مع مرور الوقت، وكما يحدث لكل الأطفال، كَبِرَ كاسروسيان أيضًا.
لكنّ ما ميّزه عن سائر الأطفال أنّ نموّه كان أسرع بكثير، واكتسابَه للمعرفة كان أسبق وأقوى من أقرانه.
ومع ذلك ظلّ طفلًا، كثير الجوانب الناقصة، ولم يكن قادرًا على التحكم بقوّته الإلهيّة المتولّدة في جسده منذ ولادته. وكان ذلك أبرز مظاهر قصوره الطفولي.
“أ، أ، أعتذر.”
كان الناس يخشون كاسروسيان الصغير كما لو أنّهم يرون فأرًا واجه أفعى. يتجمّدون أمامه. ينكمشون. تتشنّج أكتافهم. ويتفصّد العرق البارد من جباههم بلا قدرة على السيطرة.
“ما بك يا ندرا؟ لماذا تتلعثمين؟ ولماذا تتصبّبين عرقًا؟”
“أ، لا أدري… الغريب أنّني أتوتّر فقط عندما أكون أمام الأمير.”
“إذن هذه هي الهيبة الفطرية؟ يا له من أمر مذهل، يا صغيري.”
وحدها كاميلا كانت تتعامل مع كاسروسيان بسهولة لا تُظهر خوفًا أو قلقًا.
لكن كاسروسيان أدرك منذ وقتٍ مبكّر أنّها كانت تتظاهر فقط.
“تعال إلى هنا، كاسيان.”
فأصابعها كانت ترتجف قليلًا كلّما ضمّته بين ذراعيها.
“لماذا تبدو حزينًا هكذا؟ أنت رائع، يا صغيري. لم ترتكب أيّ خطأ.”
كانت تكتم خوفها بصعوبة، خوفها من تلك الهيبة الغامضة التي تغلّف طفلها.
“أترى؟ لقد أنجبتُ طفلًا بالغ الروعة. لعلّ هذا ذنبي؟ يبدو أنّه خطئي… آه يا إلهي، لقد ورث عني هذا التميّز!”
حدّقت فيه كاميلا وهي ترفعه عاليًا، وتتمتم بجدّية.
كان ذلك يسرّه. أيّ طفل يكره أن يقال له إنّه يشبه والدته التي يحبّها؟
لكن… بعد وقتٍ ليس بطويل، أدرك كاسروسيان أنّ قوّته لم تأتِ من شبهٍ بأمّه، ولا من تميّزها. بل من شيء آخر.
“إذن تقصد أنّ القوة التي ورثها أفراد العائلة الإمبراطورية تختلف عن باقي أنواع القوة؟”
كان ذلك في يومٍ زار فيه أحد الكهنة ـ ممّن عرفتهم كاميلا قديمًا ـ غرفتها. وصدفةً، مرّ كاسروسيان بالقرب من المكان فسمع حديثهما.
“نعم. القوة التي يستخدمها القديسون أو الكهنة مُشبعةٌ بالمحبة والرحمه. ولذلك تحمل قوى الشفاء والتطهير.”
“لكنني سمعت أنّ أفراد العائلة الإمبراطورية قادرون أيضًا على الشفاء.”
“هذا صحيح. فهذه القوة أساسًا هي فيضٌ من المحبة. لكن القوّة التي منحهت لأول إمبراطور، كيشـار، كانت مختلفة. كانت هيبةً خالصة. هيبةُ المطلق… ذاك الذي يستطيع أن يقود الجاهلين.”
“هيبة المطلق…”
تنهدت كاميلا وقد بدا كأن شيئًا تبيّن لها فجأة.
“كان ذلك زمنًا يعجّ بالشياطين والوحوش والمخلوقات الخبيثة… فكان لا بدّ من قائدٍ قادرٍ على تطهير الفاسدين وردّهم إلى الطريق. ولذا منح ذلك النوع من الهيبة للإمبراطور الأول.”
“إذن، حين تنتشر تلك الهيبة… يشعر الناس بالخوف تلقائيًّا؟ يرغبون في الركوع دون وعي؟ أليست تلك هي الهيبة؟”
ابتسم الكاهن وكأنّه سمع سؤالًا ممتعًا.
“عادةً نعم. لكن البشر… يخافون ممّا لا يفهمونه.”
“إذن الإنسان الجاهل يقابل هيبة القوة التي يراها لأول مرة بالخوف، وليس بالتقديس؟”
“على الأرجح. هذه غريزة. لكن… ما سبب سؤالك المفاجئ عن قوّة العائلة الإمبراطورية؟”
“كنت أقرأ كتابًا فقط. لا شيء مهم.”
استدار كاسروسيان مبتعدًا، وقد غمره شعور مؤلم.
كان يكره قوّته.
لم يحبّها يومًا. فالناس يخشونه بسببها، ويبتعدون عنه. وكان يتحمّل ذلك فقط لأنّه ظنّ أنّها قوّة تشبه أمّه… تشبه روعتها.
لكن… قد تبيّن أنّ قوّته ليست لها علاقة بأمّه. بل هي القوّة. قوّة تبثّ الرعب حتى في قلب تلك المرأة التي يحبّها أكثر من أيّ شيء.
فانقطع آخر سببٍ كان يجعله يتحمّلها.
ومع مرور السنوات، لم يخفت ذلك الشعور… بل ازداد توهّجًا.
“يا صاحب السمو؟”
بعد أن سمع حديث كاميلا والكاهن، بدأ كاسروسيان يسعى بجهدٍ كبير لضبط قوّته. كي لا يذعر الناس.
وكي لا يرتعب قلب أمّه.
لكنّه كان صغيرًا. ضعيفًا. قليل الخبرة.
وكانت قوّته تتسرّب منه أحيانًا دون إرادةٍ منه…
كما حدث مع الخادمة التي رآها الآن، تعرّضت لالتواءٍ في قدمها.
وما إن لمسها، حتى سطع الضوء من يده… واختفى الألم.
“هل… هل فعلتم هذا يا صاحب السمو؟ لقد تعافى قدمي حين أضاءت يدكم!”
التعليقات لهذا الفصل " 138"