“لقد سعيتُ مرارًا للقائك يا سيادة البارونة، غير أنّ جميع محاولاتي باءت بالفشل، لذلك تقدّمتُ بطلبِ المثول بين يدي جلالتك، آملًا مساعدتك في ترتيب لقاءٍ يجمعنا.”
“أقدّم اعتذاري حيال ذلك.”
تماسكتُ كي لا تنفلت مشاعري، واعتذرتُ له بصوتٍ هادئٍ ورزين.
خلال الفترة الماضية، اقتصرتُ على مجالسة السيدات الأرستقراطيات اللواتي تعرّفتُ إليهنّ عبر كاميلا، إذ رأيتُ أنّه ما دمتُ قد قرّرتُ الانخراط في المجتمع المخملي، فالأنسب أن أُخالط النساء ذوات النفوذ الواسع والعلاقات المتينة.
وباستثناء زيارتي لعائلة ماثيو من أجل استدراج عائلة ساكسن، لم ألتفت لأي دعوةٍ أخرى.
“لا داعي للاعتذار. لم يَحدث شيءٌ يستدعي ذلك، بل كان ينبغي عليّ أنا الاعتذار عن تواصلي المفاجئ.”
“ليس هناك ما يستدعي الأسف، ولكن، لماذا جئتَ إليّ إذًا؟”
وضع الكونت ووت الظرف الذي كان يحمله على الطاولة بيننا، ودفعه نحوي برفق.
“كنتُ محتفظًا بوَصيّة السيّدة بريسيلا التي تركتها للبارونة ليريبيل، وقد جئتُ اليوم لأسلّمها إليك.”
“……وصيّة بريسيلا؟”
ارتفعت حاجباي بدهشة، ورفعتُ رأسي لأُلقي نظرةً على الكونت ووت.
كان في أواخر الثلاثين من عمره، ذا ملامح هادئةٍ لا تلفت الانتباه.
“كنتُ صديقًا مقرّبًا للماركيز الراحل فيديليو سيلفانوس، والد بريسيلا.
“لهذا السبب أوكلت إليّ بريسيلا وصيّتها. لم أفتحها قطّ منذ تسلّمتها، لذا أجهل محتواها، غير أنّي أظنّ أنّها تحمل دلالة خاصة.”
نظرتُ إلى الظرف المغلق بإحكام، وقد غمرني الفضول.
“بريسيلا تركت وصيّة بالفعل. ورث خدمها ممتلكاتها، وزوّجتني من إردان، وعهدت إلى كاسروسيان أن يعتني بي شخصيًا. ومع ذلك، يبدو أنّ ما أرادت قوله لم يكتمل بعد.”
هل كانت هناك رسالة لم تستطع الإفصاح عنها؟
ولِمَ سلّمتها إلى نَبيل غريبٍ لا إلى أسرتها؟
“لقد مضت أعوام على رحيل السيّدة بريسيلا، فلماذا تسلّم إليّ الآن؟ ولماذا إليّ أنا، لا إلى أخيها الماركيز إردان؟”
“أوصتني السيّدة بريسيلا بشرط محدّد: إذا انفصل الماركيز إردان عن البارونة ليريبيل، أسلّم الوصيّة إليها. أما إذا ظلا متزوجين، فأتلفها فورًا.”
“وإن… انفصلا؟”
“نعم. ولقد سمعت حينها عن وفاتك، فامتنعت عن التصرف، لكن حين علمت بأنك لا تزالين على قيد الحياة بادرت بالاتصال بكِ. رغم ذلك، لم تنجح محاولاتي.”
توقف عن الكلام للحظة، لكنّ ما لم يُقال كان واضحًا.
“فهمت الآن.”
ترددتُ قليلًا، ثم أمسكت الظرف، مزّقت ختمه وسحبت ما بداخله من أوراق.
“ما هذا…؟”
كانت الوثيقة الأولى إعلان تَبَرّؤ، تحمل توقيع الماركيز الأسبق فيديليو سيلفانوس وختم الإمبراطور الرسمي.
‘تبنٍ؟ تَبَرّؤ؟’
هل كان إردان… متبنًى؟
قلبتُ الصفحة التالية وأنا أتنفّس بارتباك، فإذا بوثيقة تُقرّ بأنّ وصيّة سيلفانوس تنتقل إلى ابنته بريسيلا بعد وفاته، وتصبح نافذة وقتما شاءت.
تحمل توقيعه وختم الإمبراطور، ومعها توقيع بريسيلا بخطها الفوضوي.
ثم جاءت الصفحة الثالثة…
“……!”
وصيّة أخرى، تنصّ على أنّه في حال فسخ زواج “الوصي الماركيز إردان” من “البارونة ليريبيل”، تنتقل وثائق التَبَرّؤ إليّ، ويُمنح لي لقب الماركيز بدلًا منه.
‘أيمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟’
حتى في الرواية الأصلية لم يُذكر أنّ إردان كان متبنًى!
وأن أحمل أنا لقب أسرة نبيلة عظيمة؟ أهذا قانوني؟
‘لكن لماذا؟’
حتى لو كان ممكنًا، لماذا قامت بريسيلا بذلك؟
لقد كانت مولعة بأخيها، ولا تسمح لأحد بالاقتراب منه.
هي نفسها التي عذّبت إيلوديا لمجرد أنّها تجرّأت على نيل اهتمامه.
فكيف إذًا تركت لي سلطة التَبَرّؤ منه؟
“أهي وثائق مشبوهة؟”
سألت بدهشة وأنا أسلم كاسروسيان الأوراق ليفحصها، لكن لم ألحظ ملامحه، فقد شغلتني الحيرة عن كل شيء.
وبينما كان يقلبها، ظهرت ورقة غريبة، أشبه بلفافة سحرية، ثم تلتها ورقة أخرى كتب عليها بخط مألوف مضطرب:
[مزّقيها، وستعرفين كل شيء.]
كان هذا خط بريسيلا.
‘اللعنة على تلك المجنونة.’
لم تكتفِ بترك الغازٍ مبهم، بل تأمرني أن أمزّق اللفافة فورًا!
لكن اللفافة السحرية، أليست ورقة مُحمّلة بتعويذة؟ تمزيقها يعني إطلاق السحر الكامن فيها.
‘كيف لي أن أتيقّن أنّ ما بداخلها ليس خطرًا؟’
ورغم ذلك، كان في قلبي يقين غريب أنّ بريسيلا لم تكن لتؤذيني.
“يبدو أنّ الختم هو ختم الإمبراطور الراحل.”
قال كاسروسيان وهو يتصفح الأوراق بعين فاحصة.
“أي أنّها وثائق نافذة.”
“ماذا؟”
كانت كلماته باردة كالثلج، لكنها هزّتني بعنف.
أيعني هذا أنّ نزع اللقب من إردان أمر قانوني فعلًا؟
أيمكن أن يتمّ بهذا السهولة؟
“بالطبع، تولّيكِ اللقب أمر مستبعد.
فأنتِ لستِ من دمائهم، ولا تربطكِ بهم صلة قرابة.”
كان صوته خاليًا من أي دفء، لكنه قطع صمت الغرفة المتجمدة.
“نعم، لا خلاف في ذلك.”
أجبت وأنا أتجنب النظر إلى وجهه البارد خلف نظارته الكبيرة.
“لكن، إن أخذنا بعين الاعتبار خصوصية أسرة فيديليو ونفوذك داخل أراضيها، فقد تختلف الاحتمالات.”
“ماذا تقصد؟”
“لا يمكن الجزم بالنتيجة، لكن يمكن رفع دعوى للمطالبة باللقب، وهذا وحده يشكل ضغطًا سياسيًا هائلًا على الماركيز إردان.”
نهض كاسروسيان من مجلسه قائلاً:
“سأطلب من لويس غدًا أن يفحص اللفافة. لا أظن أنّ بريسيلا كانت ستؤذيك، لكن لا يمكن استخدام لفافة مجهولة داخل القصر.”
“حسنًا، كما تشاء.”
“لقد تأخّر الوقت. ارتاحي الآن.”
ثم غادر دون أن يلتفت أو يترك خلفه كلمة شخصية.
بقيت أحدق طويلًا في الباب المغلق، ثم جمعت الأوراق وأعدتها إلى الظرف.
كان خشخشة الورق تُسمع كأنها أنين وحدة خافت.
—
“يا للسخافة! كل هذا الجهد من أجل لا شيء!”
قال لويس بوجه عابس وهو يضع اللفافة على الطاولة.
“أنا من صنع هذه اللفافة قديمًا، بأجرٍ مدفوع.”
“أنت؟”
أجاب وهو يتناول حلوى البارفيه التي طلبها بدل الشاي:
“إنها غير خطيرة. هذه اللفافة تنقل ذكريات من طلبها إلى من يمزقها. نوع من السحر الذهني.”
“حقًا؟ لم أكن أعلم أنّ ذلك ممكن.”
“أنا الوحيد القادر عليه. حين وصلت الطلبية إلى برج السحرة، تولّيتها بنفسي.”
“كنت أعلم أنّك مميّز يا لويس. بفضلك أنام كل ليلة بسلام منذ أن ألقيت عليّ تلك التعويذة. علمت منذ ذلك اليوم أنّك ساحر استثنائي.”
ابتسم لويس مزهوًّا بإطرائي.
‘إن كان هو من صنعها، فلن تكون مؤذية إذًا.’
كنت قد جرّبت سحره من قبل، وأدركت كم هو فعّال وآمن.
“لكن، ما علاقتكِ بالمرأة التي طلبت هذا السحر؟ أكنتما مقرّبتين؟”
“…ولمَ تسأل؟”
سألته بحذر، خشية أن تكون بريسيلا قد أهانته كما كانت تفعل مع الآخرين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 119"