─────────────────────

🪻الفصل الثالث والأربعون🪻

─────────────────────

“يُقال إنه حين رأى فيفنوار ميتة، حزن بشدة حتى تجمد جسده وتفتت إلى قطع صغيرة. ومنذ ذلك الحين، حلت برودة لا تنقطع على الشمال بسبب تلك البلورات المتناثرة.”

“إذًا، الاسم المستعار ‘يد فيفنوار’ لهذا النبات، هل هو…؟”

ارتعش صوت جوديث برفق، فأجاب بارثولوميو.

“يحتوي هذا النبات على مكونات تحثّ على نوم عميق، يا صاحبة السمو. إنه نادر للغاية ويباع بثمن باهظ، وقد يستخدمه النبلاء الذين يعانون من الأرق. ولكن ينبغي استخدامه بحذر شديد وبكميات قليلة.”  

“قيل لنا إن الكمية التي وزعتها علينا تكفي لإغراق أي شخص في نوم عميق لمدة ثلاثة أيام. ويقال أيضًا أن الاستهلاك المتكرر يترك بقعًا زرقاء داكنة داخل الفم.”  

كانت جوديث مصدومة حد العجز عن الكلام. الأعشاب التي وزعتها عليهما كانت بكميات ضئيلة، لدرجة أن تحضير كوب من الشاي قد يتطلب ثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك الكمية. فإن كان لتلك الكمية الصغيرة مثل هذا التأثير القوي، فهل يمكن أن…  

“أليس من الممكن أن يكون أطباء القصر قد تعمدوا إضافة هذه الأعشاب إلى دواء جلالة الملك؟” 

قال بارثولوميو ذلك. لكن شيران هزت رأسها بسرعة.

“أشك في ذلك. على الأغلب لم يكن الملك يتناول الدواء من الأساس، أليس كذلك، يا صاحبة السمو؟”  

بدا بارثولوميو في صدمة وهو ينظر إلى جوديث التي كانت تلمس حافة كوب الشاي البارد برفق، وكأنها تتأمل شيئًا بعمق.

“وفقًا لما اكتشفته شيران، فإن هذه الأعشاب عندما تكون طازجة، تصدر رائحة حادة ونفاذة، ولكن عند تجفيفها بشكل كامل، تصبح بلا رائحة أو طعم.”  

“يا صاحبة السمو، هل تقصدين أن…”  

“عندما كنت أخدم الملك، لم أشم أي رائحة من ذلك الدواء.”  

فجأة، دوى صوت طرق قوي عندما ضرب بارثولوميو الطاولة ونهض غاضبًا. جوديث وشيران تبادلتا نظرات صارمة. التقوا جميعهم بنظراتهم على الطاولة.

“هذا أمرٌ لا يمكن السكوت عنه. كيف يتجرأ أحدهم على فعل هذا بالملك؟ إنها جريمة لا تُغتفر.”  

“أنت محقّ، لكن كما تعلمُ يا بارثولوميو، لقد أخفت الملكة جيلسيس هذا الأمر بعناية لسنوات، وجميع أطباء القصر تحت سيطرتها.”  

“سأعود فورًا وأخبرُ والدي. مهما كانت قوةُ الملكة، فلن تتمكن من الهروب عندما يُكشف هذا.”

“هل تعتقدُ ذلك حقًا؟”  

نظرت شيران إلى بارثولوميو بتحدٍ، غير مكترثة بنظراته التي بدت كعيني وحش غاضب.  

“أتظنّ أن الملكة لم تكن مستعدة لذلك؟ حتى وإن أغلقتَ أفواه الأطباء، فإن الأسرار لا يُمكنها البقاءُ مدفونةً إلى الأبد. من المحتمل أن تكون الملكة قد أعدت العدةَ للتعامل مع أي تسريب. ربما سينتهي الأمر بتعرض عائلتكَ لمزيدٍ من الأذى بتهمة باطلة.”  

“هل تريدين أن نتركَ الأمر على ما هو عليه؟ يبدو لي وكأنكِ تقترحين ذلك.”  

“توقف عن تحريف كلامي. لم أقل شيئًا عن تركِ الأمر.”  

سادت أجواء متوترة بين شيران وبارثولوميو، حيثُ طغت قوة شخصيتيهما على الجو. تنفس بارثولوميو بعصبية وهو يحرك خصلات شعره الأمامية القصيرة بنفخة.  

“يا صاحبة السمو، حسبما اكتشفت، فإن هذه الأعشاب ليست سامة. ومع الاستعمالُ الطويل، سيحتاج الشخص إلى كميات أكبر لتحقيق التأثير نفسه. فماذا لو جربنا تقليل الجرعة التي يتناولها الملك؟”  

غاصت جوديث في أفكارها، متسائلة عمّا إذا كان من الممكن أن يكون السبب في عدم السماح لها بإعداد الدواء هو الخوف من أن تكتشف الأمر؟ 

ربما كانت الكميةُ المستخدمة في تحضير الدواء هي العاملُ الأهم للحفاظ على الملك في حالته النائمة. فلو قلّلت الكمية دون علمهم، فربما تتسبب في مشكلة كبيرة.  

“إعدادُ الدواء ليس من اختصاصي، لذا يصعبُ عليّ تقليلُ الكمية، لكن بما أنني مسؤولةٌ عن تقديمه، قد أتمكن من التخلص من كمية صغيرةٍ منه بين الحين والآخر.”  

“إذاً، لا خيار أمامنا سوى تجربة ذلك الآن. سأعاود زيارة المعالج مرة أخرى، ربما يتمكنُ من تقديم بعض النصائح المفيدة.”  

أومأت جوديث برأسها. وبعد لحظات، وافق بارثولوميو على رأي شيران بتردد. 

ولكن تساؤلٌ واحد بقي يطاردهم، إذا كانت الملكةُ جيلسيس قد نجحت في رشوة الأطباء لإعطاء الملك دواءً غير حقيقي كل هذا الوقت، فلماذا، إذًا، أبقتهُ على قيد الحياة؟

السببُ وراء عدم قدرة الملكة على تعيين كرولد في منصبِ ولي العهد هو أن الملك لا يزالُ على قيد الحياة. فدوق فيرجي والنبلاء المحايدون لن يسمحوا للملكة باتخاذ قراراتٍ بهذه الأهمية، مثل تعيين ولي العهد أو التنازل عن العرش، قبل وفاة الملك بشكل رسميّ. وبالفعل، يبدو أن المعارضة الشديدة التي كانوا سيبدونها هي السببُ الذي حال دونَ تسمية كرولد ولياً للعهد حتى الآن.

ولكن، إذا توفي الملك، ستصبحُ الملكةُ حينها وصيةً على العرش بشكل رسمي وفعلي، ممسكةً بزمام كل القرارات. وهذا يشمل ليس فقط تعيين ولي العهد، بل أيضاً القضايا الحساسة والمصيرية مثل إقامة وصاية أو إعلان التنازل عن العرش.

ألم يكن تحقيقُ النتيجة التي تتوق إليها الملكة جيلسيس مرتبطاً بشكل حاسم بحياة الملك زيديكير؟ ومع ذلك، لماذا تركته في حالة غيبوبة لسنواتٍ طويلة؟ لأيّ غاية؟

ورغم أن فرانز هو الوريثُ الشرعيّ للملك، فإنهُ حتى لو توفي الملك في هذه اللحظة، فمن المستبعد تماماً أن يتمكن من اعتلاء العرش بسهولة. كان من العبث أن يُتوقع من أولئك الذين ظلوا صامتين تجاه كل ما عاناه من معاناة غير عادلة أن يقفوا إلى جانبه فجأةً في لحظةٍ الحسم. ومن المؤكد أن الملكة كانت تُدرك هذا الأمر أيضاً.

‘هل يمكنُ أن يكون هناك هدفٌ آخر؟’

قامت جوديث بالنقر بخفة على صحن فنجانها بطرف إصبعها. ورغم أنها اكتشفت أشياءً لم تكن تعلمها في حياتها السابقة، إلا أن شكوكها حول تصرفات الملكة جيلسيس الغامضة ازدادت عمقاً.

***

بحلول الوقت الذي أوشكت فيه جراح كرولد على الشفاء التام، أقامت الملكة جيلسيس حفلة شاي فخمة وكأنها تتباهى بسطوتها. ورغم أن الدعوات وُجهت لعدد محدود من السيدات النبيلات، إلا أن قائمة المدعوات اقتصرت على أبرز العائلات في المملكة، وانتشرت الشائعات بسرعة.

السيدات المدعوات، وهن يملأن قاعة الاستقبال الأروع والأوسع في قصر الملكة، حضرن وهن يرتدين أثواباً فاخرة وعالية الجودة كما لو كان ذلك اتفاقاً غير معلن. أما مارجيت، فقد تعمدت أن تشغل نفسها بحركةٍ مستمرة، متظاهرةً بالعمل لتجنب لفت الأنظار إليها.

رغم مكانتها كزوجة كونت، كان مظهرها أقل بكثير من الضيفات، إذ ارتدت ثوباً قديماً لم يعد على الموضة، وكان مظهرها المتواضع يسبب لها شعوراً بالخجل. فلم تكن تبدو مطلقاً كوصيفة مقربة للملكة.

“جلالتكِ، لقد سررنا للغاية لسماع أن صاحب السمو كرولد قد تعافى.”

“حقاً، عندما سمعت بإصابة صاحب السمو، صُدمت لدرجة أنني لم أستطع تناول الطعام بشكل جيّد.”

وسط رفرفة المراوح المزخرفة، ارتفعت ضحكاتٌ تُشبه الأمواج. ورغم وضوح نفاقهم، لم يتردد أحد. كان الجميع يسعونَ جاهدين لكسبِ رضا الملكة، وهذا كان أمراً طبيعياً.

وعلى الرغم من أن الشائعات حول سبب إصابة كرولد كانت تنتشر همساً، لم يجرؤ أحد على التحدث عنها علناً. ومع ذلك، لم يستطع البعض إخفاء فضولهم الصريح. وبينما كانت الملكة ترسم ابتسامة ملتوية على شفتيها، كانت تسجل في ذهنها ملامح كل من أظهر هذا الفضول.

“سمعنا أن صحتكِ قد تدهورت كثيراً أثناء عنايتكِ بصاحب السمو. كنا قلقين عليكِ.”

“كيف يمكنُ أن تهمني صحتي بينما أهتم بابني الوحيد؟”

“يا لجلالتكِ! أنتِ جميلة ومفعمة بالرقي، قمةٌ تتوج هذا الوطن، وكأم، أنتِ استثنائية للغاية لدرجة أننا لا نستطيع إلا أن ننحني إجلالاً وإكباراً.”

“أيتها الماركيزة، ألم تقومي شخصياً بتربية ثلاثة أطفال بيديكِ؟ أما أنا، فقد عهدتُ بهم إلى مربية منذ البداية.”

“الآن بعد أن أفكر في الأمر، كنتُ أتمنى لو فعلتُ الشيء نفسه.”

مرةً أخرى، تردد صوتُ الضحكات العالية في أرجاء السقف العالي لقاعة الاستقبال. كانت الملكة تحتسي شايها بوقار وأناقة تعكسان تفوقها، قبل أن تلتفت بنظرة خفيفة نحو الماركيزة التي خاطبتها بحذر.

“جلالتكِ، نحنُ ندركُ جميعًا حبكِ العميق واهتمامك البالغ بصاحب السمو كرولد، ولكن فيما يخص هذا الحادث الأخير، أليس من الممكن أنهُ لو كانت هناك أميرة وليّة للعهد بجانبه، لكان ذلك قد خفف بعضًا من عبء القلق عن شخصكم النبيل؟”

“أميرةٌ وليّة للعهد؟”

“نعم، فصاحب السمو قد بلغ السادسة عشرة من عمره، أليس كذلك؟ يبدو أن الوقت قد حان ليأخذ زوجة.”

ظهر على وجه الملكة تعبيرٌ طفيف من العبوس، لكنه سرعان ما تبدد وعاد إلى ملامح اللامبالاة.

لم يكن الأمر أنها لم تفكر في زواج كرولد من قبل، ولكن لم تَجد أي مرشحة تلبي توقعاتها. حتى بين العائلات التي تُكن لها ولاءً مطلقًا، ظلّ رأيها ثابتًا. في نظرها، لم تكن هناك امرأة في العالم تستحقُّ أن تكون شريكةً لابنها الفذ.

ركزت القاعةُ بأكملها أنظارها على اقتراح الماركيزة الجريء. كانت معظمُ النساء النبيلات الحاضرات أمهاتٍ لبنات في عمر كرولد، واحدة أو اثنتين، وربما أكثر. كنّ على علم جيد بسمعة كرولد كشخص لا يُضاهى في إثارة المشاكل. ومع ذلك، طالما كانت الملكةُ تحتفظُ بسلطتها، لم يكن هناك شكٌ كبيرٌ في أن كرولد سيصبحُ الملك القادم لمملكة روتيا.

كان الحلمُ بتتويج إحدى بناتهنّ كأميرة وليّة للعهد، وبالتالي رفع مكانة عائلاتهن إلى مستوى العائلة التي أنجبت ملكة، طموحًا مشتركًا بينهنّ جميعًا.

“حسنًا، من الصحيح أن الوقت قد حان للتحضير لذلك.” 

جاء رد الملكة، ممّا أثار بريقًا طموحيًا في عيون عدة نساء.

اقتربت الماركيزة التي بدأت النقاش من الملكة بخطوة محسوبة.

“بالتأكيد، جلالتكِ. الزواج ليس قرارًا يمكن اتخاذه في يوم وليلة. إنه يتطلب التفكير والعناية. من الآن فصاعدًا، يجب أن تبدأي في مقابلة الفتيات الشابات من مختلف العائلات النبيلة واختيار واحدة تكون مؤهلة لتصبح أميرة وليّة للعهد مناسبة لصاحب السمو.”

“يا ماركيزة، كلامكِ في محله، جلالتكِ. قد يكون اختيار الكنة الأولى قد تمّ على عجل، ولكن لا ينبغي أن يحدث ذلك مع الكنة الثانية.”

كان ذلك إشارة واضحة للسخرية من جوديث. على الرغم من كونها الأميرةَ الرسمية، لم تخشَ السيدات همسًا ولا ضحكًا على حسابها. وبما أن الملكة لم تبدِ أي نية لتوبيخهن، ازداد تجاسرهن وازدادت أحاديثهن جرأة ووقاحة.

─────────────────────

🪻شروحــات🪻

الكنة:

هي زوجةُ الابن.

─────────────────────

🪻سوالـــف🪻

جيلسيس والشلة الي معاها اكبر منافقين شفتهم بحياتي (눈_눈)  

─────────────────────

لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨

حساب الواتباد: Satora_g

───────────────

قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱: 

– سُبْحَانَ اللَّه 🪻

‏- الحَمد لله 🪻

‏- لا إله إلا الله 🪻

‏- الله أكبر 🪻 

‏- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻

‏- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻

– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻

– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻