كانت المرة الأولى التي تعيّن فيها إلوديا السيدة مايكونري خادمةً خاصةً بها حين كُلّفت بالإشراف على تحضيرات حفل الخطوبة.
لم يكن يهمها إن أتمّت مايكونري المهمة بإتقان أم لا، إذ كانت تريد فقط شخصاً تلقي عليه اللوم في حال وجه إردان نقده للتحضيرات.
لكنها لم تكن تتوقع أن تؤدي السيدة مايكونري عملها بدقة ومهارة بهذا القدر.
تولت السيدة مايكونري المسؤولية بعد إلوديا، وأدارت الأمور بتحفّظ واحترافية أثارتا دهشتها، وكانت النتيجة مذهلة بالفعل.
فقد أُعدّ مكان الحفل ببذخ واضح وجهد جليّ، وزُين بأسلوب يجمع بين الفخامة والرقي.
“تفضلي بالدخول.”
بينما كانت إلوديا تغمرها ابتسامة رضا وهي تسترجع مشهد الحفل، دُق الباب.
دخلت رئيسة الخادمات وأبلغتها بالأمر بأسلوب جاف وعملي:
“وصل جميع الضيوف.”
لم يكن تصرفها يدل على خدمتها لإلوديا بصفتها سيدة المنزل، لكنه لم يكن وقحاً كذلك.
لكن إلوديا بدت متأثرة بأسلوبها العملي، فرفعت كتفيها ومالت برأسها قليلاً بتردد.
“سنخرج بعد قليل.” لاحظت السيدة مايكونري رد فعل إلوديا فتدخلت نيابة عنها.
رئيسة الخادمات، التي استغربت تصرف إلوديا، انحنت مودعة وغادرت دون أن تطرح سؤالاً.
سألتها السيدة مايكونري بقلق: “هل تشعرين بعدم الارتياح بسبب رئيسة الخادمات؟”
نفت إلوديا ذلك بتردد، ثم أطلقت نظرة حزينة نحو الأرض: “ليس كذلك… لكن يبدو أن رئيسة الخادمات لا تحبني.”
نظرت إليها مايكونري بنظرة باردة غير مألوفة، لكن حين التقت عينا إلوديا بنظراتها، تبدّل التعبير البارد إلى قلق ظاهر.
واصلت إلوديا بحزن في صوتها، غير مدركة لتغير وجه مايكونري: “في الحقيقة، الأمر لا يقتصر على رئيسة الخادمات فقط، بل كل الخدم كذلك.
الجميع يكرهني.
لم أفعل شيئاً خاطئاً، لقد اتُهمت ظلماً، والشخص الذي اتهمني مات، فلا أحد أواجهه ولا سبيل لتبرئة نفسي…”
حاولت إلوديا أن تبتسم بشجاعة، لكن الدموع بدأت تتجمع في عينيها.
أغمضت عينيها قليلاً ومسحتها برفق.
راقبتها مايكونري بشفاه مشدودة، وقالت بحزم: “كيف لهم أن يكرهو من ستصبح سيدة هذا البيت؟ لا يمكننا السكوت عن هذا التجاوز.”
“عذراً؟ لكن…”
“عندما تتولين مسؤولية هذا المنزل، يجب أن تبدئي باستبدال الخدم.
سأساندك.”
تفاجأت إلوديا من هذا القرار، فقد كانت تُعبّر عن إحباطها فقط، ومايكونري هي التي تستمع لشكاواها.
إردان لا يستمع…
كان إردان بارداً معها منذ أن التقت بتيسكان من دونه وبعد كارثة حفل التعيين.
كان مزاجه السيئ يشملها، فتجاهل شكواها من تصرف رونا، وموقف رئيسة الخادمات، ووقاحة الخدم.
لذا لجأت إلى مايكنري طلباً للراحة بدلاً من إردان.
“استبدال الخدم؟ هل هذا مناسب حقاً؟” تساءلت إلوديا وهي تمضغ طرف إصبعها.
ردت مايكونري بصوت حازم: “هم من أخطأوا أولاً. طردهم عقابٌ خفيف مقارنة بما يستحقونه من تأديب.
لا تترددي في ذلك، فهذا دليل على رحمتك.”
أثرت كلمات مايكونري في قلب إلوديا.
نعم، لم أفعل شيئاً خاطئاً.
هم من أهانوني أولاً ويستحقون العقاب على سوء تصرفهم.
سوف ينجح حفل الخطوبة ويتحسن مزاج إردان، لذلك عليّ أن أطلب منه استبدال الخدم.
أزالت إلوديا إصبعها عن شفتيها ببطء وقالت: “سأفكر في الأمر.”
“يا لها من لطف، سيدتي إلوديا.”
ابتسمت إلوديا برقة، لكن الخادمات أمسكن صدورهن بالإحباط.
“وبينما تستبدلين الخدم، ماذا عن طرد الوصاة الذين يديرون الأراضي نيابةً عن اللورد إردان؟”
تعجبت إلوديا بعيون متسعة، وأومأت مايكنري بحزم.
“في السابق، كان اللورد إردان شاباً، لذا كانوا يديرون الأراضي، لكن الأمر مختلف الآن.”
“هذا صحيح.”
“يتهمون بعضهم البعض بالفساد، لكن الحقيقة غير معروفة لنا.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار تورطهم في أعمال مشبوهة.”
“…”
“تكليف هؤلاء الناس بإدارة الأراضي أمر لا يُحتمل.”
أومأت إلوديا دون وعي، بدا الأمر منطقياً.
“لكن هذا قرار إردان.” بعد لحظة تفكير، تحدثت إلوديا. كان إردان لا يحب تدخل أحد في قراراته.
تنهدت مايكونري بلطف: “هل من المعقول أن يدير الوصاة الأراضي الشاسعة لفيدليو والمرقب، ويحددوا مصاريف صيانة كرامة سيدتي إلوديا؟”
شددت إلوديا تعبير وجهها.
لم تكن تلاحظ هذا الأمر سابقاً، لكن العبارة لم تكن خاطئة أيضاً.
“وألا يجب أن تُستخدم الضرائب من سكان الأراضي لصالح اللورد إردان وسيدتي إلوديا اللذين يمثلان هذه الأراضي؟”
تحدثت مايكونري أحياناً بلطف، وأحياناً بنبرة مفعمة بالأسى، وهمست بها لإلوديا.
“كلما رأيت غرفة الملابس الفارغة الخاصة بسيدتي إلوديا، يحترق قلبي.”
كانت تتحدث وكأن فسادهم أمر مسلم به، رغم أنها لم تكن سوى فرضية في البداية.
… الضرائب من السكان يجب أن تُستخدم لي؟
لكن إلوديا لم تلتقط أي تغيير في النبرة.
رغم أنها لم تُظهر ذلك، فإن الغرفة الفارغة التي لم تكن كذلك عندما كانت الدوقة الكبرى، كانت تُزعجها سرّاً.
وكل ذلك بسبب الوصاة؟
ظهرت لمحة من العداء في عيني إلوديا.
تركت وراءها أشياء ثمينة كثيرة في الدوقية الكبرى لأنني وثقت في إردان.
مجرد التفكير بتلك الأشياء الثمينة يثير غضبي.
قالت مايكونري: “إذا عاقبت هؤلاء الفاسدين الذين يختلسون الأموال، سينظر إليك سكان الأراضي بعين الإعجاب، سيدتي إلوديا.”
هزّت إلوديا رأسها موافقة على كلامها.
نعم، لم يكن الأمر متعلقاً بالمال، بل برغبتها في معاقبة الظالمين.
“هل كل شيء جاهز؟”
في تلك اللحظة، جاء إردان ليصحب إلوديا.
“نعم، أنا جاهزة.”
ربما بسبب اهتمامه بزيه لحفل الخطوبة، بدا إردان أجمل مرتين من عادته.
بابتسامة فرحة على وجهها، تجاهلت إلوديا أفكار الوصاة واقتربت منه ببهجة.
“حقاً، لقد تأنقت كثيراً، ولم تعطيني حتى مجاملة؟”
“آه، تبدين جميلة.” رد إردان بلا مبالاة على شكوى إلوديا اللطيفة.
… أتمنى أن ينتهي هذا بسرعة.
على عكس حماسة إلوديا، كان إردان يجد حفل الخطوبة هذا مزعجاً للغاية.
كان هذا الحدث مجرد محاولة لتعويض الانتقادات اللاذعة التي وُجهت لحفل التعيين.
بالنسبة لإردان، لم يكن أكثر من ذلك.
لو انتهى حفل التعيين بسلاسة، لما أُقيم حفل خطوبة كبير مهما أصرّت إلوديا.
“أليس كذلك؟” لم تلاحظ إلوديا بردة فعل إردان الباردة واستمرت في الابتسام بسعادة.
استمعت مايكونري بهدوء للحوار، وتبعتها الخادمات إلى ساحة القصر حيث سيُقام الحفل.
فجأة توقفت وأمسكت بنظرة ثاقبة نحو مكان محدد.
ولم تكن وحدها، بل بدأ عدد كبير ممن شاركوا في التنظيم ينظرون إلى نفس الاتجاه.
كان الأمر كما حدث في ذلك الوقت…
كان محور اهتمام الجميع شخصًا يرتدي قبعة سوداء مزينة بالدانتيل.
هل تدرك؟ أن مظهرها الحالي مطابق لما كانت عليه في جنازة بريسيلا قبل ما يقرب من ثلاث سنوات.
همست مايكونري بصوت منخفض: “لو كانت ستأتي، على الأقل كان يمكنها إعلامنا.”
مع ظهور ليريبل، كان هذا الحفل محكوماً عليه بالفشل. لو كانت تعرف أن ليريبل ستظهر، لما بذلت كل هذا الجهد في خطوبة كانت محكومًا عليها بالفشل من البداية.
لكن على الأقل…
ربحت ود إلوديا، فلم يكن كل ذلك بلا جدوى.
وابتسمت ضاحكةً بخفة.
التعليقات لهذا الفصل " 75"