1. مُبرّرات الطلاق المشروعة (١)
حسم الكونت جورج سالت أمره واستجمع شجاعته أخيرًا.
“لديّ شيءٌ لأخبركِ به، هنريتا.”
قرّر أن يرسل زوجته، الكونتيسة هنريتا سالت، إلى الإمبراطور.
“جلالته يريدكِ.”
“… ماذا؟”
في الواقع، كان قلبه قد مال لهذا المقترح منذ لحظة سماعه به.
وإلّا كيف لوضيعٍ مثله من نبلاء الأرياف أن يُعيَّن في منصب وكيل وزارة المالية، وهو منصبٌ رئيسيٌّ ومهمٌّ في إدراة الإمبراطورية؟
لذا، كان قراره اليوم هو ‘إخبار زوجته بخطّته’.
“أتعلمين؟ إن أراد نبلاء الأرياف مثلنا أن ننجو في العاصمة، علينا أن نُثبِت قدراتنا باستمرارٍ لجلالته. ومن هذه الناحية، ستكونين أنتِ نقطة قوّتنا الكبرى. فأنتِ، بغض النظر عن أيّ شيءٍ آخر، فاتنةٌ بلا مُنازع.”
بذل قُصارى جهده لإقناع زوجته.
ولم ينسَ أن يخلط كلامه ببعض الإطراء المناسب.
هل هناك امرأةٌ في العالم لا تحبّ أن توصف بالفاتنة؟
بمعنًى ما، لم يكن ذلك حتى إطراءً.
كون زوجته فاتنةً بلا منازع كان حقيقة.
شعرٌ كستنائيٌّ كثيفٌ مائلٌ إلى الاحمرار، وعينان زرقاوان صافيتان.
وبشرتها الصافية الخالية من العيوب، مع أوعيتها الدموية الظاهرة دون الحاجة حتى لذِكرها.
كانت عيناها الواسعتان ووجهها البيضاوي نحيل يستحقّان بأن يُوصفا بالجمال الشاب، وأنفٌ مستقيمٌ رفيعٌ يُضفي عليها جوًّا من الذكاء والوقار.
من اليسار، تبدو فتاةً صغيرةً بريئة، ومن الأمام، تبدو امرأةً ناضجةً وذكية، ومن اليمين، تبدو امرأةً رقيقةً وناعمة.
حتى أكثر تماثيل الجمال إبداعاً، التي نحتها أعظم نحّاتي التاريخ البشري، كانت لتنحني أمام جمال هنريتا.
لقد كانت مثالية.
لو لم تكن بهذا الجمال، لما تزوّج من امرأةٍ من عائلةٍ فاسدة.
“تعلمين أن جلالته يحب النساء الجميلات. إنه شخصيةٌ نبيلةٌ سامية، لن ينظر حتى لأيّ امرأةٍ إن لم تكن من النبلاء. علاوةً على ذلك، لم تعودي عذراء بعد الآن، ومع ذلك، فقد اختاركِ تحديدًا؟ إن بذلتِ جهدًا، يمكننا أن نصبح نبلاء حقيقيين.”
على الأرجح، كان ‘الجهد’ الذي يتحدث عنه الكونت سالت يقصد به الجهد في الفراش.
بدا أن محاولات زوجها المُلِحّ والمليء بالحجج قد انتهى.
عقدت هنريتا ذراعيها وهي تهزّ رأسها.
“كنتُ أعتقد أنه من الغريب أن يترقّى شخصٌ غير كفءٍ مثلكَ بهذه السرعة … الآن عرفت السبب.”
انعكس احتقارٌ لا يمكن إخفاؤه في عيني هنريتا.
لكنها لم تكن خائبة الأمل من زوجها.
خيبة الأمل في جوهرها شعورٌ تعويضيٌّ يتبع التوقعات.
لقد عرفت منذ البداية أنه شخصٌ كهذا.
انتهازيٌّ سطحي، خائن، ضعيف الإرداة ووقح.
لو لم تسقط عائلتها، ولو لم تتزوّج منه كما تُباع البضاعة بسبب عمّها، لما كان عليها أن تواجه إنسانًا مثل هذا.
“غير كفء؟ لا يوجد حدودٌ لما تقولينه لزوجكِ. أنا لم أترقَّ بسرعة، بل لأن جلالته أدركَ قدراتي —”
“لا تثرثر هُراءً. لن أجادل شخصًا مثلكَ منطقيًّا، لأنكَ لن تفهم ذلك. سأقول هذا مرّةً واحدةً فقط. أنا غير مهتمّةٍ بأن أصبح من نبلاء المركز، لذا إن كنتَ تريد ذلك حقًا، فلماذا لا تقدّم تفتح ساقيكَ أنتَ للإمبراطور؟”
“مـ مـ ماذا؟ هـ هذه وقاحة!”
غطّى الكونت سالت فمه ووجهه محمرّ.
شخرت هنريتا ساخرة.
“ألا يعد إرسال زوجتكَ كعشيقةٍ لرجلٍ ذي سلطةٍ وقاحة؟”
“… اصمتي، هنريتا. ليس لديكٓ خيار. حتى لو كرهتِ ذلك، يجب أن تصبحي عشيقةً للإمبراطور. سأربط أطرافكِ الأربعة وألفُّكِ عاريةً في سجادةٍ وأُرسِلُكِ لجلالته إن تطلّب الأمر ذلك.”
عرفت هنريتا أن زوجها شخصٌ سيفعل ذلك حقًا، بل وأكثر.
وصحيحٌ أنه لم يكن هناك خيارٌ لديها.
لم يكن لديها مكانٌ تهرب إليه.
عائلتها كانت قد انهارت منذ زمن، وعمّها الذي تبنّاها وهي ابنة أخٍ فقيرةٍ وتظاهر برعايتها ليزوّجها في النهاية لمثل هذا الحقير، لن يستقبلها مرّةً أخرى.
لا، لو أخبرته بما قاله الكون سالت للتوّ، فسيوافق على الأمر بالتأكيد ويرسلُها بنفسه للإمبراطور.
حتى لو قرّرت مغادرة المنزل دون خطّة، فإن تصريح السفر يحمل اسمها ولقبها بوضوح.
هنريتا سالت، الكونتيسة سالت.
رغم انهيار عائلتها، إلّا أنها، التي عاشت حياتها كلّها كنبيلة، لم تكن تملك القدرة أو المعارف لصنع تصريح سفرٍ مزيّف.
وحتى لو استطاعت تزوير تصريح سفر، فمع كون الإمبراطور نفسه يرغب بها، كان من المشكوك فيه أن تنجو.
في النهاية، قرّرت أن تتحرّر من براثن زوجها والإمبراطور بأكثر الطرق شرعية، دون أن يلحقها أيّ عيب.
كما عقد زوجها العزم على إبلاغها بقراره، عقدت هنريتا العزم على إبلاغه بقرارها.
“لنتطلّق.”
كانت هذه الطريقة الوحيدة المتبقّية لها.
سخر الكونت سالت من خيار هنريتا.
“ليس لديكِ سببٌ مشروعٌ للطلاق. هل ستخبرين المحكمة أنكِ أُجبرتِ على أن تصبحي عشيقة للإمبراطور؟”
بالطبع لن تستطيع قول ذلك.
كان فجور الإمبراطور غير الشرعي، رغم معرفة الجميع به، حقيقةّ يجب أن يتظاهر الجميع بعدم معرفتها.
“هل ضربتُكِ مثلًا؟ لم أوفّر لكِ نفقات المعيشة؟ هل بدّدتُ الثروة معرّضًا معيشة العائلة للخطر؟ أم ربما، هل خُنتُكِ؟”
“….”
“يبدو أنكِ نسيتِ، لقد تزوّجنا ببركة الكاهن. فذ ذلك الوقت، منحكِ الكاهن بركته بأنكِ ستجدين السعادة المُطلَقة. سعادة. مُطْلَقَة. أتظنين أن امرأةً تحصل على بركةٍ كهذه أمرٌ شائع؟ كان هذا ممكنًا فقط لأنكِ تزوّجتِني. أنا الزوج المثالي.”
نفخ الزوج صدره مثل ضفدعٍ في موسم التكاثر.
في الحقيقة، لم يكن كلامه خاطئًا.
كان الكونت سالت، من الناحية الظاهرية، زوجًا مثاليًّا.
وقد حصل مؤخرًا على ترقيةٍ سريعة، لذا لم يكن ينقصه شيءٌ من الناحية الاجتماعية.
حتى لو كانت وراء تلك الترقية صفقةٌ مشبوهةٌ تتمثّل في إرسال زوجته لتكون عشيقة الإمبراطور.
“صحيح. أنتَ تبدو مثاليًّا.”
لذلك قرّرت هنريتا أن تخلق سببًا مشروعًا للطلاق.
“لكنني لستُ كذلك.”
بضرب زوجها.
دوي!
“آغغه!”
ركلةٌ خلفيةٌ رائعةٌ هبطت مباشرةً على صدغ الكونت سالت.
تمايل الكونت سالت وقد خرج أنينٌ من حلقه.
لم يتمكّن من الدفاع عن نفسه إطلاقًا أمام الهجوم غير المتوقّع تمامًا.
“هاه …”
في اللحظة التي تلقّاها، اتّسعت حدقتا سالت.
لم تفوّت هنريتا تلك اللحظة.
“أنا—!”
ضرب!
“ااووخ!”
ضربةٌ في البطن.
“اليوم—!”
ضرب!
ضربةٌ في الفك.
“آووكك!”
“سأقتلكَ وأذهبُ إلى الجحيم!”
وأخيرًا، ضربةٌ في المنطقة بين قدميه.
“…!”
هذه المرّة، لم يستطع الكونت سالت حتى الصراخ.
أدارت هنريتا ظهرها للكونت الذي كان يرتجف وهو يمسك أخاه الصغير الثمين، وفتحت نافذة غرفة النوم.
ثم أخذت نفسًا عميقًا، وشدّت على بطنها، وصرخت بكلّ قوّتها.
“الكونتيسة هنريتا سالت تضرب زوجها!”
انطلق صوتها الصارخ، المنبعث من أعماق بطنها، وصدى في شارع ڤيرست، قلب العاصمة.
***
دوقية كراكوف، التي تبعد عن العاصمة حوالي أسبوعٍ بواسطة عربة البريد العادية. كان سيد تلك الأراضي، الدوق كالينين مارك كراكوف، شابًّا، وسيمًا، و … حسنًا، كان يموت من الملل.
كان كلّ ما حوله مملًّا للغاية.
الوجوه المُشرِقة ذاتها للفرسان الذين يراهم كلّ يوم؟
ممل.
النكات التافهة التي يطلقها هؤلاء الرجال؟
ممل.
الروتين اليومي للجنود الذين يتدرّبون على نفس التدريبات يوميًّا؟
ممل.
الوحوش التي تزحف تتوسّل الموت عندما يحين وقتها؟
ممل.
ألا توجد وحوشٌ غير مألوفة؟
باستثناء خروج الوحوش، مع أنه لا يجب استثناء هذه النقطة، كانت منطقته هادئةً بشكلٍ عامٍّ، وكان كالينين كفؤًا.
وهذه بالضبط كانت المشكلة.
لقد كان كفؤًا جدًّا لدرجة أنه كان يحلّ حتى أصعب المشكلات في لمح البصر.
كان عقل كالينين، الغارق في الملل، يبحث بلا توقّفٍ عن تحفيز.
وكما هو الحال دائمًا، ليس هناك ما يحفّز الأعصاب مثل النميمة.
“هل سمعتُم ذلك؟ يقال إن زوجة وكيل وزارة المالية تقدّمت بطلبٍ للطلاق.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات