“لم يكن اعتذارًا يُشبه الاعتذار أصلًا، اعتذارًا كلبِيًّا لا يستحقّ القبول، لكن بما أنّكِ اعتذرتِ فسأفي بوعدي.”
“حقًّا… يا لأسلوبكِ في الكلام.”
نفخت أودري شفتيها بضيق.
وبرغبةٍ في التخلّص منها سريعًا، لوّحتُ بيدي بلا اكتراث.
“عودي بعد أربعة أيّام. سأكون قد أنهيتُ الاستعدادات.”
“وكيف أضمن أنّكِ ستلتزمين بالوعد؟ الآن، فورًا—”
“آه… فكّري قليلًا قبل أنْ تتكلّمي، أرجوكِ يا أودري.”
تنفّستُ بعمقٍ وأنا أزفر ضجري من سذاجتها.
“مـ، ما الذي؟ ما المشكلة هذه المرّة؟!”
قفزت أودري مجدّدًا وكأنّها مظلومة.
“أتظنّين أنّ إقناعَ نبيلٍ رفيع الشأن بالاستثمار في مشروع تافه كتلك الأعمال السخيفة التي تمارسها عائلتكِ، وجمعه في مجلس واحد، أمرٌ يمكن إنجازه فورًا؟”
“…….”
“ألا ترين أنّ أربعة أيّام نفسها سريعة؟ إنْ كان لديكِ رأس على كتفيكِ ففكّري قليلًا قبل أنْ تُحرّكي ذلك الفم. تكلّمي بما يجعل لكِ قيمة.”
حدّقت بي أودري وهي تزمجر، ثم مدّت يدها.
كنتُ أظنّها ستدير ظهرها وتغادر غاضبة، لكنّ تلك الحركة بدت وكأنّها تطلب شيئًا.
انعقد حاجباي.
“أعطيني بعض المال.”
“…….”
“أتيتُ إلى هنا بعربة وقطعتُ مسافةً طويلة! وإنْ أردتُ العودة بعد أربعة أيّام فإمّا أنْ أبقى في إقليم الماركيز، أو أستخدم البوّابة ذهابًا وإيابًا! ولا أملك المال لذلك، فأعطيني قليلًا!”
أرجعتُ رأسي إلى الخلف وأطلقتُ زفرةً جافّة.
“هاه…….”
هؤلاء المجانين جميعًا يرونني حصّالة نقودٍ سمينة.
—
“هل أنتِ بخير؟”
بعد أنْ أعطيتُ أودري مبلغًا بسيطًا من المال
(مع أنّه مالٌ حصلت عليه مجّانًا، إلّا أنّها أقامت الدنيا لأنّه قليل ولأنني أُهينها)،
تمدّدتُ على الأريكة.
تلقّي ثلاث ضربات متتالية من إردان، وإيلوديا، وأودري أنهكني لدرجة أنّني لم أعد أرغب في فعل أيّ شيء.
“لا أستطيع حتّى أنْ أقول إنني بخير مجاملةً.”
عند إجابتي الصادقة، فتحت رونا فمها بقلق.
“كيف انتهى بكِ الأمر أنْ تمسك تلك المرأة عليكِ نقطة ضعف؟”
“سؤالٌ في محلّه.”
لماذا يا ليريبيل؟
حين بحثتُ في ماضيكِ، لا تبدين شخصًا يُحسن تكوين صداقات حقيقيّة، ولا ممّن يثرثرون بأسرارهم.
فكيف أُمسِك عليكِ ضعف؟
“من ذكرها لمنصّة الإعدام، يبدو أنّه ضعفٌ كبير، أليس كذلك؟”
“ربّما.”
“حقًّا؟”
اتّسعت عينا رونا.
“هل ارتكبتِ ذنبًا يستحقّ أنْ تُرسلي إلى منصّة الإعدام؟”
“ربّما؟”
كان عدم التصديق واضحًا في عينيها المتّسعتين.
“كنتُ متوتّرة قبل قليل، ظننتُ أنّكِ ستتعاركين مع أودري.”
حتى وإنْ كنتُ أثق برونا، فإنّ شرح مسألة الإمساك بضعفي لم يكن سهلًا.
لذلك غيّرتُ الموضوع بلطف.
“هاه؟ أنا؟ مستحيل.”
لا أدري إنْ كانت قد ابتلعت الطُعم، أم تغاضت عن قصد، لكنّ رونا ضحكت وهي تتابع.
“لا يمكن لخادمةٍ أنْ تفعل ذلك مع نبيلة. لو حصل، لما استطاعت السيّدة ليريبيل حمايتي.”
كانت رونا، في النهاية، من العامّة.
ولو رفعت يدها على أودري، لكانت العواقب لا رجعة فيها.
“شكرًا لكِ. شكرًا لأنّكِ تحمّلتِ.”
“لا، أنا التي أشكركِ. لقد جعلتِها تعتذر لي.”
“لا شيء يُذكر.”
“بل هو شيء.”
خفّفت رونا ابتسامتها، ونظرت إليّ بتردّد.
“لكن… هل ستجعلينهم يحصلون على استثمار حقًّا؟”
“لا بدّ من ذلك. وإلّا فستظلّ تلاحقني بلا توقّف، ولا أطيق ذلك.”
“لكن من كلامكِ، يبدو أنّ المشروع فاشل. هل يوجد من سيستثمر فيه أصلًا؟ ثم إنّ…”
تردّدت رونا في إكمال الجملة، لكنني فهمت مقصدها.
حتّى لو وُجد نبيلٌ مستعدّ للاستثمار، وبما أنّني أنا من يربط بينه وبين عائلة أودري، فإنّ فشل المشروع سيرتدّ عليّ أيضًا.
فالنبيل الخاسر سيسألني أنا بلا شكّ.
وفوق ذلك، فإنّ جرّ شخصٍ إلى مشروعٍ محكوم عليه بالفشل فعلٌ لا يُحتمل أخلاقيًّا.
“أظنّ أنّ هناك شخصًا واحدًا.”
“من؟”
شخصٌ قد ينخدع بخطّة عملٍ بائسة.
وشخصٌ لن يستطيع إلحاق الضرر بي حتّى لو فشل المشروع تمامًا.
وشخصٌ لا بأس إنْ خسر ماله.
حين جمعتُ هذه الشروط الثلاثة، لم يبقَ سوى جوابٍ واحد.
“إردان.”
شهقت رونا وفتحت فمها على مصراعيه.
“لـ، لكن أليس هذا يعني أنّ أموال السيّدة ليريبيل ستصل إلى تلك المرأة عبر إردان؟”
سؤالها كان منطقيًّا، فهي تعرف أنّ إردان اقترض المال منّي.
نعم، سيأتي إردان بلا شكّ ليقترض منّي المال من أجل الاستثمار.
“لو استثمرتُ أنا مباشرةً، فذلك مالٌ يخرج من جيبي. أمّا إنْ اقترض إردان منّي ليستثمر، فأنا أحصل على ضمانات.”
“آه……!”
ابتسمتُ بخفّة لرونا التي بدا عليها الذهول.
كان واضحًا أنّها لم تصل إلى هذا الاستنتاج.
أودري ستواصل الابتزاز حتّى تحصل على المال.
لم أردْ أنْ أظلّ أسيرة تهديدها، لكنني كذلك لم أردْ أنْ تُكشَف نقطة ضعف ليريبيل التي تستخدمها، فأُساق إلى منصّة الإعدام.
وفي الوقت نفسه، لم أرغب في إزالة أودري سرًّا كما قلتُ لها، ولا في مراقبة كلّ تحرّكاتها والتحسّب لها باستمرار.
التعليقات لهذا الفصل " 167"