“عذرًا؟” سألت رونا، وملامح وجهها ما تزال تفيض بتلك السذاجة التي اعتاد عليها الجميع.
أجابت إيلوديا بنبرة وادعة:
“لم أحاول يومًا تقليد السيدة بريسيلا.”
“لكن دوقة القصر قالت ذلك بنفسها.”
“كان قولها ذاك فقط ليهوِّن وقع نصيحتي عليكِ، لا أكثر.”
أومأت رونا بإيماءة مقتضبة نحو إيلوديا، التي بادلتها بابتسامة هادئة، ثم أردفت الأخيرة: “أنا أُشير إلى أخطائكِ بصفتي مشرفة عليكِ، لا لأني أحاكي السيدة بريسيلا أو أستقي منها شيئًا.”
“آه…”
“هل فهمتِ ما قصدته؟”
“نعم.” هزّت رونا رأسها، إلا أن ملامحها بقيت جامدة، فلا يُدرى إن كانت صادقة في جوابها أم لا.
تساءلت إيلوديا في سرها: هل استوعبت ما قيل فعلاً؟ بدت متفاجئة من ردة فعلها، ولكنها شعرت بشيء من الرضا تجاه هذا القبول الهادئ.
إن كانت قد فهمت حقًا، فلن تذكر اسم بريسيلا مجددًا.
لكن فجأة…
“إذًا، هل كانت السيدة بريسيلا توبّخ دوقة القصر يوميًا في السابق لأنكِ كنتِ ترتكبين الأخطاء كل يوم؟”
ها هو اسم بريسيلا يخرج مجددًا من بين شفتي رونا.
“في الحقيقة، لا أعلم ما كانت نوايا السيدة بريسيلا.” ترددت إيلوديا لوهلة قبل أن تجيب.
كانت رغبتها تميل إلى قول الحقيقة: بريسيلا لم تكن سوى امرأة ماكرة، تعمّدت إيذاءها.
لكنها لم تشأ أن تُسيء إلى ذكرى راحلة.
“لا بد أنكِ شعرتِ بالظلم والمرارة.
البشر يخطئون، وهذا أمر طبيعي.
لكن، كيف لها أن توبّخكِ في كل يوم؟” قالت رونا، ونبرتها تغلفها شفقة خافتة، وكأنها استشفّت عمق المعاناة رغم قلة ما قيل.
“كل ذلك أصبح من الماضي.
لا بأس الآن.”
كان في وجه رونا تعاطف صادق جعل قلب إيلوديا يلين.
ارتاحت لفكرة أن رونا أدركت خبث بريسيلا دون حاجة إلى كشف الحقيقة.
“إذاً، دوقة القصر، لا شك أنكِ تدركين جيدًا ما تعانيه الخادمات.”
“…ماذا؟”
“أعني، إن أخطأتُ أنا، أو غيري من الخادمات في المستقبل، فلا بد أنكِ، وقد ذقتِ مرارة الظلم من قبل، ستتفهمين الأمر، أليس كذلك؟ فليس من الإنصاف أن نُوبّخ على كل هفوة بسيطة.”
“…”
لم تسعفها الكلمات هذه المرة.
فبالفعل، لقد ذاقت من بريسيلا ما يكفي.
وإن أنكرت الآن تعاطفها مع الخادمات، فكأنما تنكّرت لتجربتها هي ذاتها.
“ن-نعم، أتفهم.” تمتمت أخيرًا، بصوت خافت.
لم تكن تملك القدرة على قول “لا”.
لم ترغب أن يُنظر إليها كشخص قاسٍ… لم يكن أمامها خيار.
راقبتها رونا بصمت، وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة خبيثة خفيّة.
إن كانت إيلوديا ستتظاهر بالرحمة، فلتتذوّق إذًا طعم ما ذاقته هي على يد بريسيلا… لكن بطريقتها الخاصة.
—
لكن، ولسوء حظ رونا، فإن كثيرًا من محاولاتها لإحباط إيلوديا بدأت تلاقي طريقها إلى الفشل.
“تلك المرأة كانت تبحث عن كبيرة الخدم؟”
“يبدو أنها تنوي الوشاية بكِ، لأنها تعتقد أنكِ تجاهلتِ تعليماتها.”
ففي مساء اليوم ذاته، كانت إيلوديا قد سبقتها بالفعل، وذهبت لمقابلة كبيرة الخدم.
“شكرًا لإخباري.” قالتها رونا للخادمات اللواتي دللنها على وجهة إيلوديا، ثم أسرعت في خطاها.
لم يُبدِ أحد من خدم القصر أي نية لإيقاف رونا عن مضايقة إيلوديا، بل بدا أنهم يتعاونون معها ضمنيًا.
فقد كان معظمهم ناقمين على إيلوديا بسبب طردها لـ ليريبيل.
هل تنوي طلب تغيير خادمتها؟ تساءلت رونا في سرّها.
وبالفعل، وجدت رونا إيلوديا في بهو الطابق الأول، تقف أمام كبيرة الخدم كما أخبرها الخدم.
اختبأت خلف الجدار وأرهفت السمع.
“أرغب في تغيير خادمتي الشخصية.” جاء صوت إيلوديا واضحًا.
كما توقّعت.
يبدو أنها حقًا تنوي استبدالها.
لا يجوز! لم أمنحها درسي الحقيقي بعد.
زمّت شفتيها غيظًا من ضعف إيلوديا واستسلامها السريع.
أين الإرادة؟ أين الصبر؟
فكّرت للحظة، ثم قررت أن تستبق الأمر.
سأذهب إلى كبيرة الخدم وأتوسل إليها أن تسمح لي بالاستمرار في خدمة إيلوديا، وسأعدها أن أبذل أقصى جهدي.
لعلّها تتردّد، وربما توافق.
فالحقيقة أن لا أحد يرغب في تولي هذه المهمة سواي.
توجهت إلى غرفة كبيرة الخدم، عازمة على الانتظار حتى تنتهي المحادثة.
“…؟”
ما إن دخلت الغرفة حتى لفت نظرها وجود أوراق متناثرة على الطاولة الخشنة.
تقدّمت لتتفحّصها.
كانت حزمة من الصحف.
التقطت واحدة وبدأت تقرأ.
كان المقال يتحدث عن العثور على متعلقات تعود لـ ليريبيل، والتي اختفت منذ مغادرتها القصر، وقد وُجدت تُباع في السوق.
وتضمّن الخبر إعلان إردان، وريث الماركيز، عزمه البحث عنها بناءً على تلك المتعلقات.
وضعت رونا الصحيفة جانبًا، وقد علا الجمود ملامحها.
لا يمكن… هل من الممكن أن ليريبيل فعلاً في خطر؟
قبضت على أسنانها بغيظ، لم يعد هنالك وقت للابتهاج بمضايقة إيلوديا.
“إن كانت ليريبيل فعلًا في مأزق…”
إن كانت تلك الأنباء صادقة، وإن كانت قد اختفت حقًا، ولم يُعثر عليها حتى الآن، وكل هذا بسبب إردان وإيلوديا…
فلن أسامحهما ما حييت.
—
مؤخرًا، لم أكن بأفضل حال.
بدأ كل شيء حين أعلن إردان عن اكتشافه لمتعلقاتي، التي اختفت منذ مغادرتي القصر، وقد ظهرت فجأة في السوق.
قال إنه سيبذل كل ما في وسعه للعثور عليّ.
يالها من مهزلة!
أدركت فورًا ما ينوي فعله.
كان يريد قتلي سرًا في مقاطعة بيتـرول، ثم يختلق قصة عن هجوم قطاع طرق.
أما نشر المتعلقات في السوق، فمجرد وسيلة ليبدو كزوج مفجوع يبحث عن زوجته الهاربة، حتى لا تحوم الشبهات حوله.
لكن لم تسر الأمور كما خطط.
إذ استشعرت الصحف ريبة في الرواية، وبدأت تنشر مقالات تتساءل عمّا إن كان إردان نفسه من ارتكب الجريمة.
ورغم الضجة التي أثارتها تلك المقالات، إلا أنها لم تغيّر شيئًا من الواقع.
فقد جرى حفل تنصيب إردان كوريث للماركيز كما هو مخطط، في ذات الوقت الذي تصدّرت فيه تلك المقالات العناوين.
حضر جمع غفير الحفل، وأغرقوه بالمديح، فالنفوذ والمصلحة لديهم أسمى من القيم، وكان كثيرون يهرولون لينالوا شيئًا من قربه.
في وقت لاحق، أعلن أنه تم العثور على اللصوص الذين هاجموني، وأكّد رسميًا وفاتي.
لم يفاجئني ذلك.
كنت أعلم أن النهاية ستكون قصة تُستهلك في صفحات الجرائد.
ومع ذلك، بقي شعور المرارة عالقًا في حلقي.
أن يُعلن موتك وأنت حي، ذلك بحد ذاته نوع آخر من الموت.
الشيء الوحيد الذي عزّاني، هو أن تقييم الحفل، رغم نجاحه، لم يكن جيدًا.
الناس انتقدوا سوء التنظيم، وهذا أمر متوقّع من شخص مثله.
“هاه…” تنهدت بمرارة، وأنا أراجع خيوط هذه المسرحية الرخيصة.
كنت أحاول فهم ما بداخلي…
ما الذي يجعلني أرفض كل هذا؟ لماذا لا أستطيع تقبّله؟
“هل هذا الرجل تلقّى تدريبًا؟ ألا يوجد مرشح أكثر كفاءة؟ الأمر يدعو للجنون!”
تسللت نظراتي نحو خارج قاعة الاجتماعات، فرأيت رجلًا يصرخ بأعلى صوته:
“حتى الأمير الصغير كليفورد سيكون أفضل على العرش منه!”
كان صوته كصرخة خنزير يُذبح، وذقنه المرتجفة تتراقص وهو يطلق الشتائم في وجه كاسروسيان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 56"