“هذَا….”
توهّجت دهشة ثيودور حين وُجّه إليه سؤال عن ملامح من أنقذ حياته.
الوجه؟ مغطّى بالقناع، فلا يعرفه.
الشّعر؟ مغطّى بغطاء العباءة، فلم يستطع تحديد طوله ولا حتى لونه.
أما الدّليل الوحيد المؤكد فهو…
العينان الصفراء والخاتم البلاتيني الذي كان يرتديه.
الصوت؟ كان محايدًا… لا، يبدو أنّه كان أكثر انخفاضًا قليلًا، ويظنّ أنّه قبل أن يفقد وعيه، سمعه يقول كلمة “روس”.
(طبعا حطيت صيغة المذكر عشان هو ما بيعرف المنقذ و اي حاجة مجهولة دائما بنحط لها ضمير المذكر)
ربما يكون هذا لقبًا أو اسمًا دلّ على شخص ما.
هل يمكن أن يجد إنسانٌ منقذه في هذه القارّة الشاسعة بناءً على معلومات صغيرة كهذه؟
مع تزايد شعور الخوف داخله، استنشق ثيودور نفسًا عميقًا.
لقد أدرك أنّ مشاعره بدأت تنجرف نحو البصمة التي خلّفها هذا الحدث.
…نعم. قلة الدّلائل على منقذه قد تكون في الحقيقة أمرًا محظوظًا.
بالأمس فقط كان قد تعهّد لنفسه أنّه لن يسمح لأيّ بصمة بالتحكّم في مشاعره.
لو كان وقع في حبّ شخص من الوهلة الأولى، لربّما كان قد تقبّل مصيره بلا مقاومة.
لكن الشّخص الذي انطبعت عليه مشاعره كان مجهول الاسم والوجه.
حتى وإن أنقذ حياته، فهذا لا يعني أنّه يجب أن يحبّ منقذه.
بل إن انطباعه أحادي الجانب قد يضرّ بالمنقذ نفسه.
فتح ثيودور فمه بعينين تحملان عزيمة حاسمة.
“أمّي. لن أبحث عنه.”
مرت أسبوع منذ أن أعلن ثيودور رفضه البحث عن منقذه.
قبل يوم من مأدبة ايجل، اختلف رأي ثيودور كثيرًا مع إيزابيل، ربّة بيت عائلة وولف.
“لا تذهب، ثيودور.”
“أنا لست مريضًا.”
“لست مريضًا؟ حسنًا، أنظر في المرآة ثم أعد المحاولة. إذا ذهبت إلى مأدبة ايجل، كلّ ما ستُظهره هو حالتك الصحية السيئة.”
ثيودور، وقد احمرّ وجهه من الحرارة والغضب، تمسّك برأيه.
“أليست حرارة جسدي بسبب الهجوم من قِبل القتلة؟”
“ثيو…”
“على أيّة حال، بما أنّني قرّرت عدم إكمال البصمة، لا يمكنني إخفاء حالتي الصحية إلى الأبد.”
“لكن لا حاجة لإظهارها الآن. فلماذا تصرّ على الذهاب إلى المأدبة وأنت بهذه الحالة؟”
“أنا فقط أفعل ما يجب علي فعله. لا أريد أن تعرقل البصمة حياتي.”
“ثيو، أنت…”
تنهدت إيزابيل، ونظرت إلى ابنها بعينين مليئتين بالأسى، ثم استسلمت في النهاية.
عزيمته كانت من النوع الذي لا يمكن كسرها بالإقناع.
“حسنًا، بما أنّك مصرّ، سأسمح لك بحضور المأدبة.”
“…شكرًا لكِ.”
“لكن جسدك مريض الآن بعد الصيد مباشرة. أعتقد أنّك تفهم قصدي.”
“…تعني أنه بعد أن أظهر رسميًا أنّني بخير، يجب أن أعتبر مرضي بسبب عارض آخر وليس بسبب الهجوم.”
“تمامًا.”
كان من الأفضل أن يُظهر نفسه قويًا، ويُظهر قوة عائلة وولف لمن هاجموهم.
حتى أنّه لم يُكتشف بعد أيّ عائلة وراء الهجوم، وأيّ ضعف قد يُستغلّ ضدهم.
أدرك ثيودور ذلك، لكنه لم يستطيع الموافقة بسهولة.
“لكن للتعافي، لا يوجد سوى إكمال البصمة…”
الحرارة الناتجة عن البصمة غير المكتملة ليست مرضًا، فلا دواء ينفع معها.
إيزابيل أجابت بلا تردّد وكأنها قد فكّرت في الحل مسبقًا.
“سمعت أنّ هناك سحرًا قويًا يمكنه تحسين الحالة الجسدية، يستمر ليوم واحد.”
“إذا كان كذلك…”
“حاليًا، سيد برج السحر مشغول بالبحث عن البطريق المفقود، لذلك يجب أن نطلب مساعدة عائلة ويل.”
“…ألا تمانعين يا أمّي؟”
لطالما كانت إيزابيل وبيلا يُقارَنَان بسبب العمر والمكانة وحتى الطباع.
ربما لا يروق لإيزابيل طلب المساعدة من عائلة ويل، لكنها رفعت كتفيها بلا اكتراث.
“سأتواصل مع عائلة ويل. إذا أرسلنا رسالة عاجلة، سيأتون اليوم بلا شك.”
وبعد أن نصحت ثيودور بالراحة، خرجت من الغرفة.
تنهدت بخفّة وهي تسير في الرواق، تفكّر.
بفضل دماء الذئب الأسود التي ورثها من أسلافهم، كان من الطبيعي أن يتحمّل ثيودور مصير الانطباع.
لكن حتى قبل أسبوع، لم تكن إيزابيل تقلق من قوة دماءه، لأنها نفسها عاشت حياة سعيدة بعد أن وضعت البصمة على زوجها روبين.
لكن ثيودور، بعد تجربته للبصمة غير الكاملة، رفض البحث عن منقذه بهذه القسوة.
لقد مرّت أسبوعًا منذ أن ارتفعت حرارته، وتحمل جسده القوي الألم، لكن استمرار الانطباع غير الكامل لفترة طويلة قد يكون…
“سيعرض حياته للخطر.”
دخل روبين، زوجها، إلى مجال رؤيتها، ويبدو أنّه جاء للاطمئنان على ثيودور.
“كيف حال ثيودور، إيزابيل؟”
أجابت وهي تحني وجهها:
“أظن أننا أخطأنا في التفكير. إرادة ثيودور قوية على رفض إكمال البصمة.”
“…أمر خطير. سيكون من الأسهل إيجاده لو عرفنا أيّ شيء عن ملامح منقذه.”
مسحت إيزابيل وجهها الجاف وكأنها تغسل وجهها، ثم تحدثت بصوت مرتجف:
“روبين. ربما أحمّلنا ثيودور ثقلًا كبيرًا جدًا.”
“لكن، أنت تعلمين يا إيزابيل، لو كانت البصمة كاملًا، لما كان ثيودور قادرًا على الرفض حتى.”
“صحيح… لكن كما قال، البصمة تتحكّم بالمشاعر.”
أمسك روبين بكتفها وهمس بهدوء:
“تذكّري. هل ستتركين ثيودور يموت هكذا؟ يجب إكمال البصمة بأي ثمن.”
“…”
لم تستطيع إيزابيل النطق، فالمسألة حياة ابنها وليست مجرد اختيار.
طرقٌ على الباب.
“ثيودور. أنا هنا.”
ردّ ثيودور وهو يضغط على رأسه المتألم:
“ادخل.”
دخل سوراديل الغرفة. لم يكن مرحّبًا به تمامًا، لكن لم يكن مفاجئًا وجوده.
توقّف ثيودور عن التفكير فجأة، وجلَس على السرير بسرعة، وكأنّه لم يكن مريضًا.
“أنت….”
تشوّه وجه ثيودور وهو يحدّق بسوراديل.
رغم أنّه قد يغضب، بدا سوراديل مبتسمًا كما لو أنّ الموقف ممتع له واقترب.
“لماذا تعقد وجهك فور رؤيتي؟ جئت بطلبكم، ألا تشعر بالامتنان؟”
لكن مع اقترابه، ازداد عبوس ثيودور.
“…هل رشّشت عطرًا؟”
هزّ سوراديل كتفيه بخفة:
“لا أستخدم العطر. قد تكرهه أديليا.”
“أديليا… يبدو أنّك لا زلت تبحث عن البطريق المفقود.”
“بالطبع. أديليا هي سبب وجودي.”
أجاب دون تردد، فحدّق ثيودور بعينيه الضيّقتين.
لطالما لم يفهم كيف يمكن لشخص مثل سوراديل أن يهتم بطيور تافهة كهذه، فكيف إذا لم يكن يربّيها بنفسه مثل اللورد رينوس؟
تساءل ثيودور عن نية سوراديل.
هل يحب البطريق بصدق؟ أم أنّه مجرد تمثيل لإرضاء لورد برج السحر؟
“ماذا ستفعل إذا لم تجده حتى النهاية؟”
“هذا لن يحدث.”
ابتسامة سوراديل لم تُظهر أي قلق، فأيقن ثيودور أنّ اهتمامه بالبطريق مجرد تظاهر.
“إذا افترضنا أنّ البطريق الذي تحبه مات… ماذا ستفعل؟”
“…موت أديليا.”
ابتسم سوراديل ببطء حتى جمد وجهه.
“أتعلم، ثيودور؟”
أومأ ثيودور وكأنه يريد أن يعرف.
“المفارقة أن سبب الحياة قد يتحول في النهاية إلى سبب للموت.”
في عيني سوراديل، برزت لمحة من الجنون.
رأى ثيودور ذلك، وفهم أنّه جاد.
رؤية عينيه المليئتين بالجنون أثارت في أعماق ثيودور شعورًا غريزيًا لا يمكن مقاومته من الخوف.
فخامة المفترس تختفي تدريجيًا مع مرور الوقت، لكن سوراديل مختلف.
بعد قرابة عشرين عامًا من لقائه الأول، ما زال يقشعر عند رؤيته، وهو شعور غير مريح للغاية بالنسبة لثيودور، الذي اعتاد على كونه واحدًا من أعلى المفترسين.
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 37"