كلّما اقتربت صورتُها أكثر، ارتجف جسدُ إيلوديا بعنفٍ، وانتفضت فَزِعةً.
“هٰذا، هٰذا سُوءُ فَهْمٍ…….”
ثمّ تراجعت خطوةً خطوةً إلى الخلف.
“سوءُ فهمٍ ماذا؟
كما انتزعتِ منّي الدوقَ الأكبر، ها أنتِ مرّةً أُخرى تُدلّلين ذلك الجسد القذر وتخطفين الزوج من زوجته المسكينة، أليس واضحًا؟”
“لَا!
ليس صحيحًا!”
أن أكون قد سلبتُ تيسكان؟
من الأساس كان ذلك توصيفًا خاطئًا.
صحيحٌ أنّ عائلتَي ناديا وتيسكان قد تبادلتا حديثًا عن الزواج.
مكانةُ العائلتَين متقاربة، وأعمارُ الطرفَين متناسبة، فلا عجب أن يُطرَح مثلُ هذا الحديث.
لكنّه لم يتجاوز تبادلَ كلماتٍ عامّة.
لم تُجرَ أيّ مفاوضاتٍ رسميّة للزواج، ولم يكن بين ناديا وتيسكان أيّ تواصلٍ شخصيّ.
وفي تلك المرحلة، منح تيسكان قلبَه لإيلوديا، وبسبب ذلك، انهار مشروعُ زواجهما تمامًا قبل أن يبدأ أصلًا.
ومع ذلك تقول: انتزعتِه؟
ثمّ من هي المسكينة أصلًا؟
ليريبيل ليست أقلّ خبثًا من ناديا.
“لا تحاولي تبريرَ نفسكِ.
فحتّى أُذناي تتّسخان من سماع ذلك.”
كانت ناديا قد اقتربت إلى أن صارت أمام إيلوديا مباشرةً، ورفعت يدَها، وعلى وجهها ابتسامةٌ خبيثة لا تُشبه ملامحها البتّة.
“……!”
رفعت إيلوديا ذراعَيها غريزيًّا لتصدّ الهجوم، ثمّ توقّفت.
‘إن تلقّيتُ الضربَ مظلومةً هٰكذا، سأبدو الضحيّة أكثر.’
لم تفهم لِمَ تُشهر ناديا العداءَ لها بسبب أمرٍ يتعلّق بليريبيل.
لكن يمكنها أن تُصوّر الأمر وكأنّ ليريبيل استعانت بناديا الشرّيرة لتعذيبها.
بهذا التفكير، أغمضت إيلوديا عينيها بإحكام.
راجيةً أن يكون الألمُ قصيرًا.
[إردان لا يرغب في الاستمرار بحياته الزوجيّة مع زوجته، فأرجوكم، دعوه حرًّا.]
في تلك اللحظة.
بدلًا من الألم، سُمِع صوتٌ غريب.
‘لَا، هٰذا صوتي أنا.’
من يُقلّد صوتي……؟
آه، سِحر؟
هل هو سِحر؟
على وقع صوتها المفاجئ، فتحت إيلوديا عينيها المغمضتَين على اتّساعهما.
[هل تُحبّين زوجي، يا صاحبة السُّموّ الدوقة؟]
أوّل ما وقع عليه بصرُها كانت ناديا.
كانت ما تزال رافعةً يدَها، تحدّق في مكانٍ ما بوجهٍ مشدودٍ فيه فضول.
وفي الأثناء، دوّى صوتُ ليريبيل.
“……!”
استدارت إيلوديا برأسها بسرعةٍ نحو الجهة التي تنظر إليها ناديا.
[نعم، صحيح.
نحن نُحبّ بعضَنا بعضًا.]
هناك، كانت ليريبيل واقفةً بوجهٍ جامدٍ لا تعبير فيه.
“لِمَ تلك المرأة…….”
تمتمت إيلوديا بذهول، وفي تلك اللحظة تحديدًا—
[إردان قال إنّ زوجتَه بحاجةٍ إلى المال، فإذا كنتِ باقيةً هنا لهذا السبب حقًّا، فسأدفعه بدلًا عنه.
كم تحتاجين؟]
من الكُرة البلّوريّة في يد ليريبيل، انساب صوتُ إيلوديا.
اتّسعت عينا إيلوديا على نحوٍ مروّع.
“لَا!”
صرخت كأنّها تستغيث.
بهذا الصوت، وبهٰذا الكلام، سيبدو الأمر وكأنّني أحاول شراء إردان وطرد ليريبيل بالمال!
ليس هٰذا ما حدث!
هي مَن كانت تُماطل طلبًا للمال، ولهذا قلتُ تلك الكلمات!
“ليس كذلك؟”
سألت ليريبيل بهدوء.
“إذًا، تفضّلي.
برّري.”
كان موقفُها واثقًا، كأنّها تقول: مهما تحدّثتِ، فلن يصيبني ضرر.
“…….”
مع أنّها طُلِب منها التبرير صراحةً، لم تستطع إيلوديا فتح فمها بسهولة، واكتفت بعضّ داخل شفتيها مرارًا.
الكُرة البلّوريّة التي كشفتها ليريبيل كانت تنفي تمامًا ادّعاء إيلوديا بأنّها “لم ترتكب خيانة منذ البداية”.
ومن دون هذا الأساس، ستُعَدّ إيلوديا امرأةً فاسدة مهما فعلت.
حتّى لو لم يكن ذلك صحيحًا، وحتّى لو كانت هناك ملابسات.
الحمقى الذين لا يرون إلّا الظاهر، لن يفهموا غير ذلك.
‘لهذا كذبتُ…….’
حرّكت إيلوديا عينيها وهي تعضّ شفتها الداخليّة، ثمّ فجأةً وجّهت نظرها إلى الكُرة البلّوريّة في يد ليريبيل وتكلّمت.
“إنّه مُلفّق.”
ما إن خرجت الكلمة من فمها، حتّى ارتجف كتفُ ليريبيل قليلًا.
كانت تضحك.
رفعت عينيها بعد أن ضحكت بخفوت، ونظرت إلى إيلوديا.
على وجهها، ما زالت آثارُ ابتسامةٍ لم تَخبُ بعد.
“أنا لم أقل شيئًا كهٰذا.
كلّه من تلفيقكِ، أليس كذلك؟
كما افترَيتِ عليّ في ذلك الوقت، تحاولين الآن تشويه سُمعتي مرّةً أُخرى!”
رفعت إيلوديا صوتها وقد تسلّل القلق إلى ملامحها.
“لماذا تفعلين بي هٰذا؟
ماذا فعلتُ لكِ أصلًا؟
أخبِريني بالسبب، أرجوكِ…….”
وانهمرت دموعُها مجدّدًا بلا توقّف.
“إن أردتِ، فلن أدخل المجتمع الراقي طوال حياتي.
ولن أظهر أمامكِ أبدًا.
لكن لا تُحطّمي شرفي بكلامٍ مُزوّر.
أرجوكِ، أرجوكِ.”
بكاؤها المؤلم، ونبرةُ التوسّل.
وطلبُها أن يُحفَظ لها شرفُها فقط.
امتزج ذلك مع تبريراتها السابقة أمام الناس، فجعل إيلوديا تبدو مظلومةً إلى أقصى حدّ.
نظر النبلاء بحيرةٍ بين إيلوديا وليريبيل.
فمن جهة، بدت إيلوديا مظلومةً فعلًا، ومن جهةٍ أُخرى، لم يرغبوا في معاداة ليريبيل، الخطيبة المحتملة، والمدعومة من كاميلا.
“هذه الكُرة البلّوريّة.”
تكلّمت ليريبيل أخيرًا، بعد أن ظلّت تستمع بصمت.
“قدّمتُها إلى القصر الإمبراطوري عند طلاقي، كدليلٍ يُثبت خيانة زوجي.”
تظاهرت إيلوديا بمسح دموعها بكلتا يديها، وهي تُدير عينيها.
“وقد اعتمدها جلالتُه كدليل، وعيّن زوجي طرفًا مُخطئًا، وأجّل إتمام الطلاق.”
“إذًا، كنتِ تُزوّرينه منذ ذلك الحين!
كيف تجرؤين على خداع جلالتِه وتشويهي كخليلةٍ بهذه القسوة!”
غطّت إيلوديا فمها بيدها وهي تمسح دموعها، متظاهرةً بعدم التصديق.
وعلى عكس انفعالها، بقيت ليريبيل هادئة.
هادئة، لا تُظهر سوى ابتسامةٍ ساخرة.
“كلامُكِ هذا يعني أنّ جلالتَه شخصٌ قد يُخدَع بكُرةٍ بلّوريّة مُلفّقة.
هل تتحمّلين مسؤوليّة هذا الادّعاء؟”
“لَا، لَا!
جلالتُه طيّبٌ، وربّما خُدِع دون أن ينتبه…….”
“جلالتُه أمرَ بفحص هذه الكُرة وسائر الأدلّة على يد رئيس البرج السحري وعددٍ من السحرة.”
“وكيف عرفتِ أنتِ ذٰلك…….”
“جميع الإجراءات مُدوّنة في السجلات، ويمكنكِ طلبها من الماركيز فيديليو بوصفه طرفًا معنيًّا.”
بحثت إيلوديا عن عذرٍ جديد، ورفعت سبّابتَها إلى فمها دون وعي.
صوتُ طحن أظافرها ومنظرُها القبيح جعلا وجوه النبلاء تتجهّم.
أدركت خطأها، فأنزلت يدَها بسرعة.
“كلامُكِ إهانةٌ لجلالتِه، ولرئيس البرج السحري، ولسحرة البرج جميعًا.”
دوّى صوتُ ليريبيل في القاعة.
“لكنّكِ متحالفة مع القصر الإمبراطوري!
لهذا ربّما تجاهل جلالتُه الأمر عمدًا!
نعم، لا بدّ أنّه كذلك!”
قهقهت ليريبيل بسخرية.
“عقدي مع القصر الإمبراطوري تمّ بعد الطلاق، حين حصلتُ على إقليم تيرواسن الحالي كتعويض.”
كان معنى كلامها واضحًا: لم تكن بينها وبين القصر أيّ علاقةٍ آنذاك، ولا سبب يدعو الإمبراطور لغضّ الطرف عن تزويرٍ لأجلها.
“يا إلهي.
إذًا كلّ ما قالته قبل قليل كان كذبًا؟”
“كيف تستطيع أن تُهين غيرها بأكاذيب بهذه السهولة، وهي تتظاهر بالظلم؟”
“كانت تبكي بمرارة، فظننتها صادقة.
كادت الكونتيسة ليريبيل أن تصبح ضحيّة.”
“لو فكّرنا بالأمر، لو كانت الزوجة لا ترغب، فحتّى لو عرض الزوج الغرفة كضيف، كان عليها المغادرة.”
“صحيح.
لو كنتُ مكانها، ولأنّي أكره إساءة الفهم، لخرجت فورًا.
لِمَ أصرت على البقاء وخلقت كلّ هذه الفوضى؟”
على عكس أقوال إيلوديا السابقة، لم يحتج كلامُ ليريبيل إلى أيّ تأويل.
كانت الحقيقة واضحةً ونقيّة.
بدّل النبلاء مواقفهم في لحظة، وبدؤوا بالهمس ضدّ إيلوديا.
شحُب وجهُ إيلوديا وهي تسمع تلك الكلمات.
التعليقات لهذا الفصل " 146"