“حسنًا، لكنني سأذهب معك.”
تردّد تِسكان قليلًا قبل أن ينطق بتلك الكلمات.
كان القلق يعصف بصدره، إذ يخشى أن تُصاب ليريبيل بسوء بسببه.
ولو كان يجهل ما قد يحدث لها، لهان عليه الأمر، لكنه يعلم ويصمت؟ هذا ما لا يطيقه.
والآن، يعتريه شعور بأنه إن عاد إلى الدوقية الكبرى، وتعرّضت ليريبيل للأذى على يد كاسروسيان، فسيندم ندمًا لا يُشفى.
“هاه.”
اكتفى كاسروسيان، الذي بدا على وشك الحديث، بإطلاق ضحكة ساخرة، ثم ارتدى رداءه وعاد إلى الغرفة دون أن ينطق بحرف.
“ما الذي فعلته؟”
أسرع تِسكان يلحق به، القلق بادٍ على نبرته.
لكن ما إن دخل، حتى اتسعت عيناه دهشة…
كانت ليريبيل ممددة على الطاولة، وقد فقدت وعيها، بينما جلس لويس قبالتها يحتسي الشاي بهدوء مريب.
قال بهدوء: “بدت متوترة، فأدخلتها في نوم عميق.”
حدّق فيه كلٌّ من تِسكان وكاسروسيان بذهول.
لويس؟ هذا الشخص تحديدًا؟ يلاحظ توتر أحدهم ويسعى لمساعدته بإرادته؟ أمر يصعب تصديقه!
تمتم كاسروسيان بنبرة متأملة، وهو يقترب من ليريبيل بابتسامة شارده:
“يبدو أن هذه الفتاة خُلقت لتجذب أنظار الغرباء.”
ثم التقط جسدها النائم بحذر شديد، وكأنما يحمل شيئًا ثمينًا سهل الكسر.
لكنه توقف حين لمح شيئًا في يدها.
“ما هذا؟”
سأل وهو يميل برأسه متعجبًا، مشيرًا إلى بروش كبير من اللؤلؤ كانت تقبض عليه.
ابتسم لويس بخفة وقال:
“كنت سأعطيها قطعة شوكولاتة، لكنها أرادت شيئًا تحتفظ به كتذكار…”
ثم أضاف وهو يغمز:
“فقدّمت لها ما يليق بأن يكون ذكرى حقيقية.”
نظر إليه كاسروسيان مطولًا وقد بدّل رأيه؛ ربما لم تكن ليريبيل مجرد فتاة تُلفت انتباه الغرباء، بل كانت تملك سحرًا فطريًا يجعلها تروضهم دون وعي.
—
أخذت نفسًا عميقًا، ويدي تعبث ببروش اللؤلؤ الذي أخفيه في جيبي.
غفوت خلال حديثي مع لويس، ولما أفقت، وجدت نفسي في فيلا تابعة للعائلة الإمبراطورية.
وها أنا الآن، أقف أمام باب الغرفة التي يقيم فيها الإمبراطور، أتهيأ لمقابلته.
هل ستكون الأمور بخير؟
أسوأ ما قد يحدث هو أن يسلّمني الإمبراطور لإردان.
لكن لو كانت تلك نيته، لما أرسل سيد البرج لمساعدتي.
الاحتمال ضعيف، وعلى الأغلب ستكون المقابلة آمنة.
قال تِسكان، وقد لاحظ ارتباكي:
“هل تأذنين لي أن أرافقك خلال لقائك بجلالته؟”
“آه، بالطبع.
سأكون شاكرة لك لتصرفك النبيل.”
كنت خائفة من مواجهته وحدي، خاصة وأنه قد يكون متورطًا مع إردان.
لذا، رحّبت بعرض تِسكان بكل امتنان.
لكن يبدو أنني بالغت في الحماسة، إذ لاحظت على وجهه ملامح غريبة.
سألته بتردد: “هل كنت تمزح، وأخذت كلامك على محمل الجد؟”
ابتسم بخفة وأجاب: “لا، أبدًا.
فقط… أدركت أن الامتنان شعور لطيف حقًا.”
“عذرًا؟”
قال بنبرة شفافة: “من كلماتك، شعرت أن مشاعري قد وصلت إليك بصدق.”
وانتابني شعور مرير وأنا أرى تلك الغصة الخفيفة تمرّ على ملامحه.
عندها تذكّرت القصة الأصلية…
“لا بأس.
أستطيع فعل ذلك وحدي.”
هكذا كانت إيلوديا دائمًا، تتظاهر بالقوة، وترفض يد العون.
لكن حين تقع في مأزق، لا تجد من ينقذها سوى تِسكان وإردان.
وبدلًا من الامتنان، كانت تكتفي بالاعتذار وهي تبكي.
يقال إن أحدًا لا يعرف حقًا ما يدور بين الزوجين. كنت أظن أن طلاقها من تِسكان سببه إردان… لكن يبدو أن الأمر أعقد مما تصوّرت.
“فلندخل إذن.”
أمسك تِسكان بمقبض الباب بنفسه.
لم يكن هناك حراس ولا خدم.
شعرت بجفاف في حلقي، وأنا أرى الباب يُفتح ببطء.
وتذكرت ما قيل لي عن الإمبراطور حين كنت أؤدي مهام اللورد بالوكالة.
كان مجرد ابن للملكة، عاش عمره بعيدًا عن بلاط الحكم.
لا مؤهلات، لا طموح، حتى قيل إن والدته، الملكة كاميلا، ربّته عمدًا في الظل كي لا ينافس ولي العهد، ابن الإمبراطورة.
لم يتلقَ تعليمًا يومًا، وعاش حياته بين اللهو والصيد والشعر.
وكان يقول دومًا إنه لا يريد الزواج، خوفًا من إنجاب وريث يُهدد موقع أخيه.
لكن حين مات الإمبراطور، وكان ولي العهد لا يزال طفلًا، لم يبقَ في العائلة الإمبراطورية سواه وسوى جدته.
فأُجبر كاسروسيان على ارتداء التاج، لا طمعًا بالحكم، بل لحماية ابن أخيه حتى يكبر.
بل يُقال إن كاميلا أمسكت به من تلابيبه وأجبرته على الجلوس على العرش.
لم يكن أحد ينتظر منه شيئًا… فهو “الفتى العاجز” الذي صار إمبراطورًا بالصدفة.
…وبطريقة ما، رأيتني أشبهه.
أنا أيضًا أصبحت لوردًا فجأة، دون نية ولا تخطيط.
لكن ما إن فُتح الباب بالكامل، تلاشت كل أفكاري.
ظهر الإمبراطور أخيرًا… الرجل الذي وُصف بأنه أعظم الفاسقين، الإمبراطور عديم الكفاءة، من ساعد إردان في محاصرتي، ثم أنقذني لاحقًا بسلوكياته الغريبة.
“هاه؟”
نسيت مكاني، وخرجت مني شهقة خافتة.
قال بهدوء وهو يلوّح بيده: “أه، لقد وصلتما.”
لم يكن يشبه أيًا من التوصيفات التي سمعتها.
قال مشيرًا إلى الأريكة: “تفضلا بالجلوس.”
كان شعره البني الداكن مشذّبًا بعناية، مفروقًا بنسبة 2:8.
ونظاراته سميكة لدرجة أنها تخفي عينيه تمامًا.
بدلته الرسمية ناصعة البياض، يلمع بريقها بشكل يكاد يؤذي العين، ومفصلة بدقة توحي بأنها قد تجرح من يلمسها.
أما ربطة العنق، فبدت مشدودة على عنقه حدّ الاختناق.
باختصار، لم يكن يشبه لا فاسقًا ولا إمبراطورًا… بل أقرب إلى مدير صارم يعاني من الوسواس القهري.
تمتمت معتذرة: “أعتذر على سوء التصرف.”
أجاب ببساطة: “لا بأس.
الجميع يتفاجأ عند رؤيتي أول مرة، اعتدت على ذلك.”
جلستُ بتردد على الأريكة.
قال تِسكان ضاحكًا وهو يجلس إلى جواري: “جلالتكم مختلف تمامًا عما يُقال.”
عدّل الإمبراطور نظارته بإصبعه وقال: “أعلم أنهم يلقبونني بالإمبراطور غير الكفء… وهذا صحيح.
لكن كإمبراطور، لا ينبغي لي أن أُقر بذلك علنًا.
عليّ أن أبدو كفؤًا، على الأقل.”
صمتُّ، ولم أدرِ بمَ أجيب. كل ما شغلني: من أين حصل على تلك النظارات العجيبة التي لا تليق إلا بشخصية من الرسوم المتحركة؟
ابتسم وسأل: “ما رأيكِ، يا بارونة ليريبيل؟ أأبدو كفؤًا في نظرك؟”
اضطررت إلى الرد، وإن بصوت خافت: “نعم.”
فانفجر كاسروسيان ضاحكًا: “واهاهاهاها!”
لا أدري…
ما هذا؟ أشعر أنني تورطت في شيء أعظم مما كنت أتخيل.
قال، وقد هدأت ضحكته: “لننتقل إلى صلب الموضوع.”
أغمضت عيني للحظة، ثم فتحتهما ببطء، محاولة جمع شتات أفكاري استعدادًا لما هو قادم.
التعليقات لهذا الفصل " 36"
تخيلت الشكل و مت ضحك 😭😭😭