انتقلت جوديث وبارثولوميو إلى رواق هادئ في قصر أستل، بعيدًا عن الحديقة.
طوال الطريق، كان بارثولوميو يتلفّت بقلق واضح. وعندما وصلا إلى مكان خالٍ من الناس، انطلق بسيل من الأسئلة بلهفة.
“سيدتي الأميرة، ما الأمر؟ هل حدث شيء خطير لجلالة الملك؟”*
“لا، لا مشكلة لدى جلالته. اطمئن.”
“إذن لماذا…؟”
توقف بارثولوميو عن الكلام والتفت نحو الطريق الذي جاءا منه. كان قلقه يتجه نحو فرانز الذي بقي وحده في حيرة. جوديث لاحظت ذلك لكنها تعمّدت عدم التعليق.
“بارثولوميو، أحتاج أن أقابل والدكَ، دوق فيرجي.”
“والدي؟ هل تقصدين أن تذهبي وحدكِ؟”
“نعم. هل يمكنكَ ترتيب ذلك؟ ليس بالضرورة في القصر، المهم أن لا يرانا أحد.”
كان بارثولوميو في حيرة حقيقية. استدعاؤها له دون فرانز كان غريبًا، لكن أن يكون هدفها هو مقابلته هو وليس والده فذلك ما لم يتوقعه. نظرتها اليائسة والجادّة زادت من قلقه.
“سيدتي الأميرة، إن لم يكن سرًا، أود أن أعرف السبب. إن كان بإمكاني المساعدة بأي شيء، فأنا هنا…”
“أقدّر صدقكَ، لكن لا يمكنكَ ذلك.”
“هل تقصدين أنكِ لا تريدين طلب مساعدتي، أم أن الأمر في الأساس خارج عن قدرتي؟”
“بالضبط. لا يمكنكَ المساعدة. فقط والدكَ الدوق يستطيع التحرّك في هذا الأمر.”
كانت حاسمة، لكن إجابتها حملت تلميحاتٍ متعددة. “بارثولوميو لا يستطيع المساعدة، والده الدوق فقط من يجب أن يتحرك”. إذا تطلب الأمر تدخل الدوق شخصيًا، فبالتأكيد لن يكون أمرًا عاديًا، بل على الأرجح متعلقًا بفرانز أو ربما بالملك زيديكير نفسه.
تذكّر بارثولوميو فجأة أن جوديث كانت تعتني بالملك طوال هذا الوقت.
هل حدث تغيير في حالة الملك؟ إذا كان الأمر كذلك، فبالتأكيد سيحتاجون إلى مشورة الدوق أو مساعدته. سواء كان التغيير للأفضل أو للأسوأ، شعر بارثولوميو أن جوديث تعرف شيئًا لا يمكن إخباره للملكة جيلسيس أو أتباعها من الأطباء.
“إذن عدم إخباري بالتفاصيل يعني أنني لا يجب أن أعرف الحقيقة.”
ظهر التردد للحظة على وجه جوديث، لكنها مرة أخرى أومأت ببطء.
“… نعم. لا يمكنني إخبارك. لو كان بإمكاني ذلك، لكنت طلبت من جلالته مباشرة دون الحاجة للدوران حولك.”
“حتى فرانز لا يجبُ أن يعرف. سأسألكِ سؤالًا واحدًا فقط، سيدتي.”
“ما هو؟”
“هل هذا الأمر يعرّضكِ للخطر؟”
ظهرت ابتسامة طبيعية أخيرًا في عيني جوديث وهي تنظر إليه. لكن جدّية تعابير بارثولوميو الشديدة منعتها من الاستهانة بالسؤال.
“ليس كذلك. لكن لا يمكنني الجزم. أرجوك افهم أن هذا كل ما يمكنني قوله.”
“لو كان هناك خطر عليكِ، فوالدي سيمنعكِ بالتأكيد.”
“أعلم ذلك. لن يكون هناك خطرٌ مباشر… على الأقل ليس الآن. إذا سارت الأمور بشكل جيد، فلن يكون هناك أي خطر. هل ستساعدني إذن؟”
لم يكن لديه خيار. وعد بارثولوميو بإحضار الرد بحلول الغد، فتنفست جوديث الصعداء بارتياح واضح، ثم هرعت إلى جناح الأميرة لتحضير ما يلزم.
* * *
“التفت إلى هنا قليلًا. نعم، هكذا. ارفع ذراعك أكثر.”
بإلحاح من الملكة، رفع كرولد ذراعه بلامبالاة ووجهه متجهّم. بينما كانت الملكة تلمس طرف كمّ القماش الذي انتهى عند رسغه تمامًا، أخذت تردّد بإعجاب.
“حقًا! لقد كبرتَ كثيرًا، حتى الخياط كان مبهورًا!”
“جلالة الأمير كرولد يُصبح وسيمًا أكثر يومًا بعد يوم.”
انتهزت دوقة جودل، التي كانت تزورهم، الفرصة لتلقي مجاملة مشوبة بتملّق. بينما كانت الملكة تنظر إلى كرولد وهو يعدل ملابسه ببرود، بدت وكأنها على وشك البكاء من الفرط.
كرولد كان الابن الوحيد الذي لا تؤلمه عين الملكة جيلسيس. هو الوحيد الذي تستطيع أن تظهر أمامه بكل صبرها ولطفها الذي لا حدود له، تلك الجوانب التي لم تُظهرها حتى لزوجها وملكها، زيديكير.
بعد موت الملكة إيميليا، وتزوجها من الملك كملكة ثانية، سمعت جيلسيس كلمات قاسية في ليلة زفافها.
“سأحترمكِ كملكة طوال حياتي وأعطيكِ كل ما تحتاجين. لكنني لا أريد زوجة أخرى، ولا أريد المزيد من الأطفال. يمكنكِ أن تحصلي على عشاق أو خليل، لن أتدخل. لذا لا تتوقعي مني واجبات الزوج. لا أريد إهانتكِ بعلاقةٍ بلا مشاعر.”
منافق!
أرادت أن تلطمه على وجهه وهو يتحدث بتلك الكلمات بوجه “الأكثر حزنًا في العالم”. لا تتوقع واجبات الزوج؟ لا يريد إهانتها؟
بماذا، وكيف يمكنه إذن إهانتها أكثر مما فعل؟
اعتقدت جيلسيس أن موت إيميليا يعني أنها ستحصل على كل ذلك الحب العظيم لنفسها، لكن منذ ليلة الزفاف، لم تجد سوى اللامبالاة اللطيفة.
لو كان قاسيًا أو متوحشًا في تعامله، لربما لم يكسر كبرياءها بهذا الشكل. وربما كانت ستخذله وتجد عشيقًا كما اقترح.
لكن الملك لم يغضب عليها أبدًا. بل أشفق عليها، وعاملها برأفة. وهذا ما لم تستطع جيلسيس تحمله أكثر من أي شيء. أن تكون موضع شفقة، كانت تلك الإهانة التي لم تعرفها طوال حياتها.
كان من السهل عليها اقتحام غرفة نوم الملك وهو يفقد قوته يومًا بعد يوم بسبب حزنه. خلطت الخمر والبخور بالدواء، وأحيانًا كانت تنقض عليه كأنها امرأة مجنونة. في أحد الأيام، ارتدت شيميز مشابهًا تمامًا لما كانت إيميليا تفضله وصعدت إلى سريره.
الملك كان يسامحها دائمًا، بغض النظر عما فعلت. لأنه لم يحبها، لأنه كان غير مبالٍ، كان متسامحًا. كان ذلك مرعبًا.
بينما كان يحتضنها بجسد فقد عقله، أو بينما كانت تقيده، كان أحيانًا يصرّ على أسنانه وينادي اسم إيميليا.
في كلّ مرة تسمع ذلك الصوت الذي يشبه الأنين الأليم، شعرت جيلسيس وكأن جسدها يتفتت إلى أشلاء. لو استطاعت، لشقّت صدرها بيديها وأخرجت قلبها لتريه للملك. لتصرخ في وجهه: انظر! انظر بعينيك كيف أفسدني حبك العظيم ونفاقك التافه!
عندما حملت، عقدت جيلسيس عزمًا: إن لم يكن المولود ذكرًا، ستقتله ثم تقتل نفسها. وإن وُلد ابن، فستفعل أي شيء لتعيده إلى العرش.
وهكذا وُلد كرولد. جمعت الملكة جيلسيس كل ما هو ثمين في العالم لابنها. احتضنته بكل نزواته وكبريائه. ومع نموه، أظهر كرولد طباعًا قاسية حتى مع الخدم وحتى مع والدته، لكنها رأت في ذلك سمة ضرورية للملك، فكانت تفخر به بصدق.
آمنت أن عزل ابن إيميليا وتنصيب كرولد على العرش هو انتقامها الوحيد العادل. لم يستغرق ذلك الهوس المشوّه وقتًا طويلاً ليشلّ عقلها.
“بما أن سمو الأمير كرولد قد نشأ بهذه الرجولة والبهاء، فلا عجب أن الفتيات يتعلقّن به ويُعانين من الحب من طرف واحد!”
تدخلت زوجة البارون الثرثارة كالذبابة. نظر إليها كرولد باحتقار ثم أزّر أزرار سترته الجديدة بغرور، وقال بصوت متعالي:
“الكثيرات يعشقنني، لكن لا واحدة منهن تروق لي. إن كنّ هادئات، فهن منافقات، وإن كنّ ذكيات، فهن متعجرفات، أما الباقيات فثرثارات بلا طائل.”
اصفرّ وجه زوجة البارون من الذهول. فمهما كان نجل الملكة، لم يكن هذا السلوك مقبولاً أمام سيدة أكبر منه سنًا. لكن بدلاً من أن تزجره، أصدرت الملكة جيلسيس أمرًا بإخراج الزائرة التي أزعجت ابنها.
“عاد صداعي. لننهي الزيارة اليوم.”
“لكن، جلالتكِ، أنا…”
“ألم تسمعي الأمر بمغادرة القصر؟”
نهضت زوجة البارون الشاحبة كالخروف، وتبعها الضيوف الآخرون بعد أن التقطوا الإشارة. عبس كرولد وعبث بشعره الممشط بعناية.
“إذا جئن بمثل هذه النساء كمرشحات للزواج، سأشعر بالغثيان!”
“أتفهمك يا ولدي. ذوقك الرفيع لا يرضى بأيّ امرأة. لكن عليك أن تتزوج، كرولد.”
“ولماذا لا تقبلون ريفينسيا؟”
أطلق كرولد سؤاله بحدّة، فتجهمت الملكة التي كانت للتوّ تدللـه كطفل.
“تقصدُ ابنة كونت مونتفورت، تلك الفتاة خفيفة الدم؟ يمكنك اللعب معها، لكنها ليست زوجة مناسبة. الزوجة ستكون قرينتك الرسمية، ترافقك في كل المناسبات، وإذا أصبحت ملكًا، ستكون أنبل سيدة في المملكة. كيف تضع فتاة عابثة مثلها في هذا المقام؟”
“إذا بحثت عن امرأة هادئة، سينتهي بي الأمر بزوجة مملة وقبيحة مثل زوجة أخي فرانز!”
استرخى تعبير الملكة. وعادت تُدلّل كرولد، تربت على كتفيه بلطف.
“الزوجة لا تحتاجُ أن تكون جميلة. يكفي أن تكون مطيعة وهادئة وتنجبَ لك وريثًا. إذا أعجبتك ابنة كونت مونتفورت، اجعلها عشيقتك. لكن زواجًا رسميًا؟ مستحيل.”
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"