عفوا قايز لكن طلع اسمه تيسكان وليس تِسكان 🤣.
____
“لقد توصّل الأباطرة السابقون إلى الاستنتاج ذاته؛ اعتقدوا أن جثة تنين مدفونة في أراضي بترول، وسعوا إلى استعادتها من عائلة فيديليو.”
“إذًا، فسبب التوتّر المزمن بين أسرة فيديليو والعائلة الإمبراطورية كان هذا تحديدًا.”
أومأتُ برأسي بخفة، مؤكدة كلمات تيسكان.
تُعدّ عائلة فيديليو من بيوت النبلاء ذات النفوذ الواسع، ولم يكن مستغربًا أن تحكم العاصمة أو تشارك في صياغة القرار السياسي.
ومع ذلك، آثروا العزلة في أراضيهم، جزئيا بفعل اللعنة، وجزئيا تجنّبًا للاحتكاك بالعائلة الإمبراطورية التي لم تكن العلاقة بها على ما يرام.
إردان وبريسيلا أيضًا آثرا البقاء في الإقليم لهذا السبب.
“نعم، لكن عائلة فيديليو لم تكن لتتنازل يومًا عن الأرض التي ورثوها عن المركيز بترول، الأرض التي رفعت من شأن الأسرة، حتى وإن كانت مجرد أرض جرداء لا تصلح لشيء.” ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي كاسروسيان.
“حتى جاء ذاك الأحمق، إردان.”
فقط آنذاك انجلت أمامي الحقيقة وراء دعم كاسروسيان لإردان حين سلّمني أراضي بترول، ولماذا واصل دعمه لي بعدها.
لم يكن هدفه سوى انتزاع الأرض — أو بالأحرى جثة التنين — من قبضته.
أكان كلّ هذا مخططًا منذ البداية؟
إرسال الرجال فور طلبي للمساعدة، والضغط على إردان عن طريقهم…
حتى ذلك الرجل الذي أنقذني على حافة الموت، لا بد أنه كان مرسلاً من الإمبراطور ذاته.
ورغم أن فكرة كوني أداة في يد الإمبراطور خطرت لي، إلا أنني لم أشعر بالغضب.
لولاه، لكنت الآن جثة هامدة بيد إردان.
وأنا أفهم لما لم يُطلعني على شيء مسبقًا؛ كان حذرًا من أن تصل أي معلومة إلى إردان.
يا لك من أحمق، يا إردان…
تمتمتُ في أعماقي بسخرية.
تمسّك عائلة فيديليو بأرض بترول لم يكن محض وفاء لإرث المركيز كما ادّعى كاسروسيان، بل لأنهم أدركوا اهتمام العرش الإمبراطوري بها.
ولو أن إردان كلّف نفسه عناء مراجعة السجلات التاريخية، لأدرك الحقيقة، ولما سلّمني الأرض مهما حاول كاسروسيان إقناعه.
“ما الذي يرغب جلالتكم أن أفعله؟” سألت بهدوء وأنا أحدّق في كاسروسيان.
صحيح أن هذا الرجل لم يحاول قتلي قط.
فلو متُّ قبل إتمام إجراءات طلاقي من إردان، لعادت الأرض إليه.
ولو كانت نية كاسروسيان الاستيلاء على أرض بترول منذ البداية، لما سمح بموتي.
لكن الحذر واجب.
فعلى عكس إردان، الذي تطلّب خداعه حِيَلًا عديدة، قد أكون فريسة سهلة لهذا الإمبراطور.
ربما تخلّصت من أفعى تُدعى إردان، لأجد نفسي في فكّ الأسد المسمّى كاسروسيان.
“ما أريده…” قال كاسروسيان، وهو يمرر يده على ذقنه متأملًا.
“هل يريد جلالتك مني أن أتنازل عن الأرض بالكامل؟” قبضتُ على يدي المتعرّقة من التوتر.
هذا الرجل ليس ساذجًا.
يجب أن أكون أكثر حرصًا.
فلو كان قليل الحنكة، لما اكتشف سر أرض بترول، ولا تركها تقع في يدي.
ربما يجدر بي أن أقدّم له الأرض مقابل حمايته…
“كلا.”
جاء جوابه مفاجئًا.
“بصراحة، كنت قد تخلّيت عن فكرة استرجاع الأرض.”
“عفوًا…؟”
“إردان أحمق، نعم، لكنه جشِع وأناني بما يكفي ليمنعني من الحصول على الأرض لو علم برغبتي فيها.”
لم يسعني سوى الإيماء تأييدًا لكلماته الصادقة.
“حتى وإن سنحت لي الفرصة، لم أكن لأتحمّس للاستحواذ عليها.”
“…”
“وهدفي الحقيقي منذ البداية هو التعامل مع جثة التنين؛ فوجودها وحده كفيل بإشاعة الفوضى في أرجاء الإمبراطورية.”
ناولني مجموعة أوراق كانت بجانبه.
“سنقسّم جثة التنين بنسبة ستين إلى أربعين. تأخذين أنتِ الستين، وأنا الأربعين.”
اتسعت عيناي دهشةً.
لم أكن أعلم شيئًا عن حقيقة تلك الأرض، وكان ما حصلتُ عليه بفضل تدبيرات كاسروسيان الخفية.
ومع ذلك، يمنحني النسبة الكبرى! لو طلب مني التنازل الكامل، لما وجدتُ حيلة للرفض.
“قلتُ لكِ سابقًا، أليس كذلك؟ أشعر بالأسف من أجلك.
فاعتبريها عربون تعاطف.”
هل بدا الذهول على وجهي؟ إذ أضاف كاسروسيان بصوت خافت:
“خذي وقتك في قراءته.”
تسلّمت الأوراق منه بصمت.
“الوقت متاح.”
في الغرفة الصامتة، حيث انسحبت آخر خيوط الشمس من الأفق، لم يُسمع سوى خشخشة الأوراق بين يديّ.
كان العرض مغريًا.
وبينما كنت أتفحّصه بتأنٍ، أدركتُ صدق كاسروسيان في عدم رغبته بالأرض.
ما جذبني أكثر هو البند الذي يضمن حمايتي حتى إتمام التعاقد.
بنود العقد مرضية، والوثائق بلا شوائب، لكن… شددتُ قبضتي على الورق.
فحتى أنقى العقود قد تخفي نوايا خبيثة، وقد خُبرتُ ذلك على يد إردان.
لذا، تسللت الشكوك إلى نفسي.
لماذا أتردّد؟ تنهدتُ بسخرية، ثم وضعتُ الأوراق جانبًا.
أغمضتُ عينيّ، أستعرض شريط الذكريات.
إردان… لا بد أن أقتلك.
لكن القتل وحده لا يكفي.
أريد أن أراك تسقط، تتهاوى نحو الجحيم ذاته.
لكن، وللأسف، لا أملك الآن القوة.
بالكاد أستطيع حماية نفسي من نبيل بمكانة إردان.
“سأوقّع.” فتحتُ عينيّ وتحدثت بثبات.
لكي أنجو من إردان وأثأر لنفسي، لا بد أن أتحالف مع من هو أقوى منه.
وها هو الأقوى يمدّ لي يده.
فماذا أنتظر؟
“لقد أحسنتِ الاختيار.” قالها كاسروسيان بابتسامة خفيفة، وكأنه كان ينتظر قراري بصبر.
الانتقام.
من إردان فقط، أمسكتُ بيد كاسروسيان.
—
“سأنصرف الآن.”
عند صوت فتح الباب، التفت كاسروسيان الذي كان يجلس على حافة النافذة، خالعًا نظارته، وفكّ ربطة عنقه المحكمة.
“ظننت أنك ترغب في التورط أكثر في شؤون البارونة ليريبيل، لكن يبدو أني كنت مخطئًا؟”
أجاب تيسكان بابتسامة حزينة:
“كنت أعتقد أن المال والسلطة تغيّران الإنسان، لكن رؤيتي لذلك بأمّ عيني جعلتني أتساءل عمّا أفعله أنا.”
ضحك كاسروسيان، وهو يبعثر شعره المرتب بعناية، مستعيدًا ما حدث قبل دقائق.
حين أنهت ليريبيل التوقيع على العقد، وقفت فجأة، ثم انحنت له انحناءة عميقة.
“أعتذر عن إساءتي السابقة.”
“وأعتذر لأني شككتُ في نوايا جلالتكم بطريقتي الضيقة والجاحدة.”
ثم…
“بفف…” وضع كاسروسيان يده على عينيه، وانفجر ضاحكًا حين تذكّر تصرفاتها.
“رحمة جلالتكم لا تُقدّر بثمن!”
كانت ليريبيل قد فردت ذراعيها وصاحت بفرح، مستخدمة لغة إمبراطورية قديمة لعلّها تعلّمتها من أحد الكتب.
“هل وجدها جلالتكم مضحكة؟” سأل تيسكان، وقد ارتسمت الحيرة على وجهه، بينما كان كاسروسيان يضحك في صمت.
“تذكّرت وجه الدوق الأكبر،” قال وهو يمسح دموع الضحك التي تجمعت في زاويتي عينيه.
“النظرة التي أطلقها نحوي كانت كمن يرى خائنًا يبيع وطنه مقابل المال.”
وكانت أشدّ اللحظات وقعًا حين صاحت ليريبيل ثلاث مرات، بصوت مرتفع:
“يحيا الإمبراطور! يحيا! يحيا!”
“شعرتُ بالأمر نفسه.
لا أصدق كيف يمكن لشخص أن يتحوّل بهذه السرعة إلى التزلّف حين يُغرى بالمال.”
لم يستطع تيسكان إخفاء دهشته وهو يرى كيف تحوّلت ليريبيل، تلك المرأة التي كانت كوحش بريّ، إلى مخلوق مخلص يُحدّق في كاسروسيان بنظرة وفاء، كأنها كلب عاد أخيرًا إلى صاحبه بعد فراق طويل.
“لكني أجد الأمر مفهومًا تمامًا.”
وعند هذا التصريح، عبس وجه تيسكان، متفاجئًا.
التعليقات لهذا الفصل " 38"