من السهل أن تستولي نزعة التكبر والتسرع على قلوب الشباب، فأعمارهم اليافعة وتجاربهم الضئيلة تغريهم بالاعتقاد أن ذرّة من النفوذ تعادل كنوز الدنيا.
لكن ليريبيل لم تكن من ذلك الطراز المتهور المعتاد.
كانت متوترة، تتصبب عرقًا، تختار ألفاظها بتمعن كما لو كانت تنسجها خيطًا خيطًا، وكأنها تسعى لتترك انطباعًا نبيلًا لدى السيدات الأرستقراطيات، لا سيما تريشا، أو على الأقل لتجتنب منحهنّ ذريعة للتقليل منها.
قالت تريشا:
“إنها تُجيد إظهار التقدير لمن يفوقونها مقامًا.”
ولم تكن تريشا ترى في ذلك عيبًا.
“لو أن مثل هذه السيدة ورثت ثروة طائلة، فلن تتعجرف أو تثير الفوضى.”
ابتسمت الكونتيسة بهدوء وقالت:
“يبدو أنكِ وجدتِ فيها ما يروق لكِ.”
كان من النادر أن تُبدي تريشا إعجابها بأحد، لذا بدا ذلك مدعاة للدهشة في نظر الكونتيسة، لكنها سرعان ما استعادت سكينتها المعتادة.
قالت تريشا:
“السيدة الواعية بمكانتها تعرف كيف تضبط علاقاتها وتُحسن الوفاء بالتزاماتها.
إن أُسدي إليها معروف، ردّته دون توانٍ.”
“بالفعل.”
“قدّمي لها يد العون لتترسخ مكانتها في المجتمع، وكوني على اطلاع باحتياجاتها.
فهذه امرأة لا يبدو أنها ستنقلب عليكِ إن اقتربتِ منها.”
أجابت الكونتيسة دون تردد:
“مفهوم.”
ثم فكّرت مع نفسها: “البارونة ليريبيل ستغدو قريبًا من أبرز شخصيات الإمبراطورية بفضل ما ستملكه من ثراء هائل.
بل إن عدد النبلاء الذين يسعون لنيل رضاها يكفي لملء عدد من العربات.
وإن كانت تريشا قد رأت فيها ما يُعجب، فهذا بحد ذاته يُعد مكسبًا لي.”
قالت:
“سأدعوها إلى القصر قريبًا، وأقدّمها رسميًا.”
فأجابت تريشا وهي تبتسم برضى:
“جيد، سأستعد لاستقبالها كما ينبغي.”
ثم أدارت ظهرها وغادرت، والابتسامة لا تزال تزيّن محياها، وكذلك الكونتيسة.
إلا أن كلتيهما لم تكن على دراية بأن مثل هذا الحديث كان يُتداول في ذات اللحظة تقريبًا في مجالس بقية النبيلات اللواتي حضرن دعوة كاميلا، والتقين بليريبيل.
—
في نُزلٍ يتوسط العاصمة، كانت السيدة مايكونري تنتظر إلوديا داخل غرفة خُصصت لها.
ورغم وجود مقر رسمي لعائلة المركيز في العاصمة، إلا أن إلوديا لم تكن السيدة المعترف بها فيه بعد أن فسخت خطبتها بسبب ظهور ليريبيل، ولم يكن بإمكانها البقاء هناك دون إذن من إردان.
وللأسباب ذاتها، لم تجرؤ مايكونري على الذهاب إلى القصر الإمبراطوري.
تنهدت بضيق وهي تطلّ من النافذة:
“ما الذي يُبقيها كل هذا الوقت؟”
كانت قد علمت بطلب ليريبيل عبر “رونا”، لكن إلوديا خرجت أولًا ولم تعد بعد، رغم تراكم المهام.
لقد كانت السيدة مايكونري أبعد ما تكون عن الولاء الحقيقي.
لم يكن رجوعها إلى بيت المركيز بدافع الوفاء لرونا، ولا مساندتها لليريبيل بدافع الإخلاص.
حين كانت بريسيلا تلفظ أنفاسها الأخيرة، كانت مايكونري تختنق تحت عبء ديون زوجها المدمن على القمار.
عملها كخادمة لدى بريسيلا، رغم أجره العالي مقارنةً بغيره، بالكاد كان يسد حاجاتها.
لكن إن ماتت بريسيلا، ستُطرد من العمل.
فماذا تفعل؟
ذات مساء، صرخت بيأس في وجه ليريبيل:
“أعلم أنكِ تتقاضين أجرًا أعلى مني بكثير… أرجوكِ، أقرضيني بعض المال!”
كان صوتها يغصّ برجاء مذعور، أشبه بنداء استغاثة.
أجابتها ليريبيل بكل هدوء:
“حسنًا.”
وقدّمت لها المال دون أن تسألها عن موعد السداد أو الغرض من القرض.
بهذا المال، استعانت مايكونري بمنظمة من عالم الجريمة لاستئصال زوجها.
ما دام على قيد الحياة، فلن تنتهي دوامة الشقاء. حتى إن سُددت ديونه، سرعان ما تتكاثر عليه أخرى.
كانت تدرك ذلك، لكنها لم تكن تملك الجرأة ولا المال للتحرك.
وحين تحقق طلبها، قُتل زوجها في الليلة السابقة لكتابة بريسيلا لوصيتها.
بعد الجنازة المختصرة، عادت مايكونري إلى بيت الماؤكيز، وهناك جاءها الخبر الذي لم تكن تتوقعه:
“السيدة بريسيلا خصّت جميع الخدم، بمن فيهم أنتِ، بجزء من الميراث.”
أعادت مايكونري المال إلى ليريبيل على الفور، لكن شعورًا بالذنب ظلّ يتآكلها، فسألتها:
“لا بد أنكِ كنتِ تعلمين أن السيدة بريسيلا ستورّثنا… فلمَ أقرضتني؟ بعد أن أخذت المال منكِ… قُتل زوجي.
لماذا لم تسأليني عن شيء؟”
حدّقت ليريبيل في عينيها طويلًا، ثم قالت بصوت هادئ:
“كنت أظن أنكِ إن حصلتِ على الميراث، فلن يترككِ زوجكِ وشأنكِ.”
شهقت مايكونري حين أدركت صدق ذلك.
زوجها كان سيسلبها كل شيء بلا رحمة، ويهدره على طاولات القمار.
“لماذا تهتمين لأمري؟ لماذا…؟”
خفضت ليريبيل عينيها وقالت بابتسامة خافتة تنطوي على شيء من السخرية الذاتية:
“لا أعلم… ربما أحببتُ السيدة بريسيلا، أو ربما شعرت بأن ثمّة خيطًا يربطني بمن خدمها.”
ثم أضافت:
“لذلك لم أشأ أن أسألكِ عن شيء.
كل ما أردته… أن تكوني بخير.”
كانت تلك الكلمات – رغم بساطتها – كأنها طوق نجاة قُذف إلى مايكونري وهي تغرق في هاوية مظلمة.
فالخلاص لا يكون دائمًا ملحمة بطولية، أحيانًا يكفي أن يضيء زاوية واحدة في القلب ليمنحك حياة جديدة.
قالت وهي تهمّ بالخروج:
“سأرد لكِ هذا الجميل… حتى لو بعد رحيلي.”
وقد سلّمت ليريبيل جميع علاقاتها في عالم الجريمة التي بنتها بشقّ الأنفس، فقط كي ترد لها ولو جزءًا من المعروف.
حين خرجت من شرودها ونظرت من نافذتها، رأت العربة تتوقف أمام النُزل.
إنها عربة إلوديا.
نزلت إلوديا من العربة، وقد بدت منهكة، معطفها غريب الطراز، ووجهها شاحب.
راقبتها مايكونري بصمت.
لقد عادت إلى بيت الماركيز، الذي هربت منه سابقًا، فقط من أجل الانتقام لمن أنقذها ذات يوم.
وفي أعماقها، كانت تهمس:
إردان… لو كنت رجلًا أفضل بقليل، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد.
عضّت شفتها السفلى بقوة.
لطالما سعت للانفصال عن زوجها، لكن إردان – بصفته المسؤول عن قضايا الزواج والطلاق في عائلته – لم يوافق. وربما لم يعلم حتى أنها قدمت طلبًا.
فقد كانت إدارة الأراضي تُدار حينها من قِبل أتباع عنه، كشف ليريبيل لاحقًا فسادهم، إذ تورطوا في اختلاسات ومراهنات وسلوكيات غير قانونية.
أولئك الأتباع عارضوا طلاقها، لأنهم علموا أن ذلك سيفضح خروقات زوجها، وبالتالي تتكشف جرائمهم.
إردان لا يستحق لقب الماركيز.
قبضت مايكونري يديها.
لو زال وجود إردان، لما اضطرت هي أو غيرها إلى أن يعيشوا في عذابٍ مثله.
في تلك اللحظة، فُتح الباب، ودخلت إلوديا.
قالت مايكونري بنبرة جامدة، دون أن تُظهر أي مشاعر:
“أوه! لقد عدتِ.
يا إلهي، ما الذي حدث لكِ؟”
—
“إذن، ما النتيجة؟” قال إردان بلهجة حادة.
ألقت إلوديا، التي عادت إلى بيت المركيز وثوبها لا يزال ملطخًا بالنبيذ، كلماتها بمرارة:
“لقد خدعت تلك المرأة – ليريبيل – الإمبراطورة الأرملة بالكامل، وتعرضتُ للإهانة…”
فقاطعها إردان ببرود قاتل:
“أي أنكِ فشلْتِ.”
ولم يُكلّف نفسه حتى عناء التظاهر بالاهتمام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 94"