لم يكن كاسروسيان يرغب في خلق أسرار، لكنه أدرك أن قول الحقيقة كاملة أمر بالغ الصعوبة.
ولهذا، لم يشعر تجاه ليريبيل إلا بالعار، وهو يبعث جاكسن إلى الحياة مرارًا ليقتله من جديد.
فكيف له أن يخبر ليريبيل، التي كانت ما تزال تحت وقع الصدمة من مشهد موت أحدهم أمام عينيها، بأنه أبقى ذلك الحثالة حيًا ليُزهق روحه مرةً أخرى لاحقًا؟
وكيف يمكنه، بينما يحتضن ليريبيل المتعبة بين ذراعيه، أن يشرح لها تفاصيل امتلاكه لتلك القوة، والظروف التي رافقت ذلك، ولماذا أخفاها عنها؟
لقد مات جاكسن بالفعل.
ومهما فعل كاسروسيان بجثته، فلن يؤثر ذلك في ليريبيل بشيء.
ومع ذلك، فقد كان يشعر بالذنب لكتمه الحقيقة عنها.
لقد أدرك كاسروسيان بمرارة أن الإعجاب بشخص ما، بكل بساطة، يعني أن تكون ممزقًا دومًا بين مشاعر متضاربة.
خصوصًا حين يفكر كيف أنه، رغم رفض ليريبيل لتدخله في انتقامها، ظل يرغب بتمزيق إردان بيديه.
—
حدّق كاسروسيان في الرزمة من الأوراق التي كان يحملها، يقلبها صفحةً تلو الأخرى.
حين طلبت منه بريسيلا أن يعتني بليريبيل، قام بإجراء تحقيقٍ عنها.
أراد أن يتعرّف عليها بنفسه دون الاعتماد على ما تقوله بريسيلا.
تلك الأوراق التي بين يديه الآن كانت تقرير التحقيق الذي أمر بإعداده في ذلك الحين.
لقد مرّ وقت طويل، حتى إنه كاد ينسى أمرها.
لكنه تذكّر أمرًا واحدًا بوضوح:
“التورّط مع هذه المرأة لن ينتهي بخير.” كان هذا الاستنتاج الذي خرج به بعد قراءة التقرير.
ولهذا السبب تحديدًا، بدأ كاسروسيان خداع ليريبيل من البداية دون تردّد.
حتى عندما تلقّى رسالتها، لم يبدّل سلوكه، ولا حتى أولى حضورها أي اهتمام.
لقد تغلغل ذلك الاستنتاج في طباعه، حتى أصبح تحاملًا متأصّلًا.
والآن، وهو يعيد قراءة التقرير الذي زرع ذلك التحامل فيه، اجتاحته من جديد مشاعر مختلطة.
فبما أنه يُكنّ مشاعر إعجاب لليريبيل، شعر بأنه ملزم بفهم ماضيها، حتى ذلك الذي لا تتذكّره.
غير أن في داخله نفورًا عميقًا من تلك الحقيقة، وحتى إحساسًا بالخيانة، وكأنها تتظاهر بفقدان الذاكرة لتخدعه.
فليريبيل في هذه الأوراق لا تشبه البتة ليريبيل التي يعرفها الآن.
—
أما إردان، فمع أنه أخبر ليريبيل بأنه سيلقي بجثة جاكسن في نهر تاين، الذي يمرّ بالعاصمة، فقد تخلّص منها في بقعة نائية من أرضه.
فهل كان سيحمل الجثة طوال تلك المسافة؟ كان ذلك محض عبث.
مجرد إخراج الجثة من المنزل كان أقصى ما استطاع إردان فعله من أجل ليريبيل.
وبعد عودته إلى قصره في العاصمة، خلع ثيابه الملطّخة بالدماء، وانغمس في الماء الساخن، ثم شرب نبيذًا. لم يكن في عجلة من أمره.
لم يعد هناك ما يدعوه للقلق بشأن تيسكان وسعيه لسلب ليريبيل منه.
“لقد سارت الأمور على نحو جيد.” تمتم إردان وهو يتجرّع النبيذ.
وما إن مدّ يده بالكأس، حتى أسرع خادمه، غيلبرت، ليملأه من جديد.
لقد كان بالفعل حظًا حسنًا. فقد تبع ليريبيل في ذلك اليوم بنيّة استرضائها، كما توقّعت تمامًا.
في السابق، أثناء مشادة مع إيلوديا، قالت بصوت مرتفع:
“ذلك لأنك فشلت في إدارة الأرض، وتركتها بين أيدي اللصوص!”
تلك الصرخة أوحت لإردان بخطّة جديدة للاقتراب من ليريبيل.
في تلك اللحظة، كان يطالع وثيقة تسرد حالات لأزواج من النبلاء عادوا إلى بعضهم بعد الطلاق.
لقد قرر أن يصالح ليريبيل.
فبرأيه، لم يكن هناك وسيلة أخرى لاستعادة ما تملكه ليريبيل، قبل أن ينتزعه تيسكان، سوى أن يعود إليها كزوج.
بعد استعادة العلاقة، سيتمكّن من أخذ كل شيء منها… ثم التخلص منها.
غير أنه، حتى وإن أراد إردان أن يتخلّى عن كبريائه ويتمسك بليريبيل، لم يكن يملك مبررًا للوصول إليها أو محاولة إقناعها.
لذا أخذ يراجع تقارير المصالحات بين النبلاء، باحثًا عن مدخل مناسب.
“إن ادّعيت أنني خُدعت من التابعين الفاسدين، وطردتهم جميعًا، ثم دعوتها للعودة… هل سينجح الأمر؟” تلك كانت فكرته بعد سماع صرخة إيلوديا.
“لقد خدعني الخونة.
لذا، كنت أسيء الظن بك.
كان كل شيء مجرد سوء فهم.
عودي، وتولّي إدارة الماركيزية كماركيزة مجددًا.” هذا ما كان ينوي قوله… لكنه لم يستطع النطق به.
تذكّر إردان تلك اللحظة، وأطلق ضحكة جوفاء.
رؤية ليريبيل بتصرّفها الساذج جعله عاجزًا عن قول تلك الكلمات.
مجرد التفكير بأنه سيتوسل لتلك الحمقاء البلهاء كان مهينًا بما فيه الكفاية، فكيف وقد وصفته بالمجنون؟ كيف له أن يُذلّ نفسه بطلب أي شيء منها؟ لذا، كان على وشك الانصراف… لكن من كان يتوقّع أن تكون تلك الحمقاء هي من ستبادر إليه أولًا؟
“يا لها من وقاحة.” قالها إردان، متنهّدًا بنشوة وهو يرتشف نبيذه.
“أتريدين أن تري الرجل الذي هجرك راكعًا أمامك؟”
ظنّ إردان أن ما فعلته ليريبيل ينبع من مشاعر باقية تجاهه.
فقد أسقط على سلوكها مشاعره هو، معتقدًا أنها تحاول استثارته عمدًا.
فلو كان في مكانها، لفعل ذات الشيء: لا توجد امرأة تتجرأ على هجره، لكن إن فعلت إحداهن، فسيعيدها فقط ليحطمها من جديد.
ربما علاقتها المزعومة مع تيسكان كانت فقط محاولة لإثارة غيرته، ضمن مخطّطها.
فلا مبرر آخر لسلوكها ذاك.
ولو كان بينه وبين ليريبيل ولو شيء ضئيل من المشاعر، لربما صدّق أنها لا تزال تكنّ له شيئًا.
لكن الحقيقة أن علاقتهما كانت سطحية وغريبة منذ البداية، لذا لم يكن مستعدًا لتصديق أنها تحمل نحوه أي مشاعر.
ومع ذلك، رغم عدم اقتناعه، لم يشكّ فيها.
بل كان كل ما يشغل تفكيره هو استغلالها لانتزاع ثروتها.
“إن كنتِ راغبة بالعودة، فعودي.
لنرَ من سيفوز.
هل ستعودين إليّ وتتركينني أولًا؟ أم أخونك أنا وأستولي على ثروتك أولًا؟ لنرَ.”
أنهى إردان الزجاجة، وذهب إلى الفراش.
لم يعد يخشى أن يأخذها تيسكان، ولديه الدليل لطرد إيلوديا، فلم تكن هناك حاجة للاستعجال.
بعد أن ينال قسطًا كافيًا من الراحة، سيعود إلى الماركيزية، يطرد إيلوديا، ثم يتواصل مع ليريبيل قائلاً إن مصدر البلاء قد زال، وعليها أن تعود.
في اليوم التالي، استيقظ إردان متأخرًا.
“سيدي إردان!”
عندما قرع الجرس المجاور للسرير، دخل غيلبرت إلى الغرفة.
“أحضر الفطور.” قالها إردان باقتضاب.
لكن بدلًا من المغادرة، اقترب غيلبرت بوجه متوتر، وسلّمه صحيفة.
“…”
شعر إردان بقلق غريب، وعبس وهو ينتزع الجريدة بعنف، ليمرّ بعينيه بسرعة على المقال.
“ما هذا…!”
كان غيلبرت يأمل أن يطّلع إردان على الخبر بنفسه، وما إن فعل، حتى انفجر غاضبًا.
غير أن صرخته انقطعت فجأة، وقد بدا مذهولًا إلى حد أنه لم يُكمل عبارته.
“زواج؟ أنا؟ من إيلوديا؟” ثم، بعد أن هدأ قليلًا، أطلق ضحكة مريرة.
لقد كان بالفعل يجهل الأمر تمامًا.
راقب غيلبرت ردّة فعله، وهو الخادم الذي كان قد اعتاد اختلاس كميات صغيرة من ثروة إردان وبيعها خفية.
حتى بعد طرده سابقًا بسبب السرقة، لم يستطع التخلّي عن تلك العادة.
ولهذا، كان على علم بأن إردان لم يكن ينوي الزواج من إيلوديا، بل كان يخطّط لإعادة ليريبيل إلى الماركيزية.
وحين رأى غيلبرت الخبر، قال في نفسه: “هذا سيء.” فلو نُشر دون علم إردان، فإن أول من سيتحمّل غضبه هو الخادم الأقرب إليه.
فكّر في التظاهر بالجهل، لكن لو علم إردان لاحقًا، فسيُلام أكثر لأنه خادم “جاهل”.
لذلك لم يكن أمامه سوى إحضار الجريدة إليه.
“استعد.” قالها إردان، وهو يطوي الصحيفة بعنف في قبضته.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 106"