مع غروب الشمس ببطء، عاد طبيب القصر، الذي كان يتلصص خارجًا، مسرعًا إلى الداخل. بعد التأكد من خلو الغرفة الجانبية وأن محيط القصر خالٍ من أي أحد، رتبت جوديث حجرة الملك ثم اتجهت نحو قصر أستل.
على الرغم من أن المسافة لم تكن بعيدة، بدا الطريق إلى قصر أستل طويلًا لا نهائيًا. أمام الدوق فيرجي والملك، تظاهرت بالثبات، لكن عندما فكرت في إخبار فرانز بالحقيقة، شعرت وكأن قلبها يهوي إلى قدميها.
‘لا، لا يجبُ أن أشعر بالقلق.’
كادت تصبح مهووسة بمحاولة تهدئة نفسها. التردد لن يفيد بشيء.
عند وصولها إلى قصر أستل، كان الدوق فيرجي قد سبقها. كان يجلس مع فرانز، يتبادلان أحاديث خفيفة ويحتسيان الشاي. لكنه ما إن رأى جوديث تدخل حتى تصلب تعبيره من التوتر.
“خالي، ما الذي حدث؟”
استغرب فرانز من وقوف الدوق المفاجئ.
“صاحب السمو، لدى سمو الأميرة كلامٌ تريد إخباركَ به.”
ما هذا الحديث؟ نظر فرانز إلى وجه الدوق، ثم إلى جوديث. لحظة تقاطعت أنظارهما، انسحب الدوق بسرعة قبل أن يتمكن فرانز من إيقافه، تاركًا الاثنين وحدهما في الغرفة.
“ما الذي يحدث؟”
لاحظ فرانز شيئًا من القلق في ملامحها، فتقطبَ جبينه ونهض. أمام هذا السلوك الخالي من الشك أو التردد، أدركت جوديث فجأة شيئًا.
ما الذي كانت تخشاه؟ قد لا تعرف إن كان فرانز يحبها، لكنه أظهر قلقه وحنانه تجاهها، ألم يقل ذلك أمام الملك نفسه؟ كان ذلك صادقًا. حتى لو غضب منها لخداعها له، فلا بأس. فهي تعلم أن معظم مشاعره نابعة من قلقه عليها.
“لديّ كلامٌ أود قوله، سموك.”
تقدمت جوديث خطوة إلى الأمام، فاقترب فرانز بنفس المسافة. كاد يعانق كتفيها الصغيرتين دون وعي، لكنه تراجع مصعوقًا، ممسكًا بأطراف أصابعه.
أحيانًا، عندما كان وحيدًا، كانت أفكاره عن جوديث تتدفق بلا سيطرة. تبدأ عادة بالقلق والفضول، لكن مع استمرار التفكير، كانت مشاعرُ غريبة تسيطر عليه.
تذكر فجأة الدفء الخافت المنبعث من أطراف أصابع جوديث وهي نائمة، وصوت أنفاسها الرقيقة كأوراق الربيع يملأ رأسه ولا يغادره. كلما فقد السيطرة على أفكاره، شعر بالذنب تجاهها.
كان يتوق أحيانًا ليمسك يدها، يعانقها، يهمس بكلمات “تصبحين على خير”، ويقبل جبهتها الناعمة المستديرة. لكن هذه الأفكار كانت تشتعل كنار في جسده، تتبعها موجات من الخجل والذنب تغمر كيانه. احمرّ وجهه فجأة، فأشاح بنظره بعيدًا.
“أيّ… كلام؟”
“اسمعني بهدوء، سموك. جلالة الملك… لقد استفاق. وهو يرغب في رؤيتك.”
تلاشى التعبير تدريجيًا من وجه فرانز. عندما استدار، كانت عيناه ترتجفان بشدة مخيفة.
“… ماذا قلتِ للتو؟”
“لقد استعاد جلالته وعيه. لا أحد يعلمُ بعد. سموك، هذه الليلة، طبيب القصر الذي يحرس حجرة جلالته غائب. إن لم تكن هذه الليلة، فقد لا تتكرر فرصة لقائه. عليك الإسراع. سأشرح كلّ شيء لاحقًا، أعدك.”
من فضلك. بدت عينا جوديث اللتين تنظران إليه وكأنهما تتوسلان. على الرغم من غرابة هذا التوسل، لم يكن لدى فرانز القدرة على سؤالها عن السبب.
“أبي… كيف…؟”
“إذا تنكرت كخادم، حتى لو رآك أحدهم، لن يلاحظ بسهولة. لقد أعددتُ ملابس مسبقًا، سأحضرها.”
شرحت جوديث بهدوء، لكن فرانز بدا لا يزال مذهولًا، عاجزًا عن استيعاب الأمر. بدلًا من إقناعه طويلًا، قررت أن الأسرع هو تنفيذ الخطة مباشرة. هرعت إلى قصر الأميرة وعادت حاملة ملابس الخدم في القصر.
“سموك، ارتدي هذه الملابس.”
حثته جوديث وهي تخلع عنه سترته. ألبسته سترة ومعطف الخدم، ووضعت على رأسه شعرًا مستعارًا حصلت عليه من شيران. بدا فرانز مشتتًا، لكن عندما لمست جوديث الشعر المستعار لتعديله، استعاد وعيه فجأة.
كانت أطراف أصابعها القريبة مشتعلة بالدفء. لم يعرف إن كان ذلك بسبب الإثارة أم التوتر. حتى أنفاسها كانت تحمل رائحة حلوة، كمن ركض حتى نفدت أنفاسه.
“لماذا لم تخبريني مسبقًا؟”
“…”
“هل كان هناك سبب؟”
فوجئت جوديث عندما أمسك فرانز بيدها، فجذبت طرف الشعر المستعار عن غير قصد، فانزلق الشعر الأسود الخشن قليلًا. صمتت للحظة، ثم أزاحت يده بلطف وأعادت تهيئة الشعر المستعار. شعره البني المائل إلى الحمرة، الذي يقال إنه يشبه الملكة الراحلة، اختفى تمامًا. بدا كشخص آخر.
“كان ذلك للحذر، سموك.”
“حتى مني، ابنه؟”
“ألستَ تعلم كم عدد الأعين التي تراقبك؟”
لم يكن هناك المزيد لتقوله. لم يقل فرانز شيئًا أكثر من ذلك. ربما لم يستطع.
لم يصدق فرانز أن كل ما قالته جوديث كان الحقيقة الكاملة. لكنه لم يعتقد أيضًا أنها ستخفي أمرًا بهذه الضخامة دون سبب. أدرك الآن سبب تصرف الدوق فيرجي الغريب فجأة. لا بد أنه كان على علم بهذا الأمر أيضًا.
شعر فرانز بحدسه يخبره أن شيئًا ما يحدث. لم يعد الأمر يتعلق فقط باستفاقة والده، بل كان هناك شعور قوي بأن هناك ما هو أكبر.
خارجًا، كان الدوق ينتظر. عندما رأى فرانز، لم يستطع إخفاء تعبيره المعقد. كان مشحونًا بالارتباك، لا يعرف إن كان يجب أن يفرح أم لا، وكأنه على وشك الانفجار.
“… يبدو أن لديك الكثير لتقوله، يا خالي.”
“أعتذر لعدم إخبارك مسبقًا، سموك. أرجو فقط أن تتفهم.”
وانتهى الأمر عند هذا الحد. لم يتبادل الثلاثة أي حديث آخر. حلّ بدلًا من ذلك صمت مشحون بالتوتر وصوت خطواتهم فقط.
بينما كان فرانز، المتنكر كخادم، وجوديث يختبئان في مكان منعزل بعيدًا عن الأنظار، استدعى الدوق الجنود المحيطين بحجرة الملك وأصدر أوامر هادئة. أخبرهم أن هناك شخصًا غريبًا يتجول في الجوار، وطلب منهم البحث دون إثارة الضجة.
على الرغم من ترددهم في ترك مواقعهم، لم يكن بإمكانهم عصيان أوامر الدوق. سلطته، إلى جانب كونه أقرب أقرباء الملك حاليًا، جعلتهم يمتثلون. راقبت جوديث الجنود وهم يختفون خلف الجدار، ثم أمسكت بمعصم فرانز.
“سموك، الآن.”
لكن فرانز أزاح يدها.
“سموك؟”
“سأذهب وحدي، عودي إلى القصر.”
“لوحدك؟ لكن…”
“إذا اكتُشف هذا الأمر، يجب أن ينتهي عندي وعند الدوق.”
تحركت شفتا جوديث الصغيرتان بصمت.
“إذا لاحظك أحدهم، لن أتمكن من الإفلات أيضًا. أنا من كنتُ أخدم جلالته وأعتني به طوال هذا الوقت.”
“لكنه سيكون مجرد شك. أما إذا رافقتيني واكتُشفنا، فلن ينتهي الأمر عند الشك.”
“سموك.”
ارتجف صوت جوديث قليلًا. استجمعت شجاعتها لتمسك يده مجددًا. تحت ضوء الغروب المتزايد الظلمة، تراقصت عيناها الشاحبتان برفق.
نادته، لكنها لم تجد ما تقوله. أي كلام الآن قد يبدو كذبًا، أو ربما صدقًا. الوقت الممنوح للتفكير كان قصيرًا، لكنه بدا لجوديث كمئة عام.
“… سأكون في انتظارك.”
في تلك اللحظة، مال جسد فرانز قليلًا إلى الخلف. بينما ظلت عيناه مثبتتين عليها، بدأ يبتعد خطوة خطوة نحو قصر الملك.
رأت جوديث ظله يتلاشى خلف ظلال الرواق، فأمسكت بأطراف فستانها الذي يهتز كنسيم الأوراق المتساقطة، واستدارت في الاتجاه المعاكس. الآن، كل شيء يعتمد على الملك زيديكير وفرانز، الأب والابن.
* * *
في حديقة قصر الأميرة، كان هناك قوسٌ من أشجار الورد.
تتسلق بضع من ورود المتسلقات القوس الأبيض النحيل، وفي الصيف، تتفتح بضع زهور بصعوبة. عند اجتياز شجيرات الورد الممتدة تحت القوس والدخول إلى داخل الحديقة، نوجد نافورة صغيرة مناسبة لغسل اليدين بالإضافة لمقعدٍ صغير.
كثيرًا ما كانت جوديث تتردد على هذا المكان بعيدًا عن أعين الخادمات أو الآخرين. لم يكن كرهها للاختلاط بالناس أمرًا جديدًا، لذا لم يهتم أحد من خدم قصر الأميرة باختفائها بصمت.
اختلطت رائحة الورد الخفيفة بنسيم الهواء البارد، ثم تبددت. أسندت جوديث ظهرها إلى المقعد، وأغمضت عينيها، محاولة التمسك برائحة الورد التي كانت تتلاشى.
كانت الورود في الحديقة الكبرى للقصر كبيرة ومبهرجة، تفوح برائحة تخطف الأنفاس بمجرد المرور بجانبها. أما ورود قصر الأميرة، فكانت تشبه سيدتها، صغيرة وبسيطة، لا تجذب أنظار أحد.
ومع ذلك، أحبت جوديث تلك الورود الصغيرة. لا بأس إن لم يمدحها أحد أو يعتني بها جيدًا. كفى أن تكون حية، تستمتع بضوء الصيف للحظات، وتوفر ملاذًا مؤقتًا للنحل التائه. هكذا كانت تفكر.
‘هل سمعتِ؟ عن سمو الأمير فرانز…’
‘يقولون إنه لم يعد هناك أمل. لقد فقد عقله تمامًا، حتى أنه لم يعد يتعرف على الخادم الذي كان يخدمه…’
‘ماذا عن سمو الأميرة؟ إذا فقد سمو الأمير عقله، فماذا عن الأميرة…’
‘ستصبح في حالٍ يرثى لها، هذا كل شيء. قد يبدو هذا قاسيًا، لكن من الأفضل لسمو الأميرة أن يرحل سمو الأمير بسرعة. وإلا، ستقضي حياتها تخدم زوجًا مجنونًا.’
بينما كانت جوديث، مغمضة العينين، تتبع رائحة الورد الخافتة، سمعت حديثًا من مكان ما، فشعرت بدمها يتجمد في عروقها. من هؤلاء؟ من يجرؤ؟
أرادت أن تقف وتصرخ، لكن جسدها لم يطاوعها. انفرجت شفتاها من الصدمة. حاولت الصراخ، لكن صوتها انحبس داخلها.
‘بالمناسبة، إذا فقد سمو الأمير فرانز عقله، فسيكون الأمير كرولد هو من سيرث العرش.’
─────────────────────
🪻سوالـــف🪻
كان يتوق أحيانًا ليمسك يدها، يعانقها، يهمس بكلمات “تصبحين على خير”، ويقبل جبهتها الناعمة المستديرة. لكن هذه الأفكار كانت تشتعل كنار في جسده، تتبعها موجات من الخجل والذنب تغمر كيانه. احمرّ وجهه فجأة، فأشاح بنظره بعيدًا.
ولدي مؤدب، رغباته نقية كذا ويستحي بعد 😔
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 51"