“ماذا حدث بين كاسروسيان والآخرين في قاعة الاجتماع؟”
لم يُؤذن لي بالدخول إلى القاعة، فبحكم أن وظيفة “الحاجب” تقتضي مرافقة الإمبراطور كاسروسيان خلال نقاشات الدولة الحساسة، اعتدت أن أنتظر خارجًا حتى يفرغ من اجتماعه مع بقية مسؤولي القصر.
لذا، لم أكن أعلم ما الذي يُقال هناك أو يُتداول.
“الإمبراطورية إلى هاوية! أراهن أنها ستتهاوى قبل أن يتوَّج الأمير كليفورد! لا بد أن أحدهم سيقودها نحو الفناء!”
من نبرته، استنتجت أن كاسروسيان حضر الاجتماع متكاسلًا، متعمدًا إظهار البلادة واللامبالاة، كأنه يلهو بتقمص صورة الأحمق.
كتمت غيظي وتظاهرت بعدم السمع.
فإن كان كاسروسيان يرغب في الظهور كمن لا يصلح لحكم إمبراطورية، ويُعامَل على هذا الأساس، فليكن، فهو يحقق غايته.
وأنا؟ من أكون لأتدخل في ذلك؟
“ولماذا تصمتين؟ هل قلت شيئًا خاطئًا؟ إن كنت غبيًا، فاجتهد على الأقل! الأحمق الذي لا يُحاول لا يستحق سوى الازدراء!”
رغم محاولتي تجاهل كلماته، إلا أنها وقعت على قلبي كالحجر، ربما لأن مزاجي لم يكن في أحسن حالاته ذاك اليوم.
“ابذل مجهودًا! مجهودًا!”
وما زاد الطين بلة أنه كان يصرخ بهذه الكلمات على مسمع الجميع خارج قاعة الاجتماع، قبل حتى أن يغادرها كاسروسيان، كأنه يتعمد إيصال صراخه إليه.
وقاحة كهذه لا تُغتفر.
“أليس من الممكن أن يُخفف الاجتهاد شيئًا من غبائك؟”
ما أشعل غضبي أكثر، هو خوفي من أن تصل هذه السفاهات إلى مسامع كاسروسيان.
لم أرد أن تسمم أذناه بهذا القبح.
“أنتِ!” ناداني الحاجب المرافق لي، وقد التقط وقع خطواتي وأنا أقترب.
“الأجدر أن يُسلَّم الختم لكلب، لربما أحسن استعماله… ما هذا؟” التفت الرجل المتحمس وحدّق بي بعبوس.
“ما بكِ؟ هل لديكِ ما تقولينه؟”
لم أُجبه.
انحنيت قليلًا من كتفيّ، وأملت رأسي، ثم رفعت وجهي وحدّقت به بثبات.
“…!”
ما إن رفعت حاجبًا واحدًا وحدقت فيه بلا أن ترمش عيني، حتى بدا عليه التردد لوهلة.
“ما الذي تفعلينه؟!” صرخ منزعجًا، وكأنه لم يحتمل اهتزازه المفاجئ.
“أيتها الـ…!”
ورغم صراخه ووعيده، لم أغيّر من وضعيتي، وظللت أحدق به بثبات وجمود.
وما إن بدأ وجهه بالاحمرار ورفع يده لينهال عليّ، حتى…
“ما الذي يحدث هنا؟”
كان صوت كاسروسيان.
“جلالتك! من أي بيت نبيل انحدر هذا الخادم الوقح؟” سأل الرجل وهو يُنزل يده على مضض حين لمح الإمبراطور.
يا للأسى… لو أنه ضربني، لكان لي أن أطرده من القصر الإمبراطوري إلى الأبد، بتهمة الاعتداء على خادم يخص الإمبراطور نفسه.
“لمَ تحتفظ بمثل هذا الشخص المنحط خادمًا لك؟ أما زلت تملك شيئًا من كرامتك؟”
[يقصد البطلة]
“وهل امتلكت كرامة من قبل؟” رد كاسروسيان بهدوء.
“كنت أتساءل إن كنت أملك ذرة منها، حين تركتك تصرخ وتهينني علنًا دون أن أنبس بكلمة.”
“…!”
اتسعت عينا الرجل بدهشة، فهذه المواجهة المباشرة لم تكن من طباع كاسروسيان المعتادة، المعروف بتجاهله المهين لكل هذا الصخب.
“دعنا نكن منطقيين.
إن سببت مشكلة ثم بكيت من عواقبها، فحينها فقط أتدخل، أليس كذلك؟”
كانت كلماته تهديدًا مقنّعًا: “إن تماديت، فسأقتصّ منك… هل ترغب بذلك؟”
“…أعتذر.” انحنى الرجل، لكن اعتذاره كان واضح النفاق، لا ينم عن ندم بل عن رغبة في النجاة من الورطة.
“هيا بنا.”
استدار كاسروسيان بصمت، ولحقت به، بينما شعرت بسهام نظرات الحاجب تخترق ظهري.
يبدو أنني أصبحت هدفًا جديدًا للمراقبة.
“تجاهلهم أسهل،” قال كاسروسيان بصوت خافت وكأنه يخاطب نفسه.
“مشاعرك أثمن من أن تُنفق على أمثالهم.” ورغم نبرة التأمل في صوته، أيقنت أنه يقصدني بكلماته.
“فمه لا ينفث سوى القذارة.”
شهق الخدم من خلفنا بفزع عند سماع كلمتي.
“تحركتُ دون تفكير، فقط لأنني لم أتحمل ما قاله. أعتذر.”
ارتجف كتف كاسروسيان عند سماعه اعتذاري.
“في الواقع، الكونت هربرت يستخدم فمه لما لم يُخلق له.”
أومأ بعض الخدم موافقين، قبل أن يتراجعوا سريعًا حين شعروا بنظرات الحاجب تحرقهم.
“لا داعي للاعتذار.
لم ألمّح إلى أنك أخطأت، بل أردت فقط أن أذكّرك بأن مشاعرك أسمى من أن تُستنزف لأجل هذا الصنف من البشر.”
عند كلماته، عقدت حاجبي وانحنيت قائلة: “شكرًا لك.”
ومع أنني كنت ممتنة، إلا أن شعورًا بالغصة اجتاحني.
لقد اعتاد هذا الرجل على الإهانة والاحتقار، إلى درجة أن صمتَه صار درعًا… لكن لا شك أن ذلك يؤذيه، مهما تظاهر بخلافه.
ورغم أنه لم يُعاقبني، إلا أن الحاجب لم يتردد في توبيخي بشدة في تلك الليلة.
—
خلال الأسبوعين التاليين، مُنعت من الاقتراب من قاعة الاجتماع بأمر مباشر من الحاجب.
“هذه وظيفة الحاجب.
وحتى لو كنتِ خادمة مؤقتة، فعليكِ الالتزام بتعليماته، يا بارونة.”
وبما أنني ارتكبتُ خطأ، لم يعترض كاسروسيان على القرار.
مرّ أسبوعان على هذا الحال، حتى أشار إليّ الحاجب من خلف الإمبراطور وهو يتجه نحو قاعة الاجتماع.
“هل ستبقين هنا؟”
توقف بجانبي، رغم أنني كنت أظن أنه سيتبعه كما المعتاد. لكن خادمًا آخر مُخضرمًا تولّى المهمة بدلًا عنه.
“لأراقبك.” قالها الحاجب بإيجاز.
كان من الواضح أنني أُدرجت في خانة “مثيري المشاكل”.
“كيف بدأت علاقتك بجلالة الإمبراطور؟”
لا أدري كم من الوقت مرّ عليّ وأنا واقفة في مكاني أنتظر انتهاء الاجتماع الطويل، حتى باغتني الحاجب بسؤاله.
“عن طريق شخص أعرفه.”
في الواقع، كانت علاقة فُرضت عليّ من قبل المركيز فيديليو.
“هل تُحبين جلالته؟”
كنت أظنه سيسأل عن تفاصيل حصولي على هذا المنصب، لكن سؤاله باغتني.
“منذ أن وطئتِ هذا المكان، ونظراتك نحو جلالته تنضح بالمودّة.”
لم يكن ينتظر ردًا، بل تابع حديثه:
“بغضّ النظر عن السبب، لا ضير في أن تحمل الخادمة مشاعر طيبة لمن تخدم.
لكن يبدو أنني كنت مخطئًا.”
“مخطئًا؟”
أومأ.
“حين يحب أحدهم شخصًا، قد يُظهر عدائية لمن يسيء إليه، ويتصرف بطريقة غير متوقعة.”
“لا أظن أنني بلغت ذلك الحد…” كل ما في الأمر أنني لم أحتمل تفاهات الكونت هربرت.
“لكن نظراتك كانت مليئة بالعداء عندما حدّقتِ بالماركيز فيديليو.”
كان يقصد إردان… إذًا فهذه هي المسألة.
تذكرت تلك الليلة التي زارنا فيها، وكيف ظل الحاجب يحذرني منه مرارًا.
كان يعتقد أنني أغتاظ لأنه قلّل من شأن كاسروسيان، وكان يخشى أن أتهور.
لكن الحقيقة؟ كنت فقط أرغب في خنق إردان حتى الموت.
“رغم أن كل شيء بدا هادئًا في حينها، إلا أنك في النهاية سببتِ مشكلة، كما كنت أخشى.”
كنت قد افتعلت الشجار مع الكونت هربرت بسبب ارتباكي واحتدام مشاعري تجاه إردان في الأيام الأخيرة.
“مشاعرك تجاه جلالته أمر يخصك، ولا دخل لي فيه.
فقط لا تسمحي لها أن تُلقي بظلالها على جلالته وتُسبب له المتاعب.”
…هكذا إذًا.
لقد أُسيء فهمي تمامًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 57"