لم أستطع معرفة كيف حدث ذلك.

ما حملته اشتعلت به النار على الفور، وتحولت خلال لحظة إلى رماد متناثر.

شكل الرماد لم يكن عاديًّا.

فبدل أن يكون مجرد فتات أسود، بدا وكأنه يلمع بضوء مشؤوم، وكأنه ينبض بالحياة.

ولم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ يتحرك كما لو كان حيًّا.

قال لويس شيئًا.

رغم أنّ صوته لم يكن صغيرًا، لم أستطع فهم كلماته، فقد كانت لغة لم أسمع بها من قبل.

لم أفهم المعنى، لكن أدركت أنّها كلمات لاستعمال السحر، إذ تشكّل حاجز خفيف حولنا بمجرد انتهائه من الكلام.

“آه!”

تفاجأ دانيال.

فالرماد الذي كان يلمع ويتلوّى بدأ يتجمع تدريجيًّا ليكوّن شكلًا محدّدًا.

―تحاول مجددًا عبثًا، فيديليو.

شكل الرماد أصبح أكبر بكثير من حجم الدفتر الأصلي.

ومن الكتلة الكبيرة انطلقت أصوات.

―يبدو أنّك لم تُنقل إلى الأجيال أنّ إحراق الدفتر لا يجدي نفعًا.

بدأت الكتلة تتخذ شكلًا أكثر دقة.

ظهرت الأذرع والأرجل، وتكوّنت الملابس، وبرزت ملامح الوجه من عيون وأنف وفم.

―على الأقل، هذه المرة تعاونت مع ساحر ماهر.

عندما سُمعت الصيحة مرة أخرى، أصبح شكل الكتلة إنسانًا كاملًا.

امرأة جميلة بشعر أسود وعينين سوداويتين.

لكن على وجهها الجميل كان الغضب والكراهية ظاهرين بوضوح.

―أرى أنّك حاولت منع إرادتي من الانتقال لمكان جديد.

توجهت عيناها السوداوين المليئتان بالغضب مباشرة إلى دانيال.

―أكرهك، فيديليو.

ارتعش دانيال عند تلك النظرة.

―حتى لو متّ، سأظل أكرهك. حتى يختفي اسمك تمامًا من العالم…

“يكفي.”

لم تتمكن المرأة من استكمال كلامها.

فقد ضربها لويس على مؤخرة رأسها بينما كانت واقفة.

―من أنت؟ كيف تجرؤ على لمس شكل لا يتعدى كونه إرادة…

التفتت المرأة بدهشة نحو لويس.

―لوسيوس؟

“نعم، أنا.”

―كيف وصلت إلى هنا…

“استيقظت.”

―ماذا…؟

“كنت نائمًا، وعندما استيقظت، سمعت أنّك قمت بأفعال غريبة، فجئت لأراك.”

تألّقت عينا المرأة بدهشة، وتنهد لويس بعمق.

“مرّت فترة طويلة جدًا. يا يوشينا. فترة كافية لي لأستيقظ.”

تذكرت من كلامه أنّ التنانين تعيش لسنوات عدة، وأن نومها قد يستمر لعقود أو حتى قرون.

“لو كنت أعلم أنّ ما سيحدث لك أثناء نومي، لما نمت. سأساعدك، فلننهي هذا الآن.”

إذن كان لويس يعرف المرأة الغامضة يوشينا، التي تبدو كتمثيل لإرادة أو لعنة أو روح تركتها التنانين.

لم يكن يعلم بما حدث عند لعنة فيديليو، لأنه كان نائمًا.

―…لا!

رفعت المرأة رأسها فجأة وهي ترفع عينيها المائلة.

―لم يكفِ! لم يكفِ بعد! الغضب والكراهية لم تخفّ حتى قليلًا! كما كنت عند موتي! سأظل أكرهك! سألعنك! سأجعل اسمك يختفي من العالم كما فعل فيديليو باسمك!

صرخت المرأة كما لو كانت تتقيأ دمًا.

ولم يظهر أي أثر للارتباك على لويس، الذي عبس بنصف وجهه وهو ينظر إليها بازدراء.

“أترين، حتى عندما أتكلم بلطف، لا يبدو كلامي منطقيًا، أليس كذلك؟”

رفع طرف فمه مبتسمًا قليلاً.

“لقد جننت بسبب اختلاطك بالشياطين وأطلقت الفوضى.”

―…!

“وتتذمر لماذا قتلتك بعد أن فعلت أفعالك المميتة؟ لا أستطيع فهم ذلك.”

―لا تهنّئني وأنت لا تعرف شيئًا!

“هل ما زلت مجنونة؟”

―لست مجنونة! فيديليو…!

“التنانين، من يُسمّى ضابط توازن العالم، قتلت البشر والحيوانات والأجناس الأخرى ودمرت الطبيعة، وأنت تقولين أنّك لست مجنونة؟ أنتم لم توقفوهم؟ التنانين ستتدخل لو لم يفعل البشر ذلك.”

في تلك اللحظة، ضغطت يوشينا على شفتيها بغضب وخفضت رأسها.

‘صحيح، لقد تم القضاء عليهم.’

لقد تم القضاء على التنانين التي أضرت بالإمبراطورية، لا على الأبرياء.

‘يبدو أنّ جنونها حقيقي.’

تذكرت جنونها في عينيها واهتزت برأسي.

“ثم لماذا تضع اللعنة؟”

ضرب لويس رأس يوشينا مرة أخرى.

―ذلك…!

“كفى، لنذهب. هناك إنسان موجود ليطهّر روحك الملوثة.”

―…يوجد إنسان سيطهّرني؟

تمتمت يوشينا بدهشة.

تنهد لويس ونظر إلى الفراغ بعينين حزينة.

“نعم. صادف أنّه وُلِد إنسان قوي بقوة في الوقت الذي استيقظت فيه. 

بذلت جهدًا كبيرًا لكسب ثقته لأني أردت أن أسلّمك له. قوته الإلهية تمنعه من التأثر بقوة التنانين، فلا يمكنني إجباره.”

نظر إليّ لويس للحظة.

“لقد ساعدتني كثيرًا، فلن ترفض طلبي. وإن رفضت، فهناك شخص آخر يمكنه التعامل معك، فلا تقلقي، اتبعي.”

الإنسان القوي بالقوة الإلهية.

لابد أنّه كاسروسيان.

من كلامه، يبدو أنّ لويس التنين تصرّف كإنسان لجذب مساعدة كاسروسيان.

فبما أنّه لا يستطيع إجبار الشخص، طلب من كاسروسيان تطهير التنانين التي أضرت بالإمبراطورية.

ربما كان يعلم أنّ جثة التنين موجودة في مقاطعة بيتترول بسبب تدبيره.

‘إذا رفض كاسروسيان، كان لويس ينوي أن أقنعه أنا.’

ابتسمت لنفسي، مدركة ما سيحدث، وأصلحت وجهي.

هذا الأمر سيتعامل معه كاسروسيان دون الحاجة لطلب لويس مني.

فكاسروسيان سيتعاون مع لويس حتى من دون مصلحة شخصية.

‘…هل هذا كافٍ؟’

هل يمكن السماح للتنين الذي قتل كثيرين من فيديليو، ومنهم بريسيلا، بأن يُطهّر دون أي عقاب؟

دون أن يتحمّل أي مسؤولية؟

“يكفي عند هذا الحد.”

لويس تحدث مجددًا ليقنع يوشينا المنحنية، دون أن يرفع صوته.

“الفرصة الآن، لن توجد ضمانة أن يولد إنسان آخر بالقوة الإلهية. إذا فوّتت الفرصة، ستذهبين إلى عالم الشياطين. أنت تعرفين أنّ روحك فاسدة.”

―…

“مرّت فترة طويلة. حان الوقت لتخفّ كراهيتك بعد أن انتقمّتِ من نسل بريء.”

عضت يوشينا شفتيها.

لكنّ ذلك لم يكن للتعبير عن الغضب، بل كان محاولة لكبح الحزن.

فحتى وهي في هيئة رمادية، كانت عيناها تبدو وكأنها ستذرف الدموع في أي لحظة.

―لقد خدعني.

بعد لحظة، تحدثت يوشينا بصوت مرتعش.

―لقد وسوس لي بحبّه، ثم خدعني.

“فيديليو الذي قتلك؟”

على عكس دهشة دانيال وأنا، سأل لويس بهدوء.

―طلب مساعدتي، وقال أنّ لا أحد سواه، ثم…

من كلمات يوشينا القليلة، أدركت العلاقة بينها وبين فيديليو الذي قتلها.

ربما استغلّ حبّه ليغريها لتحقيق مصالحه.

لم تكن إرادتها هي من أضرّت العالم، بل طلب فيديليو ذلك.

ثم، بعد إتمام كل شيء، قتله.

وهنا فهمت سبب اللعنة الشديدة التي تركتها يوشينا على فيديليو.

رغم أنّه خطأ، إلا أنّ سببها واضح.

“أن يخدعك باسم الحب هو خطؤه، لكن يا يوشينا…”

تنهد لويس بعمق ووضع يده برفق على رأس يوشينا المنحني.