نشر لويس جناحَيه المطويّين على اتساعهما، وهتف بصوتٍ جهوريّ مدوٍّ.
―أُقدّم اعتذاري بوصفي تنينًا إلى عائلة فيديليو التي عانت زمنًا عصيبًا بسبب لعنةِ التنانين، وأُقسم أنّني، بقدرِ المدّة التي قاست فيها فيديليو من اللعنة، سأحمي هذه العائلة.
ذلك الكلام……
“نيابةً عن عشيرة التنانين، أُقدّم اعتذارًا رسميًّا إلى عائلتكم.”
“حتّى إنْ لم تقبلوا هذا الاعتذار فسأتفهّم.
فهذا الاعتذار ليس سوى اعتذارٍ مبدئيّ. وسأدفع ثمنَ هذه الخطيئة عمّا قريب. أُقسم بذلك.”
ومن إعلان لويس، أدركتُ الطريقة التي ينوي بها التكفير عن الذنب الذي سبق أن ذكره.
أنْ يحمي فيديليو للمدّة ذاتها التي ظلّت فيها اللعنةُ عالقةً بها.
غير أنّ من فهم كلام لويس حقًّا كنّا أنا ودانيال فقط، أمّا الآخرون فكانت على وجوههم علاماتُ الحيرة.
صفّق—
وتحوّلت أنظارُ الجميع، الذين كانوا يحدّقون في لويس بوجوهٍ متسائلة، إليّ وأنا أنهض من مكاني وأصفّق.
“أهنّئكم من أعماق قلبي بحصولكم على حماية التنين.”
صفّقتُ مرّةً تلو الأخرى بوجهٍ هادئ.
“واو! هذا مذهل! حماية تنين! أتمنّى أن يحلّ المجد على عائلة فيديليو!”
نهضت نيديا خلفي فجأةً، وبعد أن رمقت المكان بعينيها بتردّد، راحت تصفّق هي الأخرى.
“نُقدّم تهانينا على هذا الخبر العظيم الذي وصل في يومٍ عظيم.”
تنفّس تيسكان، الذي كان يراقبنا، زفرةً خافتة، ثمّ نهض وصفّق بكفّيه ببطء.
الدوق، والدوقة.
وأنا، التي صعدتُ لتوّي كنَبيلةٍ جديدة.
وحين توحّد صوتُنا في التهنئة، بدأ الضيوف الذين كانت تعلو وجوههم علاماتُ الارتباك يصفّقون بدورهم.
“حماية تنين… لا بدّ أنّ نفوذ فيديليو سيزداد هولًا.”
“هذا صحيح. كانت عائلةً مرموقة أصلًا.”
“وبعد ما تعرّضت له بسبب إيردان، فاستعادة مكانتها السابقة أمرٌ متوقَّع.”
“لكن، ما المقصود بلعنة التنانين؟”
“مَن يدري.”
تردّدت همهماتُ الناس في الأرجاء.
ومع انقضاء هذا اليوم، سيُكشَف أمرُ اللعنة التي كانت تحيق بفيديليو، وكذلك خبر تحرّرها الكامل منها.
‘سيُصبِح الأمرُ مُزعجًا مستقبلًا، يا فيديليو.’
ابتسمتُ بخفّة وأنا أنظر إلى لويس، الذي ما زال جالسًا هناك ناشرًا جناحَيه بفخر.
كان هذا عصرَ سلام.
صحيحٌ أنّ الوحوش ما زالت تعيث في البحار، لكنّ القارّة كانت قد دفعتها إلى أقاصي الأراضي منذ زمن.
كما أنّ الحروب بين الدول خمدت، ومع تطوّر التعليم والتجارة والمدن، أزهرت الحضارة.
وفي زمنٍ كهذا، كانت احتماليّة تعرّض فيديليو لتهديدٍ خارجيّ ضئيلةً للغاية.
لذلك، فإنّ إعلان لويس عن حماية فيديليو لعلّه يعني هذا بالضبط.
أنْ يُكفّر عن خطأٍ اقترفه أبناءُ جنسه بمنح العائلة شرفَ كونها محميّةً بتنّين، وفي الوقت ذاته يستقرّ فيها متنعّمًا بمعاملة السيّد، متكاسلًا كما يحلو له.
‘هذا يُشبه لويس فعلًا.’
لكن على أيّ حال، فإنّ شرفَ كون العائلة محميّةً بتنّين كان كافيًا لتحمّل وجود ذلك التنين داخلها، حتّى لو صار مصدرَ إزعاج.
بل إنّ قيمته وحدها كانت عالية وقابلةً للاستثمار.
وبدا لي، على نحوٍ ما، أنّ لويس كان ينظر نحوي مبتسمًا وفاغرًا فاه.
‘إذًا هذا ما قصده حين قال إنّنا سنلتقي قريبًا.’
من الآن فصاعدًا، كلّما زرتُ فيديليو، سأراه هناك.
ابتسمتُ له ابتسامةً واسعة وأنا أبادله النظر.
إذْ كان يسعدني أن أتمكّن من مواصلة رؤية رابطةٍ عزيزة كهذه.
ودانيال، الذي صار ربَّ عائلةٍ محميّةٍ بتنّين، ابتسم هو الآخر إشراقةً وسط تصفيق الناس.
—
بعد مراسم الخلافة.
التقيتُ بدانيال، الذي كان يستعدّ لمأدبةٍ رسميّة مع الضيوف، وأبلغته بنيّتي التنحّي عن منصب الوصيّ.
وبما أنّنا كنّا قد تحدّثنا في الأمر مسبقًا، لم يستغرق ذلك وقتًا طويلًا.
لكن.
“تفضّلي بزيارتنا بين الحين والآخر، واطمئنّي أنّني أقوم بعملي على خير وجه.”
“الآنسة ليريبيل هي أهمّ ضيفٍ لدى فيديليو، والجميع سينتظر زيارتها ويرحّب بها.
وأنا أوّلهم، بالطبع.”
تأخّر الوقت قليلًا بسبب كلماتٍ لم أتوقّع سماعها.
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة ومضيتُ في طريقي.
كنتُ أظنّ أنّني، بعد إتمام انتقامي، لن أعود قادرةً على المجيء إلى هذا المكان.
لم أعتقد أنّني ارتكبتُ خطأً، لكنّني، على أيّ حال، كنتُ قد أزحتُ ربَّ العائلة بالقوّة.
‘لكن يبدو أنّني سأعود مجدّدًا.’
فاضت الطمأنينةُ والفرح من أعماق قلبي.
فهذا المكان، الذي هرعتُ إليه فورَ تجسّدي وعشتُ فيه أكثر من ستّ سنوات، كان بمثابة وطني.
وكانت ذكرياتي الجميلة التي صنعتُها مع الناس هنا أكثر بكثير من الذكريات السيّئة التي خلّفها إيردان.
لذلك، لم يكن بوسعي إلّا أن أفرح لإمكانيّة العودة.
“…….”
خرجتُ من القصر، ووصلتُ إلى الساحة الأماميّة حيث أُقيمت مراسم الخلافة.
كان المكانُ ما يزال على حاله، لم يُرتَّب بعد.
يبدو أنّ كلّ الأيدي العاملة قد سُخّرت لاستقبال الضيوف على أكمل وجه.
مددتُ يدي وقطفتُ وردةً بيضاء من إحدى الزينات المثبّتة على الأعمدة.
وبينما كان يرافقني خارج قصر فيديليو، توقّفتُ فجأةً وقدّمتُ له الوردة البيضاء.
“الحبّ، أليس كذلك؟”
أخذ كاسروسيان الوردة من يدي، وثبّتها بأناقة في جيبه الأماميّ.
“نعم.
أحبّكِ.”
سألتُه عن معنى الزهرة، فعاد إليّ باعترافٍ بالحبّ.
فضحكتُ بصوتٍ مسموع.
“نعم. وأنا أيضًا أحبّكَ.”
فأنا أيضًا قطفتُ تلك الوردة البيضاء لأتمكّن من قول تلك الكلمة الخجولة.
“لنَعُد.”
لنَعُد.
تلك الكلمة القصيرة هزّت قلبي بعمق.
صار لديّ الآن مكانٌ أعود إليه من جديد.
ومعه، شخصٌ عزيز سأشاركه ذلك المكان.
“أمم.
لكن قبل ذلك، هل ترافقني إلى مكانٍ ما؟”
وحين رتّبتُ مشاعري المتدفّقة واقترحتُ عليه ذلك، مال برأسه باستغراب.
“إلى أين؟”
“إلى قبر بريسيلا.”
“……لا بدّ أنّها ستُصاب بصدمةٍ إنْ رأتنا معًا. “
“بل قد تنهض من قبرها تمامًا.”
“لو كانت بريسيلا، فذلك وارد.”
“أليس كذلك؟”
تبادلنا حديثًا خفيفًا ونحن نتّجه إلى قبر بريسيلا.
بريسيلا.
القصّة التي بدأتُها هنا معكِ قد انتهت الآن.
وقد لا أعود إلى هذا المكان بعد اليوم.
لكن لا تشعري بالأسى.
فالمكان الذي يمكننا فيه أن نستعيد ذكريات سعادتنا ما زال قائمًا هنا.
وأنا سأبدأ برسم حكايةٍ جديدة.
مع الشخص الذي أحبّه.
فأتمنّى أن تُغلقي أنتِ أيضًا صفحة هذه القصّة، وتفتحي صفحةً جديدة.
-نهاية القصة الرئيسية-
︶ ⏝ ︶ ୨♡୧ ︶ ⏝ ︶
بتوفيق الله، اكتملت ترجمة هذا العمل بعد ما يقارب سنة وأربعة أشهر.
وأترك في ختام هذه الرحلة كلمةً أخيرة،
لا بوصفها وداعًا، بل امتدادًا لما بدأناه معًا.
أغلق هذا العمل اليوم، لكن أثره سيظلّ مقيمًا في داخلي، في سهراتٍ طويلة، وفي فصولٍ عشتها لا كمترجمةٍ فحسب، بل كشاهدةٍ على نموّ الحكاية، وتحوّلها من نصٍّ مكتوب. إلى ذاكرةٍ حيّة.
إن كانت هذه الرواية قد انتهت على الورق،
فهي لم تنتهِ في القلب، ولن تنتهي ما دام هناك قارئٌ تلامسَه الكلمات، ويجد في سطورها شيئًا يشبهه.
شكرًا لكل من قرأ، وصبر، وشارك المشاعر من بعيد،
وشكرًا لكل لحظة تعبٍ تحوّلت إلى إنجاز، وكل حبٍّ صامتٍ كان وقودي للاستمرار.
وأشكر صديقتي والداعمة الكبرى لي في إكمال هذه الرواية، ولم تنسَ مساعدتي في كل خطوة أخطوها، مريم.
كانت معكم المترجمة زوزيتا-زهراء في هذه الرحلة الطويلة، المليئة بالذكريات الجميلة، وأتمنى لكم السلام والسكينة، وإلى لقاء قريب في رواية أخرى تنبض بالدهشة والجمال، حيث سنعيش معًا حكاية جديدة تُسحر القلوب كما هذه.
التعليقات لهذا الفصل " 232"