وفي اللحظة الّتي همّت فيها إيلوديا بالصراخ في وجوههنّ.
شعرت بضغطٍ عنيف على رأسها، فرفعت رأسها بفزع.
فوقع بصرها على طرف فستانٍ أمامها مباشرة.
“أتجرّئين على خداعي.”
كانت ناديا.
وضعت قدمها على رأس إيلوديا، وضغطت بكعب حذائها بقسوةٍ على جمجمتها.
“لا، لا تفعلي هذا. أرجوكِ.”
ارتطم جبين إيلوديا بأرضيّة قاعة الحفل.
“يا ابنة الحرام القذرة، أتجرّئين على فرض رأيكِ أمامي، وأنا ابنة دوق؟”
رفعت ناديا قدمها قليلًا عن رأس إيلوديا، ثمّ أعادت الضغط بقوّة.
“آه!”
“كان الأجدر تمزيق أطراف ابنة الحرام الّتي خدعتني، لكن بما أنّكِ سيّدة بيت فيديليو، سأكتفي بهذا القدر.”
أشارت ناديا بذقنها إلى الخادمات المنتظرات، ثمّ رفعت قدمها عن رأس إيلوديا.
“لنرَ إلى متى ستحتفظين بلقب سيّدة بيت فيديليو.
وإن طُردتِ، فلا تقعي في طريقي.
وإلّا اضطررتُ إلى تمزيق أطرافكِ بيديّ.”
أُمسِكَت إيلوديا من ذراعيها بعنف، وسُحِبَت جَرًّا إلى الخارج.
وكان ذلك بحدّ ذاته مهينًا، لكنّ أكثر ما عذّب إيلوديا هو عينا ليريبيل السوداوان الصافيتان، وهما تراقبانها تُسحَب بجوار ناديا.
‘لماذا… لماذا آل الأمر إلى هذا؟’
ماذا فعلتُ خطأً؟
الشرّ كلّه منها.
هي من حسدتني، وطَمِعت بما لي، وسلبتني كلّ شيء.
أنا مجرّد ضحيّةٍ بريئة.
لكن لماذا؟
“هذا ظلم!
أنا مظلومة!”
صرخت إيلوديا وهي تتخبّط، لكن لم يمدّ لها أحدٌ يد العون.
—
حين سمعتُ من السيّدة مايكونري أنّ إيلوديا تنوي حضور حفلة ناديا، لم يخطر ببالي سوى هذا.
‘حتّى لو خرجت من دون مساعدة السيّدة مايكونري، فستنتهي مضروبةً على يد ناديا.’
وليس ذلك بمستغرَب.
فمن تكون ناديا ابنة الدوق؟
في رواية [من خادمةٍ مُحتقرة إلى دوقةٍ كبرى محبوبة]، المعروفة اختصارًا بـ‘خا.م.د.ك’، كانت بريسيلا شريرة النصف الأوّل، أمّا ناديا فكانت شريرة النصف الثاني.
لم تكتفِ بإهانة إيلوديا بالكلام أو ضربها باليد، كما تفعل الشريرات المعتادات.
بل ارتكبت جرائم لا يُصدَّق ظهورها في روايةٍ مخصّصة لجميع الأعمار.
والسبب الّذي جعل إيلوديا، بعد أن أمسكت بيد تيسكان وخرجت من إقطاعيّة المركيز، لا تنعم بحياةٍ هادئة معه في إقليم الدوقيّة الكبرى، بل تتشرّد في أنحاء الإمبراطوريّة، كان كلّه بسبب ناديا.
‘كلّما ظهرت ناديا، امتلأت التعليقات بالضجيج.’
وكان التعليق الأعلى تقييمًا:
‘لو كانت في كوريا، لكان الحكم المؤبّد أقلّ ما تستحقّه.’
وعادةً، شريرةٌ بهذا السوء تنتهي حياتها على منصّة الإعدام.
لكن ناديا كانت ذات مكانةٍ رفيعة جدًّا.
فهي ليست فقط ابنة دوق، بل الابنة الوحيدة العزيزة لبيت كرويل الدوقي.
وفوق ذلك، كانت جرحًا غائرًا في قلب والديها.
قبل تسع أو عشر سنوات، انهارت على حافّة الموت، وعادت حيّةً كأنّها خرجت من العالم الآخر.
حين علم الزوجان الدوقيّان متأخّرَين بفظائع ناديا بحقّ إيلوديا، ركعا أمام تيسكان وإيلوديا وقدّما اعتذارهما.
ومهما كانت مكانة تيسكان كدوقٍ أكبر، كيف يمكن إرسال دوقٍ من أعمدة الإمبراطوريّة إلى الركوع، ثمّ إرسال ابنته إلى المقصلة؟
بعض الجرائم أُغلِق ملفّها بالتعويض واعتذار ناديا شخصيًّا.
أمّا بقيّة التهم، الّتي لا تستوجب الإعدام، فقد أنهى تيسكان الأمر بإحالتها إلى المحكمة.
لم يُذكَر ذلك في العمل الأصلي، لكن قيل إنّها حُلّت بدفع غرامة.
‘حينها أيضًا اشتعلت التعليقات.’
وكان معظمها يتّهم البطل بالضعف ويُعبّر عن خيبة الأمل فيه.
وكثيرون قالوا إنّهم انسحبوا اختناقًا من شدّة الإحباط.
على أيّ حال، وبسبب هذا التاريخ، لم أظنّ قطّ أنّ ناديا دعت إيلوديا بنيّةٍ طيّبة.
[ألا ترغبين في مشاهدة عرضٍ ممتع؟
امرأةٌ أذلّتني وأذلّت الكونتيسة ليريبيل، تتحوّل إلى أضحوكة ويُشهر بها أمام الجميع.
وبالطبع، إن رغبتِ بالمشاركة بنفسكِ، فأنتِ مرحّبٌ بكِ.
أنا أنوي المشاركة شخصيًّا.]
وحين وصلني هذا الخطاب من ناديا، الّتي لا تربطني بها أيّ علاقة، تحوّل ظنّي إلى يقين.
لكنّي لم أكن أنوي التواطؤ مع شريرةٍ إجراميّة لمجرّد مشاهدة إيلوديا تُهان.
فرفضتُ الدعوة تلميحًا، بحجّة أنّ الفرصة إن سنحت سأحضر.
ثمّ نسيت الأمر.
[حديث إيلوديا مع نفسها ليس طبيعيًّا.]
إلى أن وصلني هذا الخبر من السيّدة مايكونري.
بحسب قولها، كانت إيلوديا تهمهم وحدها، وتُركّب الأحداث على هواها.
تنسج سيناريوهات تُبرّئها من الخيانة، وتُحوّلني أنا إلى الجانية.
‘هل جُنّت؟’
حين علمتُ بذلك، اشتعل الغضب في صدري.
‘لن أسمح لها بهذا المشهد.’
فأرسلتُ متأخّرةً رسالة أُعلن فيها حضوري حفلة ناديا.
واحتياطًا، حصلتُ على دعوةٍ إضافيّة، وقدّمتها لزوجة الكونت فيرناندِي.
زوجة الكونت فيرناندِي، الّتي لا تغفر خيانة زوجها، لم تكن لتصافح ابنةً غير شرعيّة، سواء أصبحت دوقةً كبرى أو زوجة مركيز.
لكنّها لم تمانع استغلال كشف النسب غير الشرعي لتحقيق مكسبٍ ماليّ.
ابتسمتُ بسخرية وأنا أتذكّر ما جرى في قاعة الحفل.
‘وبما أنّ أمر كونها ابنةً غير شرعيّة قد انكشف، فلن يكون إردان متردّدًا في التخلّص منها.’
فقد تزوّجت إيلوديا بعد تزوير نسبها، ودعوى بطلان الزواج ستُحسم لصالح إردان بسهولة.
وستُطرَد إيلوديا بائسةً، بلا شيء.
حتّى دون فلسٍ واحد.
كما حدث لي تمامًا.
“يبدو أنّكِ كنتِ تعلمين أنّ إيلوديا ابنةٌ غير شرعيّة؟”
أفقتُ من أفكاري ونظرتُ إلى الجالسة قبالتي.
كانت ناديا.
“نعم.
عرفتُ ذلك مصادفة.”
“غريب.
بحثتُ عنها من رأسها إلى أخمص قدمها لأعثر على نقطة ضعف، ولم أعلم.”
التعليقات لهذا الفصل " 149"