“أنت أيضًا من العصابة؟”
“ن، نَعَم؟! ل، لا! لا، لا!”
لم يفهم الخادم ما يقصده تمامًا، فلوّح بيديه بقوّة منكرًا بشدّة.
“أجل، لا بدّ أنك من عصابته.”
تمتم إردان بابتسامة ممزوجة بالسخرية والغلّ.
من الواضح أنّك تغاضيتَ عن سرقات غيلبرت.
وبالطبع، قبضتَ الثمن جيدًا.
لا، لا بدّ أنّ ذلك لم يكن كل شيء.
فأنت أيضًا، مثل غيلبرت، كنتَ تسرق أغراضي القليل تلو الآخر طيلة عملك خادمًا.
“إنّه ظلم! أقسم أنّ الأمر ليس صحيحًا!”
أدرك الخادم أخيرًا أيَّ سوء فهم وقع فيه إردان، فقفز نافيًا وهو شبه مصدوم.
“لا…! كُخ، كُخ…!”
حاول تبرير نفسه، لكن الكلمات لم تخرج.
الذي خرج من فمه كان أنينًا مؤلمًا، لا كلامًا.
وعبر عينَيه البنيّتَين الواسعتَين، انعكس وجه إردان النبيل الذي تلطّخت وجنته بقطرات دم.
بووم.
وجهٌ جميل لا يشبه البتّة وجهَ رجلٍ يطعن بغير تردّد بطنَ شخصٍ آخر بسيفه.
نظر الخادم إلى هذا الوجه لآخر مرّة… ثم توقّف نَفَسُه، وسقط ببطء شديد.
“هذا اللعين وذاك اللعين… جميعكم تظنونني لعبة.”
انتزع إردان سيفه من جسد الخادم وهو يطلق ضحكة باردة.
“أتجرؤون على السطو على أشيائي، وأنتم لا تعرفون من أكون؟”
جرحَ غرورَهُ ما فعلته ليريبيل مرارًا.
وتلقّى طعنةً من إيلوديا التي كان يظنّها دمية.
والآن، بسبب ليريبيل مرة أخرى، أصبح مهدّدًا بأن يخسر كل شيء.
ومقاومة أقاربه وحرّاسه ألحقت مزيدًا من الضرر بسلطته.
فصار، في النهاية، يسكّن رغبةً متعفّنة في السيطرة—أو بالأحرى، رغبةً دنيئة في الافتراس—بقتل الآخرين بكل بساطةٍ وغباء.
وإلا، فلم يكن يومًا ليفعل ذلك مهما كان غضبه.
حتى لو لم يعرف بالضبط هوية هذا الخادم، إلا أنه كان مدركًا لكونه أحد أبناء الحرس أو أقاربهم.
وقتل شخصٍ كهذا لن يمر بسلام.
لكن إردان الآن لم يكن يرى شيئًا أمامه.
“هذا ما تناله حين تجرؤ على سرقة ممتلكاتي.”
حدّق في وجه الخادم الميّت بعينين متّسعتين، ثم ابتسم برضا.
ثم رمى السيف بلا مبالاة وخرج من غرفة الملابس.
“تخلّصوا منه.”
“حاضر.”
انحنى الخدم الذين كانوا ينتظرون خارجًا فورًا.
“أغغ!”
ما إن غادر إردان، ودخل ثلاثة من الخدم إلى غرفة الملابس، حتى سقطوا جميعًا على الأرض من شدّة الصدمة.
غرفة مدمّرة كأن إعصارًا اجتاحها.
وفي وسطها جثة.
جثة خادمٍ… بل جثة نبيل من نسل الحرس.
لم يكن سقوطهم من الرعب أمرًا غريبًا.
“م-م- ماذا نفعل؟!”
“ل-لست أدري!”
“هل-هل يجب إبلاغ كبير الخدم؟!”
تبادلوا النظرات المرتعشة… ثم ركضوا مسرعين نحو نيك.
يا للمصيبة.
أمسك نيك جبهته يائسًا بعد سماع تقريرهم.
فمع قلّة خبرته، لم يكن يعرف كيف يعالج واقعة قتل وريث العائلة لخادمٍ من أبناء الحرس.
“أرجو أن تتكتموا على ما حدث. وإن أردتم، يمكنكم أخذ هذه النقود وترك العمل.”
دفع نيك أموالًا من جيبه الخاص للخدم كي يكسب بعض الوقت.
إن تمكّن من إسكاتهم، فسيمكنه التفكير والتصرّف قبل انتشار الخبر.
“إن خرج الأمر للعلن… فلن تنجوا أنتم أيضًا.”
ارتعب الخدم، وأخذوا أكياس النقود، ثم غادروا وظيفتهم جميعًا.
خلال ذلك، وصل إردان إلى غرفته وبدأ يفتّش الأدراج.
“ها… ها… ها!”
اختفت أموال ليريبيل التي قبضها من البنك.
وكذلك اختفت ممتلكات الحرس التي صادرها منهم.
كل الشيكات، كل الأموال… تبخّرت.
“لا يمكن… ذاك الوغد…”
ضحك أولًا ضحكةً مشوبة بالصدمة، ثم تجمّد وجهه نهائيًا وخرج مسرعًا، صاعدًا الدرج.
توقّف في الطابق الخامس.
حيث تُحفظ ثروات بيت المركيز.
“لا يمكن.”
عضّ شفتيه، ثم تقدّم نحو أحد الجدران.
فحص الجدار بعيون ضيقة.
وضع يده على بقعة معيّنة.
فانفتح الجدار الأملس الذي لا يبدو عليه أي وصلات… كأنه باب خفي.
“……!”
تشوّه وجه إردان بشدّة عندما رأى الداخل.
“ه… ه…!”
أينما نظر… كانت الغرفة فارغة.
لا شيء.
ولا حتى قطعة ذهب واحدة.
كيف استطاع غيلبرت الدخول إلى غرفة لا يمكن لأي شخص غير مُسجّل الدخول إليها؟
كيف…؟
“غيلبرت، يا ابن الكلب!!!”
دوّى صراخه يهزّ قصر المركيز كله.
وفي تلك الليلة، انطلق الفرسان على ظهور الخيل.
هدفهم واحد:
القبض على غيلبرت.
—
استعان فرسان بيت المركيز بمختصّين بارعين في التتبّع.
لكن الأمر لم يكن سهلًا.
استطاعوا معرفة أنّ غيلبرت خرج من إقليم المركيز.
لكن بعد ذلك… اختفت آثاره تمامًا.
والسبب كان ما جرى لغيلبرت قبل نصف شهر.
“لقد خرجنا من الإقليم.”
قال غيلبرت، مطابقًا لما توصّل إليه الفرسان.
“لم يكن علينا حتى التحرّك سرًا.
ذاك الرجل لن يكتشف شيئًا قبل عدّة أشهر.”
ضحك ساخرًا بعد أن تذكّر شخصية إردان.
“رغم ذلك، الحذر واجب.”
أجابه رجلٌ مسنّ.
“تتعب نفسك يا جدي.
ذلك الوغد ناكر الجميل تجاوز كل حد.”
“أجل… تمامًا.”
نقر الشيخ لسانه مستنكرًا.
“أكلما ساعدناه في تنظيف فوضاه الطفولية، ظنّ أننا نختلس منه؟”
كان اسم الشيخ غرايسون.
وكان أحد الحرس الذين عيّنهم إردان لإدارة الإقليم، لكنه كان يغرق في الفساد والاختلاس.
وهو نفسه من ضغط يومًا على ليريبيل لتصبح نائبة للإقليم وتثق بالحرس.
وغيلبرت حفيده.
وهكذا أصبح خادمًا لدى إردان.
“كل ما أخذته من القصر كان ثمنًا لِما تحملتُه من ذاك المجنون.”
قال غيلبرت بغضب.
“وحتى ذلك الثمن هزيل… أتعلم كيف كان يعاملني؟”
كان غيلبرت يخطط سلفًا للهرب بعد ضربة كبيرة.
فعلاقته بإردان وصلت إلى حدّ لا يُطاق.
ولم يعد قادرًا على تحمّل الإهانات.
لم يكن ينوي أن تصل الأمور لهذا الحد.
“دعنا ننسى كل شيء الآن… ونعيش مرتاحَين في بلد آخر.”
“بالطبع. بالمال الذي جلبته، يمكنني شراء لقب نبيل هناك، صحيح؟”
“نعم، سيكفي وزيادة.”
لو أنّ إردان لم يطهّر بيت غيلبرت أولًا.
لم يكتفِ بضرب جدّه، بل صادر ثروة العائلة، وسلب لقبهم.
صاروا فجأة من عامّة الناس.
فانفجر غيلبرت غضبًا وجشعًا، وهرب بمال أكثر بكثير مما خطّط له.
“سيأتي يوم يندم فيه… لكن حينها لن نكون موجودين. لا أدري هل أشفق عليه أم أحتقره.”
ضحك غرايسون بخفة.
نسي الاثنان كل جرائم الاختلاس والسرقة التي ارتكباها… وراحا يسخران من إردان.
“الولاء؟ الإخلاص؟ كلها هراء. ما يبقى هو الدم فقط. إن اتحدت الأسرة، لا يهزمها شيء.
تذكّر هذا يا غيلبرت.”
“بالطبع يا جدي.”
ابتسم غيلبرت ابتسامة طيبة.
لكن داخله كان شيئًا آخر.
‘ما إن أحصل على لقب نبيل… سأرمي هذا العجوز في الجبال.’
فالأموال التي خاطر بحياته لسرقتها… لن يشاركها مع أحد تحت ذريعة القرابة.
“كياااا!!”
صرخة صدحت فجأة.
اهتزّ غيلبرت وغرايسون من الصدمة.
“ج-جدي…”
فتح غرايسون باب العربة بدلًا عنه.
وتجمّد.
“ماذا يحدث هناك؟”
خارج العربة، كانت مجموعة مسلّحة بملابس سوداء وأقنعة سوداء تحاصر العربات.
ووقفت صفوفهم المستقيمة تُظهر أنهم ليسوا مجرد قطاع طرق.
“ما الذي—”
وفي تلك اللحظة…
ظهر رجلٌ من بين المقنّعين.
التعليقات لهذا الفصل " 132"