“لا بدّ لي من إخبارها في نهاية المطاف”
حتى لو كانت ليريبيل امرأةً شريرة تستحق الهلاك، فليس من الرحمة أن تُترك لتلقى حتفها دون أن تعلم شيئًا.
عليّ، على الأقل، أن أوجّه لها تنبيهًا.
مجرد تحذير فحسب، فإن أخبرتها بكل ما أعلم، سيتورط إيردان أيضًا.
بدأت إلوديا تخطو نحو الطريق الذي سلكته ليريبيل.
“وإن كان مصيرها الموت بعد تحذيري، فلن يكون بوسعي فعل المزيد.
لقد أديت ما يمليه عليّ ضميري”
وحين تؤدي إلوديا ما تراه واجبًا، لا يعود للقلق موطئ قدم، حتى وإن انتهى المطاف بليريبيل إلى الهلاك.
—
“الماركيز جهّز لكِ بوابة الانتقال”
ما إن خرجت، حتى وجدت الخادم بانتظاري.
“أرجوكِ، لا ترفضي، وسافري براحة وطمأنينة”
كنت على وشك الاعتراض، لكنني رأيت أن المسايرة أجدى، فاكتفيت بإيماءة وتبعته في صمت.
ما الذي يمكن أن يُقدم عليه إيردان في وضع كهذا؟ فالإمبراطور على علمٍ بأنني حصلت على أراضي ليتريول كجزء من تسوية الطلاق، وأنني الآن متوجهة إليها.
في ظل هذه المعطيات، ماذا عساه أن يفعل؟ وإن أصابني مكروه، فسيكون أول من يُشتبه فيه.
“أفكر في التقاعد قريبًا”
نطقها الخادم فجأة، ونحن في طريقنا نحو المبنى الرئيسي حيث بوابة الانتقال.
“بهذه العجلة؟”
اهتزّ ظهره قليلًا، كأنّه يضحك بصمت.
“ما الذي يمكنني فعله؟ لم أعد أحتمل هذه الفوضى.
من لا يطيق المشهد، فليغادره”
لم أعلّق، فواصل قائلًا:
“لقد خدمت هذه العائلة لعقود طويلة… أتدرين؟ حين كان اللورد إيردان طفلًا، كان مشاغبًا لا يقل شغبًا عن السيدة بريسيلا”
“حقًا؟”
“بل إن وصفه بالمشاغب فيه رأفة لا يستحقها.
لقد كان شيطانًا صغيرًا، يدفع المرء للتساؤل:
أهو ابن بشر، أم ثمرة حُب آثم بين شيطان وامرأة؟”
فاجأني جرأته، كما فعلت كلمات رونا من قبل حين وصفت بريسيلا بالوضيعة.
أولئك الذين خدموا هذه العائلة يتمتعون بشجاعة من نوع خاص.
“لكن بعد وفاة الماركيز السابق، بدا وكأن شيئًا ما أيقظه.
تغير تدريجيًا، وتحول إلى شخص آخر تمامًا… أو هكذا ظننت.
لكن يبدو أنني كنت واهمًا”
استمعت إلى حديثه، وراودني شعور بأن العناد والتمرّد من صفات الدم في عائلة فيديليو، بينما الجرأة تميز كل من خدمهم.
“أرجوكِ، سامحيني على تصرفاتي السابقة، يا ليريبيل.
لم تكن إلا تسلية عجوزٍ ضجر”
كنت أعلم ذلك.
لو كان يكرهني حقًا، لأقنع بريسيلا أو إيردان بطردي بدعوى أنني لا أستحق أجري، أو حرض الخدم عليّ.
لكنه لم يتجاوز التذمر والنظرات الحادة.
بل إنه ساعدني عندما كنت أؤدي مهام السيدة النائبة.
“كنتُ أساير لعبته فحسب” وكنت دائمًا ما أتعامل معه بلين.
“هذا يُريح القلب”
ساد الصمت بيننا، وسرعان ما وصلنا إلى بوابة الانتقال.
وقفت أتأملها برهة. لا أحد يدري…
ماذا لو كان إيردان قد عبث بها، وأرسلني إلى مكان لا أعرفه؟ لكن لا، الواجهة ما تزال تشير إلى “أراضي ليتريول” كما خُطط.
“اعتني بنفسك”
“رحلة موفقة، سيدتي”
ضحكت قليلًا لوداعه.
“لستُ السيدة بعد الآن، فنادني كما اعتدت”
ابتسم، وتجاعيد وجهه تزداد لطفًا.
“بالنسبة لي، وأنا من سيتقاعد قبل أن تحل السيدة الجديدة، ستبقين دومًا سيدة هذا الماركيزية”
أشحت وجهي ولمست خدي بخجل من كلماته الدافئة.
“شكرًا لكل ما قدّمته لي”
“لا حاجة للشكر”
“إذن، سأرحل”
انحنيت قليلًا لأُخفي احمرار وجهي، ثم استدرت نحو البوابة.
لكن فجأة…
“…!”
شعرت بيد تمسك بذراعي بقوة.
“انتظري لحظة”
كانت إلوديا. ما إن وقعت عيني عليها حتى عقدت حاجبيّ بشيء من الاشمئزاز الفطري تجاه من يفتقرون إلى المبادئ.
“إن لم يكن لديكِ مكان تقصدينه بعد مغادرتك، فبإمكاني مساعدتك”
“سمعت بأنكِ ستغادرين، وأردت فقط أن أمدّ لكِ يد العون، إن احتجتِ إليها”
تذكرت حين وقفت أمام قبر بريسيلا وقالت بثقة:
“إيردان لم يعد يرغب في البقاء معكِ، فأرجوكِ دعيه يمضي”
“ظننت أن مجيئي سيجعل الأمور أفضل للجميع، ويسعدني أنني لم أكن مخطئة”
وتذكرت أيضًا حديثها السخيف ذاك…
ومع عودة تلك الذكريات، تصاعد الغضب في صدري نحو هذه المرأة الوقحة.
“مقززة” نطقتها وأنا أنزع يدي من قبضتها.
“…!”
تجمدت ملامحها، وارتسمت الصدمة على وجهها.
“آه… أعتذر”
أعتذرت فورًا.
فرغم وضاعة تصرفاتها، لم يكن يليق بي أن أصفها بذلك.
“ما الذي…”
“لماذا تحملين لي كل هذا الكره؟ ماذا فعلتُ لكِ؟” قاطعتني، والدموع تتجمع سريعًا في عينيها.
“كنت… قلقة عليكِ…”
قلقة؟ أحقًا؟ أجبتها ببرود:
“قلتُ لكِ من قبل…”
“ماذا؟”
“تذكّري أنكِ لست سوى عشيقة”
“…!”
“لا أحب إيردان، ولا تعنيني علاقتكما، لكنني لا أستطيع تجاوز ذلك النفور الفطري من أولئك الذين لا يعرفون معنى الخلق.
هذا كل ما في الأمر”
بدأت دموعها تنهمر بهدوء، كأنني سددت لكلماتها طعنة في القلب.
“لكنني أعترف أن كلماتي كانت قاسية.
أعتذر”
“…”
“ألم تأتِ لتقولي شيئًا؟ فما بالكِ صامتة؟”
لكنها لم تجب، بل واصلت البكاء ورأسها منكس.
تنهدت وقلت:
“إن لم يكن لديكِ ما تقولينه، فسأرحل.
اعتني بنفسك… أنتِ وذلك الإيردان الذي أحببتهِ حدّ الخيانة”
استدرت، واتجهت نحو البوابة.
“اعتني بنفسك”
جاء صوتها من الخلف.
“قد تصادفين قطاع طرق في الطريق، فكوني حذرة”
توقفت للحظة، في ضوء البوابة المتوهج، ونظرت إليها.
كانت ما تزال تنحني.
ما هذا؟ بدا تحذيرها غريبًا…
في أرض مستقرة، وعبر بوابة انتقال لحظي؟ لماذا تحذرني من قطاع طرق؟
“…ما…”
في تلك اللحظة، تداخل مشهد انحناء إلوديا مع صورة إيردان وهو يتخلى عني بسهولة… فغمرني شعور ثقيل بعدم الارتياح.
“…!”
حاولت أن أنطق بشيء، لكن البوابة اشتعلت تمامًا، ونُقلت قبل أن أتمكن من التلفظ بكلمة.
—
“لقد نطقت بالتحذير في النهاية”
مسحت إلوديا دموعها وغادرت.
لقد أدّت ما عليها، رغم ما قيل لها.
فهي ليست كمن تُرديه الكراهية امرأةً باردة.
لكن، ما إن جفت دموعها…
حتى عادت لتنسكب، ورأسها ما يزال مائلًا للأسفل.
“إلوديا!”
لا أحد يعلم كم مرّ من الوقت، لكنّها توقفت فجأة، وإذا بإيردان يصل مسرعًا، وقد علم أنها ذهبت لرؤية ليريبيل، فاحتضنها بقوة.
“لمَ ذهبتِ لرؤية تلك المرأة؟”
“آه…”
بكت بحرقة بين ذراعيه.
“تلك المرأة سليطة اللسان، لن تسمعكِ قولًا طيبا بالتأكيد”
“لكن…”
“ششش، أعلم، لا تبكي.
كنتِ قلقة عليها رغم كل شيء”
أومأت برأسها، تمسح دموعها بصدره.
نعم، لهذا ذهبت.
لأنها كانت قلقة حقًا.
رغم كل الكره، ورغم الكلمات المؤلمة، بقي في قلبها متسع للرحمة.
والحقيقة؟
أن إلوديا أرادت أن تُسكت صوت الذنب الذي ظلّ يلاحقها، لأنها لم تفعل شيئًا حين ماتت ليريبيل سابقًا.
لكنها، بعد كلمات إيردان، بدأت تقنع نفسها بأنها فعلت ذلك بدافع القلق.
____
حسابي بالواتباد ينزل كُلشي فيه اول باول قبل لا ينزل هنا:
starboow@
تم تنزيل فصلين اضافيات هناك ☝🏻.
التعليقات لهذا الفصل " 29"
روايتي المفضلة رجعت 😭😭😭
السحلية الخاينه عايشه دورالمسكينة الي تبي الخير لكل الناس و مافيه بقلبها حقد بينما هي مجرد خاينة و مافيه اي مبرر لخيانتها 🙄
ما اذكر الصراحه اذا كان زواجها من زوجها الأول لأسباب سياسية او لا و لا اهتم الصراحه لكن الي سوته ما زال خيانه و ما زالت مقرفه هي و المقرف الي معها..
عموما دام الطلاق تم يعني الاحداث راح تولع 💯
شكرا على الترجمة و بنتظار باقي الفصول على أحر من الجمر 🔥