“……إذا كان طائر البطريق يعجبك إلى هذا الحد، أليس من الممكن أن تحضره من طرف القارة البعيد؟”
“ثيودور. سبق وأن قلتَ لي أنك لم تفكر يومًا في مدى عبثية نظام البصمة.”
“……نعم.”
“أنت على حق. لم أفكر بعمق في موضوع البصمة. لكن أنت أيضا..”
ضحك بخفة، ورسم على شفتيه ابتسامة ماكرة.
“لم تفكر أبدًا في مقدار الألم الذي تحمّلته لأعيش هذه الحياة العادية.”
وسع ثيودور عينيه قليلاً.
لم يتخيل أبدًا أن الرجل الذي يتجول دائمًا مبتسمًا وكأنه دمية مكسورة، قد عاش حياة مليئة بالمعاناة.
“ثيودور. هل شعرت يومًا بأن وجودك نفسه هو محاولة مستمرة للحفاظ على حياة خاطئة؟”
كانت كلماته هادئة، لكن الرد كان مليئًا بالحنين العميق والمرارة.
“قد يبدو الأمر سخيفًا، لكن أديليا هي الحياة التي منحتني سببًا للوجود.”
كائن فريد من نوعه.
وجود طالما بحث عنه، وتمنى وجوده بشدة، ويتوق إليه.
“لذلك، لا تقل كلامًا سخيفًا مثل أن تحضر بطريقًا آخر.”
ظهرت على وجهه المبتسم الآن نبرة قتالية.
ابتلع ثيودور ريقه.
لم يكن يتوقع أن جملة ألقاها بلا مبالاة ستغضبه إلى هذا الحد.
“على أي حال……. هل تفوح مني رائحة؟ غريبة، لا أشعر بها.”
أخذ سوراديل طرف رداءه الفضفاض إلى أنفه واستنشق.
تلاشت النبرة العدائية، وعاد الجو إلى ما هو عليه عادة. وتحولت ابتسامته الباردة إلى ابتسامة سخيفة.
شعر ثيودور بغرابة الفجوة بين الابتسامتين، لكنه أجاب على السؤال بجدية.
فهو أيضًا كان يريد معرفة ذلك منذ اللحظة التي دخل فيها سوراديل الغرفة.
“ليست رائحة مزعجة. بل……”
“بل؟”
أجاب ثيودور بصوت منخفض وهو يزمجر بعينيه الناظرتين للأسفل.
“رائحة حلوة بشكل لا تحتمل.”
بعد أن ألقى سوراديل تعويذة رفع بها حالة جسده، أصبح جسمه أخفّ بكثير.
لكن ثيودور لم يستطيع التوقف عن التفكير في الرائحة التي كانت تصدر من سوراديل، فلم يستطع النوم.
“ما هذه الرائحة بالضبط……”
منذ لحظة دخول سوراديل الغرفة، كانت الرائحة الحلوة تخترق المكان.
ربما لم تكن التعويذة ضرورية أصلًا.
فالرأس الذي كان يعاني من صداع شديد هدأ كما لو أنه لم يكن موجودًا منذ أن فتح سوراديل الباب ودخل.
“آه……؟”
شعور غريب مثل صاعقة اخترق عموده الفقري فجأة.
الجسم يستقر طالما سوراديل قريب؟
وزيادة على ذلك، رائحة لم يجربها من قبل، حلوة بشدة.
وبالطبع، كانت عيون المنقذ صفراء اللون، أليس كذلك؟
والأسلوب الكلامي الأول له يشبه سورادل أيضًا عند التفكير فيه الآن.
لا يمكن……
لا يمكن، لا يمكن……!
رغم أنه ظن أن الأمر مستحيل، نهض ثيودور فورًا من على السرير ودعا مساعده.
وعندما وصل المساعد مسرعًا للاستجابة، أمره ثيودور بعينين غاضبتين.
“اعرف ما إذا كان هناك خادم يُدعى روس في بيت ويل. بسرعة قدر الإمكان.”
في اليوم التالي.
شارك ثيودور في حفل عائلة إيجل بأمان، وكان ينتظر سوراديل بفارغ الصبر.
كان عليه أن يتأكد.
يجب أن يتحقق من أن الشخص الذي طبع عليه البصمة لم يكن سوراديل.
آخر دليل على المنقذ كان الخاتم الفضي.
ولم يهتم أبدًا بما يرتديه عادة، لذا لا بد له من رؤيته بعينيه مباشرة.
إذا كان خاتمًا عزيزًا لدرجة أن يرتديه فوق القفاز، فهناك احتمال كبير أن يحضره معه إلى الحفل.
كان عليه معرفة ما إذا كان سوراديل يرتدي هذا الخاتم، أو من يمتلكه إذا لم يكن هو.
لم يأبه ثيودور بما يقوله الناس في الحفل، فقد كانت كل اهتماماته منصبة على مراقبة المكان.
وأخيرًا، رأى سوراديل يدخل القاعة برفقة شخص ما.
تقدم ثيودور متجاهلًا من أمامه الجميع، فلا شيء يراه أمامه.
لكن للأسف، كلما اقترب من سورادل، زادت حدة الرائحة الحلوة التي شمّها البارحة.
كأن ما ذاقه بالأمس كان مجرد تمهيد، فجاءت الرائحة أكثر كثافة وسُكرًا للروح.
وكأنها تخبره أن الشخص الذي طبع عليه موجود هناك.
حاول ثيودور تجاهل الفكرة، ووقف أمام سوراديل.
ثم.
رأى الخاتم الفضي على إصبع سوراديل، مطابقًا تمامًا لما كان يتذكره عن المنقذ، وذهل بصمت.
آه. كانت كارثة.
انخفضت رأسه تحت وطأة شعور مدمر بالذنب وكره الذات.
حاول قبض يده بشدة ليتحكم في مشاعره في هذا المكان، لكن في النهاية.
“اللع*نة.”
أطلق الشتائم واندفع خارج القاعة.
ثيودور، الذي لا يتناول الخمر عادة، شرب بجنون وكأنه يرغب أن يفقد وعيه.
كانت زجاجات النبيذ الفارغة متناثرة على الطاولة والأرض.
جلس ثيودور يشرب بلا توقف، عيناه فارغتان، محدقًا في الفراغ.
كان الإعتراف بأنه طبع على سورادل مذلًا للغاية.
رغب في الصراخ على والديه قائلاً: “أليست البصمة لعن*ة؟”
لكن حقيقة أنه طبع على سورادل كانت شيئًا لا يستطيع الإفصاح عنه حتى لو وُضعت سكين على رقبته.
حينها، فتح المساعد الذي لم يلحظ دخوله بعد فمه بحذر.
“أ… سيد ثيودور. لقد بحثت كما أمرت البارحة.”
نظر ثيودور إليه بصمت.
ارتجف المساعد قليلاً من شدة نظراته الغاضبة، وأمسك بالأوراق بسرعة.
“لا… أعلم إن كان هذا الشخص الذي تبحث عنه، لكن يبدو أن هناك خادمة تُدعى ايبروس وصلت اليوم إلى بيت ويل.”
“……ايبروس؟”
“نعم. ومن التحقيق، لقبها بين الخدم روس……”
“هل لها صلة قوية بسوراديل؟”
“هي خادمة كانت تعتني بالبطاريق في برج السحر، لذا ربما ليس بينهما صلة قوية، لكنها تعرفه بلا شك.”
“حسنًا، إذن……”
رغم أنه كان متأكدًا من ذلك بالفعل، أضيف دليل آخر يؤكد الأمر.
كل الظروف تشير إلى سوراديل.
كان يريد إنكار ذلك، لكن، بوحشية، لم يستطيع حتى أن ينكر.
“ها، هاها، هاهاهاها!”
ضحك فجأة بجنون، وتمايل إلى جهة ما، ثم تجاوز المساعد الواقف كالتمثال وخرج من الغرفة.
اتجه نحو مكتب سيدة عائلة وولف، إيزابيل.
دخل المكتب بلا طرق، وبدأ يتحدث بلا توقف.
“أعلم أنكم تبحثون عن الشخص الذي طبعت عليه خلف ظهري، أمي.”
رفعت إيزابيل عينيها لرؤية ثيودور، الذي تفوح منه رائحة الخمر، وارتجفت.
لم ترَى ابنها بهذا التشتت من قبل.
كان قد عاش حياة مستقيمة مملة، والآن رأته بهذا الشكل لأول مرة.
“أمي، رغم علمك ببحث والدي عن الشخص، اكتفيتي بالسكوت……”
تشوه وجه ثيودور بشدة.
“في الحقيقة، في قرارة نفسي، أردت أيضًا رؤية الشخص الذي طبعت عليه مرة أخرى.”
“……هل يعني ذلك أنك ستبحثين عنه بجدية الآن؟”
“لا. أريد فقط أن أقول إنني اكتفيت الآن. لقد رتبت مشاعري بالكامل.”
تجمدت إيزابيل عند سماع أن ثيودور لن تبحث بعد الآن عن الشخص الذي طبع عليه.
“لكن، ثيو. إذا لم تكمل البصمة كاملة على المنقذ……”
أوقف ثيودور يدها وهو يرفع رأسه بعنف.
“أمي.”
كان يعلم أكثر من أي أحد ما قد يحدث إذا استمر النقش الناقص.
لكن حتى لو مات من الألم، لن يُكمل البصمة مع سورادل.
كانت هذه آخر كرامة بقيت له.
“لا تجعليني أشعر بالبؤس بعد الآن، وتوقفي عن كل هذا.”
****
بعد حفل إيجل، في منزل عائلة ويل.
نظرًا لأنهم سيذهبون إلى أراضي ويل في اليوم التالي، كان الخدم مشغولين حتى في وقت متأخر من الليل.
ابتسم سوراديل فور وصوله، والتقى بعيني ليا.
“تتذكرين أنني وعدتك بهدية قبل الذهاب إلى أراضي ويل، ليا؟”
“حجر؟”
“……نعم؟”
ليا رمشت بعينيها وكأنها لا تفهم ما يقوله سوراديل، وهزّت رأسها بسرعة.
يبدو أن لديها بعض التعلق بالحجر بعد كل شيء.
“لا، مجرد خطأ في الكلام. هدية فقط. نعم، أتذكر الآن.”
هز سوراديل كتفيه وأكمل حديثه بلا أي شك.
“وبالصدفة، انتهى بي الأمر بتحضير هديتين.”
“هديتين؟ لست بحاجة لأن تكون لطيفًا جدًا معي.”
“إذًا لنُعتبر أن الهدية التي حضرتها لم تكن موجودة……”
“بالطبع، سأقدر هديتك هذه المرة.”
ابتسم سوراديل بخفة، وكأنه توقع ذلك.
“واحدة ستكون في غرفتك، والأخرى سأحضرها لك ل
احقًا.”
“ما هي؟”
“ستعرفين حين تذهبي. اذهبي الآن إلى غرفتك.”
دفع سورادل ريا بلطف نحو غرفتها، فحارت ليا قليلًا لكنها تقدمت مطيعة.
وبينما تراقب ليا، لوّح لها سورادل بيده كما لو يقول:
‘اذهبي بأمان.’
وكما قال، كانت هدية مميزة تنتظر في الغرفة.
ترجمة:لونا
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 38"