لقد غاب عن ذهني تمامًا.
لم يكن هذا وقتًا يليق بالمجاملات أو أحاديث لا طائل منها؛ فالخطر كان محدقًا، وأولئك الأوباش الذين أرسلهم إيردان قد يباغتوننا في أي لحظة.
“هل لديكِ ما يشبه لفافة السحر؟”
“اهدئي، يا سيدتي… هذا غير وارد”
عضضتُ شفتَي السفلى بامتعاضٍ ظاهر من فتور تيسكان وبروده المقلق.
هل أخبره بما نطقت به إلوديا؟ رغم اقترابهما من الطلاق، إلا أنها لا تزال زوجته بحكم القانون.
فهل يجدر بي أن أذكر أمرًا قد يُضعف من مصداقيتها؟ خاصة وأنا غير متيقنة تمامًا مما سمعت.
ولكن، إن اخترت الصمت، وتحقق الخطر فعلًا، ألن أكون قد ساهمت في إيذاء نفسي وتيسكان، الذي تطوّع لحمايتي؟ سيكون ذلك أشد سوءًا بكثير.
“قالت لي السيدة إلوديا إن عليّ الحذر من قطاع الطرق عند مغادرتي”
وفي النهاية، فضّلت قول الحقيقة.
“ما الذي تعنينه؟” سأل تيسكان وهو يشدّ لجام الحصان فجأة.
“بدت وكأنها على علمٍ بوجهتي… ولا أظن كلماتها خرجت مصادفة”
وما إن بدأت أشرح، حتى رأيت وجهه يتجمّد، والغضب يتسلّل إلى عينيه.
هل أزعجه ذكري لإلوديا؟
“ربما كل ما أفكر فيه مجرد هواجس… لكنني لم أستطع تجاهل شعور الخطر المتربص”
كنت أراقب تعابيره بحذر، حتى حدث ما كنت أخشاه.
“…”
أدار تيسكان رأسه ببطء، فتتبعت نظره بعيني.
“…!”
في الأفق، كان الغبار يتصاعد كما لو أن الأرض تتهيأ لانفجار عاصف.
كانت هناك زمرة من الرجال تندفع نحونا بجنون.
“إنهم… قطاع الطرق”
“أولئك الحمقى الطائشون” تمتمتُ من بين أسناني، ونسيت لوهلة أن تيسكان يسمعني.
“تمسكي جيدًا” قالها، ثم دفع الحصان للركض بسرعة مدهشة.
لم يسبق لي أن امتطيتُ جوادًا من قبل، ولم أكن أعرف كيف أتوازن عليه.
تشبثت بعُرفه بعشوائية.
“بهذا الشكل… سيلحقون بنا!” صرخت بذعر.
رغم شفقتي على الحصان، إلا أن السباق كان جنونيًا، ولم يكن أمامي سوى التشبث والبقاء.
وبحملنا نحن الاثنين على ظهره، كان من الواضح أننا أبطأ من مطاردينا.
المسافة بيننا كانت تتقلص، وعلينا أن نُدرك ذلك.
“احذري لسانك، لا تعضي عليه”
قالها تيسكان بهدوء يخترق هدير الريح خلفنا.
“ما إن نغادر النطاق المركزي، سأستخدم لفافة الانتقال.
فقط تحمّلي”
…ماذا؟ أكان يحتفظ بلفافة سحرية طوال الوقت؟
“لنستخدمها الآن! أدفع ثمنها لاحقًا!” توسلت وأنا أصرخ.
“السحر لا يعمل بكفاءة في أراضي بيتْرول، وخصوصًا في قلبها”
أيقظت كلماته ذاكرتي. نعم، تذكّرت ما قرأته عن هذه المنطقة.
ليست صحراء فحسب، بل أرض محرّمة على السحر، ولهذا أُهملت ونُسيت.
حتى بوابة الانتقال في القصر لم تُشَيَّد إلا بدافع الشفقة من برج السحر.
لكن، كيف نعلم أين ينتهي النطاق المركزي؟ إن استخدمنا اللفافة في غير أوانها، ستضيع بلا فائدة.
فهمت الآن سبب ركضه المحموم.
كان يسابق الريح ليجاوز هذا النطاق اللعين.
“…”
صمتُّ، أحدّق في المشهد المرتج أمامي، متجنبة تشتيت تركيزه.
قطعنا مسافة معتبرة، لكن الأرض لا تزال قاحلة بلا نهاية.
وبينما نعدو وسط السهول الوعرة، تسلّلت إلى رأسي فكرة سخيفة.
شعرت وكأنني بطلة في رواية.
لكن، لو كنتُ حقًا كذلك، لما تطاير شعري بهذه الفوضوية.
رأيت خصلاتي الحمراء الداكنة تتراقص في مهب الريح، فخجلت.
لا بد أنها تحجب الرؤية عن تيسكان.
هو الذي اعتاد البطلات الباهرات، كيف تبدو هيئتي في نظره الآن؟
…نعم. تيسكان هو البطل الحقيقي.
اجتاحتني طمأنينة غريبة.
كم مرة أنقذ إلوديا؟ مواجهة قطاع الطرق ليست بجديدة عليه.
ألم يقتحم مخبأهم ذات مرة ليحررها بنفسه؟
بلى، الأبطال لا يُهزمون.
بهذا الإيمان، آمنت أن اللفافة ستنجح، وسننجو. ولهذا، حتى حين واجهونا لاحقًا، لم يرتجف قلبي.
“إلى أين تهربين، يا بارونة ليريبيل؟”
حتى حين نطق زعيمهم باسمي، بقيت متماسكة.
“الآن، يا صاحب السمو، استخدم اللفافة” قلتها بثقة، وأنا أحدّق في قائدهم.
“…!”
تراجع الزعيم قليلًا، وقد ارتسمت على وجهه علامات الحذر من لفظة “اللفافة”.
ارتسمت على شفتي ابتسامة خفيفة.
قد نُعدّ شخصيات ثانوية، لكن من يقف خلفي هو البطل الحقيقي.
واتسعت ابتسامتي.
“…؟”
بعد لحظة، بدأت أتلفّت، ثم التفتُ ببطء خلفي.
“…”
ورأيت ما لم أرغب رؤيته.
لفافة ممزقة في يد تيسكان.
“…”
ارتبك من نظراتي، ثم مزّق ما تبقى منها كأنها صفحة بلا قيمة.
“يبدو أن الخطة لم تكن مُحكمة كما تظنون، أليس كذلك؟” قال الزعيم متقدّمًا بثقة مفرطة.
“بالمناسبة، أنتِ امرأة مثيرة للفضول، يا بارونة”
“…”
“قيل إنك غادرتِ وحدك، فمن أين جاء هذا الرجل؟ ومع ذلك، لا يبدو أنه سينقذك”
تفاهات. هل يدرك من يكون هذا الرجل؟
أزحت خصلات شعري عن جبيني، واستعدت رباطة جأشي.
لا مجال للذعر بسبب لفافة لم تعمل.
الدوق الكبير، فارس لا يُجارى.
صحيح أنني لا أستحق أن يُضحّي لأجلي، لكنه هو الآخر في خطر.
ألن يُقاتل؟ ألم يطرح العشرات سابقًا؟
“أنا آسف، سيدتي”
في اللحظة التي كنت أتهيأ فيها للصراخ:
“ارفعوا رؤوسكم إن أردتم أن تُسحقوا!”
سمعت صوته من خلفي.
“لقد نسيت سيفي حين هرعتُ للحاق بك”
شهقتُ من وقع كلماته.
“أستطيع مجابهتهم بيدي، لكن المعركة ستكون أقسى من المعتاد”
السحر معطّل، وطاقة المانا مشلولة، وسيفه يعتمد عليها.
غيابه كان ضربة قاصمة.
“ربما لن أتمكن من حمايتك كما ينبغي… لذا، أرجوكِ، لا تستفزيهم”
…يا إلهي.
حين أنقذ البطلة، كان سيف العائلة في يده.
أما الآن، فقد نسيه من أجلي.
[حظي مثل حظها هنا 🙏🏻]
“…”
رفعت رأسي للسماء، وغصة حارقة تخنقني.
رأيت طائرين يحلقان في الأفق.
لابد أنها النهاية.
هكذا ظننت وأنا أتبعهما بعينين دامعتين.
لكن…
يكفيني أنه جاء لأجلي.
كان خطأً أن أظن أنه سيخاطر بنفسه كأني البطلة. كنت ساذجة.
وحين رتّبت أفكاري، حدّقت في الزعيم وقلت:
“الرجل الذي يقف خلفي هو الدوق الأكبر تيسكان”
“ماذا؟”
بدت الصدمة جلية على وجوههم.
“تلقيتَ أمرًا من الماركيز بقتلي، أليس كذلك؟ فلا تورّط نفسك بمهاجمة الدوق.
دعه يرحل”
“سيدتي!”
“إن وافقت على طلبي، سأحوّل لك حسابي البنكي بالكامل.
سيكون المبلغ ضخمًا، أعدك”
قبض تيسكان على ذراعي ليمنعني من المضي، لكنني أكملت:
“إن متُّ، فسينتقل المال للماركيز، ولن تنالوا شيئًا.
ما رأيك؟”
تبادل اللصوص النظرات، فيما همس تيسكان خلفي: “لم أقصد ما قلت…
سأحميكِ، ولو كان الثمن حياتي” لكنني لم ألتفت وتجاهلته.
التعليقات لهذا الفصل " 33"
انهرت ثقتها تضحك و بالاخير ولا شي صار مثل ما كانت تتوقع 😂😂💔
لا هم الي انتقلوا و لا هو الي جاب سيفه عشان ينقذها 💀
انا تخيلت المشهد ببالي و الحين ابيها تتحول لمانهوا حالا 😭😭😭