4
ليانا أغمضت عينيها بدهشة وهي تحدّق في الفراغ.
ما الذي سمعته للتو؟
لا بد أنها أساءت السماع، أليس كذلك؟
فلا يمكن أن يكون كاريل، من بين كل الناس، قد قال لها مثل هذا الكلام…
“لماذا تتظاهرين بعدم السمع؟ سمعتُ أنكِ تبحثين عن شريك للزواج من خلال لقاءات التعارف. بدلاً من ذلك، تزوجيني أنا مباشرةً.”
لكنه قال هذا بالفعل!
ليانا، التي حاولت جاهدةً نفي الكلمات التي سمعتها للتو، شعرت بالذهول الشديد عندما أكّد كاريل كلامه بثقة.
“لا أعرف السبب بالضبط، لكنكِ تبحثين عن شخص للزواج به، وأنا أريد الزواج منكِ، فلمَ لا نفعل ذلك ببساطة؟”
“…آسفة.”
بعد لحظة من الارتباك بسبب هذا الموقف غير المتوقع، نطقت ليانا بكلمات الرفض بحذر.
الزواج من كاريل؟
كلامٌ لا يمكن قبوله بأي حال.
حتى اللقاءات العابرة معه تُعيد إلى ذاكرتها تاريخًا مظلمًا تتوق لنسيانه، فكيف بالزواج والعيش معًا؟
كاريل هو، ببساطة، ماضيها المظلم.
والعيش معه يعني العيش مع ذلك الماضي الذي تكافح لمحوه من ذاكرتها.
“همم، لا أفهم معنى كلامكِ.”
قال كاريل ذلك متظاهرًا بعدم فهم سبب رفضها، رغم أنه يعلم جيدًا دوافعها.
“أنا، بل أقصد، أفضّل أن أتزوج من بحيوان صغير أو آكل أعشاب مثلي.”
“لا، بل يجب أن تلتقي بحيوان مفترس. ألا تكونين أنتِ حيوانًا مفترسًا عظيمًا؟”
“كلا، أنا لستُ حيوانًا مفترسًا، أنا مجرد قطة عادية.”
ليانا كانت تعي جيدًا وضعها الحالي.
هي تعلم أن القطط ليست مفترسات، بل مجرد حيوانات صغيرة عادية.
ورغم أنها ابنة دوق، فلا أحد يجرؤ على ازدرائها علنًا، لكن الفارق الجوهري بينها وبين الآخرين لا يمكن إنكاره.
“لا أظن أن ذلك يُشكل فرقًا.”
“بل هو كذلك.”
“أنا من يحتاج إلى حمايتكِ، ألستُ حيوانًا صغيرًا؟ ألم تقولي بنفسكِ إن حيوانًا مفترسًا عظيمًا مثلكِ يناسبه حيوان مفترس آخر، لكنني الاستثناء؟ ألم تقولي إنكِ ستُبقينني إلى جانبكِ طوال العمر؟”
كان صوت كاريل ناعمًا للغاية، لكن عينيه كانتا حادتين كالسكاكين.
“الآن… سمو الدوق الأكبر يعلم الحقيقة، أليس كذلك؟ أنتَ الحيوان المفترس الحقيقي.”
كان سوء فهمها لكاريل بأنه حيوان صغير مجرد وهم طفولي سخيف.
كانت تعتقد، بطبيعة الحال، أن القطط، التي تُمثّل عائلة السنوريات، هي أعظم المفترسات، وأن الآخرين ليسوا كذلك.
السنوريات : فصيلة من الحيوانات الثديية التي تضم الكثير من الأنواع مثل الأسود، والببر، والنمور، والفهود، والقطط الأليفة والبرية، وأنواع عديدة أخرى
خاصةً أن كاريل، في طفولته آنذاك، كان صغير الحجم للغاية بالنسبة لحيوان مفترس.
من حيث الحجم، لم يكن يبدو كذلك على الإطلاق.
لذلك، كانت مقتنعة بذلك أكثر من أي وقت مضى.
“إذًا، في النهاية، لن تتزوجي مني…؟”
“نعم، لذا أرجوكَ، انسَ ذكريات الماضي. كانت مجرد كلمات طائشة قلتها في زمنٍ لم أكن أعرف فيه شيئًا.”
كانت كلماتها حاسمة، وكأنها تسعى لقطع حتى الرابطة الصغيرة التي جمعتهما.
عند سماع هذا، شعر كاريل وكأن بركانًا يغلي في أعماقه، جاهزًا للانفجار في أي لحظة.
لم يكن يتوقع أن تقبل عرضه للزواج على الفور.
ففي النهاية، أظهرت ليانا رد فعلٍ ينمّ عن عدم ارتياحها بلقائه مجددًا، وكأنها لم تكن ترغب في رؤيته أبدًا.
وكأن وجوده بحد ذاته يُسبب لها الإزعاج.
ورغم ذلك، كان يحمل أملًا خفيًا.
كان يعتقد أن تلك الذكريات لم تكن ثمينة بالنسبة له وحده.
لكن ما تلقاه كان رفضًا قاطعًا لا لبس فيه.
في تلك اللحظة، كادت هالته الحادة، التي لم يتمكن من كبحها، أن تفتك بليانا، لكنه تمكن بالكاد من ضبط نفسه.
كانت طاقته شرسة وخطيرة جدًا، لا تتحملها هشاشتها.
كيف يمكن أن يؤذي بيده تلك التي يعتز بها؟
لكن لا يمكن إنكار أن كلماتها جرحته.
وشعر أيضًا… بقليل من الغضب.
“حسنًا، فهمتُ. كيف لي أن أجبركِ على شيء؟ إذا كنتِ ترين ذلك، فليس أمامي خيار.”
أخفى كاريل اضطرابه الداخلي العاصف، وارتسم على وجهه ابتسامة ناعمة بجهدٍ واضح.
لم يكن يرغب في أن يُظهر لها جانبه الخشن والعنيف.
“شكرًا… لتفهّمكَ.”
شعرت ليانا، على عكس توقعاتها، براحة خفيفة لرد فعله المتفهم.
“لكن… لا تطلبي مني أن أنسى تلك الذكريات. قد لا تعني شيئًا بالنسبة لكِ، لكنها بالنسبة لي أثمن وألمع لحظات حياتي.”
قال كاريل ذلك وهو يُظهر تعبيرًا شبه حالم.
طعنت كلماته ضمير ليانا كالإبر.
لكن… ماذا عساها أن تفعل؟
لا ترغب في الاحتفاظ بذكريات تُثير شعورها بالحرج.
في الحقيقة… لم تكن تلك الذكريات ممتعة بالنسبة لكاريل أيضًا.
لذا، من أجل راحة قلبيهما، كان من الأفضل دفن الماضي والمضي قدمًا.
“حسنًا، سأذهب الآن.”
نهض كاريل دون تردد.
كان سعيدًا برؤية وجهها بعد وقت طويل، لكنه شعر أن البقاء أكثر من ذلك لن يكون جيدًا.
كان الجانب الوحشي في طباعه كحيوان مفترس يهيج بسبب كلماتها، يتأهب للانفلات.
“…إذًا، وداعًا.”
“…سنلتقي مجددًا.”
همس كاريل بصوت خافت جدًا لم تسمعه ليانا، ثم غادر قصر الدوق.
***
وصل كاريل إلى قصر الدوق الأكبر في العاصمة بعد مغادرته قصر الدوق.
كان وجهه، على عكس ما كان عليه أمام ليانا، باردًا وخاليًا من أي تعبير.
توجه مباشرة إلى مكتبه في القصر.
كان لا يزال يتذكر بوضوح تلك اللحظة.
اليوم الأول الذي التقى فيه بليانا.
كيف يمكن أن ينسى؟
كانت تجربة لم يعشها من قبل، لم يتخيلها حتى.
لذلك، بقيت محفورة في ذاكرته بقوة.
ربما تكون ذكرى مخزية لشخص آخر.
حيوان مفترس يُعامل كحيوان صغير ضعيف، يُقال له إنه سيُحمى وما إلى ذلك.
بل إنه تم التعامل معه ككائن هش يحتاج إلى الحماية، بينما كان هو المفترس الحقيقي.
لو كان حيوانًا مفترسًا آخر، لكان قد حاول محو كل أثر لهذه الذكرى كما لو كانت إهانة لا تُطاق.
لكن بالنسبة لكاريل، كان الأمر مختلفًا.
لم تكن تلك الذكريات مخزية أو محرجة.
لو سأله أحدهم عن طفولته، لكان قادرًا على الحديث عن تلك الذكريات بفخر.
كانت مميزة إلى هذا الحد.
لذا… لم يكن لديه نية للاستسلام.
لقد تظاهر أمام ليانا بأنه قبل رفضها بسهولة، لكن ذلك كان مجرد تمثيل لتخفيف حذرها.
“انتظري، يا ليانا.”
في النهاية، ستتزوج منه.
لأنه سيجعل ذلك يحدث.
***
تم ترتيب لقاء تعارف ثانٍ.
بعد فشل اللقاء الأول، جاء هذا اللقاء بعد أسبوع فقط.
كان الطرف الآخر هذه المرة حيوانًا آكل أعشاب، غزالًا على وجه التحديد.
قيل إن شخصيته لطيفة وودودة للغاية.
ربما بسبب فشل اللقاء السابق، بدا هذا الشخص أفضل بكثير من العصفور.
‘هذه المرة… سأنجح بالتأكيد!’
عزمت ليانا أمرها وهي تقبض يدها بقوة.
على الرغم من أن اللقاء الأول فشل بشكل مخيب بسبب لقائها غير المتوقع مع كاريل، إلا أن هذا اللقاء سيكون مختلفًا.
ألم تنهِ حوارها مع كاريل في المرة السابقة بشكل جيد؟
‘في الحقيقة… لا أريد الزواج من الأساس.’
في الواقع، لقاءات التعارف هذه كانت أقرب إلى إرادة الآخرين من إرادتها الخاصة.
كان السبب تحديدًا وصية والديها قبل وفاتهما.
هل لأنها كانت ضعيفة الجسم منذ الصغر، وكثيرًا ما تسببت في المشاكل؟
أم لأنها، بعد أن كبرت قليلًا، أصبحت تفضل البقاء في المنزل على عكس طفولتها، بينما كان الآخرون منشغلين باللعب مع أصدقائهم؟
على أي حال، لهذا السبب أو ذاك، ترك والداها وصية قبل وفاتهما.
علمت ليانا بهذه الوصية منذ أيام قليلة فقط.
كانت الوصية بسيطة.
إذا لم تتزوج خلال ثلاث سنوات من وفاة والديها، فسيتم طردها من العائلة دون أي مال.
كان ذلك نوعًا من الإجراءات القاسية التي اتخذاها لأنهما يعلمان أن ليانا لن تتزوج بسهولة بدون هذا الضغط.
كانا يريدان من ابنتهما الوحيدة أن تجد زوجًا قويًا يعتني بها وتعيش حياة مريحة بعد وفاتهما، بدلاً من البقاء محبوسة في المنزل كما اعتادت.
فطالما كانا على قيد الحياة، كان بإمكانهما الاعتناء بها، لكن بعد وفاتهما، لن يستطيعا ذلك.
لكن بالنسبة لليانا، كان الأمر بمثابة صاعقة من السماء الصافية.
كيف يمكن أن تبقى غير مبالية وهي تواجه خطر الطرد بلا شيء؟
بالطبع، لم يكن والداها يتوقعان أن يموتا فجأة بهذه الطريقة. لو علما، لكانا قد أخبراها بشيء مسبقًا.
في النهاية، كانت وفاتهما حادثًا غير متوقع لم يتنبأ به أحد.
لهذه الأسباب وتلك، اضطرت ليانا إلى البحث عن شريك زواج على عجل.
بسبب عمرها، كان من الصعب البحث عن شريك من خلال حضور الحفلات الراقصة، فاختارت طريقة لقاءات التعارف السريعة والسهلة.
هذا كل ما في الأمر.
لكن ماذا عساها أن تفعل؟
هذه هي الواقع، ولا خيار أمامها سوى قبوله.
مع هذه الأفكار، اتجهت ليانا إلى مكان لقاء التعارف.
— ترجمة إسراء
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"