وقع أقدام خلفي لا تعود لي.
يا له من قصر سيّئ الإدارة.
يُقام فيه حفل يسهل على أي شخص دخوله.
وفي ممراته، تتجوّل امرأة حديثة الثراء، ضائعة وبلا دليل…
أليس هذا هو السيناريو المثالي لأي مكيدة؟
“…ما الذي تريده؟”
تمامًا كما توقّعت، أمسك أحدهم بذراعي.
وحين التفتّ ببطء، رأيت الشخص الذي كنت أتوقّعه واقفًا أمامي.
—
كان ذلك الرجل الابن الثاني لعائلة فيسكونت.
أسرته كانت تحكم رقعة صغيرة من الأرض، تشتهر بمحاصيل البطاطا التي تنمو بغزارة أينما زُرعت.
ولأنه لم يكن وريثًا لتلك الأراضي الهزيلة حتى، رسم لنفسه هدفًا مبكرًا: أن يشق طريقه بنفسه.
“سأجمع ثروة وأحيا حياة مترفة…
حياة أستطيع فيها إطعام تلك البطاطا الحقيرة للكلاب.”
لكن لم يكن لديه المال لبدء مشروع، ولا ذكاء حاد، ولا مهارات بارزة، ولا شبكة علاقات مؤثرة، ولا حتى الكاريزما اللازمة لبنائها.
ما فعله فقط كان التقرّب عشوائيًا من النبلاء الأثرياء، يعرض عليهم خططًا تجارية هزيلة مليئة بالثغرات.
كان اسمه جاكسن.
وهو نفسه الرجل الذي تحدث مع إيلوديا أمام قصر الإمبراطورة الأرملة.
“كما يُقال:
السماء تعين من يعين نفسه.”
كان جاكسن يحدّق مطوّلًا في نقطة واحدة، قبل أن يطلق ضحكة مريبة.
حيث وقع نظره…
كانت هناك امرأة ذات ملامح باردة وشعر طويل بلون الأحمر القاتم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 99"