“إنه عرض مغرٍ، غير أن من غير اللائق أن نُطلق سراح الدوق الأكبر هكذا ببساطة”
تبادلت العصابة الهمسات لبعض الوقت، ثم بدا وكأنهم توصّلوا إلى قرار لا رجعة فيه.
“لقد لمح وجوهنا، ويعلم أننا نعمل تحت إمرة السيّد.
وهو ليس رجلاً عاديًا؛ بل صاحب سلطة ونفوذ، وقد يقتفي أثرنا لاحقًا…
الأفضل أن نُسدل الستار عليه الآن”
رافق تلك الكلمات إيماءة قاتمة من زعيمهم، مرّر بها إصبعه على عنقه بابتسامة جليدية.
وفي اللحظة ذاتها، سحب رفاقه سيوفهم بانسجام مرعب.
“فهمت”
خفضت بصري وارتسمت على وجهي ابتسامة يائسة.
كنت أتعلق بأمل واهن، لكنه بدا وكأنه كُتب عليه الفناء منذ البداية.
“دعوني أتولى الأمر—”
“دوقٌ أعزل لا يحمل سيفًا… لا مكان له هنا”
جاء الصوت من الأعلى، حادًا كحد السكين، قاطعًا حديث تيسكان.
رفعت رأسي بسرعة، لألمح الطيور التي لفتت انتباهي من قبل، تقترب منّا.
لكنها لم تكن طيورًا…
لقد خُيّل إلي ذلك فحسب. كانت في الحقيقة شخصين يكسوهما السواد، يهبطان نحونا ببطء.
وما إن اقتربا بما يكفي لتتضح ملامحهما…
“آآاااه!”
اندلعت ألسنة اللهب من جسديهما كأنما خرجت من صميم الجحيم، وأحاطت برجال العصابة، لتلتهمهم في لحظات خاطفة.
وقفت أراقب المشهد بدهشة مذهولة، فيما كان الاثنان يهبطان إلى الأرض القاحلة وسط صرخات الألم والاحتراق.
أحدهما كان يخفي ملامحه تحت رداء كثيف، أما الآخر، فأنزل قبعته وكشف عن وجهه.
…
تراجعت خطوتين وأنا أحدّق فيه.
وبرغم أنني كنت مدينة له بالشكر…
“آه، نسيت غدائي” قالها الرجل ببرود وهو يسحب شطيرة هوت دوغ من فمه.
نعم، كان هذا هو السبب في عجزي عن الكلام.
وسط الحطام واللهب، كان يقضم شطيرته بلامبالاة مستفزة.
وقبل أن يُكمل قضمته التالية، وخزه مرافقه في خاصرته.
“أه، ربما من الأفضل أن ننتقل إلى مكان آخر؟”
وببساطة، طقطق بأصابعه.
وفي طرفة عين، تبدّل كل ما حولي.
—
وجدنا أنفسنا في غرفة مغلقة.
وبينما كنت أترنّح تحت تأثير الانتقال المفاجئ، كان الرجل قد فرغ من شطيرته، وخلع رداءه، وجلس باسترخاء عند الطاولة، يصب لنفسه شرابًا من إبريق ويحتسيه بهدوء.
بقيت أحدّق به بصمت طويل.
كان يرتدي نظارات دائرية كبيرة، وخط فكه الرقيق تحتها يوحي برقة خادعة.
ملامحه تنطق بالهدوء، لكن هيئته تُشي بلامبالاة رجل أنهكته الواجبات.
“ما الذي يجلب سيد برج السحر، المشغول على الدوام، إلى أراضي بيتْرول؟” جاء صوت تيسكان هذه المرة.
سيد برج السحر؟
اتسعت عيناي بدهشة، وانتقلت بنظري بين تيسكان والرجل الذي حاز هذا اللقب.
“آه”
تمتم سيد البرج رافعًا بصره نحونا ببطء، وملامحه تقول بوضوح: “ألم أُخبركم بذلك من قبل؟”
“لم تفعل” أجابه تيسكان بصوت خفيض، كأنما قرأ الجملة مباشرة من ملامحه.
“أها”
أومأ سيد البرج بهدوء، ثم قال:
“أنا هنا كمبعوث من جلالة الإمبراطور”
“مبعوث؟” تساءل تيسكان، بينما مال سيد البرج برأسه قليلًا، وكأنه يقول: “وهل تحتاجون لتفسير أطول؟”
هذا الرجل… فيه شيء يذكّرني بنفسي.
وبرغم قصر لقائنا، بدأتُ أتبين طبيعته الغامضة.
“وما الذي أمر به جلالة الإمبراطور؟” سألت، إذ بدا واضحًا أن سيد البرج لا يميل للإطالة.
نظر إلي مطولًا وهو يرفع فنجان الشاي إلى فمه.
“الأمر أن تُنقل البارونة إلى القصر الإمبراطوري.
مع توفير الحماية لها إن تعرّضت للخطر”
قطّبت جبيني، متسائلة: ما الذي يدفع إمبراطورًا، كان شريكًا في خداعي عبر اللورد إيردان، لأن يطلب استدعائي ويحرسني؟ ما الغرض الخفي؟
…
وجه سيد البرج نظره نحو رفيقه، ذلك الذي ظلّ مستندًا إلى الجدار وذراعاه معقودتان.
ورغم أن ملامحه كانت مخفية، شعرت بأنه شعر بنظرتي، إذ قال بصوت هادئ:
“من أجل مساعدة البارونة”
“دوقٌ أعزل لا يحمل سيفًا… لا مكان له هنا”
بمجرد سماعي لتلك العبارة، أيقنت أن هذا الصوت لم يكن صوت سيد البرج، بل لذلك الغريب، هو من قاطع تيسكان آنذاك.
“ماذا تقصد؟”
“تمهّل قليلًا”
قال تيسكان، قبل أن يُكمل الغريب كلامه بخطوة متقدمة وصوتٍ حازم: “السيدة ضيفتي، ولن تغادر أراضي الدوقية”
وقف بيني وبينه، كأنما يتخذ من جسده درعًا لي.
“حتى لو كان لجلالة الإمبراطور دوافعه، ألا يبدو واضحًا أنه تجاهل المؤامرات التي حاكها اللورد إيردان؟”
تسمرت في مكاني وأنا أحدّق في ظهر تيسكان العريض، مذهولة من موقفه وكلماته.
لم أتوقع أن يتخذ هذا الموقف الحازم دفاعًا عني، بل أن يُعارض إرادة الإمبراطور علنًا.
“وبما أنها ضيفتي، فمن أراد التحدث إليها، فليدعُني إلى القصر، أو يبعث رسولًا إلى الدوقية”
بعبارة أُخرى، كان يُقدّم نفسه حاميًا لي.
ما الذي يحدث؟ لم أعد أفهم شيئًا.
تصرفات تيسكان، ظهور سيد البرج، الرسالة الإمبراطورية…
كلها بدت غامضة وخارجة عن سياق الواقع.
سيد البرج، وكأن الأمر لا يعنيه، أكمل احتساء الشاي ببرود.
وتيسكان لم يُضف شيئًا آخر.
أما الرجل الغامض، فقد بقي صامتًا، مسندًا ظهره إلى الجدار.
من يكون؟ لا شك أنه رجل ذو شأن عظيم، طالما يُخاطب تيسكان بلا تكلف، ويرافق سيد برج السحر.
هل من الممكن أن يكون هو الإمبراطور؟ ضيّقت عيني بتفحّص، ثم هززت رأسي نفيًا.
لو كان كذلك، لما عرّف سيد البرج عن نفسه كمبعوث من الإمبراطور.
…
في تلك اللحظة، انفصل الرجل عن الجدار وغادر الغرفة.
“هل بوسعك الانتظار قليلًا؟” قال تيسكان وهو يتابع الباب الذي خرج منه الرجل.
“سأذهب لأتحدث إليه”
ترددت للحظة، إذ لم أكن قد استعادت توازني بعد، ولا تزال أفكاري تائهة.
“لا بأس” قالها تيسكان مبتسمًا، وقد بدا عليه أنه شعر بترددي.
“يمكنك الوثوق بسيد البرج”
“آه، ليس أنني لا أثق به…
فقط، شعرت بالارتباك منذ قليل” أردت أن أبدو ممتنّة لمن أنقذني، لا مترددة أو متحفّظة.
ولا يصح أيضًا أن أتعلّق بتيسكان إلى هذا الحد.
بعد أن رتّبت أفكاري، نزعت عن وجهي التوتر وابتسمت: “لا بأس، امضِ بطريقك”
“سأعود قريبًا” قالها وهو ما يزال يبتسم لي، ثم استدار نحو الباب.
“شكرًا لك” قلتها في اللحظة التي همّ فيها بالمغادرة.
“كان يجب أن أقولها فورًا، لكنني كنت مشوشة، ولم أجد التوقيت المناسب”
استدار تيسكان وحدّق بي بشيء من الحيرة.
“حتى الآن، لا يبدو الوقت مناسبًا، لكنني شعرت بأن من واجبي قولها” تمتمت وأنا أعبث بأناملي عند عنقي، خجلًا من نظراته.
…
فتح تيسكان فمه وكأنه على وشك أن يقول شيئًا، لكنه تراجع، واكتفى بانحناءة بسيطة، ثم خرج.
“هاه…”
تنهدت بعمق بعد أن تُركت وحدي.
“…؟”
شعرت بنظرة حادّة تراقبني بتركيز لامع.
م-ما الأمر؟!
كان سيد برج السحر يحدّق بي بفضول واضح، ممسكًا بفنجان الشاي بين يديه.
___
مرات اسحب عليكم مثل هسه صارلي اسبوعين ساحبه عليكم بهيزو مانجا واحدث بالواتباد كل اسبوع، لذلك تعالوا هناك 😾.
حسابي بالواتباد:
starboow@
التعليقات لهذا الفصل " 34"
تكفون قولوا ان تيسكان هو البطل لان ما اتخيل احد غيره البطل 😭😭😭
شكرا على مجهودك 💞💞