“لماذا تقولين ذلك؟”
نهضت إيلوديا مترنّحة، وبدأت تمشي باكيةً نحو الكونت فيرناندِي.
“كان عليكَ أن تكون في صَفّي يا أبي…….”
فشلَت خطّةُ إيلوديا الّتي أعدّتها بإحكام مع ظهور ليريبيل.
كانت الآن محاصَرةً إلى حدٍّ لم تعد معه قادرةً على التفكير بعقلانيّة.
“أنتَ أبي…….”
لطالما قالت إيلوديا بإصرار إنّها تستطيع الاعتماد على نفسها، لكنّ ما كانت تستطيع فعله وحدَها لم يكن كثيرًا.
بل كثيرًا ما كانت تُفسد الأمور أكثر.
ومع ذلك، لم يكن الأمر مهمًّا.
لأنّ تيسكان، وإردان، كانا دائمًا يتكفّلان بتدارك أخطائها ومساعدتها.
لكن الآن، وعلى غير ما اعتادت، لم يكن هناك أحدٌ يمدّ لها يدَ العون.
وهكذا بدأت إيلوديا تفقد السيطرة.
خوفًا من أن يُنتزَع والدُها منها لصالح ليريبيل.
ورجاءً في أن يقف والدُها معها لا مع ليريبيل.
كشفت بنفسها الحقيقة الّتي أخفتها طويلًا.
حقيقة أنّها ابنةٌ غير شرعيّة.
“أبي…….”
راحت إيلوديا تبكي كطفلةٍ صغيرة وهي تتقدّم نحو الرجل.
سواء أكان النبلاء يتجنّبون لمسَها، أم كانوا يتوقّعون تطوّرًا أكثر إثارة.
فقد تراجعوا خطوةً إلى الوراء، مفسحين لها الطريق.
“ساعدني…….”
حين وصلت إيلوديا إلى أمام الكونت فيرناندِي، مدّت يدَها نحوه، وهو ينظر حوله بعينين قَلِقتين لا يدري ما يفعل.
كانت يدُ إيلوديا بيضاءَ مرتّبة، لكنّ أظافر الإبهام والسبّابة فيها كانت محطّمةً ومشوّهة.
وفي اللحظة الّتي همّت فيها بالإمساك بطرف ثوب الكونت فيرناندِي.
“أيتها اللقيطة القذرة.”
صفع أحدُهم يدَ إيلوديا بقسوة.
“مَن أبوكِ؟
مَن!”
“……!”
وفيما كانت إيلوديا ترتجف من الذهول.
أمسكت سيّدةٌ في منتصف العمر بشعرها بعنف، وقد تشوّه وجهُها بالغضب.
“كان عليكِ أن تعيشي مختبئةً كالجرذّة ما دمتُ قد تغاضيتُ عن وجودكِ!
لقيطةٌ وقِحة!”
“اتركيني!
اتركيني!
ما الّذي تفعلينه؟!”
“سواء أصبحتِ دوقةً كبرى أو زوجةَ ماركيز، كان عليكِ أن تعيشي بسلام!
لماذا تلطّخيننا بالقذارة؟
من أين لكِ الجرأة!”
“آآآه!”
كانت السيّدة الّتي تشدّ شعر إيلوديا وتهزّها بعنف هي زوجة الكونت فيرناندِي.
“تشبهين أمّكِ، لا تعرفين إلّا إغواء رجال الآخرين، أيتها اللقيطة القذرة!
لماذا، بعد كلّ هذا الوقت، تجرّيننا نحن إلى الوحل؟
لماذا!”
دوّى صراخ زوجة فيرناندِي في قاعة الحفل.
كان صوتها عاليًا بما يكفي ليعلم الجميع أنّ إيلوديا ابنةٌ غير شرعيّة.
“هل طلبنا منكِ مالًا؟
هل ابتززنّاكِ بشيء؟
جعلناكِ تعيشين كعاميّة، أليس هذا كافيًا؟!”
“آآه!”
“كان عليكِ أن تعيشي كما تشائين!
لماذا تحاولين جرّنا إلى الهاوية؟
لماذا!”
تحت قبضة زوجة فيرناندِي العنيفة، راحت إيلوديا تتأرجح وتصرخ مستغيثةً بالكونت فيرناندِي.
“أبي!
أبي!
ساعدني!”
“…….”
لكنّ الكونت فيرناندِي تراجع خطوةً إلى الخلف، متظاهرًا بأنّ الأمر لا يعنيه.
وكأنّه لم يعترف بمعرفتها قبل لحظات.
كان واضحًا لأيّ ناظر أنّه لا ينوي مساعدتها.
“كانت لقيطة؟
يا للغرابة!”
“هل يعني هذا أنّ لقيطةً غير معترف بها في العائلة زوّرت هويّتها حتّى أصبحت دوقةً كبرى؟
هل كان صاحب السموّ الدوق يعلم؟”
“مستحيل!
مهما أعمته المحبّة، لما أجلس لقيطةً في منصب الدوقة الكبرى!”
“لكنّهم قالوا إنّهم جعلوها عاميّة.
إذًا فهويّتها عاميّة، أليس كذلك؟”
“تمويه.
خداع.
وفي النهاية، اللقيطة تبقى لقيطة.”
لم يتقدّم أحدٌ لمساعدة إيلوديا.
بل انشغلوا بالهمس.
بل إنّ بعضَ مَن يكنّون كراهيةً شديدة للعشيقات وأبناء الزنا، راقبوا إيلوديا وهي تُضرَب بنظرات شماتة.
“اتركيني!
قلتُ اتركيني!”
بعد أن ظلّت زوجة فيرناندِي تشدّ شعر إيلوديا بجنون، أمسكت بها من رأسها وبدأت تجرّها إلى مكانٍ ما.
وكان المكان الّذي توقّفت عنده هو أمام ليريبيل.
“آآه!”
ثمّ ألقت بإيلوديا عند قدمي ليريبيل.
“هذه لا علاقة لها بعائلتنا.
إنّها مجرّد ابنةٍ غير شرعيّة لم يعترف بها زوجي.”
“أفهم.”
نظرت ليريبيل ببرودٍ إلى إيلوديا الملقاة على الأرض.
لم تكن تنوي السخرية من أصلها، ولا ازدراءها لكونها عاميّةً أو لقيطة.
كما لم تكن تفكّر في فضح هويّتها الّتي تحاول إيلوديا إخفاءها.
لو أرادت ذلك، لكان أسهل عليها أن تفضح الأمر في الصحف بدل أن تدفع إيلوديا للاعتراف أمام إردان.
‘كان إردان يفكّر في استخدام الأمر ذريعةً للتخلّي عنها، لكن…….’
كانت تعلم أنّ إردان لن يسمح أبدًا بانكشاف كون إيلوديا ابنةً غير شرعيّة أمام العلن.
ذلك الرجل المتغطرس لن يقبل أن يُعرف أنّه كان ينوي الزواج من لقيطة.
لذلك، حتّى حين اختلّ مخطّطها، لم تفكّر ليريبيل في استغلال نسب إيلوديا.
لكن.
‘أنتِ تسحقينني مرارًا، فلماذا عليّ وحدي أن ألتزم بالحدود؟’
سواء أحبّت إردان أم لا، وسواء تعلّقت بلقب زوجة الماركيز الصغير أم لا.
فالحقيقة أنّ إيلوديا انتزعت مكانها.
تواطأت على موتها، وسعت إلى كاميلا لتسلبها ما كسبته.
ثمّ حاولت إيذاءها بشكلٍ عبثي عبر جاكسن.
والآن، راحت تقلب الطاولة وتدّعي أنّ ليريبيل هي الجانية.
هل يُعدّ ردّ الصاع صاعين شرًّا؟
‘ومع ذلك، لقد منحتُكِ فرصة.’
لمعت عينا ليريبيل ببرود.
لو لم تُفجّر إيلوديا نفسها بنفسها، لكانت ليريبيل اختارت وسيلةً أُخرى لإسكات هرائها.
ما وصلت إليه إيلوديا الآن كان ثمرةَ حماقتها.
“أتمنّى ألّا يلحق أيّ ضرر بعائلتنا بسبب هذا الأمر.”
حوّلت ليريبيل نظرها عن إيلوديا، وابتسمت لزوجة الكونت فيرناندِي.
“نعم، بالطبع.
أعدكِ.”
تبادلت زوجة فيرناندِي نظرةً ذات معنى مع ليريبل، ثمّ انحنت برأسها.
وبعدها أمسكت بذراع زوجها بقوّة وغادرت قاعة الحفل.
“هـ…….”
تمدّدت إيلوديا على الأرض، تبكي كما لو كانت بطلةً مأساويّة.
لم تفهم ما الّذي جرى، ولا لماذا انتهى بها الحال هكذا.
‘أيّ أحد…….’
ساعدني.
“ساعدوني.”
توجّهت عيناها المغمورتان بالدموع نحو مجموعة أنجلينا.
“نحن صديقات، أليس كذلك؟
لا يجوز تجاهل صديقةٍ في محنتها.
الصديقة تحمي صديقتها.”
مرّ نظرُ أنجلينا على ليريبل مرورًا خفيفًا، ثمّ انصرف.
لو كانت إيلوديا لا تزال دوقةً كبرى، لربّما مدّت أنجلينا يدَها لها.
فهي كانت ترغب في ربط زوجها بالدوقيّة الكبرى.
لكنّ إيلوديا لم تعد كذلك.
كما أنّ بيت فيديليو الّذي حصلت عليه لم يكن يملك قيمةَ الدوقيّة الكبرى.
‘الارتباط بفيديليو عبثًا قد يُغضب الدوقيّة الكبرى.’
لو رأت أنجلينا في إيلوديا شخصًا يستحقّ العلاقة، لما نبذتها منذ البداية.
لم تكن قسوتها بسبب قذارة خيانة إيلوديا فحسب.
بل لأنّ الارتباط بكونتٍ ثريّ تدعمه كاميلا أفضل بكثير من الحفاظ على صداقة زوجة ماركيز فيديليو الملطّخة بالفضائح.
مساندة إيلوديا هنا تعني معاداة الدوقيّة الكبرى وليريبل معًا.
‘كنتُ أريد فقط تجاوز الموقف تجنّبًا لنظرات النبلاء…….’
بعد أن رتّبت أفكارها، ابتسمت أنجلينا بسخرية، وفتحت مروحتها لتخفي فمها.
ثمّ نظرت إلى إيلوديا بازدراء.
“أنا آسفة.
لا أُقيم صداقات مع عشيقاتٍ وقِحات.”
ما إن انتهت كلماتها، حتّى تطاير الشرر من عيني إيلوديا.
“حين كنتُ دوقةً كبرى، كنتِ تتذلّلين لي، أهذا ما تقولينه الآن؟”
ارتبكت أنجلينا للحظة.
“كنتِ تتوسّلين إليّ لأطلب من تيسكان أن يُحسِن النظر في أعمال زوجكِ، أليس كذلك؟”
“…….”
“صادقتُكِ شفقةً عليكِ، ومع ذلك…….”
رفعت إيلوديا رأسها وحدّقت بأنجلينا بكلّ ما أوتيت من قوّة.
“هل نسيتِ كلّ ذلك الامتنان؟”
كانت هذه المرّة الأولى الّتي تُدفع فيها إيلوديا إلى هذا الحدّ من الزاوية.
“المنصب مهمّ؟
إذًا أنتِ أصلًا لستِ بمستوى معاشرتي!”
لطالما كان هناك مَن يتقدّم بدلًا عنها ويدافع عنها.
“أنا مَن قبلتُ بكِ، وكان عليكِ أن تردّي الجميل!”
ولهذا لم يكن هناك سببٌ لنزع قناع الطيبة والوداعة.
“ساعديني فورًا!
أيتها المرأة الوقحة الأنانيّة!”
الوجه الحقيقي لإيلوديا.
ذلك الوجه انكشف تمامًا الآن، وهي محاصَرةٌ بلا أحدٍ يمدّ لها يدَ العون.
التعليقات لهذا الفصل " 148"