مهما كانت الأسباب التي جعلت كاسروسيان إمبراطورًا، فإن امتلاك الحاكم لصفات المكر والخداع لم يكن أمرًا مقبولًا.
قال كاسروسيان بهدوء:
“كيف لا أُكنّ الامتنان لمن يمنحني القدرة على الانتقام؟”
لكن تقاسيم وجه تيسكان اكتست بظلال داكنة بعد أن نطق كاسروسيان بجملته التالية.
تساءل تيسكان بصوت خافت وهو يطيل النظر إليه:
“ولماذا تبذل كل هذا الجهد من أجلها؟”
أجابه كاسروسيان بهدوء:
“لقد أخبرتك من قبل.”
هز تيسكان رأسه قائلاً بنبرة منخفضة لا تخلو من شك:
“جلالتك تعلم أن كرهك لإردان لا يبرر تصرفاتك هذه.”
خاصة وأن هذا التدخل بدا مفرطًا لمجرد أنه يُعجب بليريبيل.
ظل كاسروسيان يحدق من النافذة دون أن ينبس بكلمة، يداعب نظارته التي بالكاد تستقر على أطراف أصابعه، ثم قال باقتضاب:
“أهكذا ترى الأمر؟”
ظل تيسكان يراقب ملامحه الجانبية بصمت، يحاول سبر أغواره دون جدوى.
بدا له كاسروسيان أكثر غموضًا في صورته الحقيقية منه حين كان يخفي شخصيته خلف تلك النظارات الغريبة.
استدار تيسكان قائلاً:
“سأغادر الآن.”
لكن قبل أن يبتعد، سمع صوت كاسروسيان من خلفه:
“لقد قلتها مرارًا…
الدوق الأكبر لا يحسن الحكم على الناس.”
توقف تيسكان، وأدار نصف جسده ببطء نحو الإمبراطور.
قال كاسروسيان بنبرة واثقة:
“أما أنا، فبخلافه، أمتلك هذه القدرة.
وأراها شخصًا يستحق المساعدة.”
تساءل تيسكان:
“وكيف تتأكد من ذلك؟”
أجاب كاسروسيان بابتسامة خفيفة وكلمة واحدة:
“انه الحدس.”
صمت تيسكان برهة، كأن كلمته سُلبت منه، ثم قال باقتضاب:
“سأنسحب الآن.
حتى نلتقي مجددًا، ابقَ بخير.”
ضحك كاسروسيان وقال ساخرًا:
“ما الذي يدفعك للمغادرة بهذه العجلة؟”
رد تيسكان بابتسامة جانبية:
“بما أن جلالتك يخفي إجابته،
فسأكتم إجابتي أيضًا.”
ابتسم كاسروسيان بمكر قائلاً:
“يا له من تابع وقح، هذا الدوق الأكبر…”
سمع تيسكان هذه الكلمات المتهكمة وهو يخطو مبتعدًا.
—
تذكر تيسكان ما قالته له ليريبيل عند مغادرته:
“السيدة إلوديا أوصتني بالحذر من قطاع الطرق في الطريق…”
وقد بدت وكأنها كانت على علم بنيته الذهاب إلى هناك.
لم يكن تحذيرها عبثًا.
تصلبت ملامح تيسكان بينما استعاد تلك الكلمات في ذهنه.
—
كان إردان جالسًا إلى مكتبه، يمسح ذقنه بأنامله في ضيق.
“لم يصلني شيء بعد؟”
كان يتوقع أن يتلقى أخبارًا من المرتزقة الذين أرسلهم إلى بيتريل تفيد بأن ليريبيل قد تم التخلص منها.
“هل أخطأوا هدفهم؟”
احتمال وارد.
ليريبيل، في مثل هذه الظروف، كانت لتفر من القصر باندفاع.
وربما لم تتقاطع مساراتها مع المرتزقة بعد.
وإذا كانوا يفتشون أرجاء بيتريل، فمن الطبيعي ألا يتلقَّ تحديثًا بعد.
نقر بإصبعه على المكتب وهو يتمتم:
“تش…”
لكن، رغم ذلك، فرص نجاتها كانت ضئيلة جدًا.
وحتى إن أفلتت بطريقة ما، فإن المناطق المحيطة ببيتريل تقع تحت سيطرة مباشرة من الأسرة الإمبراطورية، وسيبلغه الإمبراطور إن حدث شيء.
مع ذلك، ظل شعور غريب يراوده، شيء يشبه القلق، فقط لأنه لم يتلقَ تأكيدًا بنهايتها.
طرق، طرق.
“ادخل.”
دخل كبير الخدم المساعد، وقال:
“أود مناقشة التحضيرات لمراسم الوراثة.”
أشار له إيردان بيده ضيقًا:
“تولى الأمر بنفسك.”
كان من المقرر أن يتسلّم إردان لقب الماركيز فور عودته، لكنه أرجأ الأمر.
فحتى يطلّق ليريبيل رسميًا، كان مضطرًا لتعريفها كزوجته أمام الضيوف.
ولذلك، ما إن خرجت من القصر، أمر بالبدء في التحضيرات.
قال الخادم بتردد:
“لكن دون تعليمات واضحة، يصعب علينا الترتيب…
وإذا قمنا بمراسم بهذا الحجم بأنفسنا، فقد يتضرر شرفكم وشرف الماركيزية.”
رد إردان بحدة:
“أخبر كبير الخدم.”
لكنه كان في الحقيقة يتهرب من مسؤولياته، كما كان دائمًا.
لم يكن يدير شؤون الماركيزية يومًا، ولم يعرف كيف يفعل.
سأله الخادم:
“ألم يتوقف السير ريليك عن العمل؟”
رفع إردان حاجبيه من الدهشة، وأجاب:
“ماذا؟”
أجابه الخادم بابتسامة مضطربة:
“ألا تتذكر؟ في اليوم التالي لرحيل السيدة ليريبيل…”
لكنه لم يكمل، لأن وجه إردان قد انقبض، واندفع واقفًا نحو الخادم وصفعه بقوة.
صفعة—
تجمد الخادم في مكانه، لا يصدق ما حدث.
قال إردان بصوت حانق:
“رأسي يؤلمني من أمر تلك المرأة، وأنت تتجرأ وتذكر اسمها؟”
ثم أضاف بازدراء:
“وفوق ذلك، تخاطبها باحترام؟ امرأة طُردت لما اقترفته؟”
ضغط الخادم على شفتيه، مستعيدًا صورة ليريبيل وهي تغادر القصر بصمت، تحمل حقيبة صغيرة كما جاءت أول مرة.
كان قد تجاهل الظلم الذي لحق بها، مبررًا لنفسه ذلك لأسباب شخصية، لكنه كان يعلم كم قدمت من أجل هذه الديار.
كان يعرف أنها لا تستحق هذا الإذلال، لا سيما ممن لم يهتم أبدًا بإدارة شؤون الماركيزية، واكتفى بإلقاء الأوامر.
قال له إردان ببرود:
“طالما كبير الخدم غير موجود، فعليك أنت أن تتولى الأمر.
ولا تزعجني بهذه التفاهات.”
أجاب الخادم بصوت واهن:
“أ… أجل، أعتذر.”
ثم استدار ليغادر، عاجزًا عن قول المزيد.
فقد ارتضى لنفسه السكوت عن الظلم سابقًا، ولم يعد يملك الجرأة الآن للمجاهرة بالحقيقة.
وقف في الممر يتنفس بعمق وكأن الأرض تتهاوى تحت قدميه.
وبينما كان يهمّ بالانصراف، لمح رئيسة الخدم تقترب.
سألها بصوت مكسور:
“هل جلالته في الداخل؟”
هزّ رأسه وهو يشير إلى أثر الصفعة على خده، وقال:
“نعم، لكنه ليس في مزاج جيد.
إن لم يكن الأمر طارئًا، فعودي لاحقًا.”
أجابته رئيسة الخدم بحزم:
“بل هو طارئ.”
نظر إليها مليًّا.
كانت توشك على الانفجار بدورها.
لطالما صبرت على تصرفات السيدة الجديدة، والآن، رحلت ليريبيل أيضًا.
تنهد مساعد الخدم ومضى مبتعدًا.
—
اقتربت رئيسة الخدم من إردان.
وجهه، كما توقعت، ممتقع بالغضب.
قدّمت له رزمة أوراق:
“هذه قائمة المشتريات التي طلبتها سمو الدوقة.”
ارتفع حاجب إردان قليلًا في انزعاج.
كان يرى أنه كان ينبغي عليها أن تتعامل مع المسألة بنفسها.
لوّح لها بيده:
“تولي الأمر.”
سألته ببرود:
“كيف؟”
ضاقت عيناه، لكنها لم تتراجع.
قالت بثبات:
“ألم تُنفق ميزانية النصف الثاني من الماركيزية على تزيين غرفتها؟”
ثم أضافت وهي تنظر إليه بثبات:
“بسبب ذلك، تأخرت رواتب الخدم.
فكيف لي أن أدبّر هذا المبلغ؟”
التعليقات لهذا الفصل " 39"
متى بيجي فصل ٤٠ تكفون شد الهمه نبي نشوف نهايه التعبان ذا
وهنا بداية النهاية للسحلية و الخاينه الي معه 👌🏽🔥
الله يعطيك العافيه على الترجمة ❤️