“وإذا شعرتَ بعدم الرغبة في الاستمرار، فبإمكانك التوقف.”

 

“…….”

 

“أنا مطلّقة. سواء تزوّجتُ مرةً أو مرتين، لن يختلف شيء.”

 

“……لن نتطلق. 

ولن أسمح بذلك.”

 

ضحكتُ بخفّة وكأنّي أجهش بالبكاء ردًّا على كلامه العبوس.

 

“أليس من الأفضل أن أقول ذلك لتخفيف وزنك قليلًا؟”

 

فككتُ أصابعي عن بعضها، وفتحتُ ذراعيَّ لأحضنه بقوّة.

 

“لقد كنتَ خَلاصًا لي. حتى لو كان هدفك الاستفادة مني، بالنسبة لي كان كذلك.”

 

“…….”

 

“لذلك، سأساعدك. إذا أردتَ الزواج بي، فلا تعارض. لن أرفض.”

 

تردّدَ قليلًا، ثمّ زفرَ زفرةً خفيفة واحتضنني.

 

“أنتَ شخصٌ قويّ جدًا. أشعر بذلك من جديد.”

 

“لا تقلق. فبفضل قوّتي لن أهتزّ.”

 

“بل يجب أن أقلق. فالقوّة تخفي الجروح العميقة.”

 

“لن أخفي شيئًا بعد الآن. أحبّك، وسأبوح بكل شيء. لا تنظر إلى تدلّلي كنوع من الملل.”

 

وضَع كاسروسيان شفتيه على جبيني.

 

“مستحيل.”

 

ابتسمتُ وأنا أرفع كعبيّ قليلاً لأقبّل شفتيه، مستمتعةً بملمسها الناعم ودفء حنانِه اللامتناهي.

 

“أعدكِ. 

بعد كل شيء، سأجعلكِ أسعدَ شخصٍ في العالم.”

 

“في الحقيقة، أنا سعيدة بالفعل. 

فوجودي معك يجعلني كذلك.”

 

وفي تلك اللحظة، عضّ كاسروسيان شفته السفلى بشدة، وكأنّه يكبت شيئًا، ثم فاجأني بتقبيلٍ مفاجئ.

 

طرق.

 

كان قبلاً عميقًا ومكثفًا، مشبعًا بالدفء والحنان.

 

الآن لم يعد يهمّ أي شيء.

 

طالما هذا الشخص يثق بي ويحبّني، فهذا يكفي.

 

وكما ساعدني كاسروسيان، سأحميه أنا أيضًا.

 

بكل ما أملك من قوّة، بقدر حبّي له.

 

 

—

 

“السيدة ليريبيل.”

 

جلستُ وحيدةً على الطاولة، ثم التفتُّ عند سماع صوتٍ مألوف.

 

“كيف حالك منذ آخر مرة، صاحب السمو الدوق؟”

 

الذي ناداني كان تيسكان.

 

“بفضلك، بخير. 

وكيف حال السيد؟”

 

“أنا أيضًا بخير، الحمد لله.”

 

تبادلنا ابتسامة هادئة.

 

“لم أتوقع حضورك.”

 

“ما كنت أكرهه كان يتعلق بإردان شخصيًا فقط، وليس لدي أي ضغينة تجاه بيت فيديليو. وجئت أيضًا لرؤيتك.”

 

ابتسمت بخفّة.

 

اليوم كان يوم مراسم توريث دانيال.

 

بالطبع، كان الدوق قد تلقّى دعوة، لكن لم أتوقع أن يأتي شخصيًا.

 

ربما جاء لحلّ النزاع مع فيديليو الذي تسبّب فيه إردان.

 

“لكن لماذا هنا؟”

 

تساءل تيسكان بنظرة مستغربة حول المكان.

 

“لأني ضيفة أيضًا.”

 

ومضت عيناه تومض قليلاً وكأنّه لم يفهم كلامي.

 

لم يكن لدى دانيال أي والٍ كبيرٍ يُنقل إليه اللقب، ولا زوجة كبيرة، ولا أي كبار آخرين.

 

لذلك، كان من المفترض أن أشارك أنا كمربية في مراسم توريثه وتسليم الختم إليه.

 

لكنني ابتعدت عن ذلك اليوم.

 

فأنا مجرد وصيّة رسمية، وسأستقيل اليوم من منصب الوصاية.

 

وبالتالي، كان الأسقف المدعو سيقوم بمهامي نيابةً عني.

 

“يبدو أن هناك سببًا لذلك.”

 

تيسكان بدا متعجبًا، لكنه لم يسأل أي سؤال آخر.

 

“كنت قلقًا من الدخول وحدي إلى الحفل، هل ترافقني؟”

 

أقيمت مراسم التوريث في الفناء الكبير لبيت فيديليو.

 

وبعد انتهاء المراسم، كان من المقرر تقديم الطعام للضيوف ثم إقامة حفلة.

 

وكانت الحفلة التي ذكرها تيسكان هي تلك الحفلة.

 

“لم أتوقع أن تستمتع حتى بالحفلة.”

 

“لقد جئت بعد طول غياب.”

 

ابتسم تيسكان برفق.

 

“اليوم لن يكون الحضور من جانب جلالتك، فهل تسمحون لي بأن أكون شريككِ؟”

 

مدّ يده نحوي.

 

وعندما نظرت إلى يده لأجيب بالرفض،

 

“ليريبيل!”

 

نادَتْ أحدهم باسمي، ثم احتضنت خصري بقوة.

 

“الأميرة؟”

 

كانت نيديا، الأميرة التي كانت روزا ذات يوم.

 

“نعم، أنا.”

 

ضحكت نيديا، وفركت خدّها على كتفي.

 

لم يكن هذا التصرف لائقًا تمامًا لمقام الأميرة، لكنه كان مناسبًا لها، فربتُّ على ظهرها دون وعي.

 

‘لطيفة.’

 

شعرها الوردي كالقطن، وعينيها الذهبية الخفيفة.

 

وجسمها الصغير والرقيق.

 

لم أكن أدرك ذلك حين كنت أنا ليريبيل، لكن عند اجتماع شخصية نيديا مع جسدها، بدا مثل حيوانٍ صغيرٍ جذاب جدًا.

 

“أه، صاحب السمو الدوق، مرحبًا.”

 

عندها تعرفت نيديا على تيسكان، وتوقفت برهة، وقدّمت التحية.

 

كانت نظرتها متوترة، وكأنها تخشى أن يكرهها تيسكان.

 

“نعم.”

 

وبالطبع، شدّ تيسكان وجهه كما لو أنّه لم يبتسم أبدًا، وردّ بكلمة قصيرة على تحية نيديا.

 

“أعلم أنني قد سبّبت لك الكثير من الإزعاج.”

 

ترددت نيديا في الكلام.

 

“أعتذر بصدق. وسأكون حذرة كي لا أرتكب خطأً آخر يسبب لكم الأذى.”

 

“نعم.”

 

ورغم اعتذارها الصادق، أجاب تيسكان ببرود.

 

عبست نيديا بشفتها السفلى.

 

‘لابد أنّها مظلومة.’

 

كنت أعلم أكثر من أي شخص آخر بما تشعر به.

 

كم هو مؤلم أن تُضطر للاعتذار عن أمور لم ترتكبها، وأن تكون حذرة دائمًا.

 

“…….”

 

تنقلتُ بنظري بين تيسكان ونيديا وسط الجوّ المتوتر والبارد.

 

 

—

 

“إذا كان لديك أصدقاء جيدون حولك، فرجاءً عرفيني عليهم.”

 

وفجأة تذكرت كلام تيسكان.

 

نظرت مرة أخرى بين نيديا وتيسكان.

 

وفقًا لثقافة الإمبراطورية، كلاهما بلغ سن الزواج، بل تأخر كثيرًا.

 

أحدهما مطلق، والأخرى، رغم أنها لم تفعل شيئًا، فإن العديد من الفضائح جعلت طريقها للزواج صعبًا.

 

بل حتى كان شأن العائلة متقاربًا.

 

وفوق كل شيء، نيديا كانت أعز صديقة يمكنني الوثوق بها.

 

“صاحب السمو الدوق، أعتذر، لكن يبدو أنّه من الصعب أن أكون شريكتك.”

 

ابتسمتُ بخفّة، فوجهتُ إليهم كلامي.

 

“لستُ مشارِكةً في الحفلة.”

 

“حقًا؟”

 

كنت سأقترح أن أكون مع نيديا، لكنّي ترددت.

 

بدا أنّهما سيكونان ثنائيًا مناسبًا، لكن تراكمت سوء التفاهمات بينهما، فلم يكونا راضيين عن بعضهما.

 

وفي هذه الحالة، أيّ اقتراح قد يثير استياء الطرفين.

 

‘ستأتي الفرصة لاحقًا.’

 

لكن تيسكان بقي بجواري بوجه عبوس، بينما نظرت نيديا إليه بعينين ملتفتتين، شفتاها مدببتان، لكنها لم تغادر مكانها.

 

‘……الفرصة أو لا، الهواء خانق.’

 

جلست بينهما، مبتسمة ظاهريًا، لكنّي كنت أشعر بالعرق في داخلي.

 

“ليريبيل؟”

 

حين كنت أفكّر في موضوع يخفّف هذا الجوّ المتوتر، ناداني أحدهم.

 

كانت السيدة ماكونري.

 

“…….”

 

راقبت بعينيها الحادتينّ، أنا وتيسكان ونيديا، ثم ابتسمت بابتسامة باردة كأنّها ترسم خطًا فاصلاً.

 

“أردت الاطمئنان عليك، ويبدو أنّك بخير. إذن سألقاك لاحقًا.”

 

كانت ماكونري سريعة الملاحظة، وبفضل غريزة البقاء القوية، كانت دائمًا تنجو من تهديدات بريسيلا. فدركت أنّ هذا المكان ليس جيدًا، وانسحبت سريعًا.

 

“حسنًا.”

 

ابتسمتُ بخفّة ولم أحجزها.

 

السيدة ماكونري، التي كانت شاحبة ونحيلة بسبب ذنب قتل زوجها، استعادت بعض وزنها خلال الأشهر الماضية.

 

يبدو أنّ مساعدتي لها خفّفت شعورها بالذنب قليلًا.

 

‘بعد مراسم التوريث، سأزورها.’

 

بعد التعامل مع إردان، انشغلتُ بمساعدة نيديا ولم أتمكّن من تقديم شكري وامتناني لها حقًا.

 

وبعد مغادرة ماكونري، جاء إليّ كل من ليريك وليندا البارون، وثيودور، والمساعدون الذين كنتُ على علاقة طيبة معهم أو ساعدوني في طرد إردان، لتحيتهم.

 

لكنهم جميعًا، مثل ماكونري، اكتفوا بالتحية وتركوا الطاولة بسرعة.

 

كانت قوة العداء بين تيسكان ونيديا واضحة جدًا.

 

لا أعلم لماذا يبقيان مكانهما رغم كره كلّ منهما الآخر.