‘يا إلهي… إنّه وسيمٌ جدًّا.’
كنتُ أشعر بذلك حتّى من بعيد، لكن رؤيته عن قرب جعلته أكثر وسامة.
سخنت وجنتاي من تلقاء نفسي، وارتجف صوتي، بل إنّ جسدي كلّه التوى توتّرًا.
‘يا للغيرة.’
رمقت أودري ليريبيل بنظرةٍ جانبيّةٍ خاطفة لا يلاحظها أحد.
أيُّ حظٍّ هذا الذي حظيت به ليريبيل لتتزوّج رجلًا كهذا؟
وتواعد دوقًا أعظم لا يقلّ وسامةً عن إردان.
إيلوديا مفهومة على الأقلّ.
فهي جميلةٌ بأيّ معيار.
أمّا ليريبيل……
‘أنا أفضل منها بكثير.’
شدّت أودري قبضتيها بقوّة، وأعادت التحديق بإردان الذي لم ينظر إليها أصلًا، واكتفى بهزّ رأسه بخفّة.
آه، حتّى تلك الهيئة المتغطرسة كانت ساحرةً للغاية.
كيف سيكون الشعور لو همس لي رجلٌ كهذا بكلمات حبّ؟
لا بدّ أنّه شعورٌ مزلزل.
“كنتُ أتمنّى لقاءك حقًّا. إنّ لقاء إردان هو أمنية حياتي الكبرى.”
شبكت أودري يديها بإحكام أمام صدرها، وتلألأت عيناها ببريقٍ واضح.
“أنا؟”
عندها فقط، وكأنّ الفضول دبّ فيه، ألقى إردان نظرةً عليها وهو يبتسم ابتسامةً خفيفة.
كانت طريقته في النظر إليها—مائلًا بذقنه قليلًا—مفعمةً بالغرور.
لكنّ المهمّ بالنسبة لأودري لم يكن ذلك، بل أنّه نظر إليها أصلًا.
قالت أودري بصوتٍ متحمّس:
“نعم! سمعتُ الكثير عن وسامتك يا إردان. لكن عندما رأيتك بنفسي، شعرتُ أنّ الشائعات لا تكفي لوصف جمالك.”
كان مزاج إردان، الذي انخفض إلى الحضيض بسبب ليريبيل، يتحسّن في لحظةٍ واحدة بفضل مديح أودري.
فقد تلقّى الإطراء أمام ليريبيل التي دأبت على تجاهله، فانتفخ صدره زهوًا.
انظري.
انظري كيف يُعامَل ذاك الذي تحتقرينه.
“شكرًا لكِ. وأنتِ لطيفةٌ أيضًا يا آنسة أودري.”
كان في مزاجٍ جيّد إلى درجةٍ أنّه تذكّر اسم أودري من المرّة الأولى، مع أنّه لو كان في حالته المعتادة لنسيه فور سماعه.
ولم يكن وصفه لها باللطيفة—وهي ليست كذلك حقًّا—إلّا ليُري ليريبيل أنّه قادرٌ على مدح امرأةٍ أخرى.
انظري.
إن تملّقتِني، أمنحكِ الإطراء.
فلماذا لا تتصرّفين مثلها؟
توقّفي عن التصلّب المزعج.
وبعد أن مدح أودري، ألقى إردان نظرةً خاطفة على ليريبيل بعينين تحملان هذا المعنى.
“……!”
لم تفهم أودري شيئًا من أفكاره، لكنها احمرّت خجلًا لأنّه ناداها باسمها ومدحها،
وذلك زاد من رضا إردان.
فامرأةٌ تكاد تبكي فرحًا من كلمةٍ واحدةٍ منه لا يمكن أن تبدو سيّئة.
‘ما الذي يفعلانه هذان المجنونان؟’
في المقابل، امتلأت عينا ليريبيل السوداوان بالاشمئزاز في لحظة.
كان انسجامهما مبالغًا فيه لأنّ كليهما ينظر إليها على أنّها حصّالة نقود ممتلئة.
آه، حقًّا… لا يُطاق منظرُهما.
—
“ناوليني هذا أيضًا. طعمه طيّب.”
“آه، يا له من شرفٍ لي يا سيّد المركيز.”
طوال وقت الطعام، كان إردان وأودري ينسجمان انسجامًا تامًّا.
على الأقلّ، هكذا بدا الأمر في نظر ليريبيل.
“شرفٌ؟ نعم، هذا صحيح.”
“بالطبع!”
كانت أودري تحدّق بإردان وحده، وكأنّها أُصيبت بهوسٍ نحوه،
بينما كان إردان، أثناء مجاراته لها، يلتفت بين الحين والآخر إلى ليريبيل.
كأنّ في نفسه كلامًا يريد قوله لها.
‘وماذا بعد؟ أتريدني أن أغار؟’
فقدت ليريبيل شهيّتها منذ زمن بسبب صوت أودري الأنفي،
وجاء تبجّح إردان السخيف ليقضي على ما تبقّى منها.
فوضعت أدوات الطعام جانبًا.
“يبدو أنّ الطاهي الذي استأجرته يا سيّد المركيز بارعٌ جدًّا.”
“أجل.”
“رؤيتك تستمتع بالطعام جعلته أشهى. كيف تكون حتّى طريقة أكلك أنيقةً ومفعمةً بالوقار؟”
“هاها. عندما يستمتع الضيف بالطعام، تفتح شهيّتي أيضًا.”
سواء أكان ذلك يهمّ أم لا، واصل الاثنان تفاهتهما.
‘مهلًا… ربّما أستطيع إنهاء الأمر كلّه هنا دفعةً واحدة.’
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي ليريبيل وهي تراقبهما دون أن تأكل.
ثمّ لمعت عيناها السوداوان بحدّة.
كنظرة صيّادٍ وجد وسيلة اصطياد فريسته.
“كيف تسير أعمال والديكِ؟”
توقّف إردان وأودري معًا، ونظرا إلى ليريبيل في آنٍ واحد.
‘ما هذا؟ هل تريد إفساد لحظتي اللطيفة مع إردان؟’
تجهّم وجه أودري، ثمّ ما لبثت أن تداركت الأمر وارتسمت على شفتيها ابتسامة تُظهر غمازتيها، متذكّرةً وجود إردان.
“بخير.”
“لا مشاكل؟”
المشكلة أنّه لا يوجد مال. لأنّكِ لم تدفعي.
دارت هذه الكلمات على طرف لسانها، لكنّها ابتلعتها.
“لا.”
لم تشأ أن تقول أمام إردان إنّهم يعانون من ضيقٍ مالي.
‘لكن لماذا تفتح هذا الموضوع فجأة؟ هل تريد إحراجي؟’
امتلأت عينا أودري بالانزعاج.
“هذا مطمئن. لقد وضعتُ قدرًا لا بأس به من مالي أيضًا، فاهتمّي بالأمر جيّدًا.”
ماذا تقولين؟ متى دخل مالك؟
حين عقدت أودري حاجبيها لعدم فهمها، تحوّلت نظرة ليريبيل سريعًا إلى إردان ثمّ عادت إليها.
‘استثمار.’
تحرّكت شفتا ليريبيل بلا صوت.
وفي تلك اللحظة، قفزت ذكرى من أيّامٍ مضت إلى ذهن أودري.
“سأمنحكِ فرصةً لتحصلي على المال منّي.”
“بل سأجعل عائلتك تتلقّى استثمارًا ضخمًا… من نبيلٍ رفيع الشأن.”
‘إذًا ذلك النبيل الرفيع كان إردان؟’
ألقت أودري نظرةً جانبيّةً عليه.
‘بالفعل…’
كان إردان نبيلًا ثريًّا من الطبقة العليا.
وإن حصلوا على استثمارٍ منه، فستتاح لها فرصة التواصل معه شخصيًّا.
“نعم. أنا أتابع الأمر.”
بدافع رغبتها في الاقتراب من إردان، وافقت أودري بلا تفكيرٍ عميق على كذبة ليريبيل.
‘ليس المال وحده… قد أحصل حتّى على فرصة الزواج من إردان.’
تلألأت عينا أودري.
صحيح أنّه حلمٌ بعيد، لكن إردان لم يكن زواجه الأوّل ولا الثاني، بل الثالث.
وكان متزوّجًا من إيلوديا، غير أنّ شائعة طلاقهما انتشرت بعدما كُشف أنّها ابنةٌ غير شرعيّة.
ومهما يكن، إن كان زواجًا ثالثًا، أفلا أكون أنا خيارًا ممكنًا؟
‘ويبدو أنّ إردان يكنّ لي بعض الإعجاب أيضًا.’
ابتسمت أودري بخجلٍ وهي ترمقه من طرف عينها.
“أعمال؟ استثمار؟”
توقّف إردان عن الأكل، وسأل بملامح مهتمّة.
“تقوم عائلة ماثيو، عائلة أودري، بمشروعٍ تجاري، وقد استثمرتُ فيه شخصيًّا مبلغًا بسيطًا.”
بسرعةٍ، انتقلت نظرة إردان إلى أودري.
ومن بريق الفضول في عينيه، أدركت أنّه يريد شرحًا أدقّ.
“يمكن اعتباره مشروعًا تمهيديًّا لفتح طريقٍ تجاريٍّ جديد.”
ابتسمت أودري وبدأت الشرح:
“معظم بضائع الشرق تصل عبر بوّابات النقل أو الطرق البرّيّة، ولهذا تكون باهظة الثمن. لذلك طُرحت منذ زمنٍ طويل ضرورة تطوير فنون الملاحة، وهو ما يتطلّب بالضرورة تطوّر السفن.”
طال شرح أودري.
وخلاصته ببساطة: إنّهم ينوون الدخول في صناعة السفن.
“همم. مشروعٌ ممتاز يعود بالنفع على تطوّر الدولة.”
كادت ليريبيل تبصق الماء الذي كانت تشربه حين سمعت تعليق إردان.
‘بل إنّ حماقتك بلغت حدّ الإعجاز.’
إنّ سبب عدم تطوّر الملاحة، واعتماد التجارة على البرّ، هو وحوش البحر.
ورغم وجود تلك المخلوقات المرعبة، فإنّ البشر ما زالوا يعيشون قرب السواحل،
ويمارسون الصيد، بل ويجرون تجارةً بحريّة محدودة في المياه القريبة،
وذلك بفضل جهودٍ هائلة شبيهة بطرد الوحوش من البرّ.
تطوّر الأسطول البحري، والسفن الخاصّة التي تصنّعها الدولة،
والتعاون العسكريّ والاقتصاديّ بين الدولة وأمراء الأقاليم الساحليّة…
كلّ هذا موضوعٌ يحتاج إلى عدّة أبحاثٍ مطوّلة،
لكن الخلاصة واحدة:
ما وراء السواحل التي طُهّرت عبر عقود، لا تزال البحار تعجّ بالوحوش،
واختراقها بالملاحة أمرٌ مستحيل بالتقنيّات الحاليّة.
‘ليس عبثًا أنّ بوّابات النقل نشطة في الإمبراطوريّة.’
حين تعترف الدولة نفسها بأنّ الأمر مستحيل،
تأتي عائلةٌ لا علاقة لها بصناعة السفن لتقول إنّها ستبني سفنًا؟
كان ذلك، في نظر أيّ شخص، عمليّة احتيالٍ واضحة.
فصناعة السفن تتطلّب سنواتٍ طويلة،
وسيماطلون أعوامًا، ثمّ يمسحون أيديهم من المشروع.
‘وأنت تملك أقاليم ساحليّة ولا تعرف هذا؟’
نظرت ليريبيل إلى إردان بازدراء، ثمّ هزّت رأسها يمنةً ويسرة.
كان جاهلًا إلى هذا الحدّ.
ولهذا خطّطت لهذا الأمر أصلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 172"