في الماضي، لم أكن لأقدم على هذا أبداً.
كانت معرفتي في تلك الأوقات محدودة بالتحدي والرفض فقط.
كنت أرفع كبريائي إلى أقصاه، وأنفجر بغضب لا ينقطع.
السبب في ذلك كان غياب المهارات التي تؤهلني للتعامل مع مواقف معقدة كهذه.
كنت أظن أن الموت أفضل من الخضوع لشخص من هذا النوع.
لكن الموت في هذه الحال كان خسارة لي، والتمرد العبثي لم يكن يثمر سوى الفشل.
لو لم ألتقِ بـكاسروسيان لما تغيرت أبداً.
كاسروسيان ذلك الرجل الذي، رغم جلوسه على أرفع المراتب، كان يعرف متى وكيف ينحني لتحقيق مصالحه وأهدافه.
منه تعلّمت أن تحمل لحظة من الإذلال في سبيل غاية ليس فيها حماقة ولا جنون.
“…”
نظرت إلى إردان بابتسامة ساخرة.
رغم إتمام إجراءات الطلاق التي كان ينتظرها، لم يبدو إردان سعيداً أبداً.
لم يلقِ نظرة واحدة على الكرة البلورية، وكانت عينيه تتنقل بيني وبين تيسكان بحذر وترقب.
“ل-لماذا أنت هنا؟ هل جئت لتقابلني بعد كل هذا الزمن؟”
تحدثت إلوديا إلى تيسكان بصوت مرتبك، لكن لا أنا ولا هو ولا إردان أعرنا كلامها أدنى اهتمام.
“ماذا تخطط؟” قال إردان بصوت مليء بالعداء وهو يحدق في تيسكان.
أجاب تيسكان بهدوء واسترخاء: “مجرد شاهد على مهزلة.”
قال إردان محاولاً أن يظهر عدم تصديقه: “هل تريد الانتقام من الرجل الذي أخذ زوجتك؟ بتتبعها وتخريب مراسم الخطبة؟ كنت راضياً بالنفقة، والآن تصرفك هذا لا يليق.
لهذا السبب خسرت زوجتك بسذاجة.”
ضحك تيسكان بخفة، ومد يده نحوي، فأمسكت بذراعه دون تردد، وأقبلت بمرافقته.
“…ما هي علاقتكما؟” سأل إردان وهو يحدق بنا بعينيه الضيقتين، ويدق بأسنانه.
قبل دقائق كان يهددني، ثم وافق بسهولة على الطلاق، لكنه الآن يبدو وكأنه لا يزال يحمل مشاعر تجاهي.
“هل أحتاج إلى ان افسر لك؟”
تدخلت قبلي قائلة: “لقد قررنا أن نبدأ علاقة رسمية من هذه اللحظة.”
تجمعت ثلاث نظرات صوبت نحوي في آن واحد.
ابتسمت لـإردان وقلت: “على عكس بعض الناس، لم أرغب في لقاء شخص آخر وأنا ما زلت متزوجة رسمياً، حتى وإن كان الطلاق جارياً.”
كان السبب الوحيد الذي جعلني أتسامح مع إردان هو تحقيق هدفي.
والآن بعد أن تحقق، لم أعد بحاجة للاستمرار.
وهذا القرار يصب في مصلحتي للمرحلة المقبلة.
“لذا قررنا أن نبدأ العلاقة بعد إتمام الطلاق.”
عبّر إردان عن استغرابه بتجعيد جبينه وقال: “هل أنت جادة؟”
“نعم، الطلاق أصبح رسمياً ونحن كزوجين.”
مع أن كلامي بدا هادئاً، كان قلبي يخفق خوفاً.
فقد اتفقت مع تيسكان على علاقة وهمية، لكن كان دائماً هناك احتمال أن يتراجع عندما يواجه إلوديا.
حبه العميق لها قد يجعله يتردد حين يرى وجهها.
لو أنكر تيسكان الأمر هنا، فسيتهاوى مخطط استفزازي لـإردان من خلاله، وسأنتهي بمظهر السخيفة.
فجأة، أمسك تبسكان بيدي التي كانت على ذراعه، وشبك ذراعه بذراعي.
“…!”
“…!”
رأيت دهشة واضحة على وجهي إردان وإلوديا.
لو كنت محقة في تقديري، فلن يرغب إردان مهما كان بغضي له، في أن أنتهي مع تيسكان.
وحتى لو قال خلاف ذلك، فإن معرفته بثروة بيترول الهائلة المخفية هناك قد تغير المعادلة.
إذا تزوجني تيسكان سيحصل أيضاً على جثة التنين الموجودة في أراضي بيترول، وهذا ما سيجعل إردان يفقد صوابه، خصوصاً أن بيترِول كانت من نصيبه في الأصل.
لو كان توقعي صحيحاً، فسوف يحاول إردان استعادتي قريباً، تماماً كما همس بكلمات حب لـإلوديا ليستولي عليها من تيسكان.
رجاءً، أتمنى أن يحدث ذلك.
ارتفعت زوايا شفتي وأنا أراقب دهشة وجهيهما.
أفضل طريقة لتحقيق انتقامي من إردان دون الإضرار بالمقاطعة كانت أن أزيحه عن السلطة وأُثبت ماركيزاً جديداً كفؤاً مكانه.
عندها سيخسر إردان منصبه وشرفه وقوته وثروته، بينما تزدهر المقاطعة بقيادة حكيمة.
لكن هناك حدود لما يمكن تحقيقه من الخارج.
ولهذا كان من الأفضل لي، التي أعرف هذه الأراضي جيداً، أن أتحرك من الداخل.
ولكي يحدث ذلك، يجب أن يتمسك بي إردان ويأتي بي إلى هذه الأراضي بنفسه.
بدون ذلك، ستكون عودتي إلى هنا مجرد هدف لـإردان إما للاستهداف أو الطرد.
بالطبع يمكنني العودة بهدوء والتصرف سراً، لكن نطاق تأثيري سيكون محدوداً مقارنة بما يمكنني فعله مع اعتراف رسمي من إردان بعودتي.
لذا، لتحقيق هذا الشرط، عرضت عقد علاقة مع “تيسكان”.
“سأذهب الآن.
آه، هناك شيء أخير.” كنت على وشك الدوران مبتسمة، ثم توقفت.
“كونوا مستعدين لأخبار من العاصمة.
قريباً ستسمعون شيئاً مدهشاً يخصكم.”
وبينما كنا أنا وتيسكان على وشك المغادرة، انطلق فجأة صوت مزعج.
“ههراء وكذب”
صاحت إلوديا بغضب.
“لماذا تلتقي بتلك المرأة؟ لا تكذب علي!”
كانت ملامحها تعبر عن عدم التصديق.
“هل تعرف كم هي شريرة تلك المرأة؟ هل تعرف ما فعلته بي؟”
بدأت الدموع تتجمع في عينيها الزرقاوين بعد لحظة.
“هل تندمين لأنني مخطوبة لرجل آخر؟ لكن هذا لن يغير قراري.
لماذا تزيدين حزني…؟”
نظرت إلى تيسكان الذي بدا متحيراً وعاجزاً عن الرد.
“هل تريدين أن تحطمي قلبي فقط لأنك لا تستطيعين الحصول عليه؟ لا تهجري النبل الذي أحببته فيك من أجلي.
أرجوك.”
كان واضحاً أن إلوديا تصورت نفسها ضحية بريئة في دراما، حيث يصبح الرجل الذي لم تختره مظلماً ويتعاون مع الشريرة ليظلمها.
هل عليّ أن أعيش وفق ما تتوقع؟ ابتسمت ابتسامة مريرة وحررت ذراعي من ذراع تيسكان.
لم أكن أعرف ما الذي فعلته لـإلوديا لتعاملني كشريرة، لكنني لم أرغب في شرح نفسي.
إن كنت سأُعامل كشريرة، فليكن.
خطوت نحوها، بينما كان نحيبها يختلط بصوت خطواتي.
وعندما وقفت أمامها، كانت الصفعة.
“…!”
دوى صوت الصفعة في مراسم الخطبة الخارجية.
“كيف تجرؤ امرأة من عامة الناس أن تقاطع حديث النبلاء؟”
خفضت يدي وأنا أواجه إلوديا التي فتحت عينيها على اتساعهما وكأنها لم تصدق ما حدث.
حينها فقط أمسكت إلوديا بخدها المحمر الذي ضربته.
“أنت؟ كيف تجرؤ فتاة من عامة الناس أن تنادي سموه بلفظ “أنت” فقط؟” سخرت من منظرها.
كانت إلوديا قد طلقت تيسكان فباتت من عامة الناس مجدداً.
ولو كانت من النبلاء أصلاً، لما فقدت لقبها حتى بعد الطلاق، وكانت ستظل تُخاطب بـالسيدة وتُعامل باحترام.
بالطبع، حتى لو عادت من عامة الناس، كان يمكن أن تحظى ببعض الاحترام لمجرد أنها كانت دوقة كبيرة، لكنني لم أر ضرورة لذلك على الإطلاق.
“تساهلت معك حين لم تحني رأسك وتحييني، احتراما لأنك كنت دوقة كبيرة، لكن يبدو أنك بلا حدود.” رفعت ذقني بابتسامة متعجرفة وموقف متكبر.
“يبدو أن عليّ تعليمك آداب التحية كما ينبغي.”
“…”
“ماذا تفعلين؟”
لكن إلوديا بدت غير قادرة على تقبل هذه الحقيقة، حقيقة الصفعة العلنية في يوم كان من المفترض أن يكون أسعد أيامها.
“أرى أنكِ طفلة حمقاء لا تفهم الكلام.”
رفعت يدي مرة أخرى بنظرة شرسة، وامتلأت عينا إلوديا بالهلع، فتراجعت للخلف.
ولم أتردد في التقدم نحوها.
التعليقات لهذا الفصل " 78"