“كنتُ أظنّ أن سموّك قد توقّع أفعالي التالية، على الأقل، عندما اقترحتُ تلك العلاقة الزائفة.”
“لكن سؤالي كان عن الكيفية التي تخططين بها للعيش بعد أن تحققي مبتغاكِ، يا بارونة.”
مبتغاي؟ أن أرى إردان محطمًا تمامًا، أن يعيش شقيًا، وأن يفنى.
لم يكن قتله ليكفيني ثمنًا لما كابدته، بل بدا ذلك نوعًا من التراخي.
لكن، ماذا بعد الانتقام من إردان؟
هل كنت أسيرة رغبة ضارية للانتقام، مقيدة بالحقد، فلم يخطر ببالي يومًا ما الذي سيأتي بعده؟
“لم أفكر في الأمر، لذا لا أدري.
هل ينبغي أن أجيبك الآن؟”
“أفضل أن أسمع إجابتك الآن، إن تيسّر لك ذلك.”
“أظن أن الأمر يستحق التروي.”
حككت عنقي في ارتباك، غارقة في شرودي.
“بدايةً…”
لم أحتج إلى كثير من التفكير.
فالإجابة لم تكن عصيّة، بل فقط سؤالًا لم أوجّهه لنفسي من قبل.
“سأقدّم إقليم بيتْرول لجلالة الإمبراطور.”
“…عذرًا؟” سأل تيسكان بذهول طغى على صوته.
“لقد تلقيتُ عونًا عظيمًا، في نهاية المطاف.” أومأت برأسي مؤكدة.
كان من الطبيعي أن أرد الجميل لكاسروسيان.
ومن بين كل ما أملك، لم يكن ثمة ما يليق بجلالته سوى تلك الأرض.
فوجود إقليم يخضع لنُبلاء خارج الأسرة الإمبراطورية قد يسبب اضطرابًا سياسيًا.
وما إن يُرفع جثمان التنين، حتى تفقد الأرض صفة الخراب، وتُصبح قابلة للاستصلاح.
“ألن يكون من الأجدر أن تتولّي البارونة تطوير الإقليم بصفتها سيدته، وتؤدي الضرائب للإمبراطورية؟”
“ذاك فوق استطاعتي.”
في تلك اللحظة، لاحَ الشك على ملامح تيسكان، وكأنه تساءل إن كان سمعني خطأ.
“لقد عملتُ كحاكمة فعلية للإقليم لعامين، ووجدتُ الأمر مجهدًا بشكل يفوق الاحتمال.”
“أتنوين التخلّي عن أرضٍ تفوق في حجمها أراضي بعض الكونتات، لمجرد هذا السبب؟”
“نعم.”
ارتسمت على وجه تيسكان دهشة حادة، وانفرج فمه كسمكة أُخرجت من الماء.
لماذا كل هذا الذهول؟ بدلًا من طرح السؤال، تابعت حديثي بنبرة هادئة:
“حين يُزال جثمان التنين، سأحصل على ثروة تفوق احتياجاتي طوال حياتي، حتى إن عشت ببذخ.
أنوي التبرّع بجزء منها للمعابد.”
“تتبرّعين؟”
“ليس كثيرًا، فقط مبلغ يلفت الأنظار.”
“ولمن هذا العرض؟”
“لحاكم السماء، بطبيعة الحال.”
كان واضحًا أن تيسكان لم يستوعب مغزى كلماتي.
في الحقيقة، كانت تلك خطة وُضعت منذ البداية. كنت أعتزم التبرع بجزء من المال الذي سأحصل عليه من بريسيلا.
وبما أنني أعرف طبع بريسيلا جيدًا، فقد كنت واثقة من أنها ستثير عاصفة وتستفز ملك الجحيم.
لذا، كان التبرع وسيلتي لتهدئته، وطلب بعض اللين في تعامله معها.
لا أطلب تخفيف العقوبة، فقط أن تُقدّم لها وجبة لائقة.
هذا أقل ما يمكن أن أفعله وفاءً لها.
“بعد ذلك، أفكر في العيش بهدوء في الريف.”
“في الريف؟”
“أجل، وإن عشت في عزلة تامة، فقد تزحف الوحدة إلى قلبي، لذا أنوي الانخراط في بعض الأعمال التطوعية والتواصل مع الناس.”
“…”
لم يعد لدى تيسكان ما يُقال.
“قد يرى الربّ أنني أُقدِم على الخير بدافع شخصي لا محض نُبل، لكن بما أن هناك من لا يمدّ يده للخير طيلة حياته، آمل ألا يُحاسبني بقسوة على سعيي وإن حركه شيء من الذات.”
“…”
“وهكذا أكون قد أجبت عن سؤال سموّك.”
وما إن أنهيت كلامي، حتى غطّى تيسكان فمه بكفّه، وعيناه اللتان ظهرَتا من فوق يده، حملتا ذهولًا لا يُخفى.
“هل هذا كلّ ما في الأمر حقًا؟” قال بعد برهة، وهو يُنزل يده.
“ربما لا تعلمين، لكنك على وشك أن تصبحي من أثرى شخصيات الإمبراطورية.”
“أنا على دراية بذلك.
جلالته أطلعني على التقديرات.”
“ومع ذلك، تفضلين هذا النوع من الحياة؟”
“نعم.”
“بإمكانك بهذا المال تأسيس تجارة تهزّ أركان اقتصاد الإمبراطورية، أو اقتحام دهاليز السياسة.
يمكنك أن تعيشي في بذخ وسط الطبقة الراقية.”
“ذلك لا يُغري قلبي.”
كانت كلماتي صادقة تمامًا، لا تزييف فيها ولا ادعاء.
لو أنني وُلدتُ في كنف النبلاء، لربما كنت أرى الأمور بعين مختلفة.
لكنني عشت حياةً عادية زمنًا أطول، فلم أُفتَن ببريق طبقتهم.
ظلّ تيسكان يرمقني، وكأنه يبحث في نظراتي عن صدق حديثي، ثم قال أخيرًا: “كنت أظنّ أن البارونة تعشق المال.”
“أحب المال، ومن ذا الذي لا يحبّه؟”
“وبكل صراحة، ظننتك شخصًا تحركه الرغبات أكثر من سواه.”
كدت أن أقرّ بأنه قد يكون على صواب، لكنني آثرت الصمت.
فما من مقياس دقيق يُحدد شدة الرغبة.
“لكنني لم أتخيل يومًا أن تكون أحلامك بهذه البساطة.”
هل هي بسيطة حقًا؟ بالنسبة لي، بدت بالغة التعقيد.
“وإن كانت الحياة التي تنشدينها بسيطة كما تصفين، فلم بدوتِ في قمة الابتهاج حين اقترح جلالته تلك الصفقة؟” سأل تيسكان، لربما لأنه رفض عرضي مسبقًا ظنًا أنني مهووسة بالمال.
لِمَ كنت سعيدة؟ أكان لأنني حصلت على المال الكافي لانتقامي؟ أم لأني شعرت أخيرًا بالحماية؟
“لأن جلالته حررني من همومي وآلامي.”
نعم، هذا صحيح، لكن… أن أعيش دون أن أُقحِم نفسي في صراع مستمر مع المال طوال حياتي، كان مكسبًا ثمينًا آخر.
“ماذا تعنين؟”
“طالما أن المال موجود، وطالما أن عجلة الاقتصاد تدور، لن تنقطع مشكلات البشر المتعلقة به.”
“…”
“وجلالته منحني فرصة للتحرر من كل تلك القيود.”
“فرصة لحياة خالية من القلق؟”
أومأت برأسي وأضفت: “حين أتحرر من أعباء المال، أستطيع حينها أن أكرّس وقتي لحياتي وسعادتي. وهذا ما أقدّره حقًا.”
“…أتفهم ذلك نوعًا ما.
ليس بالكامل، لكن جزئيًا،” قال تيسكان.
كما رأى أن نمط الحياة الذي أصبو إليه بسيط، يبدو أنه لم يستوعب كلماتي تمامًا.
وربما يعود السبب إلى التباين الجذري بين حياتينا.
السلطة، الشرف، والثروة… كانت من صميم حياته منذ ولادته، لذا قد يستحيل عليه فهم بعض زوايا الحياة التي عايشتها.
“وأنا بدوري لا يمكنني أن أفهم ثقل المسؤوليات التي يحملها سموّك، تمامًا كما لا يستطيع سموّك إدراك هموم البسطاء.”
كما أنني لا أستوعب حياته كليًا.
“…!”
ظهر الذهول على وجه تيسكان.
“وبما أنني لا أمتلك الجرأة لتحمل عبء مماثل، فقد اخترتُ حياة هادئة على حياة مترفة يمكن للمال شراؤها. أنا جبانة.”
صحيح أنني لم أحمل عبئًا كعبء تيسكان، لكنني قضيت ليالٍ بلا نوم وأنا أتحمل مسؤولية معيشة عدد هائل من الناس كحاكمة فعلية.
كانت حياةً تستنزفني نفسيًا.
“أعتقد أن الحديث قد طال، هل نعود الآن؟” سألته بهدوء.
“البارونة ليست جبانة.” قال تيسكان بنبرة متأثرة.
“الجبان الحقيقي هو من ينعم بحقوقه دون أن يلتفت إلى مسؤولياته.”
ومن ابتسامته الحزينة، أدركت أنه لا يوجّه الحديث إليّ تحديدًا، بل كان يسترجع طيف شخص آخر.
“أعتذر.
يبدو أنني أسقطتُ حكمًا على البارونة تحت وطأة ذكرى قديمة.”
وغالب الظن أن تلك الذكرى اسمها إلوديا.
من غيرها يمكن أن يبعث في هذا الرجل كل ذلك الألم؟
“وأنا أيضًا… لدي اقتراح أود عرضه على البارونة.” قال تيسكان بعدما تلاشت مرارة ابتسامته، ونظر إليّ بعينين جادتين.
“هل تقبلين الزواج بي بموجب عقد رسمي؟”
…ماذا؟!
عقدتُ حاجبيّ بدهشة، أتساءل في صمت: هل سمعتُه جيدًا؟ والتقت عيناي بعينيه، وإذا به يومئ برأسه، وابتسامة خفيفة تعلو محيّاه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"