بعد أن هدأ غضبه الجامح بعض الشيء، حدّق الدوق في جوديث بوجه لا يخلو من الدهشة.
كل هذه الخطة جاءت من عقل أميرة لم تتجاوز السابعة عشرة بعد. هل هذا حقيقي؟ كان يعلم أنها مختلفة عن مظهرها، لكنه لم يتخيل أبدًا أنها ستقدم على شيء بهذه الجرأة.
“أشعر بالخجل. رغم أني سمعت عن أكاديمية ديلاكا منذ زمن، لكن لم يخطر ببالي هذا الحل.”
“لو لم يستفق جلالته، لما كان هذا ممكنًا حتى لو فكر به أحد. لا تلوم نفسك.”
“بالكاد أصدق هذا… كيف استطاعت سيدتي الأميرة…؟”
كان من الممكن فهم شكها في دواء الملك، لكن الخطوات التي تلت ذلك كانت بارعة بشكل لا يصدق.
كانت تعيش على حبل مشدود وسط أطباء القصر الذين يتربصون بها، ومع ذلك استطاعت إفاقة الملك خفية عن أعينهم. الأمر لا يزال يذهله كلما فكر فيه.
“كم من الوقت سيستغرق إرسال الأوراق إلى الإمبراطورية واستلام الرد؟ الوقت ضيق.”
“لن يستغرق طويلاً. سفن عائلتنا تمر عبر مياه الإمبراطورية دون تفتيش دقيق. متى يجب أن يصل الأمير؟”
“بحلول منتصف الشهر المقبل.”
مع مرور ثلث الشهر الحالي بالفعل، كان الوقت ضيقًا كما قالت. لكن الدوق أومأ برأسه بثقة، وكأنه خطرت له فكرة.
“ممكن. حتى لو احتجنا لمزيد من الوقت، يمكننا طلب تسهيلات من الأكاديمية.”
“هذا يريح قلبي بعض الشيء.”
“ديلاكا لديها علاقات ودية مع روتيا. الأمير فرانز هو الابن الشرعي الأول للملك، وهذا مهم بالنسبة لهم.”
“لكنه ليس وليًا للعهد رسميًا، ألا يضعفه هذا؟”
“قوانين الإمبراطورية مختلفة. عندنا، حتى لو كان الابن الأكبر للملك، يجب أن يخضع لمراسم تنصيبه رسميًا كولي للعهد. لكن في الإمبراطورية، الوريث الأول يصبح وليًا للعهد تلقائيًا لمنع الصراع على العرش. سيعاملون الأمير كولي للعهد بحكم كونه الابن الشرعي.”
تنفست جوديث الصعداء عند شرح الدوق. كانت مسألة حرمان فرانز من حقوقه كابن أكبر حساسة، ولم ترد لفت الانتباه إليها خشية أن يظن الإمبراطوريون أنه غير مؤهل للعرش.
“أشعر بالراحة الآن.”
قالت ذلك بصدق. ارتسمت على وجه الدوق ابتسامة حزينة.
“أخبرني بالتطورات عبر بارثولوميو، سيكون الأسرع.”
“نعم سيدتي. سيكون سريعًا وآمنًا. فابني رغم مظهره، يحفظ الأسرار جيدًا.”
ابتسمت جوديث بدورها. مع بدء حل المشاكل واحدة تلو الأخرى، كان من الصعب كبح مشاعرها المنتشية.
“لكن.. كيف ستخبرين الأمير باستيقاظ الملك؟”
“… فكرت كثيرًا في هذا. لا يوجد حل سوى الصراحة.”
“يقلقني أن يكون الأمير غير مدرك لكل هذا. ماذا لو رفض الذهاب إلى الإمبراطورية؟”
سكتت جوديث للحظة. حتى هي لم تستطع تخيل رد فعل فرانز. سيكون منزعجًا وغاضبًا وقد يشعر بالخيانة.
لكن حتى لو حدث ذلك، لم تكن لتتراجع. إن أصر على الرفض، كانت مستعدة لفعل أي شيء – التوسل، الانحناء، بل وحتى التظاهر بالموت.
بدون مستقبل لفرانز، حياتها أو موتها سيصبحان بلا معنى. ما أذهل الدوق كان مجرد البداية بالنسبة لها. إن فشل هذا، فماذا عساها تفعل بعد؟
لكن رغم كل استعداداتها، لم تعتقد أن فرانز سيخون ثقتها.
سيصاب بالذهول، قد يغضب، لكن إن توسلت إليه، سيذهب. كانت تؤمن أنه سيتجاوز عن كراهيته ويخطو تلك الخطوة.
إنه شخص طيب وعطوف. إذا شرحت له، سيفهم حتمًا.
“سيدتي الأميرة؟”
ناداها الدوق باستغراب. عادت من أفكارها وهزت رأسها، ثم نظرت إليه بنظرة حازمة.
“سأقنعه.”
“واثقة… جدًا.”
“نعم. أؤمن… أنه سيفهم سبب فعل كل هذا. يجب أن أؤمن.”
بدت كلماتها الأخيرة كتعويذة ترددها لنفسها. نظر الدوق إلى جوديث وهي تقبض يدها بقوة. كتفيها الصغيرين الحاملين للقلق والترقب جعلاها تبدو أصغر سنًا، لكن وجودها نفسه بدا أكبر من حجمها الحقيقي.
سؤال “كيف” أصبح بلا معنى الآن. رغم كل الأسئلة التي تدور في رأسه عن هذه الأميرة الهشة التي قد تسقط من شدة أشعة الشمس، قرر ألا يسأل أي منها.
* * *
لم يلاحظ أطباء القصر أي تغيير في حالة الملك. ما زالوا يُستدعون كل بضعة أيام إلى الملكة جيلسيس ويتلقون توبيخاتها المعتادة، لكن حتى هذا أصبح روتينًا مملًا لم يعد يثير حفيظتهم تجاه جوديث.
كان هذا نعمة لها. أمرت ماريان بإعداد غداء أكثر سخاءً للملك.
بعد أن كانت تقتات على مجرد قطعة خبز أو بودبنغ أرز أثناء رعايتها للملك، أصبحت تحضر الآن سندويشات وحساء وفطائر محشوة بالخضار. كانت ماريان سعيدة بأن جوديث تأكل جيدًا، فكانت تعد صندوق غدائها بعناية كل يوم.
بدا أن صحة الملك زيديكير تتحسن يومًا بعد يوم. ازدادت مدة بقائه جالسًا، وعادت قوة قبضته تدريجيًا. مع تناوله وجبات حقيقية بدلًا من الحساء الرقيق والشوفان المنقوع، تحسنت دورة دمه أيضًا.
“هل هو اليوم؟”
عندما سمعت جوديث سؤال الملك، رفعت رأسها من شطيرتها التي كانت تقطعها إلى قطع صغيرة، ثم أجابت بسرعة:
“نعم، جلالتك.”
“إذن اليوم هو اليوم…”
“هل تشعر بالتوتر، جلالتك؟”
“توتر؟”
ضحك الملك ضحكة خافتة.
“من السخيف أن أشعر بالتوتر لمجرد مقابلة ابني، لكن… نعم، أنتِ محقة. أنا متوتر.”
تخطط جوديث لإحضار فرانز متنكرًا إلى غرفة الملك هذه الليلة.
كانت قد استمعت مسبقًا إلى همسات الأطباء عن أن ابنة الطبيب “ديكار” – المسؤول عن نوبة الليل حتى الصباح – على وشك الولادة، ولن يحضر إلى القصر اليوم وغدًا.
أما حراس القصر، فقد تكفل دوق فيرجي بالتعامل معهم. بعد غروب الشمس، وعندما تخلو الغرف الجانبية، سيختلق ذريعة عن وجود شخص مشبوه يتجول حول القصر، مما سيدفع الحراس إلى الانتشار للبحث. عندها ستستغل جوديث الفرصة لتدخل فرانز متنكرًا كخادم.
أخبرها الملك أنه ليس متأكدًا من قدرته على إقناع فرانز. شجعته جوديث، لكنها في الوقت نفسه ضغطت عليه بأنه يجب أن ينجح. ولم يكن هذا ضغطًا علنيًا، مما جعل العبء على الملك أكبر.
“وإذا أصر فرانز على رفضه، ما الذي ستفعلينه؟”
كان هذا السؤال نفسه الذي سأله لها الدوق من قبل. ابتسمت جوديث بهدوء، ثم وضعت قطعة صغيرة من الشطيرة في فم الملك وقالت ببرود:
“سوف أركع وأتوسل.”
“أتظنين أن فرانز سيستجيب لذلك؟”
“وأنت يا جلالتك، ماذا كنت ستفعل؟ لو كانت الملكة الراحلة إيميليا تتوسل إليك بهذا الإلحاح؟”
“إيميليا لم تطلب مني الكثير أبدًا… لكن لو طلبت أي شيء، لكنت مضطرًا لتنفيذه، حتى دون حاجة إلى التوسل.”
“وسيفعل الأمير نفس الشيء. كما فعلتَ مع الملكة إيميليا، فهو…”
“هل تعتمدين على حبه لكِ؟”
امتطت حمرة خفيفة خدّ جوديث الأبيض. ضحك الملك بصوت عالٍ، وكأن الأمر ظريف له. لكن إجابة جوديث كانت نفياً غامضاً.
“ليس لأن الأمير يحبني… بل لأنني أثق أنه يشبهكَ كثيرًا. كما كنتَ رقيقًا ومتسامحًا مع الملكة إيميليا، فهو سيكون…”
“أتظنين أن فرانز لا يحبكِ؟”
الحب؟ لم تكن جوديث تعرف بالضبط ما هو الحب. حياتها السابقة القاسية والمؤلمة لم تترك لها مجالًا للتفكير في مثل هذه المشاعر.
“أنا… لا أعرف ما هو الحب، جلالتك. هل الاهتمام والرعاية يختلفان عن الحب؟”
“الاهتمام والرعاية جزء من الحب، لكنهما لا يكفيان لوصفه.”
“لا أعرف إذا كان الأمير يرى فيّ زوجةً تستحق الحب. لكني أعرف أنه يهتم بي.”
“الحب يُعرّف بشكل مختلف من شخص لآخر. وحتى لو كانت المشاعر متشابهة، فإن طريقة استقبالها تتغير بمرور الوقت. لذا لا يمكنني الجزم بكل شيء، لكن إذا كان فرانز يشبهني كما تقولين، فلن يستطيع إلا أن يرى فيكِ زوجةً تستحق الحب.”
أخذت جوديث تمضغ زاوية الشطيرة بهدوء، وفي عينيها نظرة حائرة، لكن تعابيرها أصبحت أكثر إشراقًا قليلاً.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 50"