أطرقتُ برأسي نحو الأسفل، وقد ارتسمت على وجهي ملامح الكآبة.
لا زلتُ أتذكّر بوضوح اليوم الذي دخلتُ فيه قصر عائلة ويل للمرة الأولى.
صوت السيدة بيلا المفعم بالفرح حين ظنّت أنني من حاملي دماء حيوان الأوركا كان لا يزال يرنّ في أذني.
‘لقد فرحتُ بذلك كثيرًا… فكيف ستكون خيبة أملها حين تعلم أنني لستُ من حاملي تلك الدماء؟’
حين كنتُ أحفر الأرض بيديّ في عزلةٍ يائسة، التقت عيناي بعيني سوراديل الذي خرج نحوي وسألني بنبرةٍ حانية:
“ليا، برأيكِ… لماذا تعتقدين أن والدتي رحّبت بكِ إلى هذا الحد؟”
‘لأنها تظنّ أنني من حاملي دماء الحوت القاتل بالطبع…’
وكأنّه قرأ ما في خاطري، بادرني بالكلام قبل أن أنطق:
“إذن… هل تظنين أن والدتي ستراكِ عديمة الفائدة إن لم تُنجبي طفلًا يحمل دماء الحوت القاتل مستقبلًا؟”
“لا.”
على الأقل، السيدة بيلا التي عرفتها حتى الآن… لم تكن من ذلك النوع من البشر.
ابتسم سوراديل بخفّة وأردف:
“فكّري في الأمر جيّدًا يا ليا… قضية النسل هذه يمكن حلّها ببساطة ما دمتُ أنا نفسي حوتًا قاتلًا.”
“آه…؟”
توقّفتُ برهةً أفكّر في كلامه، إذ بدا في الأمر شيءٌ من الغرابة.
فـسوراديل أيضًا من الحوت القاتل، فلماذا إذن تعاملني السيدة بيلا وكأنني الأمل الأخير لاستمرار سلالة هذا العِرق؟
ثمّ إنهم لو أرادوا الحفاظ على النسل فزواجي من أحد رجال الحوت القاتل كسوراديل مثلًا يكفي تمامًا، بل إنّ كونه رجلا يجعله الأقدر على حمل النسب ومواصلة السلالة في نظامٍ يسمح بتعدد النساء.
ابتسم بخجل وأردف بصوتٍ منخفض:
“بالطبع… لكن مع ذلك، لا أفكّر بالزواج بأيّ أحد غيرك.”
نظرتُ إليه بفتورٍ وعيونٌ كعيون سمكة ميتة.
‘…إذن هذا هو السبب إذاً.’
بما أنّ سوراديل من نوع الرجال الذين لا يلقون أيّ اهتمامٍ بالنساء، فقد أدركت السيدة بيلا هذا منذ البداية، لذا لم تعوّل على أيّ أملٍ في أن يُنجب أبناءً من أي امرأةٍ أخرى غيري.
والنتيجة؟ إما البقاء في قصر ويل والزواج من سوراديل… أو الهرب بعيدًا.
خياران لا ثالث لهما، وكلاهما متطرّفان.
لاحظت إيبروس تعبيرات وجهي التي ازدادت كآبة، فابتسمت بخفة محاولةً رفع معنوياتي:
“لا تقلقي بشأن انكشاف أمرك أمام السيدة بيلا الآن يا آنستي… لنركّز أوّلًا على محاولة التحوّل إلى هيئة الإنسان! تذكّري جيّدًا إحساسكِ عندما تحوّلتي إلى حيوان قبل قليل، لن يكون الأمر صعبًا.”
“ويييينغ…”
‘لكن كيف لي أن أشرح أنّني كنتُ فقط أربّت على حجرٍ صغير بحنان، وفجأة وجدت نفسي بنسخةٍ مصغّرة من بطريق؟!’
حتى وإن شرحت لهم، لن يكون كلامي مقنعًا البتّة، وفوق ذلك… حتى لو كانت إيبروس متمكّنة من لغة البطاريق فلا أظنّها ستتمكّن من ترجمة كلّ هذا التعقيد.
ومع ذلك… لم أرد خذلان نظرتها المتفائلة بي، لذا قرّرت المحاولة.
‘ربّما… يحدث المعجزة وأعود إلى هيئة الإنسان كما حصل في المرّة السابقة.’
لكن… بعد مرور عشرات الدقائق من المحاولات المتكررة، ارتميتُ على الأرض مستسلمةً بلا حولٍ ولا قوّة.
التعليقات لهذا الفصل " 41"